العيد فرصة للارتقاء بالأسرة-11-12-1436هـ-محمد الشرافي-المنبر-بتصرف
محمد بن سامر
1436/12/11 - 2015/09/24 18:57PM
[align=justify] أما بعد: فيَشْتَكِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ رِجَالًا وَنِسَاءً كِبَارًا وَصِغَارًا مِنْ فَقْدِ الطُّمَأْنِينَةِ وَالرَّاحَةِ فِي الْبُيُوتِ, وَوُجُودِ مَشَاكِلَ تَكَادُ تَكُونُ دَائِمَةً وَمُزْمِنَةً بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ, حَتَّى نَتَجَتْ مُضَاعَفَاتٌ لِهَذِهِ الأَعْرَاضِ، عَصَفَتْ بِالأُسْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ, وَشَتَّتَتِ الْبَيْتَ وَجَعَلَتْ أَفْرَادَهُ متفرقينَ, فَالزَّوْجَةُ مُطَلَّقَةٌ أَوْ تُعَامَلُ مُعَامَلَةً قَاسِيَةً, وَالأَبُ بَعِيدٌ عَنْ أُسْرَتِهِ, إِمَّا يَلْهَثُ وَرَاءَ سَرَابِ الدُّنْيَا الذِي لا يَنْقَطِعُ, أَوْ يَقضي غالبَ وقتهِ مَعَ زُمَلائِه وأَصْدِقَائِهِ, وتَرَكَ زَوْجَتَهُ وَأَوْلادَهُ يُرَبِّيهِمُ الشَّارِعُ وَأَصْحَابُ السُّوء, أَوْ تُرَبِّيهِمْ وَسَائِلُ الإِعْلامِ الْمُغْرِضَةِ, وَالْمَوَاقِعُ الْهَابِطَةِ, فأَدَّى هذا إِلَى ضَيَاع الأَوْلادِ وَجَعَلَهُمْ هارِبِينَ مِنَ الْمَنْزِلِ, أَوْ تَارِكِينَ لِلدِّرَاسَةِ, أَوْ غارقينَ في معصيةِ اللهِ، وَساقطينَ في أَحْضَانِ أَصْحَابِ السُّوءِ وَصَاحِبَاتِه.
أَيُّهَا الْمُباركونَ: إِنَّ في الإسلامِ حلُّ مَشَاكِلِ الْعَالَمِ وَإِيجَادُ الْمَخْرَجِ لَهَا, وإنَّ حصولَ أكثرِ البلايا والمصائبِ بسببِ البعدِ عنه, وحصولَ الخَيْرِ وَالصَلَاحِ بِسببِ الاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ, [قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ*يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].
لقدْ جاءَ الإِسْلامَ بِالْعِنَايَةِ بِالأُسْرَةِ مِنْ أَوَّلِ خُطُوَاتِ بِنَائِهَا, وَجَاءَ بِإِصْلاحِهِا فِي جَمِيعِ شؤونِ حَيَاتِهَا! فَالنَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَنْ يَخْتَارَ صاحبةَ الدِّينِ, لِأَنَّهَا الصَّالِحَةُ الْمُصْلِحَةُ ونِعْمَ الرَّفِيقُ وَخَيْرُ معينٍ, قالَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا, وَلِحَسَبِهَا, وَلِجَمَالِهَا, وَلِدِينِهَا, فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
وَأَمَرَ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ دَعَاءً يُبْعِدُ عَنْهُمَا الشَّيْطَانُ, وَيَكُونُ حِصْنًا لِلْوَلَدِ إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ, قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اَللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا, فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا".
وَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْعِنَايَةِ بِالْمَوْلُودِ مُنْذُ قُدُومِهِ لِلدُّنْيَا, فَيُؤَذَنُ في أُذنهِ أَوَّلًا؛ لِيَكُونَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ مَا يَسَمْعَهُ, وَلاشَكَّ أَنَّ فِي هَذَا تَأْثِيرًا فِي حَيَاتِهِ الدِّيِنِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ, فَاتِّبَاعُ هَدْيِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-خَيْرٌ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ, فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ-رضي اللهُ عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ-حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ-بِالصَّلاةِ.
وَجَاءَ الأَمْرُ بِإِحْسَانِ اخْتِيَارِ الأَسْمَاءِ, فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ".
وَأَمَّا مَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنَ الأَسْمَاءِ الْغَرِيبَةِ أَوِ الْغَرْبِيَّةِ فَهَذَا يَجْلِبُ التَّعَاسَةَ لِلأُسْرَةِ وَلَيْسَ السَّعَادَة, وَهَذَا مِمَّا يَجْهَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ يَغْفُلُونَ عَنْهُ, وقدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ-رَحِمَهُمُ اللهُ-أَنَّ الاسْمَ مُرْتَبِطٌ بِالْمُسَمَّى وَمُؤَثِّرٌ عَلَيْهِ, قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ-رَحِمَهُ اللهُ-: "وَبِالْجُمْلَةِ فَالأَخْلاقُ وَالأَعْمَالُ وَالأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ تَسْتَدْعِي أَسْمَاءً تُنَاسِبُهَا, وَأَضْدَادُهَا تَسْتَدْعِي أَسْمَاءَ تُنَاسِبُهَا...وَلِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ بِتَحْسِينِ الأَسْمَاءَ...فَإِنَّ صَاحِبَ الاسْمِ الْحَسَنِ قَدْ يَسْتَحِي مِنْ اسْمِهِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ اسْمُهُ عَلَى فِعْلِ مَا يُنَاسِبُهُ, وَتَرْكِ مَا يُضَادُّهُ، وَلِهَذَا تَرَى أَكْثَرَ السِّفْلِ-أهلِ الشرِ- أَسْمَاؤُهُمْ تُنَاسِبُهُمْ, وَأَكْثَرَ الْعِلْيَةِ-أهلِ الخيرِ-أَسْمَاؤُهُمْ تُنَاسِبُهُمْ.
إِنَّ مُعَامَلَةَ الزَّوْجَةِ الْمُعَامَلَةَ الطَّيَّبَةَ، وَإِعْطَاءَهَا حَقَّهَا، وَحُسْنَ مُعَاشَرَتِهَا، مِمَّا يَجْعَلُ الأُسْرَةَ تَسْتَقِرُّ-بِإِذْنِ اللهِ-, قَالَ النَّبِىُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ, وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".
وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-مَا يَدُلُّ عَلَى المُعَامَلَةِ الرفيعةِ للزَّوْجَةِ، فعَنْ أمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَتْ: "خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ-أسمنْ-, فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا, ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ, فَسَكَتَ عَنِّي, حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ-سمنتُ-وَنَسِيتُ, خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا, ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي, فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ بِتِلْكَ-يعني واحدةً بواحدةٍ.
[َلَقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا].
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ ولَكُمْ...
أَمَّا بَعْدُ: فاحْفَظُوا بُيُوتَكُمْ، وَارْعَوْا أَوْلادَكُمْ، وَأَحْسِنُوا مُعَامَلَةَ زَوْجَاتِكُمْ، وَكُونُوا مُتَعَاوِنِينَ مَعْهُنَّ فِي إِصْلاحِ الأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ, فَإِنَّ هَذَا مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ اسْتِقْرَارِ حَيَاتِكُمْ، وَطُمَأْنِينَةِ قُلُوبِكُمْ, لِأَنَّ صَلاحَ الأَوْلادِ وَالزَّوْجَةِ أَوْلَى مَطَالِبِ الْعُقَلاءِ, قَالَ -تَعَالَى-فِي صِفَاتِ الْمُؤْمِنِيَن وَحَاكِيًا دُعَاءَهَمْ: [وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا].
أَيُّهَا الأَبُ الفَاضِل: إِنَّكَ لا تُطَالَبُ أَنْ تَبْقَى فِي الْمَنْزِلِ اليومَ كلَّه, لَكِنَّكَ تُلَامُ عِنْدَمَا لا تُعْطِي زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ إِلَّا القليلَ من وَقْتِك, وَلا تَرَاهُمْ إِلَّا فِي وَقْتِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ أو النومِ فَقَطْ! فَلا يَسْمَعُونَ مِنْكَ نُصْحًا وَلا تَوْجِيهًا, وَلا يَأْنَسُونَ بُقُرْبِكَ مِنْهُمْ، أَوَ مُمَازَحَتِكَ لَهُمْ, فَكَيْفَ يَتَرَبَّوْن تربيةً حسنةً! بَلْ كَيْفَ يُحِبُّونَكَ ويأنسونَ بك وَهُمْ لا يَرَوْنَكَ إِلَّا قليلًا!
وَأَيْنَ حَقُّ زَوْجَتِكَ وَهِيَ لا تَرَاكَ إِلَّا وَقْتَ الْنومِ! وَرُبَّمَا تَأْتِيهَا وَأَنْتَ غَيْرُ مُتَهَيِئٍ أَصْلًا لا فِي مَظْهَرِكَ وَلا رَوَائِحَكَ! بَيْنَما يَفُوزُ زُمَلاؤُكَ وَأَصْدِقَاؤُكَ بِأغلبِ وَقْتِكَ وَحيَاتِكَ! أَوْ تَكُونُ مُنْشَغِلًا فِي مُطَارَدَةِ الدُّنْيَا مِنْ أَجْلِ الْعَائِلَةِ-بِزَعْمِكَ-ثُمَّ أَنْتَ تُهْمِلُ تِلْكَ الأُسْرَةِ التِي أَنْتَ تَشْقَى لِأَجْلِهَا!
إِنَّ زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ يحتاجونَ حَنَانِكَ وَرِعَايَتِكَ، وَتَوْجِيهِكَ وَنُصْحِكَ, ويحتاجونَ أَنْ تَجْلِسَ مَعَهُمْ، وَتَأْكُلَ مَعَهُمْ، وَتُمَازِحَهُمْ وَتَلاعُبَهُمْ, إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ أَمَامَهُمْ, وَيَسْمَعُونَ صَوْتَكَ، وَيُحِسُّونَ بِرِعَايَتِكَ لَهُمْ!، إِنَّكَ بِجُلُوسِكَ مَعَهُمْ تُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ وَالأُنْسَ, وَتَطْرُدُ عَنْهُمُ الْملالَ، وَتُبْعِدُ عَنْهُمُ السَآمَةَ!
أَيُّهَا الأَبُ المباركُ: إِنَّ نُصْحَكَ لِأَفْرَادِ أُسْرَتِكَ بِشَفَقَةٍ وَأُسْلُوبٍ طيبٍ، لَهُ أَثَرٌ فِي صَلاحِهِمْ, وَلَهُ قُوَّةٌ فِي هِدَايَتِهِمْ! فَاسْتَعْمِلْ هَذَا، وَاسْتَمِرَّ مَعَهُمْ، وَأَبْشِر فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَكَ وَلا يُخَيِّبُ سَعْيَك!
عزيزي الأبُ: إِنَّ العِيْدَ فُرْصَةٌ لِبِدَايَةِ التَّغْيِيرِ فِي تَعَامُلِكَ مَعَ أُسْرِتِكَ وَفِي قُرْبِكَ مِنْ أَوْلادِكَ, اتركْ لأَصْحَابِكَ-الذِينَ شَغَلُوكَ عَنْ أَهْلِكَ وَأَخَذُوكَ عَنْ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ-اتركْ لهم بعضَ الوقتِ، واجعلْ لأهلَك الكثيرَ منه, وَأرِ أُسْرَتُكَ فِي هَذَا العِيْدِ مَا يُدْخِلُ السَّعَادَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَجْلِبُ الأُنْسَ لِنُفُوسِهِمْ, فَاجْلِسْ مَعَهَمْ-وخصوصًا أَيَّامَ العِيدِ-وَآنِسْهُمْ وَضَاحِكْهُمْ, وَخُذْهُمْ مَعَكَ لِزِيَارَةِ أَرْحَامِكَ وَأَقَارِبِكَ, وحاولْ أَنْ تَخرجَ بهم للنزهةِ هنا أو هناك, وَلْتَكُنْ أَنْتَ وَأُسْرَتُكَ الصَّغِيْرَةُ فَقَطْ, ثُمَّ تَأَمَّلْ حِينَهَا حُسْنَ أَثَرِهَا عَلَيْهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا, وداومْ على هذا وَأَبْشِرْ-بِإِذْنَ اللهِ-بِمَا يَسُرُّك.
[/align]
أَيُّهَا الْمُباركونَ: إِنَّ في الإسلامِ حلُّ مَشَاكِلِ الْعَالَمِ وَإِيجَادُ الْمَخْرَجِ لَهَا, وإنَّ حصولَ أكثرِ البلايا والمصائبِ بسببِ البعدِ عنه, وحصولَ الخَيْرِ وَالصَلَاحِ بِسببِ الاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ, [قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ*يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ].
لقدْ جاءَ الإِسْلامَ بِالْعِنَايَةِ بِالأُسْرَةِ مِنْ أَوَّلِ خُطُوَاتِ بِنَائِهَا, وَجَاءَ بِإِصْلاحِهِا فِي جَمِيعِ شؤونِ حَيَاتِهَا! فَالنَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَنْ يَخْتَارَ صاحبةَ الدِّينِ, لِأَنَّهَا الصَّالِحَةُ الْمُصْلِحَةُ ونِعْمَ الرَّفِيقُ وَخَيْرُ معينٍ, قالَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا, وَلِحَسَبِهَا, وَلِجَمَالِهَا, وَلِدِينِهَا, فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ".
وَأَمَرَ الرَّجُلَ إِذَا أَرَادَ جِمَاعَ زَوْجَتِهِ أَنْ يَدْعُوَ دَعَاءً يُبْعِدُ عَنْهُمَا الشَّيْطَانُ, وَيَكُونُ حِصْنًا لِلْوَلَدِ إِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ, قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اَللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا, فَإِنَّهُ إِنْ يُقَدَّرْ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فِي ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ أَبَدًا".
وَجَاءَتِ السُّنَّةُ بِالْعِنَايَةِ بِالْمَوْلُودِ مُنْذُ قُدُومِهِ لِلدُّنْيَا, فَيُؤَذَنُ في أُذنهِ أَوَّلًا؛ لِيَكُونَ التَّوْحِيدُ أَوَّلَ مَا يَسَمْعَهُ, وَلاشَكَّ أَنَّ فِي هَذَا تَأْثِيرًا فِي حَيَاتِهِ الدِّيِنِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ, فَاتِّبَاعُ هَدْيِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-خَيْرٌ فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ, فَعَنْ أَبِي رَافِعٍ-رضي اللهُ عنه- قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ-حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ-بِالصَّلاةِ.
وَجَاءَ الأَمْرُ بِإِحْسَانِ اخْتِيَارِ الأَسْمَاءِ, فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَحَبَّ أَسْمَائِكُمْ إِلَى اللهِ-عَزَّ وَجَلَّ-عَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ".
وَأَمَّا مَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنَ الأَسْمَاءِ الْغَرِيبَةِ أَوِ الْغَرْبِيَّةِ فَهَذَا يَجْلِبُ التَّعَاسَةَ لِلأُسْرَةِ وَلَيْسَ السَّعَادَة, وَهَذَا مِمَّا يَجْهَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَوْ يَغْفُلُونَ عَنْهُ, وقدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ-رَحِمَهُمُ اللهُ-أَنَّ الاسْمَ مُرْتَبِطٌ بِالْمُسَمَّى وَمُؤَثِّرٌ عَلَيْهِ, قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ-رَحِمَهُ اللهُ-: "وَبِالْجُمْلَةِ فَالأَخْلاقُ وَالأَعْمَالُ وَالأَفْعَالُ الْقَبِيحَةُ تَسْتَدْعِي أَسْمَاءً تُنَاسِبُهَا, وَأَضْدَادُهَا تَسْتَدْعِي أَسْمَاءَ تُنَاسِبُهَا...وَلِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ بِتَحْسِينِ الأَسْمَاءَ...فَإِنَّ صَاحِبَ الاسْمِ الْحَسَنِ قَدْ يَسْتَحِي مِنْ اسْمِهِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ اسْمُهُ عَلَى فِعْلِ مَا يُنَاسِبُهُ, وَتَرْكِ مَا يُضَادُّهُ، وَلِهَذَا تَرَى أَكْثَرَ السِّفْلِ-أهلِ الشرِ- أَسْمَاؤُهُمْ تُنَاسِبُهُمْ, وَأَكْثَرَ الْعِلْيَةِ-أهلِ الخيرِ-أَسْمَاؤُهُمْ تُنَاسِبُهُمْ.
إِنَّ مُعَامَلَةَ الزَّوْجَةِ الْمُعَامَلَةَ الطَّيَّبَةَ، وَإِعْطَاءَهَا حَقَّهَا، وَحُسْنَ مُعَاشَرَتِهَا، مِمَّا يَجْعَلُ الأُسْرَةَ تَسْتَقِرُّ-بِإِذْنِ اللهِ-, قَالَ النَّبِىُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ, وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي".
وَجَاءَ عَنِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-مَا يَدُلُّ عَلَى المُعَامَلَةِ الرفيعةِ للزَّوْجَةِ، فعَنْ أمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَتْ: "خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ-أسمنْ-, فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا, ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ, فَسَكَتَ عَنِّي, حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ-سمنتُ-وَنَسِيتُ, خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ, فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا، فَتَقَدَّمُوا, ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ، فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي, فَجَعَلَ يَضْحَكُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ بِتِلْكَ-يعني واحدةً بواحدةٍ.
[َلَقدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا].
أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ ولَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
أَيُّهَا الأَبُ الفَاضِل: إِنَّكَ لا تُطَالَبُ أَنْ تَبْقَى فِي الْمَنْزِلِ اليومَ كلَّه, لَكِنَّكَ تُلَامُ عِنْدَمَا لا تُعْطِي زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ إِلَّا القليلَ من وَقْتِك, وَلا تَرَاهُمْ إِلَّا فِي وَقْتِ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ أو النومِ فَقَطْ! فَلا يَسْمَعُونَ مِنْكَ نُصْحًا وَلا تَوْجِيهًا, وَلا يَأْنَسُونَ بُقُرْبِكَ مِنْهُمْ، أَوَ مُمَازَحَتِكَ لَهُمْ, فَكَيْفَ يَتَرَبَّوْن تربيةً حسنةً! بَلْ كَيْفَ يُحِبُّونَكَ ويأنسونَ بك وَهُمْ لا يَرَوْنَكَ إِلَّا قليلًا!
وَأَيْنَ حَقُّ زَوْجَتِكَ وَهِيَ لا تَرَاكَ إِلَّا وَقْتَ الْنومِ! وَرُبَّمَا تَأْتِيهَا وَأَنْتَ غَيْرُ مُتَهَيِئٍ أَصْلًا لا فِي مَظْهَرِكَ وَلا رَوَائِحَكَ! بَيْنَما يَفُوزُ زُمَلاؤُكَ وَأَصْدِقَاؤُكَ بِأغلبِ وَقْتِكَ وَحيَاتِكَ! أَوْ تَكُونُ مُنْشَغِلًا فِي مُطَارَدَةِ الدُّنْيَا مِنْ أَجْلِ الْعَائِلَةِ-بِزَعْمِكَ-ثُمَّ أَنْتَ تُهْمِلُ تِلْكَ الأُسْرَةِ التِي أَنْتَ تَشْقَى لِأَجْلِهَا!
