العيد فرصة للتآخي و نبذ التفرقة

الشيخ محمّد الشّاذلي شلبي
1434/10/02 - 2013/08/09 09:40AM
[font="]الجمعة 01 شوّال 1434 – 08 أوت 2013 [/font][font="]
خطبة عيد الفطر المبارك[/font]

[font="]العيد فرصة للتآخي [/font][font="]و نبذ التفرقة[/font]
[font="]( الله أكبر تسعا )[/font]
[font="]الله أكبر ما أهلّ هلال العيد، يسبّح بحمده وهو الحميد المجيد.. الله أكبر ما أشرقت بأنوار الطّاعة القلوب و الجباه.. الله أكبر ما تعطّرت بنشر الذكر و الأفواه.. الله أكبر ما توجّه مؤمن إلى مولاه، بقلب مخلص و ضمير أوّاه، و كرّر في سرّه و نجواه.. الله أكبر.. الله أكبـــر ( ستّا ) [/font]
[font="]الله أكبر ما أمسك الصّائمون امتثالا.. الله أكبر ما توالت عليهم خيراته إرسالا.. الله أكبر ما تغلّبوا على نوازع النفس و وساوس الشيطان.. الله أكبر ما آثروا مرضاة الرحمان.. الله أكبر ما جرى الذكر عطرا في الروح و على اللسان، فسال نبع الحكمة الصافية و تفجّر.. [/font][font="]الله أكبر(خمسا) [/font][font="]الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة و أصيلا.. [/font]
[font="]الحمد لله الذي جعل العيد يوم جزاء و ثواب، يخلع فيه على العابدين حلل الرضاء، و يلبسهم فيه من إحسانه جميل الثياب، و يكرمهم فيه بأجر الكسب[/font][font="]،[/font][font="] و يغفر لهم فيه سيّئات الاكتساب.. نحمده تعالى على التوفيق لما أمرنا[/font][font="]به في نهار رمضان من ترك الطّعام و الشراب.. و نشكره عز و جل يسّر علينا قيام رمضان بصلاة التراويح و تلاوة الكتاب..[/font]
[font="]و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، شهادة من أخلص لله القول و العمل، و رُزق النشاط على العبادة، فطرد دواعي التخاذل و الكسل..[/font]
[font="]و نشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده و رسوله النبيّ المصطفى الأمين، الذي مكّن بجهاده هذا الدّين أفضل تمكين، فصلّى الله عليه و على آله و صحبه صلاة و سلاما دائمين إلى يوم الدّين.. اللهم ثبتنا على كلمة التوحيد دوما، و اجزنا عمّا قمنا به من صالح الأعمال صلاة و ذكرا و صدقة و صوما.. اللهم اجعل الشهادة خاتمة قولنا، في الدنيا الفانية، و عمدتنا للفوز بالحياة الباقية.. أمّا بعد: [/font][font="]هاهو يوم العيد فرصة ثمينة ومنحة غالية ليعود الفرقاء إلى رشدهم وتتصالح القلوب وتتصافي النفوس وتتسع الصدور ويتسامح المتصارمون ويرجع المتهاجرون وتتناسى الأحقاد ويتجاوز عن الهنات وتقال العثرات.. [/font]
[font="]هذا يوم العيد فرصة ليكون يوما لتقوية الروابط الأخوية بين المسلمين نكاية في الأعداء وإغاظة للشيطان، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي " ... عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنْ الاثْنَيْنِ أَبْعَدُ مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ "..[/font]
[font="]وهاهو الرسول صلى الله عليه وسلم يدلنا على فضل الاجتماع بين المسلمين، فقال: " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ".[/font][font="]( رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن البراء )[/font][font="]..[/font]
[font="]وتأمل في هذه الصورة العجيبة من اجتماع الصحابة، قَالَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ: كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْزِلاً تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ ". فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلاً إِلاَّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يُقَالَ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ ". [/font][font="]( رواه أبو داود وأحمد )[/font][font="]..[/font]
[font="]فإذا كان تفرقهم في الشعاب والأودية في السفر تفرقا شكليا وليس حقيقيا معنويا، وقد يكون له ما يسوغه من حاجات المسافرين للترويح عن النفس وقضاء حوائجهم، ومع ذلك نهاهم عنه فكيف بالتفرق الحقيقي المؤدي إلى الهجران والتباغض والاقتتال.. [/font]
[font="]إنني أنادي في أولئك الذين يفرقون كلمة المسلمين بشتى وسائل التفريق ويزرعون الأحقاد والضغائن في أوساطهم بذرائع متعددة، وأساليب مختلفة أن يتقوا الله في هذه الأمة التي جعلها الله أمّة واحدة وجسدا واحدا كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضا قَالَ صلى الله عليه وسلم: " لاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ ". [/font][font="]( رواه البخاري ومسلم )[/font][font="].. [/font]
[font="]وأعداء تونس و أعداء وحدتنا الوطنية يَسُرّهم تفرّقنا بل ويسعون لتحقيق هذه الأمنية، فهم يذكون نار الفتن في مختلف ولايات البلاد ويشعلون لهيب الإرهاب في ديارنا ويستعملون بعض الأذناب والعملاء لشقّ الصفّ في ثغورنا الإسلامية حتى نادى أحدهم بلا حياء وبكل جرأة ووقاحة بتقسيم بلادنا تونس إلى دويلات صغيرة و ذلك بالدّعوة الصريحة إلى العصيان المدني، وهاهي دول الاستكبار العالمي اليوم تنادي بتقسيم جديد لخريطة العرب إلى حدود طائفية، بل وضعوا خارطة لبلاد العرب على أساس طائفي عرقي نشرت في وسائل الإعلام كما فعلوا سنوات ليست بالبعيدة في أرض العراق والهند والباكستان فقسموها إلى دويلات، ولهذا فإن أعداء الله يعملون على نشر الديانات الباطلة والمذاهب الفاسدة والتيارات الفكرية الساقطة في ديار المسلمين من نصرانية وعلمانية و لائكيه إباحية لكي يضغطوا بها على الدول لإقامة دويلات وأقليات دينية وفكرية باسم حرية التعبير، وأسسوا لهذا الغرض الهيئات الدولية باسم حقوق الأقليات وحماية كل فكرة ساقطة وطريقة هابطة.. [/font]
[font="]أيها الأحبة في الله يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند عن الزبير رضي الله عنه: " دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم الحسد والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم ".. [/font]
[font="]إنني أدعوكم أيها الأحبة في الله أن تكونوا صفا واحدا وجسدا واحدا وبيتا واحدا وأسرة واحدة وقلبا واحدا وتفطنوا لمخططات الأعداء والبرامج الشيطانية التي تبرمج عقولنا وأفكارنا وتربيها على الفرقة والبغضاء.. وكم يؤسفنا ويحزننا أن نرى مظاهر الفرقة حتى في شهر رمضان وفي عبادة الصيام وما زلنا للأسف نسمع تعليلات قديمة كانت سائغة في زمانها وفي وقتها وأن الاختلاف في الصيام كان لأجل تباعد الأقطار وصعوبة نقل الأخبار إذ قد يرى الهلال في بلد من بلاد المسلمين ولا يراه غيرهم لبعدهم وعدم وصول خبر من رآه من غير أهل بلدهم فيصبح هؤلاء صائمين وأولئك مفطرين، وقد كان اختلافهم في ذلك الزمان بحسب ظهور الهلال وعدمه، ولم يكن اختلاف تضاد وآراء ومصادمات وسياسات متعارضة وشحناء وبغضاء، لقد كان اختلافهم عن اجتهاد وبذل الوسع ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، أما اليوم فقد منَّ الله على الأمة الإسلامية بنعمة وسائل الاتصال المتطورة المتنوعة تكاد تجعل الناس وكأنهم في بيت واحد، و في مسجد واحد، و في مصلى واحد، و في مناظرة واحدة، و في معركة واحدة.. فلا مجال لهذه الفرقة.. و لا مجال لهذا التشكيك " إنّ الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفّا كأنّهم بنيان مرصوصٌ ". صدق الله العظيم[/font]
[font="]أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم.. [/font]
[font="]الثّانيـــة[/font]
[font="]الله أكبر ما تقرّب عبدٌ إلى ربّه بالفريضة و تحبّب إليه بالمندوب.. الله أكبر ما فرغ الصائم القائم من عبادته و قد غفرت له الذنوب.. الله أكبر ما ندم المقصّرون على ما فاتهم من الخير المطلوب، وما فيه مرغوب.. الله أكبـــر ( خمسا )..[/font]
[font="]الله أكبر ما أقيمت الصلاة و أكثر المؤمنون من ذكر الله و تذكّر أهل القرآن قول الحق تبارك وتعالى: " و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر ". الله أكبر(3)[/font]
[font="]الحمد لله الذي سهّل للعباد طريق العبادة و يسّرْ. و وفّاهم أجور أعمالهم من خزائن جوده التي لا تعدّ و لا تحصرْ. و جعل لهم يوم عيد يعود عليهم في كلّ سنة و يتكرّرْ. و ضاعف فيه مواهب الإنعام على العامينْ. الله أكبر ( ثلاثا )..[/font]
[font="]أحمده و أشكره جمّل العيد بالسرور و أوجب فطره و حرّم فيه الصيامْ. و أستغفره و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وسّع موائد الرضوان على من شرح صدره بالإسلامْ. و أشهد أنّ سيّدنا محمّدا عبده و رسوله سيّد الأنام و مصباح الظلامْ. الذي مكّن بجهاده هذا الدين خير تمكينْ. و قصّرت ألسنتنا عن وفاء حقّه من منّة البيان و التعليمْ. اللهم فصلّ و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه و عترته و حزبه. اللهم اجعل ما نطقنا بتكريمه لديك مقبولا، و هب لنا من نبيّك يوم القيامة قربا و وصولا.. الله أكبر ( ثلاثا )..[/font]
[font="]عباد الله، [/font][font="]في موقفكم هذا يتجلّى عليكم الرحمان بالفضل و الامتنان و الرحمة و الرضوانْ، و قد خرجتم من رمضان، وبرزتم إلى هذا المكان مستعدّين لعبادة الله في كل أوان، لا تشغلكم الأفراح و لا تبطركم النعمة فتحْملكم على التقصير في الطاعة أو الوقوع في المخالفة و العصيان، لبستُمُ الجديد فشكرتم الحميد المجيد، و تلذذتم بالطيّبات من الطعام و الشراب و النكاح فحمدتم الله بالغدوّ و الرواح، و طوبى لمن حمد الله و شكر، و دعى إلى الخير فشمّر، و أسرف على نفسه فتاب وندم و استغفر.. [/font]
[font="]و تنبّهوا يرحمكم الله إلى ما انتشر من عادات فاسدة، يمقتها الدين، و يزيّنها الشيطان الرجيم فاحذروها، و ذلك ما ألفناه من عادات التقبيل على الخدود، خدود العذارى من المحارم و غيرهنّ، فاعلموا أنّه كلّ التصاق لبشرة الرجل بالمرأة غير الزوجة، هو حرام خصوصا إذا كان أحدهما يجد فيها لذّة و متعة.. فانتبهوا إلى ما في هذه العوائد السيئة من ارتخاء خلقي..[/font]
[font="]أيها الناس، أخوّة الإسلام تفرض على كل فرد منا أن يصفح عمّا بدر من أخيه من زلاّت، و أن يغفر له ما فات.. ألا تحبّون أن يغفر الله لكم، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم قال: " تفتح الجنّة يوم الاثنين و يوم الخميس، فيُغفر لكلّ عبد لا يشرك بالله شيئا، إلاّ رجلا كانت بينه و بين أخيه شحناء، فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا ". فاغتنموا العيد لتظهروا بمظهر الكمّل من الأنام، فقد قال صلى الله عليه و سلم: " خيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام ".. فزوروا أصدقاءكم و لا تقطّعوا أرحامكم.. فجعل الله عيدكم سعيدا و رزق الأمة الإسلامية قوّة و تأييدا، و دعّم توفيقه و عونه لثورة تونس المجيدة.. ثورة الكرامة.. ثورة إعادة البلاد إلى العباد.. ثورة الاعتزاز بالانتماء إلى هذه الأرض الطيّبة.. [/font]
[font="]فهذه آداب العيد و أحكامه، كما رويت عن سيد البشر، فتوجهوا إلى ربّكم في هذا اليوم الأغرّ، و استفتحوا الدعاء بعطر الصلاة على أفضل من بدا و حضر، سيّدنا محمّد حبيب القلب و نور البصر. اللهم صلّ على محمد و على آله و أزواجه و ذرّيته، كما صليت على إبراهيم و على آل إبراهيم، و بارك على محمد و على آله و أزواجه و ذرّيته، كما باركت على إبراهيم و على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.. اللهم يا أكرم مسؤول أكتب لصالح أعمالنا رفعة الرضا و القبول.. اللهم تجاوز عن سيئاتنا و أهدنا سبل السلام، ونجّنا من الظلمات إلى النور. اللهم نوّر بالصالحات أعمالنا، و بلّغنا فيما يرضيك آمالنا.. اللهم وال علينا صيب جودك و فضلك، و أكرمنا في الدّارين، و اجعل اللهم خير أعمالنا خواتمها، و خير أيامنا يوم نلقاك.. اللهم اجمعنا بنبيّك الكريم على كوثره و في جنّات النعيم.. اللهم أصلح لنا أزواجنا و ذرّيتنا و ارزقنا و أنت خير الرازقين.. اللهم ثبّتنا على اليقين، و اجعل قولك لنا إذا وقفنا بين يديك، اذهبوا فقد غفرت لكم و أنا الغفور الرحيم.. اللهم اغفر لنا و لوالدينا، و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، و لا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا. ربّنا إنّك رؤوف رحيم.. يا أرحم الراحمين، يا ربّ العالمين، يا ذا الجلال و الإكرام.. [/font]
[font="]اللهم طهّر الأقصى من أرجاس الكفرة الفجرة.. اللهم وحّد كلمة المسلمين على صراطك صراط الحقّ المبين.. اللهم انصر من نصر الدين، و اهزم ربّنا من خذل المسلمين، و وفقنا جميعا لما فيه صلاح الدارين يا أرحم الراحمين.. يا ربّ العالمين.. اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح للإسلام و المسلمين، و أهلك اللهم من كان في هلاكه صلاح للإسلام و المسلمين.. اللهمّ أنصر أمّة محمّد في كل مكان على الكفرة و الملاحدة و المغتصبين.. اللهمّ أهلك من عادى الإسلام و دمّر من حارب القرآن.. اللهم أهلكهم كما هلكت عاد و إرم، و أرسل عليهم سيل العرم.. اللهم نكّص لهم كلّ راية و حلّ بينهم و بين كلّ غاية.. اللهم اجعل تدبيرهم في تدميرهم.. اللهم عليك بهم فإنّهم لا يعجزونك.. اللهمّ إنّي أستودعك تونس و أهلها.. اللهم وحّد صفوفنا.. اجمع شملنا.. لمّ شعثنا.. اللهمّ قيّض ما يحاك في الظلام ضدّنا.. يا أرحم الرّاحمين، يا رب العالمين، يا مالك الملك، يا حيّ يا قيّوم.. آمين، آمين و صلّ اللهم و سلّم على سيّد الأوّلين و الآخرين محمّد ابن عبد الله و على آله الأطهار الطيّبين، و صحابته الأبرار الميامين و على كل من اهتدى بهديه، و استنّ بسنّته و اقتفى أثره إلى يوم الدين..[/font]

[font="] الشيخ محمّد الشاذلي شلبي[/font]
[font="] الإمام الخطيب
[/font]

[font="] جامع عثمان بن عفّان - تونس [/font]
المشاهدات 3386 | التعليقات 5

الخطبة الأولى: فضل ليلة القدر و توديع رمضان


[font=&quot]الحمد لله الذي جعل رمضان غُرّة وجه العام، وجعل الصيام جُنَّةً من العذاب و كفّارةً للآثام، و شرّف أوقاته على سائر الأوقات، و فضّل أيامه على سائر الأيام، وخصّ نصفه الأخير بمزيد فضل و إحسانٍ و إكرامٍ، و أنزل كتابه الفارق بين الحلال و الحرام، وفتح أبواب رحمته و ضاعف فيه الإنعام..[/font]
[font=&quot]و أحمده و أشكره المحمود على كل حال، المعبود بالغدوّ و الآصال، وفّق للخير من اصطفاه من النساء و الرجال، و تعبّدنا بالصيام والقيام وزكاة الفطر وزكاة المال،وجعل الجنّة للقادمين عليه بصالح الأعمال، و النار لأهل الزيغ والضلال الذين لا يستجيبون داعي الله في رمضان و لا شوّال.. " و من لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض و ليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين "..[/font]
[font=&quot]و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له شهادة مخلصة من العابد للمعبود، مقرّة بالتفرّد لواجب الوجود، عمدتُنا في هذه الدنيا ومدّخرنا لليوم الموعود.. اللهم اجعلها حليفة القلب و اللسان عند النزع، و يوم تعرض الخلائق عليك فإنك واسع الكرم وعظيم الجود..[/font]
[font=&quot]و أشهد أنّ سيدنا محمدا عبده و رسوله، أكرمه الله فنلنا بمقامه رفعة و وصولا، و عرج به ربّه إلى مقامات القربى رضا و قبولا.. و فتح له من سحائب جوده، فطهّره و ارتقى به مصطفى أمينا و رسولا، فصلّى الله عليه و على آله و صحبه، صلاة تكون لأمرك امتثالا، و تزيدنا لنبيّنا حبّا به و اتّصالا، و تؤته الوسيلة و الفضيلة و الدرجة الرفيعة رحمة منك و نوالا، و سلم يا ربّنا عليه و عليهم، سلامك الذي لا ينقطع نوره، و يتجدّد به مدى الأيام رضاه و سروره.. اللهم تقبل منا صيامنا و قيامنا و ركوعنا و سجودنا، و اجعلنا يا مولانا في يومنا هذا و في ليلتنا هذه و في شهرنا هذا من عتقائك من النار.. اللهم اعتقنا الليلة من النار..[/font]
[font=&quot]أمّا بعد، فيا أيها الذين آمنوا، السلام عليكم أيها الآباء الفضلاء، و يا أيها الإخوة الكرام الأحباب الأعزّاء، طابت جمعتكم و تبوأتم من الجنّة منزلا، و أسأل الله الذي جمع هذا الجمع الكريم في هذا البيت الكريم على طاعته، أسأله أن يجمعنا سبحانه مع سيّد الدعاة في جنّته و دار كرامته إنّه وليّ ذلك و القادر عليه..[/font]
[font=&quot]يقول الحقّ تبارك وتعالى: " إنّا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر " و يقول سبحانه في سورة الدخان: " إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين، فيها يفرق كلّ أمر حكيم، أمرا من عندنا إنّا كنّا مرسلين، رحمة من ربّك إنّه هو السميع العليم " صدق الله العظيم..[/font]
[font=&quot]وعن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:" من صام رمضان إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا غفر له ما تقدّم من ذنبه "..[/font]
[font=&quot]و عن أبي سلمة قال: سألت أبي سعيد وكان صديقا لي، فقال: اعتكفنا مع النبيّ صلى الله عليه و سلم العشر الأوسط من رمضان فخرج صبيحة عشرين فخطبنا و قال: " إنّي أُريتُ ليلة القدر ثمّ أُنسيتُها – أو نسيتها – فالتمسوها في الوتر من العشر الأواخر، و إنّي رأيت أنّي أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليرجع ". فرجعنا وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابة فمطرت حتّى سال سقف المسجد، و كان من جريد النخل، و أقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يسجد في الماء و الطّين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته..[/font]
[font=&quot]أخي المؤمن، إنّك أمام ليلة عظيمة من ليالي حياتك، إنّك أمام ليلة إن فاتك الربح فيها فقد فاتك شيء كثير لا تدركه في كثير من سنين عمرك، إنّها ليلة عظيمة و حسبكم دليلا قاطعا، و برهانا ساطعا على عظمتها و بركتها، أنّها الليلة التي نزل فيها القرآن، نزلت به ملائكة الرحمان، على قلب محمّد أعظم إنسان، في جوّ كلّه سلام و اطمئنان و أمان.[/font]
[font=&quot]عباد الله، هل تعلمون ما معنى ( القدرُ ) في قوله تعالى: " إنّا أنزلناه في ليلة القدر " ؟ إنّ القدر معناه الشرف و المكانة و العظمة، فالناس يقولون: فلان ذو قدر، أي أنّه ذو شرف و مكانة عظيمة.. و أنّ ليلة ينزل فيها ربّ العزّة و القدر، كتابا ذا قدر، تحمله ملائكة سفرة أصحاب قدر، على رسول ذي قدر، لأمّة ذات قدر، لا شكّ أنّها تكون ليلة من ليالي التجلي الإلهي الأعظم، إذا ما توجّه فيها المؤمن إلى ربّه مستحضرا ما لهذه الليلة من الخير و البركة،كان اتّصاله الروحي بمولاه أقوى ما يمكن أن يحصل عليه مؤمن من درجات القرب و الاتّّصال..[/font]
[font=&quot]و قد صوّر الحقّ تبارك و تعالى لنا عظمتها بما يملأ القلب إيمانا، و تزيدنا إيقانا، و يفتح لنا باب الرجاء و الأمل بكرمه تعالى و عفوه إذ يقول: " وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر " أي أنّ هذه الليلة الواحدة تمرّ عليك في كل عام، العمل الصالح فيها و التقرّب إلى الله بأي نوع من أنواع الطّاعات و العبادات و القربات، يعدل العمل بألف شهر، فإنّ ليلة كهذه، لا شكّ، إنّها محض فضل من الله على عباده، يدعوهم بها إليه، و يدلّهم بها عليه. هل تعلمون كم الألف سنة؟ إنّها 83 سنة و أربعة أشهر، إنّ قيام هذه الليلة و إحياءها بذكر الله وتلاوة القرآن الذي أنزل فيها، و الدعاء بما تشاء من خيري الدنيا و الآخرة، يعدل عبادة 83 سنةوأربعة أشهر من الجهاد في سبيل الله.[/font]
[font=&quot]و السبب في ذلك كما رواه الثقات: أنّه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، رجل من الأمم الماضية، حمل السلاح على عاتقه مجاهدا في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك، وتمنّى أن يكون ذلك في أمّته، فقال: " يا ربّ جعلت أمّتي أقصر الأمم أعمارا، و أقلّها أعمالا، فأعطاه الله ليلة القدر، و جعل العمل فيها يساوي العمل بألف شهر ". و ذلك من تكريم الله لنبيّه، و رحمته بأمّته.. و الذي عليه معظم العلماء أنّها ليلة السابع و العشرين من هذا الشهر الذي آذن بالوداع و عزم على الرحيل و اليوم الذي ينقضي لن نصومه في الأسبوع القادم. و قد استدلّوا على أنها ليلة سبع و عشرين بأحاديث و إشارات و استنتاجات، فمن الأحاديث ما روي عن حُبيشٍ قال: قلت لأبيّ بن كعب إنّ ّأخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يقُم الحول يُصب ليلة القدر.. فقال أبيّ يغفر الله لأبي عبد الرحمان، لقد علم أنّها في العشر الأواخر من رمضان، و أنّها ليلة سبع و عشرين، و لكنه أراد ألاّ يتّكل الناس، ثم حلف لا يستثني أنّها ليلة سبع و عشرين. [/font][font=&quot]أخرجه مسلم [/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]و من الإشارات ما استنبطه بعض الباحثين، من أنّ كلمة " هي " في سورة القدر جاءت السابعة و العشرين، إذ أنّ كلمات السورة ثلاثون، فتشير كلمة " هي " إلى أنّها ليلة سبع وعشرين.[/font]
[font=&quot]ومن الاستنتاجات أنّ كلمة " ليلة القدر " قد تكرّرت في سورة القدر في ثلاث مواضع منها، و ليلة القدر حروفها تسع، و التسع إذا ضربت ثلاث يكون الحاصل سبعا و عشرين، فدلّ ذلك على أنّ الليلة هي ليلة سبع و عشرين.. [/font]
[font=&quot]و روى بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه و سلم أنّه ليلة أربع و عشرين، و قال ابن عبّاس و أبيّ بن كعب رضي الله عنهما: إنّها ليلة سبع وعشرين.. و الدليل على أنّ آكدها ليلة سبع و عشرين و الله أعلم، ما أخرجه بن حنبل رحمه الله بإسناده عن ابن عمر رضي الله عنها قال: كانوا لا يزالون يقصّون على النبي صلى الله عليه وسلم الرؤيا من العشر الأواخر فقال عليه الصلاة و السلام : " أرى رؤياكم قد تواترت أنّها ليلة سابعة من العشر الأواخر، من كان متحرّيا فليتحرّها الليلة السابعة من العشر الأواخر" [/font][font=&quot]أخرجه الشيخان [/font][font=&quot].[/font]
[font=&quot]و يروى أنّ ابن عبّاس قال لعمر بن الخطّاب رضي الله عنهما: إنّي نظرت في الأفراد فلم أر فيها أحرى لي من السبعة، فذكر بعض ما نذكره في السبعة فقال: السماوات سبع، و الأرضون سبع، والليالي سبع، والأفلاك سبع، والنجوم سبع، والطّواف بالبيت سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، و رمي الجمار سبع، وخلق الإنسان من سبع، و رزقه الله من سبع، والحمد سبع آيات، والسبع المثاني، وقراءة القرآن على سبعة أحرف، والسجود على سبعة أعضاء، و أبواب جهنّم سبع، وأسماؤها سبع، و دركاتها سبع، وأصحاب الكهف سبع، و الخواتيم سبع، و أهلك عاد بالريح العقيم في سبع ليال، ومكث يوسف عليه السلام في السجن سبع سنين، و قال الحقّ تبارك و تعالى: " و سبعة إذا رجعتم "، و الصلوات الخمس سبع عشرة ركعة، وجعل رسول الله صلى الله عليه و سلم طهارة الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرّات إحداهنّ بالتراب، و عدد كلمات سورة القدر إلى قوله" هي" سبع و عشرون كلمة، ومكث أيوب عليه السلام في بلائه سبع سنين، و قالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم و أنا بنت سبع سنين، وقال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" شهداء أمّتي سبعة: القتيل في سبيل الله، و المطعون، و المسلول، و الغريق، و الحريق، و المبطون، و النفساء" فإذا ثبت كلّ هذا و أنّ أكثر الأشياء سبع، فقد نبّه الله تبارك و تعالى عباده على أنّ ليلة القدر السابعة و العشرون بقوله تعالى: " سلام هي حتى مطلع الفجر " فعلمنا بذلك أنّها ليلة السابع و العشرين..[/font]
[font=&quot]قال أنس بن مالك رضي الله عنه: بلغني أنّ سعيد بن المسيّب قال: من حضر صلاة العشاء ليلة القدر أصاب منها حظّا,[/font]
