العيد .. انتزاع الفرحة من بين الآلام

محمد مرسى
1435/09/28 - 2014/07/25 02:39AM
العيد .. انتزاع الفرحة من بين الآلام
الأُسوة والقدوة بالرسول -صلى الله عليه وسلم- مشروعة في شؤون الحياة العامة، تأمل قوله تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح:1). متى نزلت هذه السورة؟ نزلت في مكة، وفي فترة معاناة وألم وحرب وعدوان، ومع ذلك امتنَّ عليه بقوله: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) إذًا كان منشرح الصدر، (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (الشرح:3،2). وأوزاره -صلى الله عليه وسلم- ليست ذنوبًا، وإنما وضع الله تعالى عنه الهم والغم والثقل، ولذلك كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الهمِّ والغمِّ. فهذا الذي أثقل ظهره.
إن هم الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى إذا تعدَّى حد الاعتدال تحوَّل إلى كابوس، يثقل المسير، ولا يحقِّق الهدف، وقد عالجت السورة هذا المعنى بالوعد الإلهي الكريم: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:6،5)، فهو وعد صادق للمستقبل، وهو حديث عن الحاضر بقوله: (مَعَ الْعُسْرِ)، ولم يقل: (بعد العسر)، فثَمَّ يسر كان قبل العسر، ثم يسر معه، كما في هذه الآية، وهو مضاعف، ثم يسر بعده، كما في قوله تعالى: (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)(الطلاق: من الآية7)؛ لأنه لا يستطيع أن يواصل طريقه، واعتدال الشخصية الإنسانية من أسباب المواصلة وعدم الانقطاع.
والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كان يفرح في مكة، وفي المدينة، وفي الغزو، وفي كل الأحوال، ولم يُنقل أن المسلمين حوَّلوا عيدًا من الأعياد إلى مأتم أو حزن، وإنما كانوا يفرحون بالعيد، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يربِّي أصحابَه ويعلِّمهم على الفرح بالعيد والاستبشار به.
والقدرة على الجمع بين الفرح والسرور والاغتباط، مع الجد في الحياة واحتمال المسؤوليات، هي أساس الأمر وجوهره .
أما عن معاناة الأمة وآلامها: فالأمة بقدر ما فيها من النقائص والعيوب، فيها من الخيرات والبركات والمعاني الجميلة التي يمكن للإنسان أن يستذكرها، فليكن العيد فرصة لاستذكار ما يدعو إلى التفاؤل من صنوف الخير والبر والجود والكرم والإحسان.
يجب أن ندرك أن هذا لا يعني تقصير الإنسان في إحساسه بمعاناة الآخرين، لكن عليه ألَّا يقصِّر في حفظ حق نفسه، ومجرد اجترار الأحزان لا يغيِّر من الواقع شيئًا، لكن التعاطف والتفاعل بالقول أو بالفعل أو بالمشاركة العقلية أو الحضورية، هو ما نحتاج إليه.
والاعتدال في الفرح والضحك مطلوب، وقد تبسَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه.
وداعب أصحابه وأزواجه والكبار والصبيان والبدو والحضر، وهكذا كان أصحابه، بل من أصحابه مَن هو متخصِّص في الضحك والإضحاك وصناعة الابتسامة في مكانها الطبيعي.
أما المعنى الثاني، فهو المعاناة الخاصة والشخصية التي تحرم الإنسان من فرحة العيد.
والمؤمن إذا رضي وسلَّم، واستحضر القضاء والقدر؛ فإنه يحمد الله على أن المصيبة كانت أقل مما هو أعظم منها. وفي كل حال يجد المرء من الألطاف الخفيَّة والمنح الإلهية ما لا يدركه إلَّا مَن عاش وجرَّب، حتى إنه قد يأنس بالحال التي هو عليها، ولا يبتغي عنها حِوَلًا.
فقد يمر العيد بالإنسان وهو سجين، فيشعر بأنه معزول عن أهله وأطفاله، وأن الناس تفرح في العيد وهو محروم . وقد يقع في السجن انعتاق للروح والعقل من أسر العادة والمألوف والسياق الذي مضى عليه الإنسان، فيفرح بقربه من الله، ويشعر بحرية أهل الكهف الذين خرجوا من قصورهم قائلين: (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً)(الكهف: من الآية16). أو يكون الإنسان مريضًا، وربما صحَّت الأبدانُ بالعلل، ومن المرض طهور وكفارة وزلفى إلى رب العباد.
لأنه منك حلوٌ عندي المرضُ ... حاشا فلستُ على ما شئتَ أعترضُ
وقد أصاب المرضُ أيوبَ ، فقال الله: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(صّ: من الآية44).
ويحسن بالمؤمنين الاعتبار بالمنهج النبوي؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- في مكة كانت لديه آلام كافية وأحزان مستمرة، وهناك عام يسمونه: (عام الحزن)، لكن كان لديهم اثنا عشر عامًا لم تكن أعوام أحزان، بل كان الغالب عليها السرور، والرضا، وقرة العين بالوحي والرسالة والإسلام، والنعم في النفس والأهل والمال والولد، واعتبار مواضع الحكمة في القضاء والقدر.
وهكذا الحال في المدينة، كانوا يذهبون في سريَّة أو في غزو أو في مواجهة عدو، ومع ذلك كانوا يتبادلون الأشعار ويتمازحون.
وفي أول الهجرة عند بناء المسجد كانوا يردِّدون:
لئن قَعَدْنا والنَّبيُّ يَعملُ ... ذاك إذًا لعملٌ مُضـلَّـلُ
لا يَستوي مَن يَعمُرُ المساجِدا ... يَدْأبُ فيها قائمًا وقاعدَا
ومَن يُرى عن الغبار حائدَا
وكان اسم أحد الصحابة: «جُعيل» فغيَّره النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وسمَّاه: «عمرًا»، فالتقط الصحابة وهم في عملهم ومزاحهم والأهازيج التي يردِّدونها هذه المبادرة الأبوية والتكرمة النبوية، وسبكوها ضمن نشيدهم، فقالوا: سمَّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعيلٍ عَمْرَا ... وكانَ للبائِسِ يومًا ظَهْرَا
وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يردِّد معهم، فيقول: «عمرَا»، «ظهرَا». وفي «السنن» أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سابق عائشةَ وهم في غزوة، فسبقته مرة، وسبقها أخرى. فهذا معناه أنه يمكن انتزاع الفرح من براثن الظروف الصعبة، والابتهاج بفضل الله ورحمته. الفرح جزء من تكويننا الفطري، وجزء من الحياة، وعلينا أن نفرح باعتدال،
المشاهدات 1363 | التعليقات 0