العِفّةُ في الإسلام منظومةٌ متكاملة !

رشيد بن ابراهيم بوعافية
1435/01/22 - 2013/11/25 07:32AM
العِفّةُ في الإسلام منظومةٌ متكاملة !
[FONT="]الجمعة [/FONT][FONT="]14 رجب 1434هـ/ 24 ماي 2013م[/FONT]
الحمدُ للهِ الملِكِ العلاّم ، القُدُّوسِ السَّلام ، أحمَدُهُ سبحانَهُ حمدًا كثيرًا طيّبًا مبارَكا فيه ،أكرمنا بأعظمِ دينٍ و أكملِ شَرعٍ وأوفاه ، فلهُ الحمدُ كُلُّهُ على نِعَمِهِ الجِسام ، و له الشُّكرُ كلُّهُ على ما أَولاَهُ من جَزِيلِ الفضلِ و الإِنعام ، و أشهد أن لا إله إلا الله ، ولا معبودَ بحقٍّ سواه ، وأشهد أنَّ محمّدًا عبد الله ورسوله ، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبِهِ الأخيار ، ومن تبعَهُم على الحقّ إلى يوم الدّين وسلَّم ، ثم أما بعد :
معشر المؤمنين : حديثُنا اليومَ عن مفردَةٍ من مفرداتِ ثقافتنا الإسلاميّة العظيمة الرائعة ، التي عطّلَها المسلمون للأسف الشديدِ على مستوى التصوّرات وعلى مستوى الممارسة إلاّ من رحم الله . .
مفردَةُ اليوم تتعلّقُ ب " العِفّة " ، هذه الكلمةُ القليلةُ في ألفاظِها العظيمةُ الشاسِعةُ في مدلولاتِها وما تدعُوا إليه من الكمالات . .
العفّةُ - معشر المؤمنين- ثقافةٌ إسلاميّةٌ أصيلة تصبغُ المجتمع ، و منظومةٌ كاملة متكامِلة ، تتعلق بالقلب واللسان والسمع والبصر والفَرج واليد و التجارة والكسب والطريق والكلمة والصورة وكلِّ شيء . . ، منظومةٌ كاملة متكاملة تصنعُهَا العقيدةُ ، و تنظّمُها الشريعةُ ، و تجمّلُها الأخلاقُ والقيم ! .
أيها الإخوةُ في الله : بُعثَ النبيُّ [FONT="]r ليُتمّمَ مكارِمَ الأخلاق ، وقد وُجدَ خُلُقُ العِفّةِ في الجاهليّة في بعض الأفرادِ على أجملِ ما تكونُ عليه العِفّة : يقول عنترة بن شداد : [/FONT]
وأَغُض طَرْفِي إن بَدَتْ لِي جارتي حتى يُوَارِيَ جارتي مأواها
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌلا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها[1] .
ويقول هدبة بن الخشرم ، يحكي فضيلةً من أعظم الفضائل في العرب:
وإني لا يخافُ الغدرَ جاري ولا يخشى غوائِلِيَ الغَرِيبُ [2] .
ويقول آخر: ما ضر جارا لي أُجاوِرُه أَلاَّ يكــونَ لِبَيتِهِ سِترُ
أعمى إذا ما جارتي برزت حتى يواريَ جارَتي الخِدْرُ [3] .
وهذا بشار بن بشر المجاشعي يقول:
وإني لَعَفٌّ عن زِيـارَة جارتي وإِني لَمَشْنُوءٌ لَدَيَّ اغتيابُهَا
إذا غاب عنها بَعْلُها لم أكن لها زَؤُورًا ولم تأْنَسْ إِلَيَّ كِلابُها
ولم أَكُ طَلاَّباً أَحَادِيـثَ سِرِّهَا وَلاَ عَالِمًا مِنْ أَيِّ جِنْسٍ ثِيابُهَا[4] .
هذه صورةٌ من صور العِفّة عند الفردِ العربيّ قبل الإسلام ، ولكنَّ الإسلامَ تجاوزَ هذا المستوى فجعلهُ منبعثًا من العقيدة الراسخة في القلب ، وجعلهُ منظومةً متكاملة لا تقتصر على جانبٍ دون آخر ! .
أيها الإخوةُ في الله : العفّةُ في الإسلامِ معناها صيانةُ النفسِ و الروحِ عن الدّنايَا حتّى ولو كان للبدَنِ في ذلك لذَّةٌ وشهوة ! . و هذا مركزُ القُوّة في منظومة العِفّةِ في الإسلام ! ، فالإنسانُ روحٌ و جسَد ، الرُّوحُ شفّافةٌ عُلْويَّةٌ هي حقيقةُ الإنسان وامتدادُهُ الصحيحُ الدّائم ، وهي التي تملكُ الإرادةَ والفعل ، و أمّا الجسدُ فهو طينٌ فانٍ دائمُ الارتباطِ بالمعاني الطينيّة الشّهَويّة ، وهو جُثّةٌ هامِدَةٌ خاوية حين تغادِرُهُ الروح وتخرُج ، ولذلك كان كمالُ العبدِ بارتقاءِ الرُّوح لاَ بتحقيقِ معاني الجسد والطين :
من هنا - معشر المؤمنين- تظهرُ العفّة : و أوَّلُ و أجلى صور العفّةِ في الإسلام : عِفّةُ الروحِ عن اتّخاذِ شريكٍ مع الله في هذا الوجود ، عِفّةٌ حقيقيّةٌ تترفّعُ فيها الروحُ ويتبعُها الجسد عن أن تجعلَ للهِ ندًّا وهو خلقَها !
هذا التوحيدُ – معشر المؤمنين- هو أسمّى صورِ العفّةِ في الإسلامِ على الإطلاق ! ، مدارُ الإسلامِ عليه ، وعلى هذا النوعِ يتحدّدُ مصيرُ الروحِ في الدّنيا و الآخرة ! ، وانظُروا إلى سُمُوّ هذا النوعِ وارتباطِهِ بتعريفِ العفّة :
قولَ زيدِ بن عمرو بن نفيل – وكان من الحنفاءِ في الجاهليّة - :
أربا واحدا أم ألـــف رب أدين إذا تقسمت الأمــور

عزلت اللات والعزى جميعـا كـذلك يفعل الجلد الصبور

فلا العزى أدين ولا ابنتيهــا ولا صنمي عمـــرو أزور

ولا هبلا أدين وكـان ربــا لنا في الدهر إذ حـلمي يسير
وكان هذا العفيفُ إذا طاف بالكعبة نادى : " لبيك لا شريك لك ولا ندَّ لك ، لبيك حقا حقًّا ، تعبُّدًا ورِقًّا ، عذت بما عاذ به إبراهيم مستقبل الكعبة وهو قائم : لا أعبدُ حجرًا ولا أُصلِّي له ولا آكل ما ذُبِحَ له ولا أستقسم بالأزلام ، وإنما أصلي لهذا البيت حتى أموت " ! . هذه أجلى صور العِفّةِ في الإسلامِ ، فأين مثلُ هذا في غير الإسلامِ من المناهجِ و الأديان ؟!
[FONT="]. نسأل الله السلامة والعافية ، أقول هذا القول و أستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه غفور رحيم . [/FONT]

الخطبة الثانية
أيها الإخوة في الله : و في إطار توضيحِ الثقافةِ الإسلاميّة الأصيلة في موضوع العِفّة تأتي بقيّةٌ أنواع العفّة ومجالاتُها منبثقةً في الحقيقةِ من النوع الأوّل ، وهذا هو السّرُّ في نجاحَ وتميُّزِ منظومة العفّةِ في الإسلام :
عفّةُ اللّسان عن قول الحرام و النطق بالآثام ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان .
عفّةُ الآذانِ عن سماعِ الحرامِ والآثام ناتجةٌ من العقيدة والإيمان .
عِفّةُ البصر عن مشاهدةُ الحرام واختلاسِ الصورِ و الآثام ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان .
عفّةُ اليدِ عن كسب الحرامِ و الظلمِ والعدوان ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان .
عِفّةُ الرّجلِ عن السيرِ إلى الحرامِ و نقل الخطوات إلى الآثام ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان .
عِفّةُ البطن عن إدخال الحرام ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان .
عِفّةُ الفرجِ عن الفاحشة والزّنا والآثام ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان .
وهكذا بقيّةُ مجالات العفّة الشامِلَةِ المتكامِلة كلُّها - في المنظومة التربويّة الإسلاميّة - ناتجةٌ من العقيدة و الإيمان لا تعملُ إلاّ إذا وُجدَ التوحيدُ الصحيحُ والإيمانُ الحي ! .
في الحقيقة . . عندنا أعظمُ ثقافةٍ في العِفّة وغيرِها .. ولكنّها للأسف الشديد معطّلة ! .
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين.وصلى الله وسلم وبارك على محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين .

[FONT="][FONT="][1][/FONT][/FONT][FONT="] -ديوان عنترة(ص76).[/FONT]

[FONT="][FONT="][2][/FONT][/FONT][FONT="] -شعر هدبة بن الخشرم(ص65).[/FONT]

[FONT="][FONT="][3][/FONT][/FONT][FONT="] - بهجة المجالس(1/290)،والآداب الشرعية(2/8).[/FONT]

[FONT="][FONT="][4][/FONT][/FONT][FONT="] - بهجة المجالس(1/291).[/FONT]
المشاهدات 3086 | التعليقات 1

بورك فيك شيخ رشيد حبذا تضمين الخطب تواريخها لكان ذلك حسنا