[font=&quot]و عن النبي صلى الله عليه و سلم أنّه قال: " من صلّى العشاء و المغرب في جماعة فقد أخذ بحظّه من ليلة القدر " ومن قرأها ( السورة ) " فكأنّما قرأ ربع القرآن "..[/font]
[font=&quot]و يستحبّ أن تُقرأ في العشاء الأخيرة من شهر رمضان..[/font]
[font=&quot]قيل أنّ الله سبحانه أخفى خمسة أشياء في خمسة: رضاء الله في الطّاعات- غضبه في المعاصي – الصلاة الوسطى بين الصلوات – وليّه في خلقه – و ليلة القدر في شهر رمضان..[/font]
[font=&quot]و إنّ الله عزّ و جلّ أعطى المصطفى صلى الله عليه و سلم خمس ليال: ليلة المعجزة و القدرة وهي انشقاق القمر بدليل قوله تعالى: " اقتربت الساعة و انشقّ القمر " – و ليلة الإجابة و الدعوة، قوله سبحانه: " و إذ صرفنا إليك نفرا من الجنّ يستمعون القرآن " – ليلة الحكم و القضية، يقول تعالى: " إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين، فيها يفرق كل أمر حكيم " – و ليلة الدنوّ و القربة،وهي ليلة المعراج،مصداقا لقوله سبحانه: " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى " – و ليلة السلام و التحية : " إنّا أنزلناه في ليلة القدر " ..[/font]
[font=&quot]و روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: إذا كان ليلة القدر يأمر الحق تبارك و تعالى جبريل عليه السلام أن ينزل إلى الأرض و معه سكّان سدرة المنتهى وهم سبعون ألف ملك، ومعهم ألوية من نور، فإذا هبطوا إلى الأرض ركّز جبريل عليه السلام لواءه و الملائكة ألويتهم في أربع مواطن: عند الكعبة، و عند قبر النبيّ صلى الله عليه و سلم، و عند مسجد بيت المقدس، و عند مسجد طور سيناء، ثم يقول جبريل للملائكة: تفرّقوا، فيتفرّقون فلا تبقى دار و لا حجرة و لا بيت و لا سفينة فيها مؤمن أو مؤمنة إلاّ دخلت الملائكة فيها، إلاّ بيت فيه كلب أو خنزير أو خمر أو جنب من حرام، أو صورة، فيسبّحون و يقدّسون و يهلّلون و يستغفرون لأمّة محمّد عليه الصلاة و السلام، حتى إذا كان وقت الفجر يصعدون إلى السماء، فيستقبلهم سكّان السماء الدنيا فيقولون لهم: من أين أقبلتم ؟ فيقولون: كنّا في الدنيا، لأن الليلة ليلة القدر لأمة محمد صلى الله عليه و سلم، فقال سكان السماء الدنيا: ما فعل الله بحوائج أمّة محمد ؟ فيقول جبريل عليه السلام: إنّ الله تعالى غفر لصالحيهم و شفّعهم في طالحيهم.. فترفع ملائكة السماء الدنيا أصواتهم بالتسبيح و التقديس و الثناء على ربّ العالمين شكرا لما أعطاه الله هذه الأمة من المغفرة و الرضوان، ثمّ تشيّعهم ملائكة السماء الدنيا إلى السماء الثانية، ثم كذلك سماء بعد سماء إلى السابعة، ثم يقول جبريل عليه السلام: يا سكّان السماوات ارجعوا، فترجع ملائكة كل سماء إلى مواضعهم، و يرجع سكّان سدرة المنتهى إلى السدرة، فيقول سكّان السدرة: أين كنتم ؟ فيجيبون مثل ما أجابوا سكان السماء الدنيا، فترفع سكّان السدرة أصواتهم بالتسبيح و التقديس، فتسمع جنّة المأوى، ثم جنّة النعيم، ثم جنّة عدن، ثم الفردوس، فيسمع عرش الرحمان فيرفع العرش صوته بالتسبيح و التهليل و الثناء على ربّ العالمين شكرا لما أعطى هذه الأمّة، فيقول الحقّ تبارك و تعالى وهو أعلم: " يا عرشي لما رفعت صوتك ؟ " فيقول: إلهي قد بلغني أنّك قد غفرت البارحة لصالحي أمّة محمد صلى الله عليه و سلم، و شفّعت صالحيهم في طالحيهم، فيقول الحقّ تبارك و تعالى وهو أعلم: " صدقت يا عرشي و لأمّة محمّد عندي من الكرامة م لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر "..[/font]
[font=&quot]و لهذا روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم كان مهموما لأجل أمّته، فقال الله تعالى: "يا محمد لا تغتمّ فإنّي لا أخرج أمّتك من الدنيا حتّى أعطيهم درجات الأنبياء، وذلك أنّ الأنبياء عليهم الصلاة و السلام تنزّل عليهم الملائكة بالروح والرسالة و الوحي و الكرامة، و كذلك أنزل بالملائكة على أمّتك في ليلة القدر بالتسليم و الرحمة منّي "..[/font]
[font=&quot]و قيل إنّ الملائكة تسلّم على أهل الطّاعات و لا تسلّم على أهل العصيان، فمنهم الظلمة ليس لهم نصيب في سلام الملائكة، و آكل الحرام و قاطع الرحم، و النمّام و آكل أموال اليتامى، فهؤلاء ليس لهم نصيب في سلام الملائكة، فأيّ مصيبة أعظم من هذه المصيبة..[/font]
[font=&quot]أسأل الله تبارك وتعالى السلامة، و أن يجعلنا من المقبولين، و أن يرزقنا الاستقامة،و أن يعيد علينا رمضان مرّات عديدة و كرّات مديدة و قد تحقّق لبلادنا ما ترجوه من تقدّم و عزّة و كرامة.. اللهم تقبل منا صالح ما قدمناه من صيام و قيام و أعمال و تجاوز عمّا يشوبه من نقص و غفلة و زلل، و ثبتنا على كلمة التوحيد عند حضور الأجل، يا ربّ العالمين..[/font]
[font=&quot]أقول قولي هذا و استغفر الله العزيز لي و لكم و لوادي و والديكم و لجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنّه هو التواب الرحيم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم..
[/font]
[font=&quot][font=&quot]الخطبة الثانية: زكاة الفطر [/font]

[font=&quot]الحمد لله الذي تصرّف في الكون بالحكمة و التقدير، وحدّد بحُسبانٍ حركات الأفلاكِ و المستقرّ الذي إليه تسير، فانقادت خاضعة راضية بمحكم التدبير..[/font]
[font=&quot]أحمده أن جعل نهاية الطّاعة عيدا، و وعدنا رضوانا منه و عيشا هنيئا سعيدا، و أشكره شكر من فاز بقبول العبادة، و وجد لذّة التكرُمة و ألفى منازل السعادة، فتفجّر بالتسبيح و الشكر و التوحيد و جُوزيَ الحُسنى و زيادة..[/font]
[font=&quot]و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، شهادةً صادرةً عن قلبٍ عمّرهُ اليقين، و هُدِيَ إلى الصراط المستبين، اللهمّ ثبتنا عليها و جنبنا الوسواس. اللهم اجعلها قويّة في أعماقنا ثابتة الأساس. اللهم اجعلها أليفة قلوبنا و ألسنتنا إلى أن نلقاك يوم الناس..[/font]
[font=&quot]و نشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده و رسوله، ختم الله به الرسالة فكان سنامها، و أتمّ به الهداية فكان إمامها، وطمأن الله به العوالم فكان أمنها و سلامها، اللهم فصلّ و سلم عليه و على آله و صحبه، صلاة تُقَطِّعُ الكونَ و تبقى، و تؤته الوسيلة و الفضيلة و المكان الأرقى، و تجمعنا به على كوثره و منه نسقى..[/font]
[font=&quot]عباد الله، من أدرك رمضان و لم يغفر له فيه فقد فاته ربح العام، و من أدرك العشر الأواخر و لم يصل الصيام فيها بالقيام، و يُلَذِّذُ نفسه فيها بتلاوة أفضل الكلام، كلام الملك العلاّم، فقد حرم الخير و لم تكن له أسوة حسنة بسيّد الأنام عليه الصلاة والسلام..[/font]
[font=&quot]أيها الصائمون القائمون، هذا شهركم قد آذن بالرحيل، وهذه لياليكم سرعان ما تنقضين و أنّ من علامات قبول صيامكم و عباداتكم أن تستمرّوا على العبادة و الطّاعة بعد رمضان، و أن تستقيموا على التمسّك بكل خلق كريم، وحينئذ تكونون من الرابحين الفائزين في الدنيا و الآحرة، وذلك بالنصّ الصريح الواضح من الكتاب حيث يقول تعالى: " إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا، تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنّة التي كنتم توعدون، نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة "..[/font]
[font=&quot]حاسب نفسك يا عبد الله آخر هذا الشهر قبل أن يحاسبك الملك الديّان، و أنظر إلى صحيفة أعمالك و ماذا كتب فيها لك من صيامٍ و قيامٍ و صلاةٍ و برّ و نفقة و إحسان و صدقة و رحمة ومواساة و لو بإخراج الزكاة، و اعلم أنّ المرء ليس له من دنياه إلاّ ما تمتّع به فأفناهُ و قدّمه فاستبقاه، و اسأل ضميرك هل هذّب الصوم نفسك ؟.. وهل كنت تريد به وجه الله ؟.. وهل سلم لك ممّا يحبط العمل من فضول المقال و قبيح الفعال ومنّة على الله و أذيّةٍ لعباد الله ؟.. و عاتب نفسك و اتهمها بالتقصير، و قم لربّك أوقات المناجاة من آخر الليل و أدبار الصلاة: " ربّنا ظلمنا أنفسنا و إن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكوننّ من الخاسرين "..[/font]
[font=&quot]أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " قد أفلح من تزكّى و ذكر اسم ربّه فصلّى ".. الفلاح على وجهين، أحدهما: الفوز بالجنة و النجاة من النيران في العقبى ومن الآفات و البلايا في الدنيا.. و الثاني: اليمن و السعادة بالتوفيق للطّاعة في الدنيا والخلود في الجنان في الأخرى.. ومفهوم الآية الكريمة أنّه وفّق للزكاة وتطهير إيمانه وتقواه من الآثام، و أمّا من لم يزكّ فلا فلاح له، قال تعالى: "إنّه لا يفلح المجرمون " أي لا يفوزون و لا يسعدون، و أمّا وذكر اسم ربّه فصلّى: أي ذكر بالتكبير ثم خرج إلى العيد فصلّى..[/font]
[font=&quot]و قال ابن الجراح: زكاة الفطر لرمضان كسجدة السهو للصلاة..[/font]
[font=&quot]و فرض رسول الله صلى الله عليه و سلم زكاة الفطر طُهرة للصائم من الرفث، فكأنّ الزكاة رمضاء الصائم لما دخله من النقصان بالآثام من اللغو و الكذب و الغيبة و النميمة و أكل الشبهات و النظر إلى المستحسنات، فجعلت الفطرة مُكَفِّرة لها متمّمة للصيام جابرة له. كالتوبة للذنوب و الاستغفار لها.. و كالسجود للسهو.. فكأنّما السجود للسهو شرّع ترغيما للشيطان إذا كان هو السبب في ذلك، وكذلك التوبة من المعاصي و الفطرة لرمضان شرّعتا ترغيما له لأن الرفث الحاصل في الصيام بسببه أيضا، أعاذنا الله و جميع المؤمنين من مكائده و مصائده و غوائله، و سلمنا بمنّك من آفات الدنيا و بلائها، و أخرجنا يا الله منها برحمتك و حلمك آمنين يا ربّ العالمين..[/font]
[font=&quot]عباد الرحمان، نحن على أبواب العيد، و العيد لمن قُبِل صيامه، و شُكر سعيه، و غفر ذنبه، اليوم لنا عيد، و غدا لنا عيد، وكل يوم يمرّ لا نعص الله فيه فهو لنا عيد..[/font]
[font=&quot]و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات و يأكلهنّ وترا، وكان إذا خرج إلى العيد يرجع في غير الطريق الذي خرج منه.. و قد حدّدت زكاة العيد لهذا العام ب 1350 مليما..[/font]

[font=&quot]أيها الناس، أوصيكم و نفسي بتقوى الله، وطوبى لمن وحّد ربّه و عبد و صام و قام و صلّى وزكّى و انفق وتصدّق، و بر، و أحسن و جاد بما لديه و على جود ربّه اعتمد، و يا سعادة من حفظه الله من العجب و الكِبْر و الفخر و الأنانية و الحسد.. اتقوا الحيّ الذي لا يموت و صلّوا و سلّموا على من أمرتم بالصلاة و السلام عليه عموما بقوله تعالى و لم يزل قائلا عليما: " إنّ الله و ملائكته يصلّون على النبيّ يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه و سلّموا تسليما "، اللهم فصلّ و سلّم على سيّدنا محمد و على آله و صحبه الذين فيما عند الله راغبون و ممّا لديه راهبون.. اللهم إنا نسألك أن تعز الإسلام و المسلمين، و أن تذلّ الشرك و المشركين، و أن تجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.. اللهم اجعل شهرنا شاهدا لنا بأداء فرضك، و لا تجعلنا ممّن تعب و اجتهد و لم يرضك.. اللهم إنا تولّينا صيام شهرنا و قيامه على تقصير منّا و قد أدّينا فيه من حقّك قليلا من كثير، و قد لجأنا ببابك سائلين، و لمعروفك طالبين، فلا تردّنا خائبين و لا من رحمتك آيسين، نحن الفقراء إليك الأسراء بين يديك، إليك تعرّضنا، و لمعروفك سألنا، ولبابك قرعنا، فارحم خضوعنا واجبر قلوبنا، واقبل صيامنا وقيامنا، و أسعدنا بطاعتك للاستعداد لما أمامنا، و اجعل عملنا مقبولا، و سعينا مشكورا، وذنبنا مغفورا..[/font]
[font=&quot]اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر فبارك لنا فيه، و إن قضيت بقطع آجالنا و ما يحول بيننا و بينه فأحسن الخلافة على باقينا، و أوسع الرحمة على ماضينا و عمّنا جميعا برحمتك و غفرانك..[/font]
[font=&quot]اللهم يا حي يا قيوم، يا لطيف يا غفّار، نسألك أن تغفر لنا و لوالدينا و أقاربنا و أحبابنا ومعلّمينا و من له حقّ علينا وجميع المسلمين يا أرحم الراحمين..اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا و إن عدنا إلى الذنوب فعد علينا بالمغفرة و التوبة يا ربّ العرش العظيم..[/font]
[font=&quot]اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح للإسلام و المسلمين، و أهلك يا الله من كان في هلاكه صلاح للإسلام و المسلمين، يا من برحمته على عباده تفضّل، و أن تعلي شأن المسلمين و تتوجهم بتاج النصر و الظفر و الأمل.. اللهم أصلح ولاّة المسلمين و وفقهم لإزالة المنكرات، و إظهار المحاسن و أنواع الخيرات، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، و أمّنهم في أوطانهم و اقض ديونهم و عاف مرضاهم و اشف صدورهم و أذهب غيض قلوبهم و ألف بينهم..[/font]
[font=&quot]اللهم نسألك أن تحمي أرضنا و تستر عرضنا وتنقّي سريرتنا.. اللهم أبرم لتونس هذه الأرض الطيّبة أمر رشد يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر.. اللهم انظر إلينا في هذه الليلة نظرة رحمة ترضى بها عنا و أعطنا في هذه الليلة جميع سؤلنا و رغيبتنا و أمانينا يا ربّ العالمين، اللهم اقسم لنا فيها ما تقسمه لعبادك الصالحين، وما تعطيه لأوليائك المتّقين من المغفرة و العفو، اللهم اجعل دعاءنا فيها إليك واصلا، و رحمتك و فضلك و عفوك و بركتك وخيرك إلينا فيها نازلا، و عملنا فيها مقبولا، وذنوبنا فيها مغفورة يا أرحم الراحمين.. آمين يا رب العالمين و صل وسلم و بارك على سيد الأولين و الآخرين و على آله الطيبين و صحابته الميامين، و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..[/font]
[font=&quot]عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تتقون. اذكروا الله يذكركم واشكروه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.[/font]

[font=&quot] الشيخ محمّد الشاذلي شلبي
[/font]
[font=&quot]الإمام الخطيب
جامع عثمان بن عفّان - تونس
[/font]
[font=&quot] الأحد[/font][font=&quot] 26 رمضان 1434 [/font]




[/font]


ماشاء الله ، بارك ألله فيك أستاذ محمد الشاذلي خطبة تونسية بامتياز ، مطابقة للحال ، و منسجمة مع مقتضيات المرحلة . زادك الله رفعة وسموّا .


بيسم الله الرحمان الرحيم
شكرا فضيلة الشيخ بوعافية على اهتمامك و متابعتك لكلّ ما ينشر على الشبكة.. و إن دلّ على شيء فهو يدلّ على غيرتك، و اندفاعك اللاّمشروط لتطوير نشاط المنتدى، و الرقيّ به في الأفكار و الأفعال إلى المرتية التي نرجوها جميعا.. أثمّن عملك أخي و أطالبك في نفس الوقت بكلّ احترام و محبّة في الله، أن تواصل عملك في هذا الاتّجاه إلى أن نعود جميعا و بسلام إلى المعيّة.. معيّة الله و الرّسول..


عودا حميدا شيخ محمد وبورك فيك وفي جهدك المبارك ونفعك الطيب


بسم الله الرحمان الرحيم

قد لا أقدر إيفاءك حقّك مقارنة بالعمل الراقي الذي تقدّمه للخطباء و من خلالهم للشبكة.. و لكن أقدر أن أشدّ على يديك و أحاول من موقعي أن أساعدك و ألتحق بقلعتك المعرفية و الدّينية، و أن أحاول أن أثريها بما حباني به الله تبارك و تعالى من قليل معرفة أضعه لو تسمح بين يدي إخواني الأئمة الخطباء و الوعّاظ الدّينيين أينما كانوا من عالمنا العربي و الإسلامي، علّ هذا القليل أن يسكب في القلب يقينا و خشية و محبّة و مراقبة لأعظم محبوب، و أجل مطلوب له العزّة و الجلال علاّم الغيوب جلّ و علا..
في الانتظار، تفضّل أخي و صديقي زياد بقبول أزكى تحيّاتي لك و لكافة العائلة الكبرى للشبكة..
اللهمّ اجعلنا ممّن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه.. اللهمّ علّمنا ما جهلنا و ذكّرنا بما نسينا و نبّهنا بما غفلنا.. أسأل الله بأسمائه الحسنى و صفاته العلا أن يثبّت قلم شبكة ملتقى الخطباء، و أن يثبّتنا و إياه على الحق المبين، و أن يحشرنا في زمرة المتّقين و أن يجمعنا بخطيب الأنبياء و المرسلين..
و الحمد لله ربّ العالمين..

أخوكم في الله:
الشيخ محمّد الشاذلي شلبي