العين حق-3-7-1438ه-سامي الحمود-شبكة ملتقى الخطباء-بتصرف

محمد بن سامر
1438/07/03 - 2017/03/31 05:18AM
[align=justify]
أما بعدُ: فهذا أمرٌ اشتكى منه كثيرٌ من الناس في هذا الزمان، وانتشر انتشارا واسعا، فعكر على الناس صفوَ حياتِهم، وأصابهم القلقُ والهمُ، لَمَّا رأوه قد ألحق الضرر بأنفسهم وأهلهم، فكم من نفس مرضت أو هلكت بسببه، إنه الإصابةُ بالعينِ، لقد أصبح ذلك شغلا شاغلا للناس، كثر الحديث عنه، والخوف منه، فكم حرم-بإذن الله وقدره-بسببه ناسٌ من الأُنسِ بأولادِهم، أو من التمتعِ بأموالهم ومراكبهم، قالَ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "العينُ حقٌ توردُ الرجلَ القبرَ، والجملَ القدرَ، وإنَّ أكثرَ هلاكِ أمتي في العينِ".
فالإصابة بالعين أمر ثابت وموجود، لا ينكره إلا مكابر أو معاند أو جاهل، وقدْ وقع في زمن النبيِ-صلى الله عليه وآله وسلم-، فعن سهل بن حنيف-رضي الله عنه يحكيها عما وقعَ له-: "أن النبيَّ-صلى الله عليه وآله وسلم-خرج وساروا معه نحو ماء، حتى إذا كانوا بشعبٍ، اغتسل سهلُ بنُ حُنيف، وكان أبيضَ، حسنَ الجسمِ والجلدِ، فنظرَ إليه عامرُ بنُ ربيعةٍ، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلدَ مخبأةٍ عذراءَ،-يعني أن جلدَه أجملُ من جلدِ المرأةِ-فلُبِطَ سهلٌ-صُرع أو مَرض-فأتى رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وآله وسلم-فقال: "هل تتهمون به من أحدٍ"، قالوا: عامرَ بنَ ربيعةَ، فدعا عامرًا، فتغيَّظ عليه-غضبَ عليه-، فقال: "علامَ يقتل أحدُكم أخاه، هلا إذا رأيتَ ما يعجبك بَرَّكتَ-دعوتَ بالبركةِ-؟ ثم قال: اغتسلْ له، توضأْ له"، فغسل وجهَه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطرافَ رجليه وداخلةَ إزارِه في قدح-إناءٍ-، ثم يَصبُ ذلك الماءَ عليه رجلٌ من خلفه على رأسِهِ وظهرِه، ثم يُكفأُ القدحُ، ففُعِلَ به ذلك، فراح سهلٌ مع الناسِ ليس به بأسٌ.
وقد كثر الضررُ والإصابة بالعين في هذا الزمان، لضعف الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخرِ، وقلةِ العلم، وكثرةِ الجهل، وانصرافِ كثيرِ من الناسِ إلى الدنيا، وإعراضِهم عن الآخرةِ، وتماديهم وتفاخرهِم بالمُتعِ والملذاتِ أمامَ المحرومينَ منها، وغفلتهِم عن ذكرِ الله-عز وجل-إذا رأوا ما يعجبهم من الدنيا، فامتلأتِ القلوبُ حقدا وبغضا، وكرها وحسدا، وأصابَ بعضُهم بعضًا بعينِه في نفسِه أو ولدِه أو مالِه.
والإصابةُ بالعينِ أمرٌ محرمٌ ليس من صفاتِ المتقين، ولا من أخلاق الصالحين، يدل على دناءةِ العائنِ وخستِه، وقبحِ باطنه، وعدمِ قناعتِه بما قسم اللهُ له ولأخيه من الرزقِ، إذ كيف يَعينُ أخاه المسلمَ على شيء أعطاه الله إياه فضلا منه وتكرما، وهل هذا منه إلا اعتراض على اللهِ-جل وعلا-في عطائه وفضله، وقضائِه وقدرِه، ألا سأل اللهَ-عز وجل-أن يعطيَه مثل ما أعطاه، ألا يجدر به أن يهتديَ بهديِ النبيِّ-صلى الله عليه وآله وسلم-، ويأخذَ بإرشادِه، وهو أنه إذا رأى ما يعجبُه في أخيه من جمالِ خَلق أو خُلق، أو سعةِ في رزقٍ، أو كثرةٍ في ولدٍ، أن يدعوَ له بالبركة في نفسِه وماله وولده، ويردَ ذلك إلى مشيئةِ اللهِ وقوتِه-عز وجل-فيقول: إذا رأى ما يعجبه: ما شاءَ اللهُ، لا قوةَ إلا باللهِ، قال الله-تعالى-في سورةِ الكهفِ في قصةِ الرجلين: صاحبِ الجنتينِ وصاحبِه الذي قالَ له: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ: مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا)، وقالَ-صلى الله عليه وآله وسلم-: "من رأى شيئًا فأعجبه، فقال: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، لم يضره".
فمن ابتلي من الناس بهذا البلاء، وهو إصابةُ الناسِ بالعين، فيجب عليه أمورٌ:
1- الإكثارُ من ذكرِ الله-عز وجل-والدعاءِ بالبركةِ: اللهم باركْ له، ومن قول: ما شاءَ اللهُ، لا قوةَ إلا باللهِ، حتى لا يضر ولا يؤذي.
2- إذا أصابه بعينه أن يخبرَه بأنه هو الذي عانَه، ويغسلَ عورتَه أو ما حولَها في إناءٍ، ثم يتوضأَ فيه، ثم يصبَه على رأسهِ وظهرِه من خلفِه، ولا حياءَ في ذلك؛ لأن بعضَ العائنينَ، يعلمون أن الذي بأخيهم هو منهم، ويستمرون على ذلك، ولا يخبرونه، ظلمًا وعُدوانًا وقسوةَ قلبٍ، أو حياءً وخجلًا، فيبقى المعان يتألم ويتعذب، فلا يرحمونه، ولا يعطفون عليه، وكيف تنامُ عينُه، ويطمئنُ قلبُه، وهو يرى أخاه مصابًا في بدنه أو ماله أو أهله، ذاهبًا إلى المستشفيات، أو إلى القراء يرجو من الله الشفاء، وهو يعلم أنَّ ما في أخيه من إصابة بسببه فلا ينقذه، ولا يعينه، ولا يريحه.
فالواجبُ أن نبتعدَ عن هذا العملِ المحرمِ.
نسأل الله لنا وللمسلمين من كل خيرٍ، ونعوذُ ونعيذهم به من كل شرٍ، أستغفر ُ الله لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
أما بعدُ: فإنَّ مما كثَّرَ الإصابةَ بالعين في هذا الزمان، هو أن كثيرا من الناس لا يتحصنون بما يحميهم-بإذن الله-من العين، وأنفعُ ما يتحصن به المؤمنُ من العين وأقواهُ: الإيمانُ بالله، والقيامُ بالواجباتِ، وتركُ المحرماتِ، والاستعاذة به من شر الأشرار: بقراءة آية الكرسي، وآخرِ آيتين من سورة البقرة، وقراءةِ سورِ الإخلاصِ والفلقِ والناسِ، وأدعيةِ دخولِ المنزلِ والخروجِ منه، والتسميةِ عند الأكلِ والشربِ والجماعِ وغيرِها، وقولِ: ما شاءَ اللهُ لا قوةَ إلا باللهِ إذا رأى ما يعجبهُ في نفسهِ أو غيرِه، وسائرُ الأذكارِ والأدعيةِ سببٌ عظيمٌ-بإذن الله-من أسبابِ الحفظِ من الشرور قبل وقوعها، ومن ذلك العين.
[/align]
المشاهدات 1050 | التعليقات 0