إِنَّ زَوْجَتَكَ وَأَوْلادَكَ يحتاجونَ حَنَانِكَ وَرِعَايَتِكَ، وَتَوْجِيهِكَ وَنُصْحِكَ, ويحتاجونَ أَنْ تَجْلِسَ مَعَهُمْ، وَتَأْكُلَ مَعَهُمْ، وَتُمَازِحَهُمْ وَتَلاعُبَهُمْ, إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَرَوْكَ أَمَامَهُمْ, وَيَسْمَعُونَ صَوْتَكَ، وَيُحِسُّونَ بِرِعَايَتِكَ لَهُمْ!، إِنَّكَ بِجُلُوسِكَ مَعَهُمْ تُدْخِلُ عَلَيْهِمُ السُّرُورَ وَالأُنْسَ, وَتَطْرُدُ عَنْهُمُ الْملالَ، وَتُبْعِدُ عَنْهُمُ السَآمَةَ!
أَيُّهَا الأَبُ المباركُ: إِنَّ نُصْحَكَ لِأَفْرَادِ أُسْرَتِكَ بِشَفَقَةٍ وَأُسْلُوبٍ طيبٍ، لَهُ أَثَرٌ فِي صَلاحِهِمْ, وَلَهُ قُوَّةٌ فِي هِدَايَتِهِمْ! فَاسْتَعْمِلْ هَذَا، وَاسْتَمِرَّ مَعَهُمْ، وَأَبْشِر فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَكَ وَلا يُخَيِّبُ سَعْيَك!
عزيزي الأبُ: إِنَّ العِيْدَ فُرْصَةٌ لِبِدَايَةِ التَّغْيِيرِ فِي تَعَامُلِكَ مَعَ أُسْرِتِكَ وَفِي قُرْبِكَ مِنْ أَوْلادِكَ, اتركْ لأَصْحَابِكَ-الذِينَ شَغَلُوكَ عَنْ أَهْلِكَ وَأَخَذُوكَ عَنْ زَوْجَتِكَ وَأَوْلَادِكَ-اتركْ لهم بعضَ الوقتِ، واجعلْ لأهلَك الكثيرَ منه, وَأرِ أُسْرَتُكَ فِي هَذَا العِيْدِ مَا يُدْخِلُ السَّعَادَةَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَيَجْلِبُ الأُنْسَ لِنُفُوسِهِمْ, فَاجْلِسْ مَعَهَمْ-وخصوصًا أَيَّامَ العِيدِ-وَآنِسْهُمْ وَضَاحِكْهُمْ, وَخُذْهُمْ مَعَكَ لِزِيَارَةِ أَرْحَامِكَ وَأَقَارِبِكَ, وحاولْ أَنْ تَخرجَ بهم للنزهةِ هنا أو هناك, وَلْتَكُنْ أَنْتَ وَأُسْرَتُكَ الصَّغِيْرَةُ فَقَطْ, ثُمَّ تَأَمَّلْ حِينَهَا حُسْنَ أَثَرِهَا عَلَيْهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا, وداومْ على هذا وَأَبْشِرْ-بِإِذْنَ اللهِ-بِمَا يَسُرُّك.
[/align]
المرفقات
812.doc
العيد فرصة للارتقاء بالأسرة-11-12-1436هـ-محمد الشرافي-المنبر-بتصرف.doc
العيد فرصة للارتقاء بالأسرة-11-12-1436هـ-محمد الشرافي-المنبر-بتصرف.doc
عبدالله العبدلي
بارك الله فيك
تعديل التعليق