العمل الصالح-12-7-1436هـ-محمد راتب النابلسي-موسوعة النابلسي-بتصرف
محمد بن سامر
1436/07/12 - 2015/05/01 03:11AM
[align=justify]إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله-صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا-أما بعد:
فيا أيها الإخوة، لقدْ كانَ الحديثُ في خُطبةٍ سابقةٍ عنِ الحياةِ الطيبةِ التي وعدَ اللهُ عبادَه المؤمنينَ في الدنيا، وبانَ فيها أنَّ الإيمانَ الحقَّ هو الدَُّفعةُ الأولى من ثمنِها، والإيمانُ الحقُ ما وقرَ في القلبِ وصدَّقَه العملُ، لذلكَ كانَ العملُ الصالحُ هو الدَُّفعةُ الثانيةُ مِنْ ثمنِ هذه الحياةِ.
أيها الرائعون: العملُ الصالحُ:
أولا: استقامةٌ على أمرِ اللهِ، وثانيًا: بذلُ للمعروفِ.
والاستقامةُ: الائتمارُ بما أمرَ اللهُ به، والانتهاءُ عما نهى عنه.
إنَّ الإيمانَ الحقَّ يحثُ الإنسانَ على الاستقامةِ التامةِ، وأيُّ خَللٍ في الإيمانِ يقابله انحرافٌ في الاستقامةِ، قال تعالى:
[إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا و َأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ].
وعنْ سفيانَ بنِ عبدِ اللَّهِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قالَ: قلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قلْ لي في الإسلامِ قولا لا أسألُ عنهُ أحدًا غيركَ، قالَ: "قُلْ آمنتُ باللهِ ثم استقمْ".
لكنَّ المشكلةَ الكبرى التي يعاني منها المسلمونَ هي أنهم يتعاطفونَ مع الإسلام ويحبونهُ بمشاعرِهم وأحاسيسِهم، ويتناقضونَ مع تعاليمِه ويخالفونَه في كثيرٍ مِنْ أقوالِهم وأفعالِهم، ولذلك لا يتمتعونَ بجمالِه وعظمتِه، ولا يعيشونَ جلالَه وسعادتَه.
إنَّ عظمةَ الإسلامِ وسرَّه في تطبيقِه والعملِ به، لا في التحدثِ بهِ فقط.
إخواني: لقد أصبحُ الإسلامُ عندَ كثيرٍ مِنَ المسلمينَ-اليومَ-ثقافةً يتفاخرونَ بها وعبادةً شكليةً يؤدونها دونَ فهمٍ لمعناها، فأبَعُدوه عن حياتِهم، وحصروه في المساجدِ، فتخلفوا فكريًّا وحضاريًّا وأخلاقيًّا، ورسموا صورةً مشوهةً له نفَّرتْ كثيرًا منَ الشبابِ والفتياتِ عنه، وجعلتْهم يَبتَعدون عنه أو يُقَصِّرونَ في العملِ بهِ، ولو حاورتهمْ لوجدتَهم يتصورون أن أوامرَ اللهِ ونواهيَه تكاليفُ وأعباءٌ وقيودٌ تَحُدُّ مِنْ حريةِ أنفسِهم التي تميلُ إلى التحررِ والانطلاقِ والانفلاتِ غيرِ المنضبطِ، وهذا فهمٌ خاطئٌ للإسلامِ.
إنَّ أوامرَ اللهِ ونواهيَه حدودٌ لسلامةِ الإنسانِ في جسمِه وروحِه ونفسِه وعقلِه، وسلامةِ المجتمعِ اجتماعيًا واقتصاديًا و أخلاقيًا، وليستْ قيودًا تَحُدُّ مِنْ حريتِه.
فالرسول-عليه وآله الصلاة والسلام-: [يأمرُهم بالمعروفِ وينهاهم عن المنكرِ ويُحِلُ لهم الطيباتِ ويُحَرِّمُ عليهم الخبائثَ ويَضَعُ عنهم إصرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم].
أخي المبارك: غُضَّ بصرَك عما حرَّمَ اللهُ، وانظرْ أيَ سعادةٍ تَنْعَمُ بها في بيتِك، وتأملْ في الوُدِ والحبِّ الذي سيكونُ بينَك وبين زوجتِك، وينشأُ فيه أبناؤُك، وأثرِ ذلك في نفسياتِهم الصحيحةِ، وشخصياتِهم المتوازنةِ، زيادةً على تلكَ الحلاوةِ التي تُحِسُها في قلبِك، وهذا السموِ الذي ترضاه من نفسِك.
كمْ مِنْ زوجٍ أطلقَ بصرَه في المحرماتِ فذاقَ مِنْ ألوانِ الجحيمِ ما لا يُطاقُ، لقد أعجبَه طولُ هذه ولونُ تلك وملامحُ ثالثةٍ، حتى رسمَ في ذهنِه صورةً وهميةً خياليةً لا تنطبقُ على زوجتِه ولا على غيرِها، فإذا النفورُ يقعُ بينَه وبين زوجتِه، والنكدُ يتسربُ إلى حياتِهما، ويؤلمُه من زوجتِه عبوسُها وتجهمُها وتعليقاتُها، ويؤلمُها منه سرعةُ غضبِه وثورتُه لأتفهِ الأسبابِ، وينشأُ الأولادُ في جوٍ مشحونٍ بالبغضِ والكرهِ والخصامِ، فتتعقدُ نفوسُهم، وتضطربُ موازينُهم، وتضعفُ شخصياتُهم، وتتمزقُ قلوبُهم بين عزيزينِ عليهم أمِهم وأبيهم.
أما ربُنا فيقول في كتابه الكريم: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ]، ووردَ في الأثرِ: "النظرُ الحرامُ سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليسَ، فمن تركهُ خوفًا من اللهِ أعطاهُ إيمانًا يجدُ حلاوتَه في قلبِه".
وكما أنَّ السهمَ المسمومَ يسممُ الجسمَ كلَّه ثم يتلفُه، فكذلك هذه النظرةُ المحرمةُ تسممُ الحياةَ كلَّها وتقضي على سعادةِ الإنسانِ.
وكمْ منْ والدٍ سَمحَ لأولادِه شبابٍ وشاباتٍ أن يتابعوا قصصًا أو تمثيليةً رخيصةً، تُصَوِّرُ العلاقةَ غيرَ الصحيحةِ بينَ الرجلِ والمرأةِ، وتُصَوِّرُ الرذيلةَ والزنا واختلاطَ الأنسابَ على أنها استجابةٌ لنداءِ القلبِ، وتُصَوِّرُ الخيانةَ الزوجيةَ على أنها انتقامٌ مشروعٌ مِنَ الزوجِ، كلُ ذلكَ باسمِ الفنِ والترفيهِ.
أيها الكرام: يجبُ ألا ندفنَ رؤوسَنا في الرمالِ، ونتعامى عن النتائجِ والأخطارِ، فهذِه الغرائزُ-التي أودعَها اللهُ فينا حفظًا للنوعِ-سلاحٌ ذو حدينِ، فهي قوةُ بناءٍ وإبداعٍ، وهي قوةُ تدميرٍ وتخريبٍ، هذه الغرائزُ حينما تُثارُ ثم لا تُروى فأيُّ انفجارٍ وأيُّ انحرافٍ سيكونُ!
والجميع يرى آثارَ هذا الانحرافِ الساكنِ أو الانفجارِ المدوي في صفوفِ الشبابِ، فإنْ كنتَ-عزيزي الأب-مُحْصَنًا متزوجًا، فهلْ فكرتَ في أبنائِك الراشدينَ غيرِ المُحْصَنينَ.
هذه كلها خطواتٌ تَسبقُ الانحرافَ أو الزنا، وقدْ حرمَ اللهُ الزنا، وما قربَّ إليه من قولٍ أو عملٍ فقال: [ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساءَ سبيلا]، لاحظوا كلمةَ: [ولا تقربوا]، فهي تشيرُ إلى النهيِ عن الزنا وما قَرَّب إليه.
وبعضُ الآباءِ لا يهتمُ كثيرًا بتعاليمِ الدينِ جهلا أو تجاهلا، فيسمحُ للخاطبِ أنْ يجلسَ إلى ابنتهِ منفردينِ وأنْ يخرجا معًا متنزهينِ قبلَ كتابةِ عقدِ النكاحِ، وإذا بالخاطبِ يصلُ إلى كلِّ ما يريدُ من الفتاةِ، ثم يختفي وتقعُ الكارثةُ، فالفتاةُ سُحقتْ نفسيًا واجتماعيًا، والأبُ غاصتْ به الأرضُ، والأمُ دارتْ بها الدنيا، والأُسرةُ شُوِهَتْ سُمعتُها ومُرِغَتْ في الوحلِ، كلُّ ذلك لمخالفةِ الشرعِ الناهي عن الخلوةِ بالمرأةِ الأجنبيةِ، وألا يرى الخاطبُ من مخطوبتِه سوى وجهِها وكفيْها.
وبعد فيا أيها المبارك: لو حَلَّلْتَ جميعَ مشاكلِك النفسيةِ والزوجيةِ والاجتماعيةِ والاقتصادية في ضوءِ القرآنِ الكريمِ والسنةِ الصحيحةِ، فلن تجدَ سببًا لها سوى مخالفةِ الدينِ، قال تعالى: [ما يفعلُ اللهُ بعذابِكم إنْ شكرْتُم وآمنْتُم وكان اللهُ شاكرًا عليمًا].
وقال: [ومَا أصابَكم منْ مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديكم ويعفو عن كثيرٍ]، وتيقنْ أنَّ الإسلامَ وازنَ بين حاجاتِ الجسدِ وحاجاتِ النفسِ، وحينما لبي حاجاتِ الجسدِ لباها من طريقٍ نظيفٍ يحفظُ الحقوقَ، ويصونُ الأخلاقَ، ويرقى بالنفوسِ، وهو طريقُ الزواجِ.
ومجملُ القولِ: إنَّ أوامرَ الدينِ ونواهيَه ليستْ قيودًا تَحُدُّ من حريتِك، ولكنها حدودٌ لصحتِك وسلامتِك.
أيها الإخوةُ الكرامُ؛ حاسبوا أنفسَكم قبلَ أنْ تُحاسبوا، وصِلوا ما بينَكم وبينَ ربِكم تسعدوا، واعلموا أنَّ ملَكَ الموتِ قدْ تخطانا إلى غيرِنا، وسيتخطى غيرَنا إلينا، فالحذرَ الحذرَ، فالكيِّسُ العاقلُ من دانَ نفسَه وحاسبَها، وعملَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ منْ أَتْبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ الأماني...
[/align]
فيا أيها الإخوة، لقدْ كانَ الحديثُ في خُطبةٍ سابقةٍ عنِ الحياةِ الطيبةِ التي وعدَ اللهُ عبادَه المؤمنينَ في الدنيا، وبانَ فيها أنَّ الإيمانَ الحقَّ هو الدَُّفعةُ الأولى من ثمنِها، والإيمانُ الحقُ ما وقرَ في القلبِ وصدَّقَه العملُ، لذلكَ كانَ العملُ الصالحُ هو الدَُّفعةُ الثانيةُ مِنْ ثمنِ هذه الحياةِ.
أيها الرائعون: العملُ الصالحُ:
أولا: استقامةٌ على أمرِ اللهِ، وثانيًا: بذلُ للمعروفِ.
والاستقامةُ: الائتمارُ بما أمرَ اللهُ به، والانتهاءُ عما نهى عنه.
إنَّ الإيمانَ الحقَّ يحثُ الإنسانَ على الاستقامةِ التامةِ، وأيُّ خَللٍ في الإيمانِ يقابله انحرافٌ في الاستقامةِ، قال تعالى:
[إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا و َأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ].
وعنْ سفيانَ بنِ عبدِ اللَّهِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قالَ: قلتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، قلْ لي في الإسلامِ قولا لا أسألُ عنهُ أحدًا غيركَ، قالَ: "قُلْ آمنتُ باللهِ ثم استقمْ".
لكنَّ المشكلةَ الكبرى التي يعاني منها المسلمونَ هي أنهم يتعاطفونَ مع الإسلام ويحبونهُ بمشاعرِهم وأحاسيسِهم، ويتناقضونَ مع تعاليمِه ويخالفونَه في كثيرٍ مِنْ أقوالِهم وأفعالِهم، ولذلك لا يتمتعونَ بجمالِه وعظمتِه، ولا يعيشونَ جلالَه وسعادتَه.
إنَّ عظمةَ الإسلامِ وسرَّه في تطبيقِه والعملِ به، لا في التحدثِ بهِ فقط.
إخواني: لقد أصبحُ الإسلامُ عندَ كثيرٍ مِنَ المسلمينَ-اليومَ-ثقافةً يتفاخرونَ بها وعبادةً شكليةً يؤدونها دونَ فهمٍ لمعناها، فأبَعُدوه عن حياتِهم، وحصروه في المساجدِ، فتخلفوا فكريًّا وحضاريًّا وأخلاقيًّا، ورسموا صورةً مشوهةً له نفَّرتْ كثيرًا منَ الشبابِ والفتياتِ عنه، وجعلتْهم يَبتَعدون عنه أو يُقَصِّرونَ في العملِ بهِ، ولو حاورتهمْ لوجدتَهم يتصورون أن أوامرَ اللهِ ونواهيَه تكاليفُ وأعباءٌ وقيودٌ تَحُدُّ مِنْ حريةِ أنفسِهم التي تميلُ إلى التحررِ والانطلاقِ والانفلاتِ غيرِ المنضبطِ، وهذا فهمٌ خاطئٌ للإسلامِ.
إنَّ أوامرَ اللهِ ونواهيَه حدودٌ لسلامةِ الإنسانِ في جسمِه وروحِه ونفسِه وعقلِه، وسلامةِ المجتمعِ اجتماعيًا واقتصاديًا و أخلاقيًا، وليستْ قيودًا تَحُدُّ مِنْ حريتِه.
فالرسول-عليه وآله الصلاة والسلام-: [يأمرُهم بالمعروفِ وينهاهم عن المنكرِ ويُحِلُ لهم الطيباتِ ويُحَرِّمُ عليهم الخبائثَ ويَضَعُ عنهم إصرَهم والأغلالَ التي كانت عليهم].
أخي المبارك: غُضَّ بصرَك عما حرَّمَ اللهُ، وانظرْ أيَ سعادةٍ تَنْعَمُ بها في بيتِك، وتأملْ في الوُدِ والحبِّ الذي سيكونُ بينَك وبين زوجتِك، وينشأُ فيه أبناؤُك، وأثرِ ذلك في نفسياتِهم الصحيحةِ، وشخصياتِهم المتوازنةِ، زيادةً على تلكَ الحلاوةِ التي تُحِسُها في قلبِك، وهذا السموِ الذي ترضاه من نفسِك.
كمْ مِنْ زوجٍ أطلقَ بصرَه في المحرماتِ فذاقَ مِنْ ألوانِ الجحيمِ ما لا يُطاقُ، لقد أعجبَه طولُ هذه ولونُ تلك وملامحُ ثالثةٍ، حتى رسمَ في ذهنِه صورةً وهميةً خياليةً لا تنطبقُ على زوجتِه ولا على غيرِها، فإذا النفورُ يقعُ بينَه وبين زوجتِه، والنكدُ يتسربُ إلى حياتِهما، ويؤلمُه من زوجتِه عبوسُها وتجهمُها وتعليقاتُها، ويؤلمُها منه سرعةُ غضبِه وثورتُه لأتفهِ الأسبابِ، وينشأُ الأولادُ في جوٍ مشحونٍ بالبغضِ والكرهِ والخصامِ، فتتعقدُ نفوسُهم، وتضطربُ موازينُهم، وتضعفُ شخصياتُهم، وتتمزقُ قلوبُهم بين عزيزينِ عليهم أمِهم وأبيهم.
أما ربُنا فيقول في كتابه الكريم: [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ]، ووردَ في الأثرِ: "النظرُ الحرامُ سهمٌ مسمومٌ من سهامِ إبليسَ، فمن تركهُ خوفًا من اللهِ أعطاهُ إيمانًا يجدُ حلاوتَه في قلبِه".
وكما أنَّ السهمَ المسمومَ يسممُ الجسمَ كلَّه ثم يتلفُه، فكذلك هذه النظرةُ المحرمةُ تسممُ الحياةَ كلَّها وتقضي على سعادةِ الإنسانِ.
وكمْ منْ والدٍ سَمحَ لأولادِه شبابٍ وشاباتٍ أن يتابعوا قصصًا أو تمثيليةً رخيصةً، تُصَوِّرُ العلاقةَ غيرَ الصحيحةِ بينَ الرجلِ والمرأةِ، وتُصَوِّرُ الرذيلةَ والزنا واختلاطَ الأنسابَ على أنها استجابةٌ لنداءِ القلبِ، وتُصَوِّرُ الخيانةَ الزوجيةَ على أنها انتقامٌ مشروعٌ مِنَ الزوجِ، كلُ ذلكَ باسمِ الفنِ والترفيهِ.
أيها الكرام: يجبُ ألا ندفنَ رؤوسَنا في الرمالِ، ونتعامى عن النتائجِ والأخطارِ، فهذِه الغرائزُ-التي أودعَها اللهُ فينا حفظًا للنوعِ-سلاحٌ ذو حدينِ، فهي قوةُ بناءٍ وإبداعٍ، وهي قوةُ تدميرٍ وتخريبٍ، هذه الغرائزُ حينما تُثارُ ثم لا تُروى فأيُّ انفجارٍ وأيُّ انحرافٍ سيكونُ!
والجميع يرى آثارَ هذا الانحرافِ الساكنِ أو الانفجارِ المدوي في صفوفِ الشبابِ، فإنْ كنتَ-عزيزي الأب-مُحْصَنًا متزوجًا، فهلْ فكرتَ في أبنائِك الراشدينَ غيرِ المُحْصَنينَ.
هذه كلها خطواتٌ تَسبقُ الانحرافَ أو الزنا، وقدْ حرمَ اللهُ الزنا، وما قربَّ إليه من قولٍ أو عملٍ فقال: [ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشةً وساءَ سبيلا]، لاحظوا كلمةَ: [ولا تقربوا]، فهي تشيرُ إلى النهيِ عن الزنا وما قَرَّب إليه.
وبعضُ الآباءِ لا يهتمُ كثيرًا بتعاليمِ الدينِ جهلا أو تجاهلا، فيسمحُ للخاطبِ أنْ يجلسَ إلى ابنتهِ منفردينِ وأنْ يخرجا معًا متنزهينِ قبلَ كتابةِ عقدِ النكاحِ، وإذا بالخاطبِ يصلُ إلى كلِّ ما يريدُ من الفتاةِ، ثم يختفي وتقعُ الكارثةُ، فالفتاةُ سُحقتْ نفسيًا واجتماعيًا، والأبُ غاصتْ به الأرضُ، والأمُ دارتْ بها الدنيا، والأُسرةُ شُوِهَتْ سُمعتُها ومُرِغَتْ في الوحلِ، كلُّ ذلك لمخالفةِ الشرعِ الناهي عن الخلوةِ بالمرأةِ الأجنبيةِ، وألا يرى الخاطبُ من مخطوبتِه سوى وجهِها وكفيْها.
الخطبة الثانية
وقال: [ومَا أصابَكم منْ مصيبةٍ فبما كسبتْ أيديكم ويعفو عن كثيرٍ]، وتيقنْ أنَّ الإسلامَ وازنَ بين حاجاتِ الجسدِ وحاجاتِ النفسِ، وحينما لبي حاجاتِ الجسدِ لباها من طريقٍ نظيفٍ يحفظُ الحقوقَ، ويصونُ الأخلاقَ، ويرقى بالنفوسِ، وهو طريقُ الزواجِ.
ومجملُ القولِ: إنَّ أوامرَ الدينِ ونواهيَه ليستْ قيودًا تَحُدُّ من حريتِك، ولكنها حدودٌ لصحتِك وسلامتِك.
أيها الإخوةُ الكرامُ؛ حاسبوا أنفسَكم قبلَ أنْ تُحاسبوا، وصِلوا ما بينَكم وبينَ ربِكم تسعدوا، واعلموا أنَّ ملَكَ الموتِ قدْ تخطانا إلى غيرِنا، وسيتخطى غيرَنا إلينا، فالحذرَ الحذرَ، فالكيِّسُ العاقلُ من دانَ نفسَه وحاسبَها، وعملَ لما بعدَ الموتِ، والعاجزُ منْ أَتْبَعَ نفسَه هواها وتمنَّى على اللهِ الأماني...
[/align]
المرفقات
العمل الصالح-12-7-1436هـ-محمد راتب النابلسي-موسوعة النابلسي-بتصرف.doc
العمل الصالح-12-7-1436هـ-محمد راتب النابلسي-موسوعة النابلسي-بتصرف.doc