العقيدة خطبة الاسبوع للشيخ تركي الميمان

رائد القيسي
1444/02/19 - 2022/09/15 11:06AM

عناصر الخطبة
1/أهمية العقيدة 2/تعريف العقيدة 3/آثار التمسك بالعقيدة والإعراض عنها 4/العقيدة الصحيحة مصدرها الكتاب والسنة بفهم السلف

 

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوْا اللهَ وَرَاقِبُوه، وأَطِيْعُوهُ ولاَ تَعْصُوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا الْقَضِيَّةُ الكُبْرَى، والغَايَةُ العُظْمَى، مِنْ أَجْلِهَا: خَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ وأَنْشَأَه، وَحَدَّدَ مَصِيْرَهُ وَنِهَايَتَه؛ إِنَّهَا العَقِيْدَة، قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56].

 

وَلأَهَمِيَّةِ العَقِيْدَة مَكَثَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- ثَلَاثَةَ عَشَرَ عَامًا، يَغْرِسُ شَجَرَتَهَا، وَيَبْنِيْ قَوَاعِدَهَا؛ حَتَّى إِذَا تَمَكَّنَتْ في نُفُوْسِ الصَّحَابَةِ الكِرَام: نَزَلَ القُرْآنُ بِبَقِيَّةِ الأَحْكَام، قال جُنْدُبُ بْن عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

 

وَالْعَقِيْدَةُ الإِسْلامِيَّة: هِيَ الإِيْمَانُ الجَازِمُ، بِكُلِّ مَا يَجِبُ الإِيْمَانُ بِهِ، مِمَّا أَخْبَرَ اللهُ في كِتَابِهِ، وَمَا صَحَّ عَنْ رَسُوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ كَالإِيْمَانِ بِالله وَإِفْرَادِهِ بِالتَّوْحِيْدِ والتَّعْظِيْم، وَالإِيمانِ بِمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَبِالقَدَرِ.

 

ولا تَثْبُتُ العَقِيْدَةُ في القَلْبِ، إِلَّا بَعْدَ التَّسْلِيْمِ وَالإِذْعَانِ، لِلسُّنَّةِ وَالقُرْآن، قالِ الزُّهْرِيُّ: "مِنَ اللهِ العِلْم، وَعَلَى الرَّسُوْلِ البَلَاغ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيم".

 

وَعَقِيْدَةُ الإِسْلامِ وَالإِيْمَانِ، هِيَ سَبَبُ الهِدَايَةِ والأَمَان، والسَّكِيْنَةِ والاِطْمِئْنَانِ.

 

والمُجْتَمَعُ الَّذِي صَنَعَتْهُ العَقِيْدَة مُجْتَمَعٌ آمِن؛ لِأَنَّهُ يُرَاقِبُ الرَّحْمَن، قَبْلَ أَنْ يُرَاقِبَ الإِنْسَان، (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الأنعام:82].

 

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ نُوْرِ العَقِيْدَة، تَخَبَّطَ في ظُلُمَاتِ الأَفْكَارِ والآرَاءِ، (أوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ في النّاسِ كَمن مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بخَارِجٍ مِنْهَا)[الأنعام:122].

 

وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عَقِيْدَةِ التَّوْحِيْد؛ اِبْتَلَاهُ اللهُ بِالشِّرْكِ والتَّنْدِيْد، والذِّلَّةِ لِلْعَبِيْد، قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: "كُلُّ مَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ: لَا بُدَّ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَه؛ وازْدَادَ فَقْرًا وَحَاجَةً، وَلنْ يَسْتَغْنِيَ الْقَلْبُ عَن جَمِيعِ الْمَخْلُوقَات؛ إِلَّا بِأَنْ يَكُوْنَ اللهُ هُوَ مَوْلَاهُ".

 

والتَّشْكِيْكُ فِي العَقِيْدَةِ والدِّيْن، مَنْهَجُ الأَعْدَاءِ المُتَرَبِّصِيْن؛ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُوْنَ بِالتَّجَارِبِ الطَّوْيِلَةِ: أَنَّهُمْ لَنْ يَسْتَطِيْعُوْا هَزِيْمَةَ المُسْلِمِيْن، وَهُمْ مُسْتَمْسِكُوْنَ بِالعَقِيْدَةِ والدِّيْن، قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّارًا)[البقرة:109].

 

وَفِي عَقِيْدَةِ الإِسْلامِ لا مَجَالَ لِلْخُرَافَاتِ والأَوْهَامِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ على بَصِيْرَةٍ مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّة، ولا تَقْبَلُ الشِّرْكَ والبِدْعَة! (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ)[يوسف:108].

 

وَلا يَجْمَعُ الأَنَام إِلا عَقِيْدَةُ الإِسْلام، وَكُلُّ اجْتِمَاعٍ على غَيْرِ هَذَا مَصِيْرُهُ التَّفَكُّك، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ)[يوسف:108]. قالَ المُفَسِّرُوْن: "وَاذْكُرُوْا مَا أَنْعَمَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الأُلْفَةِ وَالاِجْتِمَاعِ عَلَى الإِسْلَام".

 

وَقَضِيَّةُ العَقِيْدَة، لا تَقْبَلُ أَنْصَافَ الحُلُوْلِ؛ لِأَنَّهَا تَوْقِيْفِيَّةٌ لَا اجْتِهَادَ فِيْهَا، قال تعالى: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ)[يونس:41].

 

وَكُلُّ عَقِيْدَةٍ تُخَالِفُ الإِسْلام فَمَآلُ صَاحِبِهَا إِلَى الخُسْرَان بِنَصِّ القُرْآن، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)[آل عمران:19]. 

 

وَسَبَبُ شَقَاءِ البَشَرِيَّة، هُوَ انْحِرَافُهَا عَنِ العَقِيْدَةِ الرَّبَّانِيَّة، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ)[الأنعام:153].

 

والعَقِيْدَةُ الإِسْلامِيَّةُ سَمَاوِيَّةٌ فِطْرِيَّةٌ، وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)[الروم:30].

 

وَصَاحِبُ العَقِيْدَةِ يَثِقُ بِالله، وَلَا يَثِقُ بِالأَسْبَاب، لَا يُزَلْزِلُهُ الحُزن، وَلَا يُطْغِيْهِ الفَرَح، قَدْ جَعَلَ الدُّنْيَا مَزْرَعَةً لِلْآخِرَة، (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ)[الحديد:23].

 

وَالعَقِيْدَةُ الإِسْلامِيَّةُ قَوْلٌ بِاللِّسَان، واعْتِقَادٌ بِالجَنَان، وعَمَلٌ بِالجَوَارِحِ والأَرْكَان! قالَ الحَسَنُ البَصْرِي: "إِنَّ الْإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي وَلَا بِالتَّمَنِّي، إِنَّ الْإِيمَانَ مَا وَقَرَ فِي الْقَلْبِ، وَصَدَّقَهُ الْعَمَلُ"(رواه ابن أبي شيبة).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

عِبَادَ الله: عِلْمُ العَقِيْدَة، أَشْرَفُ العُلُوْم؛ ولا يُؤْخَذُ إِلَّا مِنْ طَرِيْقِ الكِتَابِ والسُّنَّة، بِفَهْمِ سَلَفِ الأُمَّة، قالَ الأَوْزَاعِي: "عَلَيْكَ بِآثَارِ مَنْ سَلَف؛ وَإِنْ رَفَضَكَ النَّاس، وَإِيَّاكَ وَآرَاءَ الرِّجَال؛ وَإِنْ زَخْرَفُوْهُ لَكَ بِالْقَوْل".

 

والخَوْضُ فِي العَقِيْدَة بِغَيْرِ كِتَابٍ وَلا سُنَّةٍ صَحِيْحَة؛ لَا يُفِيْدُ صَاحِبَهُ تَحْصِيلًا، وَلَا يَزِيْدُهُ إِلَّا تَخْبِيْطًا، قالَ الرَّازِيُّ: "لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تُرْوِي غَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ: طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي: عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي".

 

وأخيرًا؛ أَبْشِرُوْا وَأَمِّلُوا، وَتَمَسَّكُوْا بِعَقِيْدَتِكُمْ، وَاعْتَزُّوْا بِدِيْنِكُمْ؛ فَكُلُّ المَحَاوَلَاتِ الَّتِي بُذِلَتْ لِمَحْوِ عَقِيْدَةِ الإِسْلَام، وَإِطْفَاءِ نُوْرِه؛ قَدْ بَاءَتْ بِالفَشَلِ الذَّرِيع، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة:32].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

1663229115_العقيدة.docx

المشاهدات 705 | التعليقات 0