العلاج العجيب ( خطبة جمعة )

محمد بن سليمان المهوس
1438/05/04 - 2017/02/01 19:54PM
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
إنّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيِكَ لهُ، وأشْهَدُ أنّ مُـحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )) ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)) أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيِثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم، وَشَرَّ الأمُورِ مُحْدَثاتُها ،وَكُلَّ مُحْدثةٍ بِدْعَةٍ، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٍ، وكُلَّ ضَلالةٍ فِي النّارِ ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ / مِنْ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تُنْكَرُ ، فِي هَذَا الزَّمَانِ ، كَثْرَةُ الْأَمْرَاضِ بَيْنَ النَّاسِ ، فَقَلَّ مَا تَجِدُ بَيْتًا ، أَوْ أُسْرَةً ، إِلَّا وَبَيْنَهُمْ مَرِيضٌ ، أَوْ عِدَّةُ مَرْضَى ، بَلْ هُنَاكَ أَمْرَاضٌ ، قَدْ يَتَوَارَثُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ ، فَالْأَمْرَاضُ تَفَشَّتْ وَتَنَوَّعَتْ فِي هَذَا الزَّمَانِ ، وَبَعْضُهَا اسْتَعْصَى عَلَى الْأَطِبَّاءِ ، رَغْمَ وُجُودِ الْعِلَاجِ ، إِذْ مَا جَعَلَ اللَّهَ مِنْ دَاءٍ إِلَّا جَعَلَ لَهُ دَوَاءً ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم: (( تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً ، إِلَّا دَاءً وَاحِدًا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : الْهَرَمُ ))
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.
وَلَاشَكَّ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمْرَاضِ الْمُنْتَشِرَةِ الْيَوْمَ أَسْبَابًا مِنْ أَهَمِّهَا : الذُّنُوبُ والْمَعَاصِي ،كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ((وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ((وَقَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم: ((خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ : لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا ... الْحَدِيِث )) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيَّ .
وَفِي الْمُقَابِلِ - عِبَادَ اللَّهِ - نَجِدُ الْكَثِيرِينَ مِنْ الْمَرْضَى الْيَوْمَ يَطْرُقُونَ كُلَّ أَنْوَاعِ الْعِلَاجِ ، وَيَفْعَلُونَ كُلَّ الْأَسْبَابِ ، عَلَّهُمْ يَجِدُونَ عِلَاجًا نَافِعًا ، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ يَغْفُلُ بَعْضُهُمْ عَنْ طَرْقِ بَابِ رَبِّ الْأَرْبَابِ ، وَمَسَبِّبِ الأَسْبَابِ ، يَغْفُلُ عَنْ بَابِ الَّذِي بِيَدِهِ الشِّفَاءَ ،وَعِنْدَهُ الدَّوَاءُ كَمَا قَالَ : ((وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ))
وَاللهُ الَّذِيِ جَعَلَ مِنْ أَعْظَمِ أسْبَابِ الشِّفَاءِ :بَذْلُ الصَّدَقَةِ ، وَالْإِحْسَانُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِيِنَ ، وَقَدْ قَالَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم: (( دَاوُوا مَرْضَاكُم بالصّدَقَةِ )) وَالْحَدِيثُ حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ .
فَالصَّدَقَةُ وَصْفَةٌ عِلَاجِيَّةٌ نَبَوِيَّةٌ نَافِعَةٌ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ)) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَدْ سَأَلَ رَجُلٌ ابْنَ الْمُبَارَكِ -كَمَا فِي سَيْرِ أَعْلَامِ النُّبَلَاءِ - سَأَلَهُ عَنْ قُرْحَةٍ خَرَجَتْ فِي رُكْبَتِهِ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَقَدْ عَالَجَهَا بِأَنْوَاعِ الْعِلَاجِ ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْتَفِعْ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ : اذْهَبْ وَاحْفِرْ بِئْرًا فِي مَكَانٍ يَحْتَاجُ النَّاسُ فِيهِ إِلَى الْمَاءِ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَنْبَعَ هُنَاكَ عَيْنٌ ، وَيُمْسِكَ عَنْكَ الدَّمَ . فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَشَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ / وَلِلْعِلَاجِ بِالصَّدَقَةِ آدَابٌ يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ الَّذِي يُرِيدُ الشِّفَاءَ ، أَنْ يَتَنَبَّهَ لَهَا ،وَالَّتِي مِنْهَا : إِخْلَاصُ النِّيَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَهُوَ يَتَصَدَّقُ لِلَّهِ تَعَالَى رَاجِيًا الشِّفَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسَبَبِ مَا تَصَدَّقَ بِهِ ، فَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ .
وَأَيْضًا أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ مِنْ الْمَالِ الطَّيِّبِ ، فَاللَّهُ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ((
وَأَيْضًا لَابُدَّ أَنْ تُعْطَى مُحْتَاجًا صَالِحًا تَقِيًّا تُعِينُهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَتَقْضِي حَاجَتَهُ ، وَكُلَّمَا كَانَ الْفَقِيرُ أَشَدَّ فَقْرًا وَحَاجَةً لِلصَّدَقَةِ ، كُلَّمَا كَانَ أَثَرُ الصَّدَقَةِ أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ.
فَاتَّقُوُا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وأحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِيِنَ ، بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكَمَ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمِ .
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، والشّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لَشَانِهِ ، وأشهدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ ، صَلّى الله عَليْهِ وَعَلى آلِهِ وأصْحَابِهِ وأعْوانِهِ وسَلّم تَسْلِيماً كثيراً .
‏عِبَادَ اللهِ / كَمَا أَنَّ فِي الصَّدَقَةِ تَنْمِيَةٌ وَزِيَادَةٌ لِلْأَمْوَالِ ، وَمُضَاعَفَةٌ لِلْأَجْرِ وَالثَّوَابِ ، وَسَدٌّ لِحَاجَاتِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ ، وَسَبِيلٌ لِجَلْبِ السَّعَادَةِ إِلَى نُفُوسِهِمْ ، وَرَسْمُ الِابْتِسَامَةِ عَلَى شِفَاهِهِمْ ، وَوَسِيلَةٌ لِتَحْقِيقِ التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ بَيْنَ أَفْرَادِ الْمُجْتَمَعِ الْوَاحِدِ ، وَطَرِيقٌ إِلَى انْتِشَارِ الرَّحْمَةِ وَالتَّآخِي وَالْمَوَدَّةِ بَيْنَ النَّاسِ.
كَمَا أَنَّهَا تَدْفَعُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى النِّقَمَ وَالْمَكَارِهَ وَالْأَسْقَامَ عَنْ صَاحِبِهَا .
فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى – عِبَادَ اللَّهِ - وَاحْرِصُوا عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْ الصَّدَقَاتِ بِالْقَوْلِ مَرَّةً ، وَبِالْعَمَلِ مَرَّةً ثَانِيَةً ، وَبِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ مَرَّةً ثَالِثَةً ، وَعَلَيْكُمْ بِبَذْلِ الْمَالِ الْحَلَالِ فِي الصَّدَقَاتِ ، وَتَسْخِيرِ الْجَاهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَاحْتِسَابِ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شُؤُونِ الْحَيَاةِ ، هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ ، فَقَالَ (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
المرفقات

العلاج العجيب.doc

العلاج العجيب.doc

المشاهدات 2620 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا