العلمُ حياةُ الأُمم     12 /2/ 1446هـ

د عبدالعزيز التويجري
1446/02/11 - 2024/08/15 17:13PM

الخطبة الأولى : العلمُ حياةُ الأُمم                    12 /2/ 1446هـ

الحمد لله الذي لا يبلغُ مِدحَتَه القائلون، ولا يُحصِي نعماءَه العادُّون، بسط الرزق لعباده، وأغدق عليهم من فضله وإنعامه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن واتبع منهجه إلى يوم الدين.. أما بعد

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}

وضعت الإجازة أوزارها ، وخلفت وراءها أجورها وأوزارها ، وافراحها وأحزانها {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}

انقضت أيامُها على فئة كانت حافلةً بالجد والكسب والعمل ، فربح قومٌ آياتٍ حفظوها في صدورهم،  وأحاديثاً آنارت قلوبهم،  وسفرَ طاعةٍ أومباحٍ لا لغو فيه ولا تأثيم ، وخسرَ قومٌ فتحملوا أوزارهم بنومٍ عن الصلوات أو اتباعٍ للشهوات ، أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ.

ومع إطلالة هذه الأيام يتغير وجه الحياة فالنائمُ يوقظ ، والمسافرُ يقدم ، والرغباتُ تحقق، والأموالُ تبذل ، والخواطرُ تجبر ، وهذه حسنةُ طيبة ، ولو بُذل بمثلِها لإقامةِ الصلاةِ وطاعةِ رب الأرض والسموات  لتعلقت قلوبُ أبنائِنا بالمساجد ، ولستهموا على الصف الأول حين يسمعون النداء..

     وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا ... على ما كان عوَّدَه أبوه.

التربيةُ على الدينِ والخلقِ والعلمِ أساسُ عزِ المجتمعِ وحضارتهِ، وأمنهِ وسلامتهِ {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}

العلمُ حياةُ الأُممِ ، والجهلُ خُذلانُها ، ولا يَبْلُغُ المجدَ جاهلٌ ..

 العلمُ عمادُ العِزِّ ، ورداءُ السُّؤْدَدِ ، وَتاجُ الشَّرَفِ..

والجهلُ مَطِيَّةُ سُوءٍ.. من ارْتَحَلَها ضَلّ، ومَن قادَها ذَلْ، وَمن سارَ عليها زَلّ..

 هَلْ عَلِمْتُمْ أُمةً في جَهْلِهَا  **   ظَهَرَتْ في المجدِ حَسْناءَ الرِّداء

العلمُ يَنْهَضُ بِالوَضِيْعِ إِلى العُلا   **  وَالجَهْلُ يَقْعُدُ بِالفَتَى المَنْسُوبِ

العلم والتعلم والتعليم يؤخذ من مصادره وأسسه، لا بخلط الأوراقِ وتغييرِ الطباعِ والفطرةِ التي فُطِر الناسُ عليها .. «وكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ»

 فدونكم نموذجاً من المدرسة العالمية.. التي خرجت أساطينُ التاريخِ، وعلماءُ الدنيا ، وعظماءُ المعمورةِ. يروي الطالبُ عبدالله أحد فصول دراستها وكان صغيراً ، فيقول : كُنْتُ مع المعلمِ يَوْمًا، فناداني فَقَالَ: يَا غُلاَمُ .. إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.

منهجٌ عظيمُ في التربيةٍ وتلقينِ العلمِ وحسنِ التعليم ..احتواءٌ ثم ملاطفةُ ثم تعليم.. بكلماتٍ عظيماتٍ، استهلت بترسخِ مبدأِ التعلقِ باللهِ والالتجاءِ إليهِ في السراءِ والضراءِ، وثنّت بالوصيةِ بحفظِ النفسِ والجوارحِ من مزلقاتِ المعاصي ولوثاتِ المنكراتِ، ثم الاستعانةُ باللهِ والانطلاقُ بعزيمةٍ ومثابرةٍ وثباتٍ في التحصيلٍ من العلمٍ وما ينفعُ في الدنيا ويرفعُ في الآخرةِ  ، وختَمها بأن كلَ ما في الكونِ بتدبيرِ اللهِ ، وأن قوى البشرِ لا تستطيعُ أن تضرَ احدُ إذا حفظهُ الله. أو تنفعَهُ إذا منعهُ اللهُ . تلكم هي نموذجٌ من المدرسةِ النبويةِ والروضةِ المحمديةِ ..

         نبيٌّ تقيٌ أريحيٌ مهذبٌ  **  بشيرٌ لكلّ ِ العالمينَ نذيرُ

هكذا يجب أن يكونَ عليه العلمُ والتعليمُ والتربيةُ والاقتداء .

 وفي موقفٍ آخر .. تُجلي هذه المدرسةُ أسمى معاني الحياة ، الا وهي الحفاظُ على التوحيدِ والعقيدةِ ، وترسيخِ المبادئِ والقيمِ النبيلةِ، وتحبيبِ العلمِ والتعلمِ، والتحذيرِ والتنفيرِ مما يضلُ القلوبَ ويفسدُ الابدانَ.

فينادي معلمُها الطالب َمعاذ وهو إلى جنبه اشعارا بأهميةِ وعظمةِ ما سيلقيهِ فيوصيهِ بأعظمَ وصيةٍ ويعلمَهُ أرقى علمٍ وأفضلِه فيناديه «يَا مُعَاذُ، فيرد معاذ لبيك وسعديك ، فيناديه أخرى يَا مُعَاذ ، فيجيبه لبيك وسعديك ثلاث مرات فيقول المعلم r  أتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟»: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» متفق عليه.

أختيارُ المحضنِ والمعلمِ والصديقِ .. من اهم مقوماتِ الاستقامةِ في الحياة ، وسلوكِ اعلى المراتبِ في الاخلاقِ والقيمِ .. قال عليه الصلاة والسلام ("مُرُوا أولاكمِ بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشرٍ، وفرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ"

قال العيني أي: يفرقُ بين الجاريةِ والغلامِ في المراقدِ؛ وذلك لأنهم إذا قاربوا أدنى حد البلوغِ، فيخافُ عليهم من الفسادِ. وفي التعليمِ والعمل مثلُ ذلك.. فلا أحسنَ من فطرةِ الله التي فطر الناس عليها .

وكان الناسُ يرسلون أبنائَهم لمن يثقون في تعليمهِ وحسنُ اخلاقهِ وقَوامةُ تربيتِه.. أرسلت أم سُليمٍ ابنها أنسَ بنُ مالكٍ ليتعلمَ من النبيِ r ويخدمَهُ ويهتديَ بسمتهِ ويتربى على خُلُقِه .

وإنها لمصيبةٌ أن تختلَ الموازينُ فيتولى مهمةَ التربيةِ والتعليمِ مَنْ لا يلتزمُ بأحكامِ الإسلامِ, متهاونٌ في أمرِ الله .. فيسؤكَ  حين ترى مربي الأجيالِ يجرُ إزاره بين الطلاب ..    وآخرُ يتسللُ لواذاً بين الحصصِ ليلوثَ فاهُ بالدخان.. ومنظرُ سيءُ أن تجدَ معلمًا يُغذي في طلابهِ التعصبَ الرياضي.

والطالبةُ التي ترى معلمتَها متبرجةً سافرةً كيف تلتزم بالحجابِ والجلباب!!

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)

وفي الجانبِ المشرقِ فإننا بحمدالله نرفلُ بمعلمين ومعلمات في التعليمِ وحلقِ التحفيظِ والدورِ النسائيةِ أخيارُ أغيار ،يبذلون أوقاتهَم وجهودَهم وأموالَهم لتربيةِ أبنائِنا وتعليمِهم وتحفيظِهم للقرآن ، فلهم تحيةُ إجلالٍ وإكبارٍ ،فهم فخرُنا ، وعليهم المعولُ بعد الله ، وأجُرهم على ربهم والله لايضيع أجر من أحسن عملا .

أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلامات فاستغفروه إن ربي رحيم ودود

 

 

 

الخطبة الثانية :

 الحمدلله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتننا وعلى الله وسلم على عبده ورسوله وأله وأصحابه اما بعد .

   أرى ألف بانٍ لا تقوم لهادم ***  فكيف ببانٍ خلَفه ألفُ هادم

إن من العجبِ أن من الآباءِ من يتركُ مسؤوليةَ التعليم والتوجيهِ ويكل ذلك للمدرسةِ وهو يرى الأعادي من كلِ مكانٍ تنهشُ .. برامجُ تواصلٍ، وصحبةُ سوءٍ، ودعاياتٌ ومواقعُ وتجمعاتِ ..

    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له*** إياك إياك أن تبتل بالماء

لابد للمدرسةِ والمعلمِ من يدٍ في البيتٍ تعينُهم ، وأبٌ وأمٌ وإخوةٌ يرعون من تحت أيديِهم .. إذا وضعَ المعلمُ في الابنِ لبناتٍ ثم رعاها الأبُ وحافظَ عليها أن تنهدَ اكتملَ البناءُ وتحصنتِ البيوتُ من لصوصِ العقولِ والأخلاقِ ،

إن من الواجبِ علينا أن نُربي الجيل منذُ الصغر على ما يرفع الهمةَ، ويؤصل الكرامةَ ، وأن قيمة الأنسانِ بما يحملُ لا بما يحاكي ويتبع.

والمجتمع باسرهِ مسؤلٌ عن تربيةِ هذا النشءِ التربيةَ الصحيحةِ المستقيمةِ  " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته "،

فالله الله أن يؤتى الإسلامُ من ثغرةٍ يقومُ الإنسان على حراستها ..

وجماعُ ذلك كلِه الاستعانةُ باللهِ والدعاءِ، (رب اعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) والصبرِ وعدمِ اليأسِ من طولِ الطريقِ ( واستعن بالله ولا تعجز) ، والنصحُ لكلِ مسلمٍ" إن عليك إلا البلاغ" والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وأعظمُ التعليمِ وازكى التربيةِ، التعليمُ والتزكيةُ بالقرآن ، وحلق القرآن والدور النسائية تشرع أبوابها للتسجيل والالتحاق بكنفها، للكبار والصغار والذكر والأنثى، فليس أحد يستغني عن القرآن، وتزكية كلام الملك الديان ، فكم من بحور الأجور في ميزان من يلتحق بها . "فلأنْ يَغدُوَ أحدُكُم كل يَوْمٍ إلى المسجد، فيتَعلَّمَ أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ، وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الْإِبِلِ» أخرجه مسلم

ثم صلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقال : إن الله وملائكته ..

اللهم صل على عبدك ورسوك نبينا محمد وارض اللهم عن صحابته أجمعين

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا ...

المرفقات

1723731211_العلمُ حياةُ الأُمم.docx

1723731213_العلمُ حياةُ الأُمم.pdf

المشاهدات 1227 | التعليقات 0