"العودة للدراسة، والمسؤولية المشتركة"
عبدالمحسن بن محمد العامر
الحمد لله المبدئ المعيدِ، الفعالِ لما يريد، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ الربُّ المجيدُ، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله المبعوثُ بالتوحيدِ، والمبشَّرِ بالنصر والتأييد، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم البعث الأكيد.
أما بعد: فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فما اعتصم بها أحدٌ إلا نجى، ولا تمسّك بها عبدٌ إلا اهتدى
" وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون"
معاشر المؤمنين: يعود أولادنا بعد غدٍ إلى مقاعد الدراسة بعد غيابٍ عنها بسبب الجائحة العالمية " كورونا" وبعد أنْ قضوا أيام الإجازة الطويلة التي كانت بعد دراسةٍ عن بعدٍ امتدت لأكثر من عام دراسي.
مع هذه العودة نتفاءل خيراً، ونستبشر فرجاً، ونترّقب تعافياً من هذا الوباء الذي طال أمدُه، وامتدّ وقته، وتعددت تحوُّراتُه، وهكذا هي الشدائدُ والكروبُ، تزول حين تعظم وتشتدّ، وتنفرج حين تضيق وتحتدّ:
اشتَدَّي أزمَةُ تَنفَرِجي *** قَد آذَنَ لَيلُكِ بِالبَلَجِ
وَظَلامُ اللَّيلِ لَهُ سُرُجٌ ***حَتّى يَغشَاهُ أبُوالسُرُجِ
معاشر المؤمنين: لقد خلق الله الإنسان وحمّله مسؤولية نفسه ومسؤولية غيره، فلا يفرط بهذه ولا بتلك، وهو محاسب على ما يجنيه على نفسه من شرٍّ وضررٍ وأذى، ومحاسب أيضاً على ما يجنيه على غيره من شرٍّ وضررٍ وأذى، يقولُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا ضرَرَ ولا ضِرارَ" فهذه قاعدة من قواعد الدين العظيمة، ومضمونها؛ تحميل كلِّ نفْسٍ مسؤوليةَ حجزِ وحجبِ ودفعِ الضررِ عن النفْسِ وعن غيرها.
وليس هذا فحسب بل ينبغي للمسلم أن يكون مصدرَ سلامةٍ لنفْسِه وللمسلمين يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "المُسْلِمُ مَن سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِن لِسانِهِ ويَدِهِ" رواه البخاري
وتأكيداً على حجبِ شرور النفْسِ ومنعها عن الذات وعن غيرها؛ سُنَّ للمسلمِ أنْ يستعيذ بالله من جرّ السوءِ للنفْس ولغيرها من المسلمين؛ فقد جاء دعاءُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي شرعه لأمته في الصباح والمساء: "اللهمَّ فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَهُ، أشهد أنْ لا إلهَ إلا أنتَ أعوذُ بكَ من شرِّ نفسي ومنْ شرِّ الشيطانِ وشِركهِ وأنْ أقترفَ على نفسي سوءًا أوْ أجرَّهُ إلى مسلمٍ" رواه أبو داود وصححه الألباني.
معاشر المؤمنين: هذه الأحاديث النبوية، وغيرها من النصوص الشرعية، تقعّدُ لنا الأخذَ بالإجرات الاحترازية، وتؤكد علينا المحافظة على سلامتنا وسلامةِ غيرنا، وهذا ما يجب أنْ نعمل به ونرسّخه في سلوك أولادنا، خاصة في خضمّ عودتهم لمدارسهم، ومخالطتهم لمنسوبيها، واندماجهم مع غيرهم.
إنَّ المسؤولية مشتركة؛ فالجسدُ واحدٌ؛ إذا أُصيبَ عضوٌ منه؛ فكلّه سيعاني الألمَ والسهرَ، وإذا تعافى؛ فكلُّه سينعمُ بالراحة والسعادة.
وتحمّلُ المسؤولية واستشعارها والإحساسُ بها؛ تربيةٌ، وتنشئةٌ، وتعويدٌ، تبدأ من الوالدين، إذ أنهما القدوة الأولى والمُثْلى للأولاد، ومِنْ ثَمَّ تكون من كبار العائلةِ والأسرةِ، ومن بعدهم رؤوسُ المجتمعِ وقاماتُه.
وإياكم أنْ تظنوا أنّ أولادكم صغارٌ على إدراكِ المسؤوليةِ وتحمِّلها، فقد ذكر علماءُ التربيةِ والسلوكِ أنَّ الطفلَ يبدأ بتحمّل المسؤولية من السنَّة الثالثة من عمره.
والتربيةُ على المسؤوليةِ ــ عباد الله ــ من وقايةِ الأهلِ النارَ التي أمر الله بها، قال تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"
بارك الله لي ولكم بالكتاب والسنة، ونفعنا بما صرف فيهما من الآيات والحكمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب وخطيئة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على خيره وفضله، والشكر له على عطائه وعدله، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله " إنّ الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون"
معاشر المؤمنين: القيام بالمسؤولية وتحمُّلُها؛ إيجابية ونجاح ونجاة، والإخلال بها؛ ذنب وخطيئة، وعواقبه وخيمة وأليمة، وضرره متعدٍّ.
ولأجلِ السلامةِ من التبعةِ، وحتى لا نعضّ أصابع الندم، ومِنْ ثَمَّ نعودُ إلى حال الشدة والألم؛ علينا أنْ نقوم بمسؤولية أنفسنا حق القيام، وأنْ نضع أيدينا بأيدي المسؤولين في مدارس أولادنا، وأنْ نفهّم أولادنا معانيَ المسؤوليةِ الساميةَ، وقيمَها الراقيةَ، وكذلك نفهّمهم خطورةَ الاتكاليةِ والتواكلِ، وتقاذفِ المسؤوليةِ.
ومِنْ مسؤوليتنا جميعاً أنْ نأخذ على أيدي المفرطين في المسؤولية، وأنْ نمنعهم من إيذاء أنفسهم ومجتمعهم، قال صلى الله عليه وسلم " مَثَلُ القائِمِ علَى حُدُودِ اللَّهِ والواقِعِ فيها، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا علَى سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا علَى مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنَّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا علَى أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا." رواه البخاري
وبعدُ عباد الله: بذلت الجهات المختصة جهودها، وقدّمت مساعيها، وفعلت من الأسباب ما يكفي ــ بإذن الله ــ لوقاية أولادنا من وباء "كورونا" حال عودتهم لمقاعد الدراسة، وبقي وعيُنا ودورنا وتحمّلُنا مسؤولياتنا، فلنكن خير مَنْ يعي ويمتثل، وخير مَنْ يستشعر ويبادر.
هذا وصلوا وسلموا على رسول الله كما أمركم بذلك الله إذ يقول: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "