العين حق ( الجزء الثاني ) 22 شوال 1436 هـ

مبارك العشوان
1436/10/20 - 2015/08/05 18:23PM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: حديثُ هذهِ الخطبةِ إتمامٌ لما قبلها، عن العين وكيف يُتقى شرُّها، وما علاجُها إنْ أصابت، وما ذا أحدث الناسُ من الأخطاءِ فيها.
أخي المسلم: لقد جاءت السنة ببيانِ ما يُتقى به شرُّ العين قبل وقوعها.
فمن ذلك: التحصن ضدَّها، قال ابن القيم رحمه الله عن العين: وهي سهامٌ تخرجُ من نفسِ الحاسدِ والعائن نحوَ المحسود والمَعِين؛ تُصيبُه تارةً وتُخطئه تارة، فإن صادفْته مكشوفاً لا وِقاية عليه، أثَّرتْ فيه ولا بُدَّ، وإن صادفته حَذِراً شاكىَ السِّلاح لا منفذ فيهِ للسهام لم تُؤثر فيه... الخ.
والتحصن رحمكم الله؛ يكون بما شرع الله، ومنه: المحافظةُ على أذكارِ الصباح والمساء، وقراءةُ آيةِ الكرسي: { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } البقرة 255 دبرَ كلِّ صلاة، وإذا أوى إلى فراشه فإنه: ( لا يَزَال عَلَيْه مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ وَلَا يَقْرَبه شَيْطَانٌ حَتَّى يصْبِحَ ) رواه البخاري. ومنه قراءة الآيتين من آخر سورة البقرة: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ... } إلى آخر السورة ( مَن قَرَأَهما في لَيلَةٍ كَفَتَاهُ ) رواه البخاري ومسلم. ومن ذلك قراءة المعوذات: ( فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا ) أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
ومن ذلك الاستعاذة بالله من العين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( استَعِيذُوا بِاللهِ مِنَ العَينِ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ ) أخرجه ابن ماجة وصححه الألباني ومن ذلك: ( أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ مِن شرِّ ما خَلق ) رواه مسلم.
وكما يحصن المسلم نفسه فإنه يحصن أولاده، ففي البخــــاري: ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: ( إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ ).
عباد الله: ومما يُحترزُ به من العين، ويُُتقى شرُّها: سَترُ محاسن مَن يُخاف عليه العَيْن، بما يردُّها عنه، قال تعالى عن يعقوبَ عليه السلام؛ حينَ خافَ على أبنائه من العين: ( يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلــُونَ ) يوسف 67 وذكر البغوي رحمه الله في شرح السنة أن عثمان رضي الله عنه رأى صبيا مليحا فقال: ( دسموا نونته كيلا تصيبه العين ) أي سودوها، والنونة: هي النقرة تكون في ذقن الصبي.
ومن أعظم ما تتقى به الشرور ـ العين وغيرها ـ : تقوى الله عز وجل؛ قال تعالى: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } آل عمران120 وحفظُ حدودِ الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، سببٌ لحفظِ الله تعالى؛ كما في الحديث: ( احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ) . رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومما تُتقى به العين وغيرُها من الشرور: قوةُ التوكلِ على الله وصدقُ الاعتماد عليه، قال تعالى: { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } الطلاق 3 أي: كافيه. ـ كفانا الله وإياكم شر كلِّ ذي شر ـ
عباد الله: أما إذا وقعت العين وأصابت فلها علاجان جاءت السنة ببيانهما: الأول أن يُعرفَ العائنُ، فيؤمرُ بالاغتسال، كما في حديث عامر بن ربيعة، وفيه: ( أَلَّا بَرَّكْتَ؟! اغْتَسِلْ لَهُ، فَغَسَلَ عَامِرٌ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهِ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النّـاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ) صححه الألباني. وليس للعائن أن يرفُض الاغتسال متى طُلب منه ففي الحديث: ( وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ) رواه مسلم.
فاتق الله أخي المسلم فلربما وقعت منك العين وإن لم تُرِدها، بل ربما أصبتَ أقربَ الناس إليك من والد وولد وزوج وصديق ولربما أصبت مالَك، فإذا وقع منك ذلك، فبادر بالاغتسال.
العلاج الثاني: إن لم يُعرفِ العائن، أو عُرف وامتنع عن الاغتسال فالعلاج هنا بالرقية الشرعية من الكتاب والسنة، كما في الحديث: ( لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ ) أخرجه البخاري ومسلم. وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ( دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَبِيٍّ يَبْكِي فَقَالَ مَا لِصَبِيِّكُمْ هَذَا يَبْكِي فَهَلَّا اسْتَرْقَيْتُمْ لَهُ مِنْ الْعَيْنِ ) أخرجه الإمام أحمد وحسنه الألباني.
والرقية عباد الله تكون باللغة العربية المفهومة، وبالآيات والأحاديث الصحيحة، وبأسماء الله وصفاته، ومنها: رقية جبريلَ عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: ( بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ اللَّهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ ) . رواه مسلم.
كفاني الله وإياكم شر الأشرار وبارك الله لي ولكم ...








الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فإن هناك أخطاءً تتعلق بالعين، منها: تعليقُ التمائم في أعناقِ الصبيان أو في السيارات أو البيوت أوغيرها وهذا لا يجوز، حتى ولو كانت من الآياتِ القرآنيَّة والأدعية النبويَّة لعموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: باب مِن الشِّـــرك لُبـــسُ الحَلقــةِ والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعهِ ثم أورد فيه الأدلة على ذلك.
ومن الأخطاء: ما يُلَبِّسُ به بعض القُراءِ على المرضى مِنْ تَخَيُّلِ الحاسد أثناء القراءة عليه، قال علماء اللجنة الدائمة: تخيل المريض للعائن أثناء القراءة عليه، وأمر القارئ له بذلك: هو عملٌ شيطاني لا يجوز، لأنه استعانة بالشياطين فهي التي تتخيل له في صورة الإنسي الذي أصابه، وهذا عمل محرم؛ لأنه استعانة بالشياطين؛ ولأنه يسبِّب العداوة بين الناس، ويسبب نشرَ الخوفِ والرُّعبِ بين الناس، فيدخل في قوله تعالى: ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً ) الجن 6 .
ومما يتعلق بالعين من الأخطاء: الأخذ من فضلات العائن النجسة كالبول وغيره، وهذا لا يجوز؛ قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره، ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم. أ هـ.
ومن الأخطاءِ المتعلقةِ بالعين: ما اشتُهر عند البعض أنَّ صلاة الجنازة على العائنِ وهو نائمٌ تُذهب حَسَدَهُ وعينهُ، وقد سُئِل عن هذا الشيخ عبدالله بن جبرين رحمه الله فأجاب: ( أن هذا لا يجوز ).
ألا فاحرصوا رحمكم الله على دينكم، احرصوا على الاتباع لا الابتداع ، ثم صلوا وسلموا ...
المشاهدات 2470 | التعليقات 1

جزاك الله كل خير