الْعَلَّامَةُ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ 24 صَفَر 1443هـ
محمد بن مبارك الشرافي
الْعَلَّامَةُ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ 24 صَفَر 1443هـ
الْحَمْدُ للهِ أَعْلَى شَأْنَ الْعِلْمِ وَالْعُلَمَاء ، وَجَعَلَ طَلَبَ الْعِلْمِ مِنْ أَجَلِّ الأَعْمَالِ وَالْقُرُبَات، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ, حَثَّنَا عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَأَمَرَنَا بِهِ، فَصَلاةُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّاهِرِينَ وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِين، أَقْمَارِ الدُّجَى وَمَصَابِيحِ الْهُدَى وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى.
أَمَّا بَعْدُ: فَهَذِهِ سِيرَةٌ مُخْتَصَرَةٌ لِعَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ وَفَقِيهٍ مِنْ فُقَهَاءِ الْمِلَّةِ, مَلأَ اللهُ بِهِ الدُّنْيَا عِلْمًا، وَتَعَجَّبَ مِنْ فِقْهِهِ وَاسْتِنْبَاطِهِ الْقَاصِي وَالدَّانِي، وَاسْتَفَادَ مِنْ بَحْرِ عُلُومِهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ
, إِنَّهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْعُثَيْمِينُ رَحِمَهُ اللهُ, مِنْ قَبِيلَةِ الْوهَبَةِ مِنْ بَنِي تَمِيم , وُلِدَ فِي لَيْلَةِ 27 مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ 1347هـ فِي مَدِينَةِ عُنَيْزَةَ، إِحْدَى مُدُنِ الْقَصِيمِ، وَنَشَأَ نَشْأَةً صَالِحَةً طَيِّبَةً, تَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ فِي الْكُتَّابِ، وَحَفِظَ الْقُرْآنَ فِي سِنِّ الْعَاشِرَةِ, وَتَتَلْمَذَ عَلَى الشَّيْخِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّعْدِيِّ رَحِمَهُ اللهُ، شَيْخُهُ الأَوَّلُ وَتَأَثَّرَ بِعِلْمِهِ وِمَنْهَجِهِ.
وَلَمَّا فُتِحَ مَعْهَدُ الرِّيَاضِ الْعِلْمِيُّ اسْتَأْذَنَ شَيْخَهُ ابْنَ سَعْدِيٍّ فِي الالْتِحَاقِ بِهِ، وَكَانَتْ الدِّرَاسَةُ فِيهِ مُدَّتُهَا أَرْبَعُ سَنَوَاتٍ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نِظَامُ الْقَفْزِ، وَهَوَ أَنَّ مَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ اسْتِعْدَادٌ لِلتَّقَدُّمِ فِي الدِّرَاسَةِ، فَإِنَّهُ تُتَاحُ لَهُ الْفُرْصَةُ فِي الْعُطْلَةِ الصَّيْفِيَّةِ فَيَدْرُسُ مُقَرَّرَاتِ السَّنَةِ التِي بَعْدَ سَنَتِهِ التِي انْتَهَى مِنْهَا وَيَخْتَبِرَ فِيهَا, فَاخْتَصَرَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ الْمَعْهَدَ فِي سَنَتَيْنِ, ثُمَّ لَمَّا فُتِحَ الْمَعْهَدُ الْعِلْمِيُّ بِعُنَيْزَةَ سَنَةَ 1374هـ اُخْتِيرَ مُعَلِّمَاً فِيهِ، ثُمَّ لَمَّا فُتِحَتْ كُلِّيَّةُ الشَّرِيعَةِ بِالرِّيَاضِ انْتَسَبَ فِيهَا وَأَخَذَ شَهَادَتَهَا بِجَدَارَةٍ, وَبَعْدَ افْتِتَاحِ كُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولِ الدِّينِ بِالْقَصِيمِ انْتَقَلَ مِنَ التَّدْرِيسِ فِي الْمَعْهَدِ إِلَيْهَا، وَاسْتَمَرَّ فِي التَّدْرِيسِ فِيهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ.
