العنايةُ بالمساكين 29/4/1446
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء النجباء، ومن سار على نهجه واقتضى أثره إلى أن يرث الله الأرض والسماء:
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن مِن أعظم الأعمال التي تُقرِّب إلى الله تعالى, وترفع الدرجات, وتحط الخطايا, وتملأُ القلب أنساً وسروراً, وتبعث في النفس راحةً وحبورا, حبَّ المساكينِ والفقراء, والعنايةَ بهم, وسدَّ حاجتهم, ومُجالستَهم ومُحادثتَهم.
وإن المساكين من المسلمين لهم منزلةٌ عظيمةٌ عند الله رب العالمين.
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ, فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ, وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ.
أي: أنّ أصحاب الغنى والمال محبوسون ليحاسبوا على هذه النِّعَم.
وروى مسلمٌ في صحيحه, أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلاَلٍ, فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا, فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَقُولُونَ هَذَا لِشَيْخِ قُرَيْشٍ وَسَيِّدِهِمْ؟ فَأَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ؟ لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ», فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: يَا إِخْوَتَاهْ أَغْضَبْتُكُمْ؟ قَالُوا: لاَ, يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أُخَيَّ.
فتأمل كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مَن أغضب الفقراء والمساكين من المسلمين بدون جُرمٍ فعلوه: قد أغضب الله تعالى.
ومن هو الذي أغضبهم؟ إنه صديق الأمَّة, وأفضل مَن وطئت قدمُه الأرض بَعد الأنبياء, وهو رضي الله عنه إنما فعل ذلك مُتأولاً, لعلَّ قلْب أبي سفيان أنْ يلين للإسلام, ومع ذلك أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم حين أغضبهم؛ لأن المساكين لمَّا كُسرت قلوبهم بالمسكنة والفقر, عوَّضهم الله في الدنيا بوجوب احترامهم وتقديرهم, وفي الآخرة بدخُولهم الجنة قبل غيرهم.
وأما عنايةُ الصحابة والسلف الصالح بهم فأمرٌ عجيب.
فهذا الفاروقُ عمر رضي الله عنه حين وقف على امرأةٍ مسكينة جاءها المخاض، عاد يُهَرْوِلُ إلى بيته، فقال لامرأتِه: هل لك في أجرٍ ساقه الله إليكِ؟ وأخبرها الخبر، فقالت: نعم، فحمَل على ظهره دقيقاً وشحماً، وحملت امرأتُه ما يَصْلُحُ للولادةِ وجاءا، امرأتُه على المرأةِ، وجلس عمرُ مع زوجها يتحدَّث معه ويؤانسه، ولم يذهبا حتى ولدت المرأةُ وحَسُن حالها.
فعمرُ على جلالة قدره, وكثرةِ أشغاله, إلا أنه جعل للمساكينِ بعضاً من وقته, ومزيدًا من عمله وجُهده.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه, إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه, وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين, وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: أيها المسلمون: كان بعض السلف لا يأكل طعاماً إلا معهم.
فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه, لا يأكل طعاماً إلا وعلى مائدته يتيم.
وهذا إمام هذا الزمان, ابنُ بازٍ عليه الرحمةُ والرضوان, لا يأكل في طعامه إلا مع الفقراء والمساكين, فدائماً في سفرته لا يأكل إلا معهم!! حتى ضاق ذرعاً بعضُ الأغنياء والوجهاء, وقالوا لمن حول الشيخ: كلموا الشيخ بأننا نريد الشيخ أن يجعل طعامًا للفقراء، وأن يجعل طعامًا للخاصة ونجلس معه ونتحدث معه!
فغضب الشيخ رحمه الله لذلك غضباً شديدًا ثم قال: الذي لا يعجبه وتأبى نفسه أن يأكل مع الفقراء ليس بمجبور, ما أجبرنا أحدا، يخرج يأكل مع أهله، أما أنا فلن أغُيِّر من طريقتي شيئاً.
وكان السلفُ يرون الصدقةَ عليهم من أعظم الأعمال, وأحسنِ الخصال.
قال جابر بن زيد رضي الله عنه: لأن أتصدق بدرهم على يتيم أو مسكين, أحب إلي من حجة بعد حجة الإسلام.
وكانوا يحبونهم محبةً عظيمة, ويجدون لذَّةً وسروراً عند لقائهم.
فهذا علي بن حسين رحمه الله, إذا ناول السائل الصدقة, قبله ثم ناوله.
نسأل الله تعالى الثبات على الدينِ, ومحبّةَ ورعايةَ المساكين, إنه على كل شيء قدير.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1730396203_العنايةُ بالمساكين.pdf