العَيْنُ حَقٌّ ( الجُزْءُ الأَوَّلُ )
مبارك العشوان 1
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
عِبَادَ اللهِ: رَوَى الإِمَامُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا ).
وَقَانَا اللهُ وَإيَّاكُمْ شَرَّ العَيْنِ وَشَرَّ أَهْلِهَا.
العَيْنُ حَقٌّ، وَلَهَا بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى أَثَرٌ فِي المَعِيْنِ.
وَمِنَ الخَطَأِ: الإِفْرَاطُ فِيْهَا، وَنِسْبَةُ كُلِّ شَيءٍ إِلَيْهَا.
حَتَّى وَصَلَ الأَمْرُ بِبَعْضِهِمْ إِلَى الوَسْوَسَةِ، وَمُطَارَدَةِ الأَوْهَامِ لَهُ، وَإِحَاطَةِ القَلَقِ بِهِ، وَضَعْفِ يَقِيْنِهِ بَرَبِّهِ وَتَوَكُّلِهِ عَلَيهِ، فَيْمَرَضُ وَمَا بِهِ مَرَضٌ؛ خَوْفًا وَتَوَهُّمًا مِنَ العَيْنِ، يُخْفِقُ فِي عَمَلِهِ وَدِرَاسَتِهِ؛ وَيَقُولُ أُصِبْتُ بِعَيْنٍ، يَخْسَرُ فِي تِجَارَتِهِ؛ وَيَقُولُ أُصِبْتُ بِعَيْنٍ، يَتَشَاجَرُ الزَّوْجَانِ وَيَقُوْلَانِ أَصَابَتْنَا العَيْنُ، وَهَكَذَا؛ كُلَّمَا أُصِيْبَ بِشَيءٍ نَسَبَهُ لِلْعَيْنِ.
وَكَذَلِكَ - عِبَادَ اللهِ - لَا يَجُوزُ إِنْكَارُ العَيْنِ، وَلَا يَنْبَغِي التَّفْرِيْطُ فِي أَمْرِهَا؛ فَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى وَفِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الوَاقِعِ مَا يُفِيْدُ الجَزْمَ بِثُبُوتِ العَيْنِ، وَبِوُقُوعِ أَثَرِهَا؛ قَالَ تَعَالَى: { وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ }القلم 51 قَالَ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَفِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ العَيْنَ إِصَابَتُهَا وَتَأْثِيْرُهَا حَقٌ، بِأَمْرِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الأَحَادِيْثُ المَرْوِيَّةُ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَثِيْرَةٍ...الخ.
وَالحَقُّ المُتَعِيِّنُ - رَحِمَكُمُ اللهُ - هُوَ التَّوَسُّطُ فِي ذَلِكَ: نُؤْمِنُ بِالعَيْنِ وَنُصَدِّقُ بِآثَارِهَا نَقْلًا وَعَقْلًا، وَلَا نُغَالِي فَنَنْسِبَ كُلَّ شَيءٍ إِلَيْهَا.
نَؤْمِنُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ، وَلَا تَحُلُّ مُصِيبَةٌ إِلَّا قَدْ كَتَبَهَا اللهُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَالله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْــتَالٍ فَخُـورٍ } الحديد 22 ـ 23
نُؤْمِنُ أَنَّ مَا أَصَابَنَا لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَنَا وَمَا أَخْطَأَنا لَمْ يَكُنْ لِيُصِيْبَنَا، فَلَا رَادَّ لِأَمْرٍ قَدَّرَهُ اللهُ.
وَمَعَ هَذَا؛ عَلَيْنَا أَنْ نَتَّقِيَ العَيْنَ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَنَفْعَلَ السَّبَبَ لِلسَّلَامَةِ مِنْهَا بَعْدَ وُقُوعِهَا، كُلُّ ذَلِكَ فِي حُدُودِ مَا شَرَعَهُ اللهُ تَعَالَى، وَأَذِنَ بِهِ.
وَقَدْ جَاءَتِ الشَّرِيْعَةُ بِالبَيَانِ الوَاضِحِ لِمَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ لِلْعَائِنِ وَالمَعِينِ؛ جَاءَتْ بِبَيَانِ مَا تُتَّقَى بِهِ العَيْنُ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَبِالعِلَاجِ مِنْهَا بَعْدَهُ.
وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ لِكُلِّ خَيْرٍ وَحَفِظَنَا مِنْ كُلِّ شَرًّ.
وَبَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى مَا أَنْزَلَ دَاءً إِلَّا وَأَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ الكَرِيْمُ بِالدَّوَاءِ لِهَذَا الدَّاءِ، جَاءَ بِالدَّوَاءِ لِكُلٍّ مِنَ العَائِنِ وَالمَعِيْنِ. فَأمَّا العَائِنُ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ، وَيُعَالِجَ نَفْسَهُ لِيَسْلَمَ هُوَ، وَيَسْلَمُ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِ، عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ سَلِيْمَ القَلْبِ، رَاضِيًا بِمَا قَسَمَ اللهُ لَهُ، وَلْيَحْذَرْ مِنَ الحَسَدِ فَإِنَّهُ مَنْفَذٌ لِلْعَينِ، وَهُوَ صِفَةُ لِشِرَارِ الخَلْقِ.
فَيَا مَنْ عَرَفْتَ مِنْ نَفْسِكَ أَنَّكَ تُصِيْبُ بِعَيْنِكَ؛ كَمْ مَنَ الأَصِحَّاءِ أَصْبَحَ بِإِصَابَةٍ مِنْكَ طَرِيْحَ الفِرَاشِ، بَلْ وَبِإِصَابَةٍ مِنْكَ أَصْبَحَ قَتِيْلًا.
لِيَتَّقِّ اللهَ كَلُّ عَائِنٍ فِي كُلِّ ضَرَرٍ أَلْحَقَهُ بِمُسْلِمٍ؛ وَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ إِيْذَاءَ المُؤْمِنِينَ.
وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ وَتَغَيَّظَ عَلَى عَامِرِ بنِ رَبِيْعَةَ لَمَّا عَانَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَنْكَرَ عَلَيهِ.
وَلِهَذَا فَلْيُنْكَرَ عَلَى مَنْ يُصِيْبُ بِالعَيْنِ.
يُحَذَّرُ مِنْ هَذَا الفِعْلِ، وَيُخَوَّفُ بِاللهِ جَلَّ وَعَلَا، وَيُذَكَّرُ بِحُرْمَةِ إِيْذَاءِ عِبَادِهِ.
ثُمَّ لْيَعْلَمْ كُلُّ عَائِنٍ أَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا تَقِي النَّاسَ شَـــرَّهُ؛ فَمِنْهَا: مُلَازَمَتُهُ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى، وَالتَّبْرِيْكَ عَلَى مَا يُعْجِبُهُ.
وَمِنْهَا: أَنْ لَا يُكْثِرَ مُخَالَطَةَ النَّاسِ؛ مَتَى عَلِمَ مِنْ نَفْسِهُ أَنَّهُ سَيُصِيْبُهُمْ؛ قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: يَنْبَغِي إِذَا عُرفَ أَحَدٌ بِالإِصَابَةِ بِالعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ وَيُتَحَّرزَ مِنْهُ، وَيَنْبَغِي لِلإِمَامِ مَنْعُهُ مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ، وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيْرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ، فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالبَصَلِ الذِي مَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَ المَسْجِدِ لِئَلَا يُؤْذِى المُسْلِمِينَ، وَمِنْ ضَرَرِ المَجْذُومِ الذِي مَنَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَالعُلَمَاءُ بَعْدَهُ الِاخْتِلَاطَ بِالنَّاسِ.
نَسْأَلُ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُعِيْذَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ شَرِّ كُلِّ ِذْي شَرِّ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1630460206_العين حق الجزء الأول.pdf
1630460226_العين حق الجزء الأول.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق