العناية بالمساجد
الشيخ فهد بن حمد الحوشان
إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستغفرُهُ ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا من يهدِهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه ﷺ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) أما بعد فإِنَّ أصـدق الحديث كتابُ اللهِ وخيرَ الهَدْي هَدْيُ مُحَمَّدٍ ﷺ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٍ وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ عبادَ الله المساجد بُيُوتُ اللهِ تُقامُ فيها الصلاة ويُتلَى فيها القُرْآنُ ويُتدارَس فيها العلم قال تعالى (( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) وحِيْنَ وصَلَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى قُبَاء بَنَى مَسْجِدَهَا ولمَّا نَزَلَ المَدِيْنَةَ بَنَى مَسْجِدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسَّلَامُ وَقَدْ كانَ ﷺ يعتني بالمسجدِ أشدّ الاعتناءِ ويهتمُّ بشؤونِهِ دائماً وينظرُ فيما يصلُحه حتى يؤدي المسلمونَ عبادةَ الصَّلَاةِ فيه برَاحَةٍ وخشوعٍ وطمأنينةٍ
ومما يدلُّ على فضلِ الاعتناءِ بها حديثُ عائشةَ رضي اللهُ عنها أَنَّ رسولَ اللهِ ﷺ أمرَ ببناءِ المساجدِ في الدُّورِ وأنْ تُنَظّفَ وتُطَيّبَ فالمساجد جديرةٌ بكل عناية إنها بيوتُ اللهِ في أرضهِ وأحبُّ البقاع إليه لما لها من رسالةٍ عظيمة ففيها تقام الصلاة أعظم شَعائر الله وبها يجتمع جماعة المسجد يتفقَّد بعضهم بعضاً يُعرفُ مُسافرهم فيُدعَى له ومريضُهم فيُزار ويُدعى له بالشفاء وميتهم فيُصلَّى عليه ويدعى له بالمغفرة والرحمة فحريٌّ بمن أغناه الله وعنده فضل مال ألاَّ ينسى فضلَ المساجد ورسالتها وأنْ يبذل من أمواله في إقامتها وتشييدها وصِيانتها وأنْ يقصد بهذا العمل الخيري وجه الله والدار الآخِرة فقَدْ أَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى عُمَّارِ الْمَسَاجِدِ بِقَولِهِ سُبْحَانَهُ (( إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ )) وَمَنْ وُفِقَ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ يُجْزَى بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ قَالَ ﷺ ( مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ ) متفق عليه ولقد حظيت المساجدُ في بلادنا برعاية كريمة واهتمامٍ بالغٍ من ولاةِ الأمر حفظهم الله بل فتحوا مجالاً لأهل الخير عبر منصة إحسان للْمُسَاهَمَةِ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَصِيَانَتِهَا وَنَظَافَتِهَا باركَ اللهُ لي ولكُم في القرآنِ العظيم ونفعنِي وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّ رَبِي غفورٌ رَحِيم
الحمدُ لله حمدًا طيّبًا كثيرًا مُبارَكًا فيه كما يُحبّ ربُّنا ويرضى وأشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ وأشهدُ أنّ مُحمّدًا عبدهُ ورسولهُ بلّغ الرّسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ للأمّة وتركها على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغُ عنها إلاّ هالكٌ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ آلِهِ وصحبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثيِرًا
أَمّا بَعْدُ فاتَّقوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ مِمَّا يَدْخُلُ فِيْ عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ تَطْهِيرُها وَتَنْظِيفُهَا وتَهْيِئَتُهَا لِلْمُصَلِّيْنَ وتَعَاهُدُها وَمُلْحَقَاتُهِا بِالصِّيَانَةِ الدَّائِمَةِ لِيَكُونَ أَبْقَى لَهَا وَأَكْثَرَ رَاحَةً وَخُشُوعًا لِلْمُصَلِّينَ وَأَكْثَرَ لِجَمَاعَةِ الْمَسْجِدِ فَيَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الْقِيَامِ عَلَى الْمَسْجِدِ مَعَ مَا يَنَالُهُ مِنْ دَعَوَاتِ الْمُصَلِّينَ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَحْتَفِي بِمَنْ يُنَظِّفُ الْمَسْجِدَ وَيَسْأَلُ عَنْهُ إِذَا فَقَدَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَسْوَدَ أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ كَانَ يَقُمُّ المَسْجِدَ فَمَاتَ فَسَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ قَالَ أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ أَوْ قَالَ قَبْرِهَا فَأَتَى قَبْرَهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَنْسُ الْمَسَاجِدِ وَإِزَالَةُ الْأَذَى عَنْهَا فِعْلٌ شَرِيفٌ لَا يَأْنَفُ مِنْهُ مَنْ يَعْلَمُ آدَابَ الشَّـرِيعَةِ ا.هـ والمَسَاجِدُ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَعْظَمُ الأَوْقَافِ وعَامِرُهَا أَوِ الْمُشَارِكُ فِيْهَا يَبْقَى أَجْرُهُ مَا بَقِيَ يُصَلَّى فِيْهِا ولَا يَجُوْزُ اسْتِغْلَالُهَا ولَا التَّعَدِّيْ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَرَاضِيْهَا أَوْ مَرَافِقِهَا أَوْ خَدَمَاتِهَا مِنْ مَاءٍ أَوْ كَهْرَبَاءٍ بِاسْتِعْمَالِها فِيْ غَيْرِ مَا خُصِّصَتْ لَهُ وهُوْ اخْتِلَاسٌ مُحَرَّمٌ
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيّكُمْ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ فقالَ سُبِحَانَهُ (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )) وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ ( مَنْ صَلَى عَلَيّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَى اللهُ عَلَيهِ بِهَا عَشْرًا ) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِ بَيْتِهِ الطَّيبِين وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِين الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الصحابة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَعَنَّا مَعَهُمْ برَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَاْمَ الْمُسْلِمِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينَ وَاجْعَلْ بِلَادَنَا آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً رَخَاءً سَخَاءً وَسَاْئِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ اللَّهُمَّ احْفَظْ وليَّ أَمْرَنَا خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ ووفِّقْهُمَا لِكُلِّ خَيرٍ ولِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ اللهمَّ احْفَظْ جُنُودَنَا الْمُرَابِطِينَ عَلَى الحُدُودِ وثبِّتْ أَقْدَامَهُمْ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ اللَّهُمَّ إِنَّا نَدْرَأُ بِكَ فِي نُحُورِ أَعْدَائِنَا وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِم اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَولَادَنَا وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا وَاِجْعَلْهُمْ قُرَةَ أَعْيُنٍ لَنَا (( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (( عِبَادَ اللهِ اذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون ))
المرفقات
1731005297_خطبة الجمعة 6 جمادى الأولى 1446هـ العناية بالمساجد.pdf
1731005320_خطبة الجمعة 6 جمادى الأولى 1446هـ العناية بالمساجد.docx