وَلَمَّا تُوفِّيَ شَيْخُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدِيٍّ سَنَةَ 1376هـ تَوَلَّى الإِمَامَةَ وَالْخَطَابَةَ وَالتَّدْرِيسَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِعُنَيْزَةَ، وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَوفَّاهُ اللهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَحِينَ كَانَ الشَّيْخُ الْعُثَيْمِينُ رَحِمَهُ اللهُ يَدْرُسُ فِي الْمَعْهَدِ الْعِلْمِيِّ بِالرِّيَاضِ الْتَحَقَ بِدُرُوسِ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ بَازٍ رَحَمَهُ اللهُ, بِالإِضَافَةِ لِتَدِريسِهِ لَهَ فِي الْمَعْهَدِ الْعِلْمِيِّ, وَلَمَّا عَرَفَهُ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ اعْتَنَى بِهِ وَخَصَّهُ بِدُرُوسٍ زَائَدَةٍ عَلَى مَا كَانَ يُلْقِيهِ لِعُمُومِ الطُّلابِ, وَذَلِكَ لِمَا رَأَى عَلَيْهِ مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ وَقُوَّةِ الْفَهْمِ وَالنَّبَاهَة, فَقَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضِ رَسَائِلِ شَيْخِ الإِسْلام ِابْنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ وَانْتَفَعَ بِهِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ, وَالنَّظَرِ فِي آرَاءِ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ وَالْمُقَارَنَةِ بَيْنَهَا, وَلَمْ يَزَلْ مَحَلَّ تَقْدِيرٍ وَإِكْبَارٍ مِنَ الشَّيْخِ ابْنِ بَازٍ حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُمَا اللهُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَأَمَّا بَذْلُ الشَّيْخِ الْعُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ للْعِلْمِ وَقِيَامُهُ بِالدَّعْوَةِ فَهُوَ مُتَنَوِّعٌ وَمُتَعَدِّدٌ فِي جَوَانِبَ كَثِيرَةٍ , وَهَكَذَا هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ يَكْثُرُ خَيْرُهُمْ وَنَفْعُهُمْ, وَيَصِيرُونَ كَالْغَيْثِ حَيْثُ مَا حَلَّ هَطَلَ . فَكَاَن رَحِمَهُ اللهُ يَبْذُلُ الْعِلْمَ عَنْ طَرِيقِ التَّدْرِيسِ، وَعَنْ طَرِيقِ الْمُحَاضَرَاتِ فِي الْمُدُنِ التِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهَا, وكَانَ يُلْقِي مُحَاضَرَاتٍ عَنْ طَرِيقِ الْهَاتِفِ فِي أُورُبَّا وَأَمْرِيكَا وَغَيْرِهِمَا, وَيَقُومُ بِالتَّدْرِيسِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَيُشَارِكُ فِي تَوْعِيَةِ الحُجَّاجِ بِالْفَتَاوَى، وَإِلْقَاءِ الدُّرُوسِ وَالْمُحَاضَرَاتِ.
وَمِنْ مَجَالاتِ دَعْوَتِهِ وَنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ: قِيَامُهُ بِالْفَتَاوَى عَلَى مَا يَرِدُ إِلَيْهِ مِنْ أَسْئِلَةٍ مِنْ دَاخِلِ الْمَمْلَكَةِ وَخَارِجِهَا، سَوَاءً بِالْمُرَاسَلَةِ أَوِ الْمُقَابَلَةِ أَوْ عَنْ طَرِيقِ الْهَاتِفِ، وَقَدْ خَصَّصَ وَقْتًا مُعَيَّنًا لِلإفْتَاءِ عَنْ طَرِيقِ الْهَاتِفِ، وَهُوَ فِي بَلَدِهِ عُنَيْزَةَ، وَإِذَا سَافَرَ جَعَلَ تَسْجِيلًا عَلَى الْهَاتِفِ يُرْشِدُ إِلَى رَقَمٍ فِي الْبَلَدِ الذِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ.
وَمِنْ مَجَالاتِ تَعْلِيمِهِ وَدَعْوَتِهِ: مُشَارَكَتُهُ الْكَثِيرَةُ الْمُفِيدَةُ فِي الإِذَاعَةِ ، فَلَهُ بَرَامِجُ ثَابِتَةٌ فِي الإِذَاعَةِ، هِيَ: بَرْنَامَجُ (نُورٌ عَلَى الدَّرْبِ) وَبَرْنَامَجُ (سُؤَالٌ عَلَى الْهَاتِفِ) وَبَرْنَامَجُ (مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ) وَلَهُ أَحَادِيثُ فِي الإِذَاعَةِ غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي مَوْضَوعَاتٍ مُتَنَوِّعَةٌ.
وَأَمَّا دُرُوسُهُ الْعِلْمِيَّةُ الْمُسَجَّلَةُ فِي الأَشْرِطَةِ, وَمُؤَلَّفَاتُهُ الْمَكْتُوبَةُ فَقَدْ سَارَتْ مَسِيرَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاسْتَفَادَ مِنْهَا حَتَّى الْعُلَمَاءُ الْمُعَاصِرُونَ لِلشَّيْخِ رَحِمَهُ اللهُ , بَلْ الآنَ قَدْ جُعِلَ لَهُ مَحَطَّةٌ تِلِفِزْيُونِيَّةٌ تَبُثُّ الْمَوْرُوثَ الْعِلْمِيَّ الذِي خَلَّفَهُ الشَّيخُ مِنَ الدُّرُوسِ وَالْمُحَاضَرَاتِ وَغْيَرِهَا إِلَى أَنْحَاءِ العَالَم, بَلْ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجَامِعَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ كَلَّفَتْ طُلَّابَهَا بِكِتَابَةِ الرَّسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ فِي بَعْضِ عُلُومِ الشَّيْخِ وَمَا تَمَيَّزَ بِهِ مِنْ طُرُقِ الاسْتِنْبَاطِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, وَقَدْ تَمَّ إِحْصَاءُ هَذِهِ الرَّسَائِلِ فَزَادَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ رِسَالَةً مَا بَيْنَ مَاجِسْتِير وَدُكْتُورَاة, وَلا شَكَّ أَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْزَلَةِ الْعَالِيَةِ التِي بَلَغَهَا الشَّيْخُ حَتَّى صَارَ مَحَلَّ اسْتِفَادَةِ طُلَّابِ الْعِلْمِ فِي مَجَالاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.
فَاللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِينَ وَلِجَمِيعِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهِمْ وَالْمَيِّتِينَ, أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِروهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمينَ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ على نبيِّنَا محمدٍ , وعلى آلِه وَصَحْبِهِ أَجْمَعينَ . أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ تَلامِيذَ الشَّيْخِ الْعُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللهُ كَثِيرُونَ جِدًّا، فَأَخَذَوا عَنْهُ الْعِلْمَ فِي مَعْهَدِ عُنَيْزَةَ الْعِلْمِيِّ، وَكُلِّيَّةِ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولِ الدِّينِ بِالْقَصِيمِ، وَفِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ بِعُنَيْزَةَ، فَتَدْرِيسُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ مُدَّتُهُ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً، وَتَدْرِيسُهُ فِي الْمَعْهَدِ وَالْكُلِّيَّةِ مُدَّتُهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.
وَكَانَ عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنَ الطَّلَبَةِ مِنْ دَاخِلِ الْمَمْلَكَةِ وَخَارِجِهَا يَرْتَحِلُونَ إِلَيْهِ لِتَلَقِّي الْعِلْمَ عَنْهُ لا سِيَّمَا فِي الصَّيْفِ، حَيْثُ يَكُونُ لَهُ فِيهِ دُرُوسٌ كَثِيرَةٌ ، فِي الصَّبَاحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَلا يَنْقَطِعُ عَنِ التَّدْرِيسِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي جَمِيعِ أَيَّامِ السَّنَةِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: بَلْ إِنَّ تَتَلْمُذَ النَّاسِ عَلَى عِلْمِ الشَّيْخِ لَيْسَ بِالْجُلُوسِ عِنْدَهُ فَقَطْ بَلِ امْتَدَّ حَتَّى قَرَأُوا كُتُبَهَ وَسَمْعُوا دُرُوسَهُ مُسَجَّلَةً فَتَأَثَّرُوا بِهَا وَاسْتَفَادُوا مِنْهَا.
يَقُولُ أَحَدُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ: اجْتَمْعَتُ يَوْمَا فِي الْحَرَمِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعَدَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الأَفَارِقَةِ مِنْ نَيْجِيرِيَا وَالذِينَ تَحَلَّقُوا لِاسْتِمَاعِ دَرْسِ شَيْخِنَا رحَمِهُ اللهُ فِي الْحَرَمِ, وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَبْكِي بِحُرْقَةٍ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ بِالدُّعَاءِ بِكَلامٍ لا أَفْهَمُهُ, فَسَأَلْتُهُمْ: لِمَاذَا يَبْكُونَ؟ فَقَالُوا: كُنَّا مَجْمُوعَةً مِنَ النَّصَارَى أَهْدَى إِلَيْنَا أَحَدُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي نَيْجِيرِيَا شَرِيطًا لِلشَّيْخِ مُحَمَّد فِي الْعَقِيدَةِ, فَأَسْلَمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الشَّريِطِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَابًّا, وَمِنْهُمْ هَؤُلاءِ الْفِتْيَةُ الذِينَ يَبْكُونَ فَرَحًا لِرُؤْيَتِهِمَ لِلشَّيْخِ وَيَدْعُونَ اللهَ لَهُ , فَالْفَضْلُ لَهُ بَعْدَ اللهِ فِي إِسْلامِهِمْ.
وَمَرَّةً زَارَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الأَمْرِيكَانِ السُّودِ شَيْخَنَا فِي الْحَجِّ, وَكَانُوا يَتَكَلَّمُونَ الْعَرَبِيَّةَ بِفَصَاحَةٍ وَكَأَنَّهُمْ عَرَبٌ أَقْحَاحٌ؟ قَالُوا لِلشَّيْخِ: نَحْنُ تَلامِيذُكَ ! فَقَالَ: لا أَذْكُرُ أَنَّكُمْ دَرَسْتُمْ عِنْدِي ! فَقَالُوا: يَا شَيْخُ لَقَدْ سَمِعْنَا شُرُوحَكَ مِنَ الأَشْرِطَةِ فِي الْوَاسِطِيَّةِ وَكِتَابِ التَّوْحِيدِ وَغَيْرِهَا فَنَحْنُ نَعْتَبِرُ أَنْفُسَنَا تَتَلْمَذْنَا عَلَيْكَ.
وَيَقُولُ أَحَدُ مُرَافِقِي الشَّيْخِ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ: فِي عَامِ 1416 هـ كُنْتُ مُرَافِقَاً لِسَمَاحَتِهِ وَهُوَ يَزُورُ الْحُجَّاجَ كَعَادَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ، يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ وَيُجِيبُ عَلَى أَسْئِلَتِهِمْ فِي مَطَارِ الْمَلِكِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِجِدَّةَ، فَدَخَلْنَا صَالَةَ اسْتِقْبَالٍ كَانَ فِيهَا حُجَّاجٌ مِنْ جُمْهُورِيَّةٍ مِنَ الْجُمْهُورِيَّاتِ الرُّوسِيَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَتَكَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ، فَسَأَلَ الشَّيْخُ إِنْ كَانَ مَعَهُمْ مُتَرْجِمٌ يُتَرْجِمُ كَلامُهُ إِلَيْهِمْ , فَلَمْ نَجِدْ إِلَّا شَابًّا سُعُودِيًّا فِي اسْتِقْبَالِهِمْ يَتَحَدَّثُ بِلِسَانِهِمْ، فَطَلَبْنَا مِنْهُ أَنْ يُتَرْجِمَ كَلامَ الشَّيْخِ، فَوَافَقَ وَأَخَذَ الشَّيْخُ يَتَحَدَّثُ وَالشَّابُّ يُتَرْجِمُ، وَفِي أثناء حديثه أأضثصيومكشسبوشسكبوزشسظأَثْنَاءِ حَدِيثِهِ دَخَلَ شَابٌّ يَرْكُضُ عَرَفْنَا فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ مُرْشِدُ الْحَمْلَةِ، وَإِذَا بِهِ يَتَحَدَّثُ الْعَرَبِيَّةَ بِطَلاقَةٍ، وَطَلَبَ أَنْ يَقُومَ بِالتَّرْجَمَةِ، وَأَخَذَ مُكَبِّرَ الصَّوْتِ وَهُوَ لا يَعْلَمُ مَنِ الشَّيْخُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ الشَّيْخُ مِنْ حَدِيثِهِ، جَاءَ لِيُسَلِّمَ فَقُلْنَا لَهُ: هَذَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثَيْمِينَ! فَاسْتَغْرَبَنا مِنْ مَعْرِفَتِهِ لِلْشَّيْخِ, وَإِذَا بِهِ يَضُمُّ الشَّيْخَ بِذِرَاعَيْهِ، وَأَخَذَتِ الدُّمُوعُ تَنْهَالُ مِنْ عَيْنَيْهِ, وَهُوَ يَقُولُ: الشَّيْخُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِين! وَيُكَرِّرُ اسْمَهُ فَرَحًا, ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ أَخَذَ مُكَبَّرَ الصَّوْتِ، وَنَادَى فِي أَفْرَادِ الْحَمْلَةِ بِكَلامٍ لَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ سِوَى تَرْدِيدِهِ لاسْمِ الشَّيْخِ، وَكَانَتِ الْمُفَاجَأَةُ أَكْبَرَ عِنْدَمَا أَخَذَ أَفْرَادُ الْحَمْلَةِ يَبْكُونَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ وَهُمْ يُرَدِّدُونَ اسْمَ الشَّيْخِ الْعُثَيْمِين ، وَقَالَ الشَّابُّ: يَا شَيْخُ كُلُّهُمْ طُلَّابُكَ ، هَؤُلاءِ كَانُوا يَدْرُسُونَ كُتُبَكَ فِي الأَقْبِيَةِ تَحْتَ الأَرْضِ لَمَّا كَانَ تَعْلِيمُ الإِسْلامِ عِنْدَنَا مَمْنُوعًا، وَهُمْ فِي شَوْقٍ لِلسَّلامِ عَلَيْكَ، فَأَقْبَلُوا إِلَيْ الشَّيْخِ يُقَبِّلُونَ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَهُمْ يَبْكُونَ وَيُرَدِّدُونَ اسْمَهُ! فَكَانَ مِنْ أَشَدِّ الْمَوَاقِفِ تَأْثِيرًا، وَمَا أَعْلَمُ أَحَداً بَقِيَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ إِلَّا وَبَكَى تَأَثُّرًا بِمَا رَأَى وَمَا سَمِع .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ الْقَادِمَةِ نُخَصِّصُهَا بِإِذْنِ اللهِ عَنِ الصِّفَاتِ التِي اتَّصَفَ بِهَا ذَلِكَ الْعَالِمُ, وَبَعْضِ مَوَاِقفِهِ الْمُؤَثِّرَةِ عَسَى اللهُ أَنْ يَنْفَعَنَا وَإِيَّاكُمْ بِسِيَرِ الصَّالحِينَ وَصِفَاتِ الْمُتَّقِينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ, اللَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قُبُورَهُمْ وَاغْفِرْ لِلأَحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُورَهُمْ , اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُلَمِائِنَا وَأَئِمَّتِنَا وَارْفَعْ دَرَجاَتِهِمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يَارَبَّ العَالَمِينَ, اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلشَّيْخِ مُحَمِّدٍ الْعُثَيْمِينَ وَلِوَالِدَيْهِ وَأَوْلادِهِ وَمَشَايِخِهِ وَطُلَّابِهِ وَأَحْبَابِهِ, اللَّهُمَّ عَوِّضْنَا عَنْ مَوْتِ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمْ وَيَحْمِلُ عِلْمَهُمْ وَدَعْوَتَهُمْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
المرفقات
1632932602_الْعَلَّامَةُ الْفَقِيهُ مُحَمَّدُ الْعُثَيْمِين رَحِمَهُ اللهُ 24 صَفَر 1443هـ.doc
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق