العنف ضد المرأة بمفهومنا أم بمفهوم الغرب
د. منصور الصقعوب
1433/05/26 - 2012/04/18 10:29AM
الخطبة الأولى 21/5/1433هـ
أما بعد: فإن الله أكرم المرأة ورفع شأنها وأعلى قدرها وكفل لها من الحقوق ما لن تجده في أي ملة أخرى, ففي الإسلام المرأة مقدرة إن كانت أماً أو زوجة أو كانت بنتاً, ومهما طوّف الناس وتكلموا في قضية المرأة فلن يجدوا لا شرعة حفظت لها الحقوق, وحمتها من التجني, وأكرمتها غاية الإكرام مثل شرعة الإسلام.
عباد الله: وقضية باتت في هذه الأيام مثار حديث وكلام في شأن المرأة, تناولها المتكلمون والإعلاميون, وأقيمت لها الندوات واللقاءات, واعتنت بها منظمة الأمم المتحدة – وهذا مثار الشبهة- هذه القضية هي ما يسمى بالعنف ضد المرأة أو العنف الأسري, فيا ترى ما هو هذا العنف, وما حقيقته وماذا يراد به, وما دور الإسلام في درأه؟
وباديء ذي بدء فمما لا شك فيه أن الإسلام دين الرحمة والسماحة, دين نهى عن التعدي لا على المرأة فحسب, بل حتى على الكافر المعاهد وحتى على الحيوان, وكل ناظر في الشريعة يجد من النصوص الكثير مما ينهى عن كل صور العنف ضد المرأة زوجة كانت أو بنتاً أو غير ذلك, فالنبي r نهى عن ضرب المرأة وحين جاءه بعض الصحابة وقال يا رسول الله ذئرن النساء على أزواجهن رخص في الضرب اليسير, وقال بعد ذلك عن الضارب للمرأة« لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ » ولم يُعهد عنه أنه ضرب امرأة ولا بنتاً ولا خادماً, وكان عليه السلام يحسن إلى المرأة في المال والأخلاق والعواطف والتعامل وغير ذلك.
ويوم أن تحدث صور نشازٌ هي من قبيل العنف ضد المرأة فإنها لا تنسب للدين, ولا يجوز بحالٍ القول بأن الإسلام لم يحفظ للمرأة حقها, ولا يجوز القول أيضاً بأن تلك ظاهرة في مجتمعات المسلمين, فما زالت قضايا فريدة محدودة.
معشر الكرام: وحديث أهل الإسلام عن العنف الأسري أو العنف ضد المرأة يختلف تماماً عما تنادي به الجمعيات التغريبية, وعما يتكلم عنه بعض أصحاب الفكر المنحرف.
عباد الله: إن دين الإسلام حرم الظلم, وهو في حق القرابات أشد وطئاً ومضضاً, وحين يمارس على المرأة التي فطرها الله على الضعف فهو أشد وأسوأ
ولم يزل العلماء والقضاة, والمصلحون والدعاة يبينون حرمة العنف تجاهها أياً كانت صورته, ويذودون عن المرأة لا من عندهم بل نهلاً من معين شرعة الإسلام الكاملة.
وأرى أن من لباب المقال التعريج على بعض صور العنف المحرم ضد المرأة.
ألا وإن القسوة في المعاملة ؛ بالضرب تارة، و بالحبس والحرمان من الحقوق, والتجني في الألفاظ, والأذى في الأبدان, والتخويف والإذلال, نوع من العنف الأسري لا يجوز.
ولئن كان الضرب المبرح للأولاد نوعٌ من العنف الذي لا يرتضى, ولا يعالج مشكلة بل يزيد نفوراً, إلا أن أسوأ ما يكون الضرب المبرح حين يقع على الزوجات, وذاك نوعٌ من العنف مشين, وطبعٌ لا يفعله الكريم, وتعجب أن تمتد يدُ رجل يتباهى بقوته إلى امرأة طبعت على الضعف, وقد أنكر النبي ج على من مدّ يده على امرأة, وقال ليس أولئك بخياركم, فليس بكريم من أكرمه أناسٌ بابنتهم ثم استغل ضعفها فتطاول عليها, وذلكم عنف وظلم لا يرضاه مسلمٌ أبداً, فالضرب في الإسلام للزوجة له حدّ, حين تتعذر كل الطرق للإصلاح, ويكون غير مبرح للتأديب لا للإيلام, وما عدى ذلك فمما ينهى عنه ديننا.
عباد الله: وعضل البنت بتأخير تزويجها, وردّ الخطاب الأكفاء عنها, إما طمعاً في مالها, أو بقصد التنكيل بها أو بأمها.
وكم من فتاةٍ تئن وتشكو ضيم الأقربين حين أغلق الأب الأبواب في وجه الخطاب, وبعدما كانت مطلب الرجال تقدمت السنين فتضائلت في الزواج الآمال, حتى باتت تتمنى نصف رجل أو ربعه, والسبب عنف أبٍ وعضله.
وليس بأقل من ذلك من حجر الفتاة على الزواج من قريب, أو أجبر الفتاة على تزوج من لا تريد, إما لطمع أو لعرف أو لقرابة وغيره, فتظل تشكو وربما كان ذلك سبب طلاقها أو انحرافها, لكنها العوائد أو هو الطمع, ودين الإسلام اشترط الرضا في النكاح, ليعلم الأباء أن البنت ليست سلعة تباع بلا رضا, بل لا بد من رضاها .
عباد الله: وحرمان المرأة من زيارة أهلها أو من رؤية أولادها إن لم يكونوا عندها صورة من الظلم منكرة, وإذا كان نبينا أخبر عن دخول امرأة بسبب هرة حبستها, فكيف بمن يحبس امرأة عن أهلها, أو أطفالاً عن أمهم المطلقة, فلا هم يرونها, تنكيلاً بها, وذاك جرم لا يرضاه كل مسلم.
فماذا يحلِّل لك أيها الولي أن تمنع الأم من رؤية أولادها لأنك طلقتها, أوليست الأم أقدر على الرعاية فما شأنك تقاتل كي تنال الولاية لا لمصلحتهم بل لإلحاق الضرر بأمهم, لا تنسى أن الذي حرم الظلم على نفسه سبحانه وجعله بين عباده محرماً لا يحب الظالم وينتقم منه يوماً وإن أمهله أياماً
معشر الكرام: والجور والظلم للزوجة عن التزوج بأخرى عليها صورة من العنف شنيعة, جعلت البعض يظن أن لا تعدد إلا بظلم وجور, حين رأى المعدِّد جعل الثانية حظية والأولى معلقة مهضومة, ليس لها نصيب من نفقة الزوج ومؤاسته وأسفاره وإمتاعه, نسي السنين الخوالي, ونبذ الوفاء, ولربما طلق على كبر, لأنه ما عاد يتمكن من قضاء الوطر, وتلك صورة عنف نهى الشرع عنها, وقال المصطفى ج « مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ » رواه أبو داود .
عباد الله: وصور العنف ضد المرأة أكثر من هذا, فالتقتير على الزوجة والأولاد في النفقة حتى يتكففون الناس, وإيذاءها بالألفاظ السيئة, وهجر البيت وعدم المكث فيه إلا في أوقات الراحة, وإجبار المرأة على أمور محرمة, والإبقاء على البنت بلا تعليم وتربية شرعية, كل هذه صور من العنف تجاه المرأة, وهي أمور لا يرضاها الإسلام وينهى عنها علماء الإسلام, وتنفر منها أخلاق الكرام, ولا يقع فيها إلا من نقصت ديانته ورجولته, فالله تكفل للمرأة بحقها, وأمر بالإحسان إليها, وحذر من الظلم لها, فللزوجة مثل ما عليها بالمعروف, وخير الرجال خيرهم لأهله, ولا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر, ومن أحسن إلى البنات كان ذلك ستراً له من النار, وكل هذه أحاديث ونصوص أكد عليها خاتم الأنبياء, وحمى المرأة فيها من العنف’ فما أعظمها من شرعة, وما أحوجنا إلى العمل بها كي نحفظ لكل امريء رجل أو امرأة حقه, وهذا العدل والوفاء لا يكون إلا في الإسلام.
الخطبة الثانية:
في السنوات المتأخرة ظهر مصطلح العنف ضد المرأة من قِبَل الأمم المتحدة, وباتت الأمم تلزم الدول بالقضاء على كل مصادر العنف تجاه المرأة, بموجب اتفاقية تلزم بها كل الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة, فيا ترى ماذا يقصدون بالعنف ضد المرأة, وهل هو لشفقتهم على المرأة, أو أن المقصود إغراق المجتمعات لا سيما المسلمة في أوحال الرذيلة ؟
دعونا نتأمل في حقيقة الدعوى
إن العنف ضد المرأة عند الأمم المتحدة, والذي وللأسف تطالب به بعض الأصوات يعرّفونه بما يلي " أي فعل عنف يمارس من أحد أفراد الأسرة ضد المرأة بسبب كونها امرأة، وقد يترتب عليه أذى أو معاناة للأنثى، من الناحية الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الاقتصادية، بما في ذلك الحرمان من الحرية.
وتحت هذا المصطلح الفضفاض باتت القرارات تصدر, والمؤتمرات النسائية تنادي بالقضاء على عدة أمور هي من شرعنا, بحجة أنها من العنف ضد المرأة
والمؤسف في الأمر أن هذه الاتفاقية قد التزمت بها حتى دول الخليج, فمسارعٌ لتنفيذ الاتفاقية, ومتروٍ متدرج.
فمن العنف في حق المرأة تزويجها دون سن الثامنة عشرة
من العنف ضدها منعها من الاختلاط بالرجال, وإيجاد فوارق بينها وبين الرجل, والوقوف في وجهها تجاه مصاحبتها لمن شاءت, فالعنف عندهم أن تمنع الفتاة من مصاحبة من شاءت ذكراً أو أنثى.
وكل حديث عن قوامة الرجل على المرأة فهو عنف تجاهها, فهم يريدون أن تستقل المرأة بنفسها, في سفرها وعملها وحتى تزوجها وولايتها, فليس للرجل عليها حقاً وقوامةً وولايةً, أباً كان أو زوجاً .
العنف ضد المرأة في منظورهم تعدد الزوجات, بينما تعدد الخليلات حرية لا يعترض عليها.
فصل التعليم عنف وتمييز, وعدم تحديد النسل عنف, وقيام المرأة بدور الأمومة ورعاية الأسرة تعده الوثائق عنفًا ضد المرأة باعتباره (عملاً غير مدفوع الأجر)، وفيه ظلم للمرأة بحرمانها من عمل يدر عليها ربحًا, وجماع الأمر عندهم أن كل تفريق بين الرجل والمرأة يعد عنفاً ضدها ينبغي نبذه والقضاء عليه
ومن هذا الباب بُلينا بدعوات غريبة تغريبية من قبل بعض المستغربين في بلادنا, وباتت بعض التوصيات والقرارات تصدر من بعض المؤتمرات وهي تخالف شرع الله أولاً, ثم ما ينص عليه ولاة أمرنا.
الاختلاط في التعليم بدءاً من الصفوف الدنيا, المطالبة بقيادة المرأة للسيارة, مشاركة المرأة في البطولات الرياضية, إدخال الرياضة في مدارس البنات, وإيجاد فرق رياضية نسائية, إيجاد الجو المختلط بين الرجال والنساء في الأسواق والندوات والمؤتمرات والمستشفيات, الزج بالمرأة للعمل في أماكن تختلط فيها مع الرجال, سفر المرأة وسكنها بلا اشتراط ولي, عدم التزويج لمن دون الثامنة عشرة, وهكذا في قائمة نقابل بها في كل يومٍ, وكل هذا حسب الضوابط الشرعية كما يقال, ولا أدري هل يُظنُّ أن الناس ساذجون لكي يخدعوا بمثل هذه العبارات, وأي ضوابط شرعية تراد ؟!.
عباد الله: ومع كل هذا المكر الكُبّار, والكيد الذي يراد لبلاد الإسلام إلا أن في الأمة خيراً كبيراً, ونبذ المجتمع لمظاهر الإفساد ما زال متماسكاً, وهنا فكم نحن بحاجة أيها الكرام لا سيما في هذه الحقبة الحرجة التي يسعى فيها أهل الشر لتمرير مخططاتهم مستقوين بالدعم الخارجي, كم نحن بحاجة جميعاً إلى أن يكون لنا دور في الحفاظ على طهر المجتمع ونبذ العنف الحق الذي يريدونه ضد المرأة.
عبر إصلاح بيوتنا ونسائنا أولاً, وأن نحصن العقول حتى لا تتسمم بأفكار الغرب وربائبهم
وبعد هذا أن نطرح المشاريع النافعة لإصلاح المرأة وتوجيهها, والمجالات كثيرة لا ينبغي أن نقف بها عند حدود إقامة دار تحفيظ, وذلك خير, لكن إشغال الفتاة بما ينفع, وربطها بالجهات المأمونة, وإشاعة الوعي لديها مطلب بات اليوم من الأهمية بمكان.
ودورنا في الاحتساب ضد كل مطالب بمظهر من مظاهر المساواة غير المشروعة لا بد أن يبقى, فالمكاثرة في الاحتساب, والتواصي على الإنكار لها دور مهم, وليس الأمر منوطاً بالصالحين دون غيرهم بل بالجميع فكلنا له بناتٌ وأخوات وزوجات, ولا نرضى لهن مالا يرضى الله.
وبعد أيها الكرام ففرقان بين العنف الذي نستنكره, وبين العنف الذي ينادي بنبذه المستغربون, فمن تكلم عن العنف فلا بد أن يكون موضحاً لمراده, وديننا مقدمٌ عندنا, ولئن كان التعدي على المرأة صورةً من العنف ينبغي أن ينكر, إلا أن العنف الحقيقي ضد المرأة هي أن يحاد بها عن شرع ذي الجلال, ويزج بها في أماكن الرجال, فاللهم احم نسائنا من العنف بصوره.
أما بعد: فإن الله أكرم المرأة ورفع شأنها وأعلى قدرها وكفل لها من الحقوق ما لن تجده في أي ملة أخرى, ففي الإسلام المرأة مقدرة إن كانت أماً أو زوجة أو كانت بنتاً, ومهما طوّف الناس وتكلموا في قضية المرأة فلن يجدوا لا شرعة حفظت لها الحقوق, وحمتها من التجني, وأكرمتها غاية الإكرام مثل شرعة الإسلام.
عباد الله: وقضية باتت في هذه الأيام مثار حديث وكلام في شأن المرأة, تناولها المتكلمون والإعلاميون, وأقيمت لها الندوات واللقاءات, واعتنت بها منظمة الأمم المتحدة – وهذا مثار الشبهة- هذه القضية هي ما يسمى بالعنف ضد المرأة أو العنف الأسري, فيا ترى ما هو هذا العنف, وما حقيقته وماذا يراد به, وما دور الإسلام في درأه؟
وباديء ذي بدء فمما لا شك فيه أن الإسلام دين الرحمة والسماحة, دين نهى عن التعدي لا على المرأة فحسب, بل حتى على الكافر المعاهد وحتى على الحيوان, وكل ناظر في الشريعة يجد من النصوص الكثير مما ينهى عن كل صور العنف ضد المرأة زوجة كانت أو بنتاً أو غير ذلك, فالنبي r نهى عن ضرب المرأة وحين جاءه بعض الصحابة وقال يا رسول الله ذئرن النساء على أزواجهن رخص في الضرب اليسير, وقال بعد ذلك عن الضارب للمرأة« لَقَدْ طَافَ بِآلِ مُحَمَّدٍ نِسَاءٌ كَثِيرٌ يَشْكُونَ أَزْوَاجَهُنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ » ولم يُعهد عنه أنه ضرب امرأة ولا بنتاً ولا خادماً, وكان عليه السلام يحسن إلى المرأة في المال والأخلاق والعواطف والتعامل وغير ذلك.
ويوم أن تحدث صور نشازٌ هي من قبيل العنف ضد المرأة فإنها لا تنسب للدين, ولا يجوز بحالٍ القول بأن الإسلام لم يحفظ للمرأة حقها, ولا يجوز القول أيضاً بأن تلك ظاهرة في مجتمعات المسلمين, فما زالت قضايا فريدة محدودة.
معشر الكرام: وحديث أهل الإسلام عن العنف الأسري أو العنف ضد المرأة يختلف تماماً عما تنادي به الجمعيات التغريبية, وعما يتكلم عنه بعض أصحاب الفكر المنحرف.
عباد الله: إن دين الإسلام حرم الظلم, وهو في حق القرابات أشد وطئاً ومضضاً, وحين يمارس على المرأة التي فطرها الله على الضعف فهو أشد وأسوأ
ولم يزل العلماء والقضاة, والمصلحون والدعاة يبينون حرمة العنف تجاهها أياً كانت صورته, ويذودون عن المرأة لا من عندهم بل نهلاً من معين شرعة الإسلام الكاملة.
وأرى أن من لباب المقال التعريج على بعض صور العنف المحرم ضد المرأة.
ألا وإن القسوة في المعاملة ؛ بالضرب تارة، و بالحبس والحرمان من الحقوق, والتجني في الألفاظ, والأذى في الأبدان, والتخويف والإذلال, نوع من العنف الأسري لا يجوز.
ولئن كان الضرب المبرح للأولاد نوعٌ من العنف الذي لا يرتضى, ولا يعالج مشكلة بل يزيد نفوراً, إلا أن أسوأ ما يكون الضرب المبرح حين يقع على الزوجات, وذاك نوعٌ من العنف مشين, وطبعٌ لا يفعله الكريم, وتعجب أن تمتد يدُ رجل يتباهى بقوته إلى امرأة طبعت على الضعف, وقد أنكر النبي ج على من مدّ يده على امرأة, وقال ليس أولئك بخياركم, فليس بكريم من أكرمه أناسٌ بابنتهم ثم استغل ضعفها فتطاول عليها, وذلكم عنف وظلم لا يرضاه مسلمٌ أبداً, فالضرب في الإسلام للزوجة له حدّ, حين تتعذر كل الطرق للإصلاح, ويكون غير مبرح للتأديب لا للإيلام, وما عدى ذلك فمما ينهى عنه ديننا.
عباد الله: وعضل البنت بتأخير تزويجها, وردّ الخطاب الأكفاء عنها, إما طمعاً في مالها, أو بقصد التنكيل بها أو بأمها.
وكم من فتاةٍ تئن وتشكو ضيم الأقربين حين أغلق الأب الأبواب في وجه الخطاب, وبعدما كانت مطلب الرجال تقدمت السنين فتضائلت في الزواج الآمال, حتى باتت تتمنى نصف رجل أو ربعه, والسبب عنف أبٍ وعضله.
وليس بأقل من ذلك من حجر الفتاة على الزواج من قريب, أو أجبر الفتاة على تزوج من لا تريد, إما لطمع أو لعرف أو لقرابة وغيره, فتظل تشكو وربما كان ذلك سبب طلاقها أو انحرافها, لكنها العوائد أو هو الطمع, ودين الإسلام اشترط الرضا في النكاح, ليعلم الأباء أن البنت ليست سلعة تباع بلا رضا, بل لا بد من رضاها .
عباد الله: وحرمان المرأة من زيارة أهلها أو من رؤية أولادها إن لم يكونوا عندها صورة من الظلم منكرة, وإذا كان نبينا أخبر عن دخول امرأة بسبب هرة حبستها, فكيف بمن يحبس امرأة عن أهلها, أو أطفالاً عن أمهم المطلقة, فلا هم يرونها, تنكيلاً بها, وذاك جرم لا يرضاه كل مسلم.
فماذا يحلِّل لك أيها الولي أن تمنع الأم من رؤية أولادها لأنك طلقتها, أوليست الأم أقدر على الرعاية فما شأنك تقاتل كي تنال الولاية لا لمصلحتهم بل لإلحاق الضرر بأمهم, لا تنسى أن الذي حرم الظلم على نفسه سبحانه وجعله بين عباده محرماً لا يحب الظالم وينتقم منه يوماً وإن أمهله أياماً
معشر الكرام: والجور والظلم للزوجة عن التزوج بأخرى عليها صورة من العنف شنيعة, جعلت البعض يظن أن لا تعدد إلا بظلم وجور, حين رأى المعدِّد جعل الثانية حظية والأولى معلقة مهضومة, ليس لها نصيب من نفقة الزوج ومؤاسته وأسفاره وإمتاعه, نسي السنين الخوالي, ونبذ الوفاء, ولربما طلق على كبر, لأنه ما عاد يتمكن من قضاء الوطر, وتلك صورة عنف نهى الشرع عنها, وقال المصطفى ج « مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ » رواه أبو داود .
عباد الله: وصور العنف ضد المرأة أكثر من هذا, فالتقتير على الزوجة والأولاد في النفقة حتى يتكففون الناس, وإيذاءها بالألفاظ السيئة, وهجر البيت وعدم المكث فيه إلا في أوقات الراحة, وإجبار المرأة على أمور محرمة, والإبقاء على البنت بلا تعليم وتربية شرعية, كل هذه صور من العنف تجاه المرأة, وهي أمور لا يرضاها الإسلام وينهى عنها علماء الإسلام, وتنفر منها أخلاق الكرام, ولا يقع فيها إلا من نقصت ديانته ورجولته, فالله تكفل للمرأة بحقها, وأمر بالإحسان إليها, وحذر من الظلم لها, فللزوجة مثل ما عليها بالمعروف, وخير الرجال خيرهم لأهله, ولا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر, ومن أحسن إلى البنات كان ذلك ستراً له من النار, وكل هذه أحاديث ونصوص أكد عليها خاتم الأنبياء, وحمى المرأة فيها من العنف’ فما أعظمها من شرعة, وما أحوجنا إلى العمل بها كي نحفظ لكل امريء رجل أو امرأة حقه, وهذا العدل والوفاء لا يكون إلا في الإسلام.
الخطبة الثانية:
في السنوات المتأخرة ظهر مصطلح العنف ضد المرأة من قِبَل الأمم المتحدة, وباتت الأمم تلزم الدول بالقضاء على كل مصادر العنف تجاه المرأة, بموجب اتفاقية تلزم بها كل الدول المنضوية تحت لواء الأمم المتحدة, فيا ترى ماذا يقصدون بالعنف ضد المرأة, وهل هو لشفقتهم على المرأة, أو أن المقصود إغراق المجتمعات لا سيما المسلمة في أوحال الرذيلة ؟
دعونا نتأمل في حقيقة الدعوى
إن العنف ضد المرأة عند الأمم المتحدة, والذي وللأسف تطالب به بعض الأصوات يعرّفونه بما يلي " أي فعل عنف يمارس من أحد أفراد الأسرة ضد المرأة بسبب كونها امرأة، وقد يترتب عليه أذى أو معاناة للأنثى، من الناحية الجسدية أو النفسية أو الجنسية أو الاقتصادية، بما في ذلك الحرمان من الحرية.
وتحت هذا المصطلح الفضفاض باتت القرارات تصدر, والمؤتمرات النسائية تنادي بالقضاء على عدة أمور هي من شرعنا, بحجة أنها من العنف ضد المرأة
والمؤسف في الأمر أن هذه الاتفاقية قد التزمت بها حتى دول الخليج, فمسارعٌ لتنفيذ الاتفاقية, ومتروٍ متدرج.
فمن العنف في حق المرأة تزويجها دون سن الثامنة عشرة
من العنف ضدها منعها من الاختلاط بالرجال, وإيجاد فوارق بينها وبين الرجل, والوقوف في وجهها تجاه مصاحبتها لمن شاءت, فالعنف عندهم أن تمنع الفتاة من مصاحبة من شاءت ذكراً أو أنثى.
وكل حديث عن قوامة الرجل على المرأة فهو عنف تجاهها, فهم يريدون أن تستقل المرأة بنفسها, في سفرها وعملها وحتى تزوجها وولايتها, فليس للرجل عليها حقاً وقوامةً وولايةً, أباً كان أو زوجاً .
العنف ضد المرأة في منظورهم تعدد الزوجات, بينما تعدد الخليلات حرية لا يعترض عليها.
فصل التعليم عنف وتمييز, وعدم تحديد النسل عنف, وقيام المرأة بدور الأمومة ورعاية الأسرة تعده الوثائق عنفًا ضد المرأة باعتباره (عملاً غير مدفوع الأجر)، وفيه ظلم للمرأة بحرمانها من عمل يدر عليها ربحًا, وجماع الأمر عندهم أن كل تفريق بين الرجل والمرأة يعد عنفاً ضدها ينبغي نبذه والقضاء عليه
ومن هذا الباب بُلينا بدعوات غريبة تغريبية من قبل بعض المستغربين في بلادنا, وباتت بعض التوصيات والقرارات تصدر من بعض المؤتمرات وهي تخالف شرع الله أولاً, ثم ما ينص عليه ولاة أمرنا.
الاختلاط في التعليم بدءاً من الصفوف الدنيا, المطالبة بقيادة المرأة للسيارة, مشاركة المرأة في البطولات الرياضية, إدخال الرياضة في مدارس البنات, وإيجاد فرق رياضية نسائية, إيجاد الجو المختلط بين الرجال والنساء في الأسواق والندوات والمؤتمرات والمستشفيات, الزج بالمرأة للعمل في أماكن تختلط فيها مع الرجال, سفر المرأة وسكنها بلا اشتراط ولي, عدم التزويج لمن دون الثامنة عشرة, وهكذا في قائمة نقابل بها في كل يومٍ, وكل هذا حسب الضوابط الشرعية كما يقال, ولا أدري هل يُظنُّ أن الناس ساذجون لكي يخدعوا بمثل هذه العبارات, وأي ضوابط شرعية تراد ؟!.
عباد الله: ومع كل هذا المكر الكُبّار, والكيد الذي يراد لبلاد الإسلام إلا أن في الأمة خيراً كبيراً, ونبذ المجتمع لمظاهر الإفساد ما زال متماسكاً, وهنا فكم نحن بحاجة أيها الكرام لا سيما في هذه الحقبة الحرجة التي يسعى فيها أهل الشر لتمرير مخططاتهم مستقوين بالدعم الخارجي, كم نحن بحاجة جميعاً إلى أن يكون لنا دور في الحفاظ على طهر المجتمع ونبذ العنف الحق الذي يريدونه ضد المرأة.
عبر إصلاح بيوتنا ونسائنا أولاً, وأن نحصن العقول حتى لا تتسمم بأفكار الغرب وربائبهم
وبعد هذا أن نطرح المشاريع النافعة لإصلاح المرأة وتوجيهها, والمجالات كثيرة لا ينبغي أن نقف بها عند حدود إقامة دار تحفيظ, وذلك خير, لكن إشغال الفتاة بما ينفع, وربطها بالجهات المأمونة, وإشاعة الوعي لديها مطلب بات اليوم من الأهمية بمكان.
ودورنا في الاحتساب ضد كل مطالب بمظهر من مظاهر المساواة غير المشروعة لا بد أن يبقى, فالمكاثرة في الاحتساب, والتواصي على الإنكار لها دور مهم, وليس الأمر منوطاً بالصالحين دون غيرهم بل بالجميع فكلنا له بناتٌ وأخوات وزوجات, ولا نرضى لهن مالا يرضى الله.
وبعد أيها الكرام ففرقان بين العنف الذي نستنكره, وبين العنف الذي ينادي بنبذه المستغربون, فمن تكلم عن العنف فلا بد أن يكون موضحاً لمراده, وديننا مقدمٌ عندنا, ولئن كان التعدي على المرأة صورةً من العنف ينبغي أن ينكر, إلا أن العنف الحقيقي ضد المرأة هي أن يحاد بها عن شرع ذي الجلال, ويزج بها في أماكن الرجال, فاللهم احم نسائنا من العنف بصوره.