العلم والدراسة الحضورية
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ الذيْ لا خيرَ إلا مِنهُ، ولا فَضْلَ إلا مِن لَدُنْهُ. وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ له الحَقُ المُبِيْنُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُوْلُهُ اَلأمِينُ. صَلَّى اللهُ وسلَّمَ علَيهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ البَرَرَةِ المُتَّقِينَ. أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ}.
كُلما جاءتْ الجمعةُ قرأنَا سورةَ الكهفِ بقصصِها الأربعِ، ومنهن قصةُ موسى –عليهِ الصلاةُ والسلامُ- وأن اللهَ أمرَه أن يسافرَ في البحرِ ثم البرِ سفرًا محفوفًا ببعضِ الخطرِ. فلماذا كلُ هذا؟! والجوابُ: يَرحلُ موسى ويُصيبُه النَصَبُ والجوعُ، فيصبرُ لأجلِ أن يتزودَ من العلمِ، ويتعلمَ ثلاثَ مسائلَ من عبدٍ صالحٍ أعلمِ منه، وإن لم يكُ أفضلَ منه.
وهكذا نحنُ في أيامِنا هذهِ؛ تُذلَلُ الصِعابُ، وتُبذَلُ الجهودُ؛ لتسهيلِ تعليمِ طلابِنا وطلاباتِنا عن بُعدٍ، ثم بَعْدَ غدٍ يكتملُ العِقْدُ، ليَدرُسَ ذَووُ المرحلةِ الابتدائيةِ حُضوريًا.
فبُشرى لنا أنْ أعادَ اللهُ لنا حياتَنا الطبيعيةَ حذِرينَ محترزِينَ. فبَعْدَ سنتينِ كاملتينِ منَ الانتظارِ المُمِضِّ، والضَنَى المُمْرِضِ فَتَحَ اللهُ –بفضلهِ– أبوابَ المدارسِ. فالحمدُ للهِ كثيرًا حين تُنْعِمُ كثيرًا. والذي أَنزلَ الوَباءَ بقُدرتِهِ، قد رفعَه برحمتهِ.
والحمدُ للهِ على لطفهِ بعد بلائهِ، والحمدُ للهِ على نعمةِ اللقاحاتِ والجرعاتِ.
والحمدُ للهِ على التعويضاتِ والتسهيلاتِ بالتقنياتِ، كـ"منصّةِ مدرستيَ" التي استوعبتْ قرابةَ ستةِ ملايينَ، ما بينَ متعلمٍ ومعلمٍ وموظفٍ.
ثم الحمدُ للهِ أن عُدْنا حضوريًا بحذَرٍ وبعضِ حظْرٍ والعودُ أحمدُ.
{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}[إبراهيم7]
ثم شكرًا لوزارةِ التعليمِ بإداراتِها الثنتينِ والأربعينَ في أرجاءِ ربوعِنا المتراميةِ، والذين نهضُوا بأمانةِ التعليمِ خيرَ نُهوضٍ، واستَشْعَروا مَقامَ التربيةِ مع مَقامِ التعليمِ. وحشَدُوا استعداداتِهِم، واستنفَرُوا قياداتِهِم للدراسةِ الحضوريةِ. فارتَقَوْا عَقَبَةً كَؤُودًا، فجاوَزُوها، بِعَوْنٍ مِنَ اللهِ وتَسْدِيْدٍ.
وشكرًا للمعلمينَ والمعلماتِ الذين تعانَوا، ثم تعاوَنوا في رفعِ المستوى التعليميِ، والتعويضِ بقدرِ المستطاعِ عما نَقصَ في التعليمِ عن بُعدٍ، ولم يَكتفُوا بمجردِ الإلقاءِ والسردِ، بل يُحاوِرُونَ ويُناقِشونَ، وببعضِ الواجباتِ يُكلِّفونَ، وبالوسائلِ يُوضِّحونَ، وبأَوْقاتِهم يُضحُّونَ: (ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُونَ: لَتُضَاعِفُوا الْجُهْدَ فِي معالجة الفاقد التعليمي، والْبَحْثِ عَنْ مُشَوِّقَاتٍ، ومُحَفِّزَاتٍ تُعَوِّضُ مَا نَقَصَ، وَأَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ قَادِرُونَ، بَلْ وَمُبَادِرُونَ. فألْلهَ ألْلهَ فِي جِيلِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَلتجْعَلُوا سَنَتَهُمْ هَذِهِ أَكْثَرَ تَمَيُّزًا، والله يُوَفِّقُكُمْ وَيَفْقِّهُكُمْ.
ومما يؤسَفُ لهُ ما يَتمُ تَداولُهُ من رسائلَ مسيئةٍ لمعلمي ومعلماتِ المرحلةِ الابتدائيةِ من سخريةٍ وتثبيطٍ، فإياكم أن تَرسمُوا صورةً سيئةً بأذهانِ أولادِكم وطلابِكم، وليُظهِرِ الوالدانِ سعادتَهما بعودةِ أبنائِهم وبناتِهم إلى المدرسةِ.
أَيُّهَا الْآبَاءُ وَالْأُمَّهَاتُ: قد شعرتم بِحَجْمِ الْأمَانَةِ الْمُلْقَاةِ عَلَى الْمُعَلِّمِينَ وَكَادَرِ التَّعْلِيْمِ – وَفَّقَهُمِ اللهُ – فَاقْدُرُوا لهمْ قَدْرَهُمْ. واحمدوا ربكم على تطور التعليم، وعلى زوال أكثر الوباء: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}. وجِدُّوا، فإن الأمر جدٌّ. فقد انْتَهَى زَمَنُ النَّوْمِ، فَإِيَّاكُمْ وَالسَّهَرَ؛ لِأَنَّهُ يُضَيِّعُ نَهَارَكُمْ وَدِرَاسَتَكُمْ، بَلْ وَصْلَاتَكُمْ – وَهِيَ الأَهَمُّ-.
فيا أَيُّهَا الطُّلَاَّبُ وَالطَّالِبَاتُ: دَوْلَتُكُمْ تَصْرِفُ الْمِلْيَارَاتِ لِتَعْوِيضِ الْقُرْبِ الحِسِّيِّ بِالْقُرْبِ التِّقَنِيِّ. ثم مليارات أخرى واجتماعات وتوصيات للعودة الحضورية؛ لأنهم استشعروا أَنَّ مُسْتَقْبَلَ فَلَذَاتِ الْأَكْبَادِ يُسْتَرْخَصُ لِأَجَلِهِ غَالِي الْأَثْمَانِ.
الحمدُ للهِ {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وصلى اللهُ وسلمَ على إمامِنا وأعلمِنا بربِنا. أما بعدُ: فالتزودُ من العلمِ خيرٌ كلُه، لكنهُ في زمنِ البلاءِ والفتنِ أكثرُ خيرًا، فهوَ يضبطُ طيشَ العقولِ، واضطرابَ المواقفِ.
وبالعلمِ تُعمرُ وتُؤمنُ البلادُ، وتَرْقَى لسامقِ الأمجادِ: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة11]
قَالَ قَتَادَةُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ يَكْتَفِي مِنَ الْعِلْمِ بِشَيْءٍ لَاكْتَفَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلَكِنَّهُ قَالَ: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}([1]).
وأما رسولُنا -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- فقد أرشدهُ ربُه تعالى بقولِهِ: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا(114). فما أَمَرَ اللهُ رسولَهُ بطلبِ الزيادةِ من شيءٍ إلا من العلمِ([2]).
· فاللهم ربَّنا زِدْنا عِلْمًا. ووفِّقْ طلابَنا وطالباتِنا، ويسِّرْ على كل معلمٍ ومسؤولٍ ووالدٍ تعليمَ الفلذاتِ، واجعلْ عامَنا خيرَ عامٍ.
· اللهم اجزِ والدَينا عنا خيرَ الجزاءِ، وارحمهُما كما ربَّونا صِغارًا.
· اللهم احفظْ دينَنا وأمنَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا.
· اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ، أَلاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحنُ مُسْلِمونَ([3]).
· اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وخُذْ بناصيتِهِما للبرِّ والتقوى. وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ. واجزهم خيرًا على ما يبذلون لمصلحة الإسلام، ولخدمة المسلمين.
· اللهم ادفعْ عنا باقيَ البلاءِ والوباءِ، ومتِّعنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوتِنا.
· اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.
· اللهم لك الحمدُ على التدفئةِ وما كان من أيامِ دفءٍ.
· اللهم ارحمْ من لا راحمَ له سواكَ، من إخوانِنا المسلمينَ المستضعفينَ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها.
· اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
· {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}
([1])جامع بيان العلم وفضله (1/ 419)
([2])تفسير الزمخشري = الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 90)
([3]) من دعاء عبد الله بن عمر t وهو على الصفا. رواه مالك في الموطأ بالسلسلة الذهبية (1/ 372).
المرفقات
1642689506_الدراسة الحضورية.pdf
1642689513_الدراسة الحضورية.docx