العقوبة بالخسف والزلازل
الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل
1439/02/24 - 2017/11/13 07:33AM
العقوبات الربانية (2)
العقوبة بالخسف والزلازل
7 / 2 / 1431هـ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ ذِي الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ؛ يُتَابِعُ نُذُرَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَيُرِيهِمْ شَيْئًا مِنْ قُدْرَتِهِ وَآيَاتِهِ ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّـهِ تُنْكِرُونَ﴾ [غَافِرٍ: 81] نَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى إِمْهَالِهِ، وَنَسْتَغْفِرُهُ لِذُنُوبِنَا، وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنَّا، وَأَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِينَا، وَلَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، فَجَعَلَ الذُّنُوبَ سَبَبًا لِزَوَالِ النِّعَمِ وَنُزُولِ الْعُقُوبَاتِ، وَجَعَلَ التَّوْبَةَ سَبَبًا لِرَفْعِ الْعَذَابِ وَكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ نَصَحَ أُمَّتَهُ وَأَرْشَدَهَا، وَبَيَّنَ أَنَّ عَافِيَتَهَا فِي أَوَّلِهَا، وَأَنَّ الشَّرَّ وَالْفِتَنَ فِي آخِرِهَا، وَدَلَّ الْعِبَادَ عَلَى مَا يَعْصِمُهُمْ مِنْهَا، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ؛ أَزْكَى هَذِهِ الْأُمَّةِ بِرًّا وَتُقًى، وَسَادَتِهَا عِلْمًا وَهُدًى، رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ؛ فَلَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْنَئُوهُمْ إِلَّا زِنْدِيقٌ مُنَافِقٌ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّـهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاحْذَرُوا عَذَابَهُ فَلَا تَعْصُوهُ ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الْأَنْفَالِ: 25].
أَيُّهَا النَّاسُ: الْقُلُوبُ الْحَيَّةُ تَتَأَثَّرُ بِالْمَوَاعِظِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَتَوْجَلُ مِنَ النُّذُرِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَأَصْحَابُهَا يُعَظِّمُونَ اللَّـهَ تَعَالَى، وَيُقِرُّونَ بِنِعَمِهِ عَلَيْهِمْ، وَيَعْتَرِفُونَ بِتَقْصِيرِهِمْ فِي حَقِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [غَافِرٍ: 13] ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: 37].
أَمَّا الْقُلُوبُ الْمَيِّتَةُ الَّتِي انْطَمَسَتْ بِالشُّبَهَاتِ، أَوْ صَدِئَتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَلَا تَتَأَثَّرُ بِالْمَوَاعِظِ، وَلَا تَعْتَبِرُ بِالْآيَاتِ، وَلَا تَخَافُ الْوَعِيدَ، حَتَّى يَبْغَتَ الْعَذَابُ أَصْحَابَهَا وَهُمْ فِي غَفْلَتِهِمْ.
وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَجَدَ أَنَّهُ وَعْدٌ وَوَعِيدٌ، وَتَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ، وَمَوْعِظَةٌ وَتَذْكِيرٌ، قَصَّ اللَّـهُ تَعَالَى فِيهِ أَحْوَالَ السَّابِقِينَ وَمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ؛ لِيَحْذَرَ النَّاسُ أَعْمَالَهُمْ، وَيُجَانِبُوا طَرِيقَهُمْ، فَيَنْجُوا مِنْ أَسْبَابِ هَلَاكِهِمْ. وَفِي الْقُرْآنِ ذِكْرٌ لِبَعْضِ جُنْدِ اللَّـهِ تَعَالَى الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَى الْمُكَذِّبِينَ فَكَانَتْ سَبَبَ هَلَاكِهِمْ، فَمِنْهَا الْغَرَقُ، وَمِنْهَا الرِّيحُ، وَمِنْهَا الصَّيْحَةُ، وَمِنْهَا الْحَاصِبُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَالْخَسْفُ عَذَابٌ وَآيَةٌ، وَالزَّلْزَلَةُ نَوْعٌ مِنَ الْخَسْفِ، أَمَّا كَوْنُ الْخَسْفِ آيَةً فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّـهِ تَعَالَى فِي تَحْرِيكِ الْأَرْضِ وَإِسْكَانِهَا، وَكَثْرَتُهُ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ؛ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ...» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ([1]). وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْكُبْرَى: «ثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ([2]).
