الغبار والرياح
عبدالرحمن المقيبلي
1439/05/29 - 2018/02/15 23:11PM
عباد الله
حديثي معكم اليوم عن الرياح والغبار ..
فكما تعلمون أن بلادنا تعيش هذه الأيام موجة من الغبار , الذي ملأ الفضاء والهواء , وعم جميع الأرجاء
غُبارٌ يؤذي البَشَرَ وَيَشُلُّ حَرَكَتَهم
فتتعطل حركة السير, وتستنفر الجهات الأمنية , وترتفع نسبة الحوادث على الطرق , وتتعطل الرحلات الجوية وتمتلىئ المستشفيات بالمصابين بأمراض التنفس والربو , وتعلق الدراسة في المدارس والجامعات
فسبحان الله مدبر كل شيء , ومالك كل شيء
الكون كونه والملك ملكه والخلق خلقه ,, ونحن عبيدُه يصنع فينا ما يشاء ويعمل مايختار
سبحانه الكبير المتعال
وإن المؤمن ياعباد الله لما يرى هذا الغبار , وهذه الرياح , يقف عندها وقفَةَ اعتبارٍ وادِّكارٍ, وخوف ووجل ,,, لا وقفةَ حب استطلاع ومُتابعةٍ للأخبارِ والأحوالِ!
فقد تكون هذه الرياح ريح فيها عذاب الأليم
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم
إِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ،فَإِذَا أمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ , فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: (لَعَلَّهُ يَا عَائِشَةُ كَمَا قَالَ قَوْمُ عَادٍ: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) رواه مسلم.
وقد عذب الله عزوجل قوم عاد بالريح
وقوم عاد كانوا يسكنون في الأحقاف بين اليمن وعمان , وهم من العرب البائدة
وقد أعطاهم الله عزوجل قوة في الأبدان فكانوا أعظمَ أهل زمانهم خلقًا، وأطولَهم أبدانًا،وأشدَّهم بطشًا بل لم يخلُق اللهُ مثلَ قوتهم
)أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ *الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ) فأرسل الله إليهم نبيه هود عليه السلام , فدعاهم إلى التوحيد , وعبادة الله تعالى ,
فاستخفوا به وسخروا منه وقالوا (إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ۗ)
﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ ﴾ وصارحوه بالكفر , وقالوا له ﴿ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ ﴿ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ)
فأرسل الله عزوجل عليهم (رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)
واستمرت هذه الريح (سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا) ((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا))
((مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ))
وكانت هذه الريح تأتي للكافر فتحمله وترفعه عاليا ثم تضرب به الأرض على رأسة
((فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ )
قال ابن سعدي رحمه الله : كأن جثثهم بعد هلاكهم مثل جذوع النخل الخاوي الذي أصابته
الريح فسقط على الأرض، فما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره"
فلنتعظ أيها المؤمنون من هذه الريح , ومن هذا الغبار , ومن تغير هذه الأجواء
فينبغي علينا ... إذا رأينا هذه الرياح وإذا شاهدنا هذا الغبار
نتذكر قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ
*تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ *}
ففي يوم القيامة إما أن نكون من أصحاب اليمين أصحاب الوجوه المسفرة المنيرة , أو نكون
والعياذ بالله من أصحاب الشمال أصحاب الوجوه التي عليها غبرة سوداء مظلمة
فنتعظ من هذا الغبار بأن نبادر إلى طاعة الله تعالى والتوبة من كل ذنب
نتذكر أيها المؤمنون عندما نرى هذا الغبار وهذا التراب الذي يدخل الأنف والجسد
بأنه سوف يأتي يوم ندفن فيه في التراب وفي هذا الغبار . فياترى ماذا قدمنا ؟ وماذا أعددنا لذلك اليوم
وقد كان الخليفة عمر بن عبدالعزيز يوما في جنازة في يوم شديد الحر كثير الغبار ,
وقد رأى قوما قد تلثموا من الغبار وذهبوا يستظلون في الظل
فأنشد رحمه الله قائلا
من كان حين تصيبُ الشمسُ جبهتَه * أو الغبارُ يخافُ الشَينَ والشَعَثا
ويألفُ الظـــلَّ كي تبقى بشاشَتُهُ *** فسوفَ يسكنُ يومـًا راغمًا جدثًا في ظــــل مَقْفَرَةٍ غبراءَ مظلمةٍ *** يُطيلُ تحت الثرى في جوفها اللبثـا تجهـزي بجَهَــازٍ تبلُغيـن بــه *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثـا
فالله الله بالتوبة ياعباد الله والبدار البدار
وحري بنا أن تستيقظ نفوسنا من غفلتها وأن تلين قلوبنا من قسوتها حري بنا أن نعود إلى ربنا وأن نتوب من خطايانا وأن نصحح مسارنا , فنصلي في مساجدنا , ونصل أرحامنا , ونطيع والدينا , حتى نفوز برضى خالقنا
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِهِ، والشكرُ له على توفيقهِ وامتِنانِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
عباد الله
هناك بعض الآداب والأحكام المهمة التي ينبغي للمسلم معرفتها وإدراكها عند هبوب هذه الرياح والعواصف
أولا : إذا عصفت الريح سُنّ للمسلم أن يقول ما حدثت به عَائِشَةُ رضي الله عنها أنها قالت:
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا فِيهَا، وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ. وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا، وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ)
ثانيا ...........لا يجوز سب الريح
لحديث أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :«لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ»
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه
وسلم، فلعنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه) رواه أبو داود.
ثالثا ... وأخيرا ...... من أسبابِ مَنعِ العَذَابِ والرِّياحِ والغُبارِ,,,, التَّوبةُ والاستغفارُ
فاللهُ تعالى يقولُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
نسأل الله عزوجل أن يجعلنا واياكم من التائبين المستغفرين , ومن الذين إذا وعظوا اتعضوا , وإذا أذنبوا استغفروا , إنه سميع مجيب الدعاء