العناية بحسن الأعمال.

أحمد بن ناصر الطيار
1446/04/13 - 2024/10/16 19:58PM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله, واعلموا أنّ كثيرًا من الناس يحرص على جمع الحسنات, بكثرة الصلاة, أو الصدقة, أو دعوة الكفار للإسلام, أو الذكر، ونحوها من الطاعات الشريفة, ولكنه لا يهتمّ بحسن واتقانِ عمله.

 وحسنُها: هو أنْ تكونَ على السنة, وتكونَ خالصةً لله, وأن تصلَ أعمالُ العبد وقرباتُه إلى قلبِه, فيصلح ويخشع ويُنيب ويعظم حبُّه لربه, وتوكّلُه عليه, وخوفُه منه, ورجاؤه له, ويُخرِج من قلبه العِللَ والأمراضَ والحظوظ، التي تمنع الأعمال أن تكون لله خالصة، وأن تصل إليه.

وقد انشغل كثيرٌ من الناس بالأعمال الظاهرة, وهؤلاء قد فوّتوا الأعلى بتحصيل الأدنى, وقدّموا المهمَّ على الأهم, والوسيلةَ على المقصود والغاية, وإنما شُرعت الأعمال الظاهرة لإصلاح القلب واستقامته, فالأعمال الظاهرة وسيلةٌ, وصلاحُ القلبِ واستقامتُه وتوجّهُه لله هو الغاية.

فكَما أنّ العناية بالجسد دون الرّوح لا ينفع, فكذلك العنايةُ بالعمل دون النيّة لا ينفع.

والمقصودُ بالأعمال كلّها ظاهرِها وباطِنها إنما هو صلاح القلب, وحياتُه وقيامُه بالعبودية بين يدي ربه وإلهِه.

وقد قال الله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا}

قال ابن كثير رحمه الله: وَلَمْ يَقِلْ: أَكْثَرُ عَمَلًا, بَلْ {أَحْسَنُ عَمَلا}, وَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ حَسَنًا حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، عَلَى شَرِيعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَمَتَى فَقَدَ الْعَمَلُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنَ الشَّرْطَيْنِ بَطَلَ وَحَبِطَ. ا.ه

وعلّم النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بن جبل رضي الله عنه أن يقول في دُبُرِ كُلِّ صَلَاة: "اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ", ولم يقل: أَعِنِّي عَلَى كثرةِ عبادتك.

ولذلك قال تعالى :{إنما يتقبل الله من المتقين}, ولم يقل: من المكثرين من العمل.

وإنما شرع الله تعالى لنا العبادات لمصلحتنا ومنفعتنا وصلاحِ ظواهرنا وبواطننا.

 فحينما يقولُ العبد: سبحان الله, هل سيزداد الله تنزيهًا؟ لا, فهو المنزّه عن كلِّ نقص.

وحينما يقول: الله أكبر, هل سيزداد عظمة؟ لا, فهو العظيم جل جلاله.

وحينما نصلي ونصوم ونحج له, هل ستنفعه طاعاتنا؟ لا, فهو الغني عنا سبحانه.

وحينما يقول: الحمد لله, هل سينفعه حمدنا؟ لا, فهو المحمود في السماوات والأرض, و{تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ, وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.

إذن, لماذا نذكر الله ونصلي ونصوم؟

لأجل صلاحنا وتزكيتنا, فإذا لم تَعُدْ هذه العباداتُ علينا وعلى قلوبنا بالنفع والصلاح والإيمان، فإننا تركنا المقصودَ الأعظم من مشروعيّة هذه العبادات.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في قوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} بَيَانٌ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَصْلَحَةِ, أَيْ: ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي فِيهَا أَكْبَرُ مِن كَوْنِهَا نَاهِيَةً عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ, فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِنَفْسِهِ. ا.ه

وأمر الله تعالى نبيّه موسى عليه السلام أنْ يُقيم الصلاة لأجل ذكره تعالى فقال: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي}, أي: أقم الصلاة لتذكرني فيها.

 

نسأل الله أنْ يُصلح قلوبنا, وأن يزكّي أرواحنا, إنّه على كل شيء قدير.

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحين, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادقُ الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: إخوة الإيمان، لا يخفى أهميةُ أخذِ اللقاح الخاصّ بالإنفلونزا الموسمية للوقاية من الإصابة, وخاصةً مَن هم أشدّ عرضةً للخطر, مثلُ كبار السن.

وأخذ اللقاح يُعتبر من حفظ النفس, الذي يُعدّ أحدَ الضروريات الخمس التي أوصى بها ديننا الحنيف؛ وأخذه له أثرٌ في منْع انتشار العدوى, وتخفيفِ حدّة المرض, وأشَارتِ الدراساتُ الحديثةُ بأنّ كبار السن أكثرُ عرضةً لالتهابات الرّئة الحادّة, والنَّوباتِ القلبية, والسكتاتِ الدماغية, بسببِ مضاعفاتِ الانفلونزا الموسمية، وإنّ تلقي اللقاح يساهم بمشيئة الله في الحدّ من هذه المضاعفات بنسبةٍ كبيرة.​

 

نسأل الله أنْ يحفظنا بحفظه, وأن يكْلأنا برعايته, إنّ ربنا رؤوف رحيم.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

1729097907_العناية بحسن الأعمال.pdf

المشاهدات 703 | التعليقات 0