وَأَمَّا كَوْنُ الْخَسْفِ عَذَابًا فَإِنَّ اللَّـهَ تَعَالَى عَذَّبَ بِهِ مِنَ السَّابِقِينَ أَفْرَادًا وَأُمَمًا، وَمِنَ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ عُذِّبُوا بِهِ: قَارُونُ، قَالَ اللَّـهُ تَعَالَى فِيهِ: ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ﴾ [الْقَصَصِ: 81] وَالرَّجُلُ الَّذِي امْتَلَأَ إِعْجَابًا بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَشْكُرْ نِعْمَةَ اللَّـهِ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّـهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ([3]).
وَعَذَّبَ بِالْخَسْفِ أُمَمًا ذَكَرَهَا اللَّـهُ تَعَالَى فِي تَعْدَادِ أَنْوَاعِ الْمُعَذَّبِينَ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: 40].
وَمِنَ الْأُمَمِ الَّتِي عُذِّبَتْ بِهِ قَوْمُ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ أُتْبِعَتْ قُرَاهُمْ بِحُمَمٍ وَحِجَارَةٍ مِنْ نَارٍ أَحْرَقَتْهُمْ، قَالَ اللَّـهُ تَعَالَى فِيهِمْ: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ [النَّجْمِ: 55] انْقَلَبَتْ عَلَيْهِمْ دِيَارُهُمْ بِأَمْرِ اللَّـهِ تَعَالَى، ثُمَّ هَوَتْ بِهِمْ مِنْ عَلٍ إِلَى أَسْفَلَ، كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ [الْحِجْرِ: 74] وَالِائْتِفَاكُ هُوَ الِانْقِلَابُ، وَقِيلَ: لِمَدَائِنِ قَوْمِ لُوطٍ: الْمُؤْتَفِكَاتُ؛ لِانْقِلَابِهَا([4]). ثُمَّ غَشَّاهَا حِجَارَةً مُلْتَهِبَةً ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ [هُودٍ: 82].
فَهَلْ يَشُكُّ مُؤْمِنٌ فِي نِعْمَةِ اللَّـهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِالْخَلْقِ وَالْهِدَايَةِ وَالرِّزْقِ وَالْحِفْظِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ؟! لَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَهْلُ الْإِعْرَاضِ وَالِاسْتِكْبَارِ؛ فَنَاسَبَ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْعَذَابِ الْأَلِيمِ الَّذِي حَلَّ بِقَوْمِ لُوطٍ أَنْ يُذَكِّرَ النَّاسَ نِعْمَةَ اللَّـهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ [النَّجْمِ: 55].
إِنَّ الْخَسْفَ عُقُوبَةٌ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى يُنْزِلُهُ بِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَيَخْسِفُ بِهِمْ دِيَارَهُمْ، وَيَقْلِبُ عَلَيْهِمْ عُمْرَانَهُمْ، وَقَدْ جَاءَ التَّهْدِيدُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ فِي آيَاتٍ عِدَّةٍ ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾ [الْمُلْكِ: 16] وَالْمَوْرُ هُوَ الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ([5])، وَهُوَ مَا تُحْدِثُهُ الزَّلْزَلَةُ بِأَمْرِ اللَّـهِ تَعَالَى.
وَالْخَسْفُ قَدْ يَكُونُ وَسَطَ الْيَابِسَةِ، وَقَدْ يَقَعُ فِي سَوَاحِلِ الْبِحَارِ فَيَبْتَلِعُ مُدُنَ الشَّوَاطِئِ، كَمَا شَهِدْنَاهُ فِي تُسُونَامِي وَغَيْرِهِ؛ إِذْ خُسِفَ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ فَارْتَفَعَ مَدُّهُ حَتَّى غَمَرَ الْمُدُنَ الَّتِي بِقُرْبِهِ؛ فَلَا يُؤْمَنُ عَذَابُ اللَّـهِ تَعَالَى لَا فِي الْبَرِّ وَلَا فِي الْبَحْرِ وَلَا بَيْنَهُمَا ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 68] وَسَاحِلُ الْبَحْرِ هُوَ جَانِبُ الْبَرِّ، وَكَانُوا فِيهِ آمِنِينَ مِنْ أَهْوَالِ الْبَحْرِ؛ فَحَذَّرَهُمْ مَا أَمِنُوهُ مِنَ الْبَرِّ، كَمَا حَذَّرَهُمْ مَا خَافُوهُ مِنَ الْبَحْرِ([6]).
وَأَدَقُّ وَصْفٍ لِمَا يَقَعُ مِنْ زَلْزَلَةٍ فِي الدُّنْيَا جَاءَ فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَى: ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّـهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 26] ذَلِكَ أَنَّ الزَّلْزَلَةَ تَهُزُّ قَوَاعِدَ الْبُنْيَانِ، فَيَخِرُّ السَّقْفُ عَلَى أَهْلِهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي حَالِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ، وَفِي النَّحْلِ أَيْضًا جَاءَ ذِكْرُ الْخَسْفِ وَالتَّهْدِيدِ بِهِ، وَالزَّلْزَلَةُ نَوْعٌ مِنَ الْخَسْفِ: ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 45] فَالَّذِينَ مِنْ قَبْلُ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ فَعُذِّبُوا بِالزَّلْزَلَةِ كَمَا أَخْبَرَتْ عَنْهُمْ هَذِهِ السُّورَةُ، وَيُحَذِّرُنَا رَبُّنَا سُبْحَانَهُ أَنْ نَسِيرَ سِيرَتَهُمْ فَنَمْكُرَ السَّيِّئَاتِ فَيُصِيبَنَا مَا أَصَابَهُمْ.
وَمِنْ عَجَائِبِ هَذِهِ السُّورَةِ الَّتِي وُصِفَتْ فِيهَا الزَّلْزَلَةُ بِأَدَقِّ وَصْفٍ، وَهُدِّدَ الْعِبَادُ فِيهَا بِالْخَسْفِ إِنْ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنَّهَا أَكْثَرُ السُّوَرِ ذِكْرًا لِنِعَمِ اللَّـهِ تَعَالَى الْمَعْنَوِيَّةِ وَالْحِسِّيَّةِ، وَتَفْصِيلًا لِمَنَافِعِهَا؛ حَتَّى سَمَّاهَا التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ قَتَادَةُ السَّدُوسِيُّ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى: سُورَةَ النِّعَمِ([7])؛ لِكَثْرَةِ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْهَا، فَذَكَرَ فِيهَا مِنَ النِّعَمِ الْمَعْنَوِيَّةِ: الْوَحْيَ وَالْقُرْآنَ وَالذِّكْرَ وَالتَّوْحِيدَ وَالْمِلَّةَ الْحَنِيفِيَّةَ وَالْحِفْظَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ فِيهَا مِنَ النِّعَمِ الْحِسِّيَّةِ: الْخَلْقَ وَالرِّزْقَ وَالْأَسْمَاعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ وَالْمَآكِلَ وَالْمَشَارِبَ وَالْمَلَابِسَ وَالْمَرَاكِبَ وَالْمَنَازِلَ وَالتَّزَاوُجَ وَالنَّسْلَ، كَمَا ذُكِرَتْ فِيهَا نِعَمُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَالْبِحَارِ وَمَا فِيهَا مِنْ أَرْزَاقٍ وَمَنَافِعَ لِلْعِبَادِ.
هَلْ تَعْلَمُونَ -يَا عِبَادَ اللَّـهِ- أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الزَّاخِرَةَ بِتَعْدَادِ نِعَمِ اللَّـهِ تَعَالَى عَلَيْنَا قَدْ ذُكِرَ فِيهَا لَفْظُ النِّعْمَةِ فِي سِتِّ آيَاتٍ؛ فَبَعْدَ تَعْدَادِ جُمْلَةٍ مِنَ النِّعَمِ يَقُولُ اللَّـهُ تَعَالَى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّـهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [النَّحْلِ: 18] وَيَخْتِمُ سُبْحَانَهُ ذِكْرَ النِّعَمِ بِالْأَمْرِ بِشُكْرِهَا: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّـهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [النَّحْلِ: 114] وَيُنَوِّهُ بِذِكْرِ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ يَصِفُهُ سُبْحَانَهُ قَائِلًا: ﴿شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ﴾ [النَّحْلِ: 121] لِلتَّأَسِّي بِهِ فِي الشُّكْرِ، وَيَذْكُرُ عَزَّ وَجَلَّ حَالَ فَرِيقٍ آخَرَ وَهُمْ مَنْ تَقَلَّبُوا فِي نِعَمِهِ وَلَمْ يَشْكُرُوهَا، فَفِي ثَلَاثِ آيَاتٍ مُتَقَارِبَاتٍ ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَجْحَدُونَ﴾ [النَّحْلِ: 71] ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 72] ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّـهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [النَّحْلِ: 83] وَيَضْرِبُ مَثَلًا عَظِيمًا بِقَرْيَةٍ لَمْ تَشْكُرِ النِّعْمَةَ فَعُوقِبَتْ ﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النَّحْلِ: 112].
وَبِذِكْرِ الْخَسْفِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَتَخْوِيفِ اللَّـهِ تَعَالَى بِهِ، وَتَعْلِيقِ ذَلِكَ بِمَكْرِ السَّيِّئَاتِ، مَعَ تَكْرَارِ الْأَمْرِ بِشُكْرِ النِّعَمِ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ كُفْرِهَا؛ نَسْتَفِيدُ مَعْرِفَةَ خُطُورَةِ كُفْرَانِ النِّعَمِ، وَتَسَبُّبِهَا فِي نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ، وَأَنَّ اجْتِرَاحَ السَّيِّئَاتِ سَبَبٌ لِلْخَسْفِ وَالزَّلَازِلِ؛ لِأَنَّ الْخَسْفَ عُلِّقَ بِمَكْرِ السَّيِّئَاتِ، وَمَكْرُ السَّيِّئَاتِ هُوَ مُقَارَفَتُهَا، وَالْمَكْرُ فِيهِ تَحَايُلٌ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ التَّحَايُلُ عَلَى الشَّرِيعَةِ لِإِسْقَاطِهَا، أَوْ لِإِبَاحَةِ الْمُحَرَّمِ مِنْهَا، أَوِ الِالْتِفَافِ عَلَى نُصُوصِهَا بِتَحْرِيفِ مَعَانِيهَا وَتَأْوِيلِهَا لِإِرْضَاءِ الْبَشَرِ، وَقَدِ انْتَشَرَ هَذَا الْبَلَاءُ فِي هَذَا الزَّمَنِ، فَلَا عَجَبَ أَنْ تَتَنَوَّعَ فِيهِ الْعُقُوبَاتُ، وَأَنْ تَتَابَعَ النُّذُرُ وَالْآيَاتُ، فَالْكَوَارِثُ فِي زَمَنِنَا هَذَا يُنْسِي بَعْضُهَا بَعْضًا مِنْ كَثْرَتِهَا. ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّـهُ بِهِمُ الْأَرْضَ﴾ [النَّحْلِ: 45] إِنَّهُ تَهْدِيدٌ عَظِيمٌ بِالْخَسْفِ وَالزَّلْزَلَةِ فِي سُورَةِ النِّعَمِ؛ إِذْ كَيْفَ يُنْعِمُ اللَّـهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِالنِّعَمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي عَدَّدَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ يَكْفُرُونَهَا وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى أَهْلِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى الَّذِينَ يَرْفُضُونَ تَعْلِيقَ آيَاتِ التَّخْوِيفِ وَالْعَذَابِ بِالْمَعَاصِي وَالْمُوبِقَاتِ، زَاعِمِينَ أَنَّهَا أَسْبَابٌ كَوْنِيَّةٌ اعْتِيَادِيَّةٌ، وَيُفَسِّرُونَهَا تَفْسِيرَاتٍ مَادِّيَّةً، فَمَا عَسَاهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِآيَتِي النَّحْلِ فِي الْخَسْفِ وَالزَّلْزَلَةِ، وَقَدْ عُلِّقَ فِيهِمَا الْخَسْفُ وَالزَّلْزَلَةُ بِمَكْرِ السَّيِّئَاتِ؟!
نَعُوذُ بِاللَّـهِ تَعَالَى مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى شَرِيعَتِهِ، وَانْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِ، وَتَحْرِيفِ آيَاتِهِ، وَالْغَفْلَةِ عَنْ نُذُرِهِ، وَالْأَمْنِ مِنْ مَكْرِهِ، وَنَسْأَلُهُ الْهِدَايَةَ وَالْعَافِيَةَ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّـهَ تَعَالَى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: 131 - 132].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مَكْرُ السَّيِّئَاتِ سَبَبٌ لِلزَّلَازِلِ وَالْعُقُوبَاتِ، وَقَدْ شَهِدْنَا زَلَازِلَ عَظِيمَةً أَهْلَكَتْ بَشَرًا كَثِيرًا، وَدَمَّرَتْ عُمْرَانًا عَظِيمًا، آخِرُهَا زَلْزَلَةُ هَايِيتِي الَّتِي وَقَعَتْ قَبْلَ أَيَّامٍ، وَيُتَوَقَّعُ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَدَدُ ضَحَايَاهَا مِائَتَيْ أَلْفِ قَتِيلٍ، وَمِئَاتِ الْآلَافِ مِنَ الْجَرْحَى وَالْمُشَرَّدِينَ.
وَقَدْ أَفَادَ أَحَدُ الْمُهْتَمِّينَ بِإِحْصَاءِ الْكَوَارِثِ الْكُبْرَى فِي الْعَالَمِ أَنَّ مُعَدَّلَاتِهَا فِي ازْدِيَادٍ مُضْطَرِدٍ، وَأَنَّ مُعَدَّلَهَا قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قَرْنٍ كَانَ كَارِثَتَيْنِ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ، وَزَادَتْ قَبْلَ عَقْدٍ إِلَى سَبْعِ كَوَارِثَ([8])، وَبِازْدِيَادِهَا تَقْتَرِبُ السَّاعَةُ؛ لِأَنَّ مِنْ عَلَامَاتِهَا كَثْرَةَ الزَّلَازِلِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَثْرَةِ الْمُوبِقَاتِ فِي الْبَشَرِ.
وَمِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ دَفْعِ هَذَا الْبَلَاءِ عَنِ الْأَفْرَادِ وَالْأُمَمِ: الْإِصْلَاحُ فِي الْأَرْضِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْأَخْذُ عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّـهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ: ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ﴾ [التَّوْبَةِ: 71] وَإِذَا رَحِمَهُمُ اللَّـهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُعَذِّبْهُمْ، وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ [هُودٍ: 117] وَسَأَلَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: «أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ([9]).
وَلَا يَكْثُرُ الْخَبَثُ إِلَّا حِينَ يُعَطَّلُ الِاحْتِسَابُ عَلَى النَّاسِ، فَلَا يُؤْمَرُونَ بِمَعْرُوفٍ، وَلَا يُنْهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ؛ كَمَا يُرِيدُ الْكَافِرُونَ الْمُنَافِقُونَ، وَكَمَا يَدْعُو إِلَيْهِ دُعَاةُ الِانْحِلَالِ وَالْفَسَادِ.
إِنَّ النَّزْعَةَ الْمَادِّيَّةَ، وَاللَّوْثَةَ الْإِرْجَائِيَّةَ الَّتِي حَمَلَهَا بَعْضُ الْمُنْتَكِسِينَ وَالْمُنْحَرِفِينَ، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَيْهَا، وَأَلَحُّوا عَلَيْهِمْ بِهَا، وَعَظَّمُوا الدُّنْيَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَهَوَّنُوا مِنْ شَأْنِ الْمَعَاصِي فِي نُفُوسِهِمْ؛ كَانَتْ أَهَمَّ سَبَبٍ لِقَسْوَةِ الْقُلُوبِ، وَكَثْرَةِ الذُّنُوبِ، وَالْجُرْأَةِ عَلَى الشَّرِيعَةِ، وَيُخْشَى عَلَى النَّاسِ مِنْ عُقُوبَاتِ ذَلِكَ إِنِ انْقَادُوا خَلْفَ هَؤُلَاءِ الْمُفْسِدِينَ.
وَمِنْ كَثْرَةِ الْكَوَارِثِ وَتَتَابُعِهَا مَاتَتِ الْقُلُوبُ فَأَصْبَحَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لَا يَأْبَهُونَ بِهَا، وَلَا يَتَّعِظُونَ بِمَا حَلَّ بِأَهْلِهَا، وَلَوْ أَنَّهُمْ قَابَلُوا مَنْ خَسِرُوا فِي هَذِهِ الزَّلَازِلِ أُسَرَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لَعَلِمُوا حَجْمَ مُصَابِهِمْ، وَلَكِنْ لَا يُنْقَلُ إِلَيْهِمْ إِلَّا خَبَرُ الزِّلْزَالِ وَمَشَاهِدُ دَمَارِهِ، وَيَنْدُرُ نَقْلُ أَشْجَانِ الْمُصَابِينَ فِي الْكَوَارِثِ.
إِنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا إِذَا مَاتَ لَهُ حَبِيبٌ حَزِنَ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْحُزْنِ، وَبَقِيَتْ ذِكْرَاهُ فِي قَلْبِهِ إِلَى مَا شَاءَ اللَّـهُ تَعَالَى، إِنْ نَسِيَهُ فِي وَقْتٍ تَذَكَّرَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَرُبَّمَا تَكَرَّرَتْ رُؤْيَتُهُ لَهُ فِي مَنَامِهِ، فَكَيْفَ بِمَنْ فَقَدَ كُلَّ أَحِبَّتِهِ فِي كَارِثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْكَوَارِثِ؟!
وَلَوْ خَسِرَ الْوَاحِدُ مِنَّا نِصْفَ مَالِهِ لَتَكَدَّرَ عَيْشُهُ، وَضَاقَ صَدْرَهُ، وَلَمْ يَهْنَأْ بِنَوْمٍ وَلَا طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ، فَكَيْفَ بِمَنْ فَقَدَ بَيْتَهُ وَمَالَهُ كُلَّهُ، وَأَصْبَحَ فِي الْعَرَاءِ وَحِيدًا شَرِيدًا فَقِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَأُسْرَةٍ وَمَنْزِلٍ؟!
فَإِذَا لَمْ نَعْتَبِرْ بِمَا نَرَى وَنَسْمَعُ مِمَّا يَقَعُ مِنَ الْكَوَارِثِ فَمَتَى نَعْتَبِرُ وَمَتَى نَتَّعِظُ؟ وَلِمَاذَا لَا نَخَافُ أَنْ يُصِيبَنَا مَا أَصَابَ غَيْرَنَا، فَيَفْقِدُ الْوَاحِدُ مِنَّا كُلَّ شَيْءٍ فِي لَحْظَةٍ، وَلَيْسَ أَحَدٌ فِي مَأْمَنٍ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّـهِ تَعَالَى، نَعُوذُ بِاللَّـهِ الْعَظِيمِ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِهِ، وَجَمِيعِ سَخَطِهِ. نَعُوذُ بِهِ سُبْحَانَهُ مِنْ سُوءِ الْقَضَاءِ، وَمِنْ دَرْكِ الشَّقَاءِ، وَمِنْ شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، وَمِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ الدَّائِمَةَ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَنَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يُعَافِيَنَا فِي أَنْفُسِنَا وَأَهْلِنَا وَأَمْوَالِنَا وَبِلَادِنَا، وَأَنْ يُعَافِيَ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ، وَأَنْ يَرْفَعَ عَنَّا الْعَذَابَ، وَيَدْفَعَ عَنَّا الْبَلَاءَ، وَعَنِ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللَّـهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
........................
([1]) رواه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: البخاري في الاستسقاء، باب ما قيل في الزلازل والآيات (1036).
([2]) رواه من حديث حذيفة رضي الله عنه: مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة (2901).
([3]) رواه البخاري في اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء (5789)، ومسلم في اللباس، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه (2088).
([4]) غريب الحديث لابن قتيبة (2/280) قال الأزهري رحمه الله تعالى: قال الزجاج: المؤتفكات: جمع مؤتفكة، ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت. يقال: إنهم قوم لوط، ويقال: إنهم جميع من أهلك، كما يقال للهالك: قد انقلبت عليه الدنيا. وروى النضر بن أنس عن أبيه أنه قال: «أي بني، لا تنزلن البصرة فإنها إحدى المؤتفكات قد ائتفكت بأهلها مرتين، وهي مؤتفكة بهم الثالثة». قال شمر: يعني بالمؤتفكة أنها قد غرقت مرتين، قال: والائتفاك عند أهل العربية: الانقلاب كقريات قوم لوط التي ائتفكت بأهلها أي انقلبت. اهـ تهذيب اللغة (10/215) وينظر: النهاية (1/56) واللسان (10/391) وتفسير الواحدي (2/1043).
وقال ابن عطية في تفسيره: والمؤتفكة قوم لوط بإجماع من المفسرين، ومعنى المؤتفكة أي: المنقلبة. (5/209).
([5]) قال الحسن: «تتحرك بأهلها، وقيل: تهوي بهم». والمعنى: أن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تلقبهم إلى أسفل، تعلو عليهم وتمر فوقهم، يقال: مار، يمور، إذا جاء وذهب. تفسير البغوي (4/371) وينظر: تفسير ابن عطية (5/341) وتفسير القرطبي (18/215) وأضواء البيان (8/240).
وروى ابن أبي الدنيا في من عاش بعد الموت بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سماها سورة النعم (64).
ونقل الماوردي في تفسيره عن الكلبي تسميتها بذلك (3/207).
ونقل ابن الجوزي في تفسيره عن علي بن زيد تسميتها بذلك (4/426).
وعامة المفسرين يسمونها سورة النعم، ومنهم: السمرقندي (2/285) والسمعاني (3/158) والزمخشري (2/554) وابن العربي (3/117) وابن عطية (3/377) والرازي (19/173) والقرطبي (10/65) والخازن (4/78) وابن كثير (2/581) والزركشي في البرهان (1/269) والبقاعي (4/284) وابن عادل (12/3) والسيوطي في الدر المنثور (5/155) والشوكاني (3/146) والألوسي (14/89) وابن عاشور (14/93) والسعدي (435). إضافة إلى ابن تيمية في الفتاوى (14/308) وابن القيم في إعلام الموقعين (2/183).
المرفقات
الربانية-2
الربانية-2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق