العلاج الرباني.

حسام الحجي
1443/04/20 - 2021/11/25 21:12PM

إِنَّ الحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

أَمَّا بَعْدُ : دَخَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فَسَأَلَتْهُ يَا رَسُولُ اللهِ لَقَدْ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمًا عَسِيرًا عليك، أُصِيبَ فِيهِ أَصْحَابُكَ، وَقُتِلَ عَمُّكَ حَمْزَة ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُكَ، وَشُجَّ جَبِينُكَ، وَأَصَابَكَ مِنَ الْغَمِّ وَالْهَمِّ مَا أَصَابَكَ، فَهَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ؟ وَيَسْتَمِعُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ِلسُؤَالِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ ثُمَّ يَقُولُ: نَعَمْ .. نَعَمْ يَا عَائِشَة، ثُمَّ حَدَّثَهَا ﷺ عَنْ أَصْعَبِ يَوْمٍ، وَأَشَدِّ مَوْقِفٍ أَتَى عَلَى رَسُولِ اللهِ عليه الصلاةُ والسلام فِي حَيَاتِهِ الدَّعَوِيَّةِ قَالَ: "لَقَدْ لَقِيْتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيَتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيَتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ" وَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ  إِلَى الطَّائِفِ مُبَلِّغًا لِرِسَالَةِ اللهِ بَعْدَمَا قَضَى عَشْرَ سَنَوَاتٍ فِي مَكَّةَ، فَسَرَحَ بَصَرُهُ إِلَى الطَّائِفِ، فَعَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى الطَّائِف، يَصْحَبُهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَسَارَ ﷺ  بَيْنَ تِلْكَ الشِّعَابِ، يَقْطَعُ الْفَيَافِي وَالْقِفَارَ فِي طَرِيقٍ وَعِرةٍ وَشَاقّةٍ أَمَلاً فِي أَنْ يَجِدَ قُلُوبًا تُؤْمِنُ بِرِسَالَتِهِ ، وَنُفُوسًا تُسَلِّمُ لِدَعْوَتِهِ، حَتَّى وَصَلَ إِلَى الطَّائِفِ، وَعَرَضَ رِسَالَتَهُ السَّمْحَةَ، وَدِيْنَهُ الْخَالِدَ، وَدَعَا إِلَى اللهِ تَعَالَى بِكُلِّ مَا أُوتِيَ مِنْ رَوْعَةٍ فِي الْبَيَانِ، وَحُسْنٍ فِي الْخِطَابِ وَقِرَاءَةٍ لِلْقُرْآنِ، وَبَعْدَمَا عَرَضَ تِجَارَتَهُ الرَّابِحَةَ، وَرِسَالَتَهُ الْمُنْجِيَةَ، وَقَرَعَ أَسْمَاعَهُمْ بِكَلَامِ اللهِ تَعَالَى؛ فُوجِئَ ﷺ بِأَقْبَحِ رَدٍّ، وَأَبْشَعِ عِبَارَةٍ، وَأَسْوَأِ إِشَارَةٍ، فَأَحَدُهُمْ يَقُولُ: أَمَا وَجَدَ اللهُ أَحَدًا غَيْرَكَ؟.

وَكَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ أَلِيمَةً، وَالصَّدْمَةُ شَدِيدَةً عَلَى رَسُول الله ﷺ  الرُّدُودُ قَاسِيَةٌ، وَالِاسْتِهْزَاءُ وَالسُّخْرِيَةُ ظَاهِرَةٌ، وَظَلَّ ﷺ  فِي الطَّائِفِ صَابِرًا عَلَى جَفَائِهِمْ وَقَسْوَتِهِمْ، يَدْعُو إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَغْشَى مَجَالِسَهُمْ لَعَلَّ الْقُلُوبَ أَنْ تَلِينَ، وَالنُّفُوسَ أَنْ تُؤْمِنَ ، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ.

بَلْ أَغْرَوا بِهِ الصِّبْيَانَ وَالسُّفَهَاءَ يَلْحَقُونَ به وَيُسِيئُونَ إِلَيْهِ، وَيَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى رَجَمُوا عَرَاقِيبَهُ وَاخْتَضَبَتْ نَعْلَاهُ بِالدِّمَاءِ وَهُوَ يَمْضِي عَلَى قَدَمَيْهِ فِرَارًا مِنْ أَذَاهُمُ النَّفْسِيِّ وَالْبَدَنِيِّ، عِنْدَهَا أَيْقَنَ ﷺ  أَنَّ أَهْلَ الطَّائِفِ قَدْ تَحَجَّرَتْ قُلُوبَهُمْ ، وَأَصَرُّوا ، وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، فَخَرَجَ  مِنَ الطَّائِفِ عَائِدًا إِلَى مَكَّةَ، مَهْمُومًا، مَكْلُومًا.

يَا الله مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ، لَا تَخْفَى عَلَيْكُمْ، قَطَعَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ  وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِنَفْسِهِ، فِي حَالَةٍ مِنَ الِاسْتِغْرَاقِ وَالْفِكْرِ، وَالْهَمِّ، وَالْكَرْبِ النَّفْسِيِّ الشَّدِيدِ، فَلَمْ يُفِقْ مِنْ هَوْلِ مَا رَأَى وَسَمِعَ، وَهُوَ يَمْشِي فِي تِلْكَ الشِّعَابِ الْمُوحِشَةِ حَتَّى وَصَلَ إِلَى قَرْنِ الثَّعَالِبِ، مُتَأَلِّمًا مِمَّا نَزَلَ بِهِ، قَدْ ضَاقَ صَدْرُهُ بِمَا يَقُولُونَ، وَأَصَابَهُ مِنَ الْغَمِّ وَالْهَمِّ مَا أَصَابَهُ، فَوَصَفَ اللهُ بَاطِنَهُ وَظَاهِرَهُ فَقَالَ سُبْحَانَهُ  (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ * فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) ثُمَّ يُسَلِّيهِ رَبُّهُ وَيُوَاسِيهِ بِهَذَا التَّوْجِيهِ الْإِلَهِيِّ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).

الْمُؤمنُ يَا كِرَامُ يَضِيقُ صَدْرُهُ إِذَا انْتُهِكَتْ حُرُمَاتِ اللهِ، إِذَا ضُيِّعَتْ حُدُودُ اللهِ، الْمُؤْمِنُ يَضِيقُ صَدْرُهُ إِذَا ظَهَرَ الْمُنْكَرُ وَجَاهَرَ النَّاسُ بِالذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي، وَمِنْ هُنَا جَاءَ التَّوْجِيهُ الْإِلَهِيُّ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِلْمُؤْمِنِينَ بِهَذَا الْعِلَاجِ الرَّبَّانِيِّ إِذَا ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ مِنْ فُشُوّ الْمُنْكَرَات وَانْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).

فَالتَّوْجِيهُ الْأَوَّلُ فِي قَوْلِهِ: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فَالتَّسْبِيحُ هُوَ النُّورُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالِانْشِرَاحُ فِي الضِّيقِ، فَبِالتَّسْبِيحِ يَنْشَرِحُ الصَّدْرُ ، وَتَتَنَزَّلُ السَّكِينَةُ، وَيَطْمَئِنُّ الْقَلْبُ.

 التَّوْجِيهُ الثَّانِي: (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) السُّجُودُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا السُّجُودُ.. السُّجُودُ رِسَالَةٌ يَوْمِيَّةٌ لِكُلِّ عُظَمَاءِ الدُّنْيَا يُعْلِنُ الْعَبْدُ فِيهَا أَنَّ التَّذَلُّلَ وَالْخُشُوعَ وَالِانْكِسَارَ للهِ تَعَالَى.

 َأَيْنَ مَنْ يَخِرُّ عَلَى وَجْهِهِ وَيَسْجُدُ لِرَبِّهِ فَيَشْكُو فَقْرَهُ، وَغُرْبَتَهُ، يَشْكُو ذُلَّهُ، وَضَعْفَهُ، أَيْنَ مَنْ يَسْجُدُ وَيَدْعُو لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِهِ وَلِأُمَّتِهِ بِالصَّلَاحِ وَالْإِصْلَاحِ.

السُّجُودُ لَذَّةٌ عَظِيمَةٌ يُدْرِكُهَا الْعَبْدُ يَوْمَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)

أقول قولي هذا .....

الخطبة الثانية :

الْحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وَبَعْدُ :

وَالتَّوْجِيهُ الثَّالِثُ: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيكَ الْيَقِينُ) فَالثَّبَاتَ الثَّبَاتَ، فَالْأَمْرُ خَطِيرٌ وَالشَّرُّ مُسْتَطِيرٌ، وَسَتَمُرُّ بِنَا أَيَّامٌ عِجَافٌ، يَمِيزُ اللهُ فِيهَا الْخَبِيثَ مِنَ الطِّيبِ، الْقَابِضُ فِيهَا عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ، سَيُبْكِيكَ الْوَاقِعُ، وَتُؤْلِمُكَ الْمُنَاظِرُ، وَيَحْزُنُكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْفَسَادِ وَالْإِفْسَادِ، سَتُصْبِحُ غَرِيبًا فِي أَهْلِكَ وَقَوْمِكَ فَطُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ.

فَاجْتَهِدْ فِي عِبَادَةِ رَبِّكَ فَنَبِيُّكَ ﷺ يَقُولُ « الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ » سَلِ اللهَ أَنْ يُثبّتَكَ، وَأَنْ يُثَبِّتَ قَلْبَكَ وَقَدَمَكَ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، انْطَرِح بَيْنُ يَدِي رَبُّكَ بِمُنْتَهَى الذُّلِّ وَالْفَقْرِ وَاعْتَرِفْ بِضَعْفِكَ وَعَجْزِكَ وَفَقْرِكَ وَذَنْبِكَ ، قُمْ فِي اللَّيْلِ وَاخْلُ بِرَبِّكَ وَتَضَرَّعْ إِلَيْهِ لِيُثَبِّتَكَ وَيُسَدِّدَكَ (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ).

اللهمَّ أَصلِحْ أَحوالَنا وأَحوالَ المسلمينَ في كُلِّ مَكانٍ، اللهمَّ رُدَّنا إلى دِينِنا رَدًّا جَميلاً، اللهمَّ وَفِّقنا لطَاعتِكَ و العَملِ بشَريعتِكَ، اللهمَّ من أَرادَنا وأَرادَ دينَنا وشبابَنا ونساءَنا بسوءٍ، فاخزِه في هذه الدُّنيا قَبلَ الآخرةِ، اللهمَّ اجعلْ عملَه في بَوارٍ، اللهمَّ أرِنا فِيهِ عَجائبَ قُدرتِكَ، اللهمَّ من أَرادَ ثَوابتَ دينِنا وقِيَمَنا بسُوءٍ فَأشغلْهُ في نَفسِه، اللهمَّ اجعله عِبرةً للمُعتبِرينَ، اللهمَّ وفِّقْ ولاةَ أمرِنا لما تُحبُّ وتَرضى، واجعلهم حِصناً حَصيناً لأحكامِ الإسلامِ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ اغفر للمؤمنينَ والمؤمناتِ والمسلمينَ والمسلماتِ الأحياءِ منهم والأمواتِ.

عِبادَ اللهِ: اذكروا اللهَ ذِكراً كَثيراً، وسَبحوهُ بُكرةً وأَصيلاً، وآخرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العَالمينَ.

المشاهدات 992 | التعليقات 0