العفو والتسامح

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة .. العفو والتسامح خلقٌ رفيعٌ، وخصلةٌ سامية، وفعلٌ كريم، امتدح الله فاعله وعدَّه من المحسنين ]الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ وقال تعالى ترغيبًا في ثواب العفو والتسامح ]فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ[ وقال سبحانه حاثًّا عباده لفضيلة العفو ]وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ سمِعها أبو بكر الصديق t بعد أن أقسم ألا ينفق على مِسْطح الذي خاض في عرض عائشة رضي الله عنها، فقال t "بلى والله إني أُحب أن يغفر الله لي" فرجع إلى مسطحٍ ينفق عليه التي كان يُنفقها عليه.

دَخَلَ عُيَيْنَةُ بنُ حصن على عمر بن الخطاب t بعد أن استأذن له ابنُ أخيه الحرّ بن قيس، فلما دخل قالَ: يا بْنَ الخَطَّابِ، واللَّهِ ما تُعْطِينَا الجَزْلَ، وما تَحْكُمُ بيْنَنَا بالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ، حتَّى هَمَّ بأَنْ يَقَعَ به، فَقالَ الحُرُّ: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قالَ لِنَبِيِّهِ t ]خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[ وإنَّ هذا مِنَ الجَاهِلِينَ، فَوَاللَّهِ ما جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عليه، وكانَ وقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ.

معاشر المؤمنين .. بالعفو والتسامح يسود الوئام؛ وتتمكَّن المحبَّة والمودَّة بين المسلمين، وتوصدُ أبوابُ الشقاق والفرقة، قال ﷺ (لَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ).

معاشر المؤمنين، يستكبرُ البعضُ عن العفو والتسامح ظنًّا منه أن في العفوِ والتسامحِ منقصة ومذلة له؛ ولذلك صحَّح رسولُ الله ﷺ هذا الخلَلَ في الفَهْم، فقال ﷺ (ما نقصت صدقةٌ من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ لله إلا رفعه الله).

تلك هي الموازين الربانية -عباد الله- التي ينبغي للمؤمنين أن يبنوا حياتهم، ويُؤسِّسوا علاقاتهم عليها، ليعيشوا بها الحياة الطيبة في الدنيا، ويسعدوا السعادة الأبدية في الآخرة ]تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[.

نسأل الله أن يؤلف على الخير قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يهدينا بهدي كتابه وسُنَّة نبيِّه ﷺ.

أقول ما تسمعون ...

 

الحمد لله رب العالمين ...

معاشر المؤمنين .. النبي ﷺ كان سمحاً ومتسامحاً مع القريب والبعيد، وهذا التسامح والسماحة المعروفة عنه ﷺ بَقَيَتْ مَضْربَ الأمثال، إذْ تدل دلالةً قاطعة على سموِّ خُلُقِه ﷺ ورُقِيِّ تعاملِه. وها هو أنس t يُخبرنا عن خُلُق النبي ﷺ وسماحته مع مَنْ يخدِمه، ويقضي حوائجه، فيقول: خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلاَ قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا، وَهَلاَّ فَعَلْتَ كَذَا.

أيها المسلم المبارك .. إنْ تَعْجَبْ فاعجَبْ من سماحة النبي ﷺ وتسامحه مع أعدائه في مواقِفَ شتَّى؛ فقد دَفَعَ دياتِ مَنْ قُتِل منهم خطأً، وعفا عن كلُّ مُعتدٍ مسيءٍ منهم جاء تائباً، وكان يُشيِّع جنائزهم، ويحضر ولائمهم، ويأكل من أطعمتهم، ويتعامل معهم في التجارة، ويقترض منهم، حتى تُوفِّي ﷺ ودرعُه مرهونة عند بعض اليهود في المدينة، وقد فَعَل ذلك ﷺ تعليماً وإرشاداً للمسلمين؛ مع أنه كان في الصحابة مَنْ يُقرِضه بل ويؤثره على نفسه.

عباد الله ... من أهم وسائل اكتساب خُلُق التسامح: التأمُّل فيما ورد من فضائل لمن يتحلَّى بهذا الخُلُق الحسن، والتأمُّل في الفوائد التي يجنيها سَمْحُ النفس في العاجل والآجل. ولا تقتصر الفوائد التي يجنيها الإنسان من التسامح على علاقته بالآخرين؛ بل ينعكس ذلك بصفة إيجابية على صحته، فهناك دراسات طِبِّية تُثبت أن الشخص المُتسامح يجني ثِمارَ تسامحه مع الآخرين، وينعكس ذلك على صحته النفسية والبدنية.

ومما يُكسب خُلُق التسامح: أنْ يقتنع المسلمُ ويرضى بقضاء الله تعالى وقدره، وأنَّ الأمور كلَّها تجري وِفْقاً لحكمة الله تعالى وقضائه وتدبيره لخلقه، فعند ذلك تغشاه الطمأنينة، ويسكن قلبه، ويرتاح باله.

ومن الأهمية بمكان الحذر من اعتبار السماحة والتسامح عجزاً وضعفاً، فهذا من تلبيس إبليس وأعوانه ووسوستهم، فإنهم قد يَصِفون المُتَسامحَ بالعاجز عن أخذ حقِّه! ويرمونه بالضَّعف عن تحصيله، ويتَّهمونه بالخوف من الناس وخشية شرهم، مما يحمل ضعيفَ الإيمان والإرادة على الفجور.

وأمَّا المؤمن القوي الصابر الواثق بأنَّ ما عند الله تعالى خيرٌ وأبقى؛ فإنه يختار ما عند الله سبحانه، ويتسامح مع عباد الله ]وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنْ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[.

وصلى الله على نبينا محمد

المرفقات

1732249962_العفو والتسامح.pdf

1732249970_العفو والتسامح.docx

المشاهدات 311 | التعليقات 0