العشر من ذي الحجة وواجب أهل مكة تجاه الحجيج

عبدالله يعقوب
1432/12/02 - 2011/10/29 14:47PM
العشر من ذي الحجة وواجب أهل مكة تجاه الحجيج

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرع لنا مواسمَ الخيرات على الدوام، وأشهد أن لا إله إلا الله الملكُ القدوسُ السلام.
وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسولُه، خيرُ من صلى وصام، وحجَّ البيتَ الحرام. صلى الله عليه.. وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد.. فأوصيكم – أيها الناس - ونفسي بتقوى الله تعالى...
فاتقوا الله تعالى في أنفسكم.. واتقوا الله في أموالكم وأولادكم..
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

أيها الناس... يقول الحق سبحانه وتعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ)، فهو الخالقُ سبحانه لسائرِ المخلوقات، النافذةُ مشيئتُه بجميع البريات.. (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

ومن حكمته البالغة.. أن فضَّل بعضَ الزمان على بعض، وفضَّل بعضَ البلادِ على بعض. ومن فضلِ الله تعالى علينا.. أن جمع لنا الشرفَ والفضلَ من جوانبه، فبلادكم.. أشرفُ البلادِ.. أمُ القرى، والزمانُ.. أشرفُ الزمان وأفضلُه عند الله.. العشرُ الأولُ المباركاتُ من ذي الحجة.

أقسم الله تعالى بها، فقال مبيناً شرفها: (وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ)
العشرُ الأيامُ الأولى من ذي الحجة.. هي أفضل أيام العام على الإطلاق. وهي أفضل من العشر الأواخر من رمضان.
عن جابر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أفضل أيام الدنيا.. العشر) يعني عشرَ ذي الحجة. رواه البزار وصححه الألباني.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ) يَعْنِى أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ.. وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلاَ الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَىْءٍ) رواه أبو داود.

عشر ذي الحجة، عشر مباركة عظيمة، يستحب فيها المسارعة إلى الخيرات والتنافس في الأعمال الصالحات، فهي أيامٌ فاضلة، وليالٍ مباركة، تضاعف فيها الحسنات، وتمحى السيئات، وتتنـزل الرحمات، وتجاب الدعوات، فالسعيد من تعرض لهذه النفحات، واغتنم فيها الأوقات، واشتغل فيها بالأعمال الصالحات.

أيها الناس.. تتنوع العبادات في هذه العشر.. وكلها عبادات طيبة ومباركة، والكيّسُ العاقلُ يأخذ منها ما استطاع فعله، ومن أنواع العبادات:
ذكرُ الله تعالى. فذكر الله في هذه العشر.. مستحب في المساجد والطرق والمجامع والأسواق والخلوات.. فعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي r أنه قال: ((مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ وَلاَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعَمَلُ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ)) رواه أحمد.
وكان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في هذه العشر ويكبران، فيكبر الناس بتكبيرهما، رواه البخاري تعليقاً.

من فضائل هذه العشر.. أن فيها يومُ عرفة، شرعَ الله صيامَه، ورتب على ذلك أجراً عظيماً وفضلاً كبيراً، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسولُ الله r عن صوم يوم عرفة، قال: ((يكفر السنة الماضية والباقية)) رواه مسلم.

ومن فضائل العشر أن فيها يوم النحر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: إِنَّ أَعْظَمَ اْلأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ، ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ. أبو داود.

ومن العمل الصالح الصيام.. فمن استطاع أن يصوم فليفعل. لأنه في زمان فاضل ومكان فاضل.

ومن العمل الصالح العظيم في هذه العشر.. الأضحية.
وإذا دخلت العشر وأراد الإنسان أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي، لما روى مسلم عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلاَ يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا)، وفي رواية له: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلاَلَ ذِى الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّىَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ).
وهذا الامتناع عن الأخذ من الشعر والأظفار والبشرة.. خاص بصاحب الأضحية، أما أفراد الأسرة الآخرين من زوجٍ وولدٍ ونحوهم فلا يجب عليهم الإمساك عن أخذ الشعر والأظافر.

وعلى الإنسان أن يكثر من نوافل الصلوات، كالرواتب التي قبل الفرائض وبعدها. وقيام الليل وغير ذلك... ويكثر من الصدقة في أيام العشر، لكثرة حاجات الناس في العشر، من النفقة والاستعداد للحج وللعيد وطلب الأضحية ونحوها.

وينبغي للمسلم أن يسابق في هذه العشر بكل عمل صالح، ويكثر من الدعاء والاستغفار، ويتقرب إلى الله بكل ما يقربه إلى الله.

أيها الناس... يا أهل بلد الله الحرام.. قد اجتمع لكم ثلاثُ فضائل حين بلغتم هذه العشر:

أولاً: فضلُ الزمان، وهي هذه العشرُ المباركة التي هي أفضلُ أيام العام على الإطلاق.

ثانياً: فضلُ المكان، وهو بلدُ الله الحرام، مهدُ الرسالات وقبلةُ المسلمين.

ثالثاً: فضلُ العملِ الصالح، من ذكر وصلاة وصيام وحج وغيرها.
فأروا الله من أنفسكم خيرا، واجتهدوا وجدوا وتنافسوا في الخيرات، وتسابقوا إلى الجنات. فهذه العشرُ المباركات أفضل أيام العام..
ولئن كانَ التفريطُ في غيرِها قبيحاً, فالتفريطُ فيها أقبح..
ولئنْ كانَ الإهمالُ في غيرِها سيئاً, فالإهمالُ فيها أسوأ..
سدد الله الخطى وبارك في الجهود
وتقبل من الحجاج حجهم.. ويسر لهم أمرهم
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فتوبوا إليه واستغفروه إنه هو التواب الرحيم.



الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه.
وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه
صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: الحج أيها الناس يشهد تجمعاً كبيراً وازدحاما شديداً يعبر عنه بعض الناس بالأزمة.
فهو أزمة بشرية في نظرهم. وأزمة في المرور، وأزمة في الأحوال الصحية، وكثافة في الأسواق، وازدحام في المساجد والطرقات. مع ضعف معرفة كثير من الحجاج للغة العربية، والجهل الكبير بأحكام المناسك، وعمل كثير منهم لأعمال وتصرفات قد تخالف المألوفات.

نعم. كل ذلك نراه في الحج. ولكن الحقيقة أن هذا الموسم العظيم هو فرصة عظيمة، ليس للتجار فقط، ولا لأصحاب حملات الحج، ولا لأصحاب الفنادق والعقارات المؤجَرة فقط. كلا..

بل هو موسم عظيم لجمعِ القلوب على الألفة والرحمة والتعاون. جمعِ القلوب على الوحدة الإسلامية، موسم عظيم للدعوة إلى الله، موسم عظيم للتعليم ونشر الفقه الصحيح.

فشمروا أيها الدعاة إلى الله، يا دعاة التوحيد..

شمروا عن ساعد الجد، وابذلوا من أوقاتكم وأموالكم في نشر العلم بين الحجاج، كما كان حبيبكم r يفعل حين يدعو الناس إلى دين الله في موسم الحج.

علِّموا هذا الجمع المبارك.. الفقهَ الصحيح، وكيفيةَ الوضوء والصلاة، وأحكامَ المناسك.

علِّموا هذه الجموع الكثيفة أن التوحيد الخالص لله هو سببُ النجاةِ يوم الدين، وحصولِ رحمة أرحم الراحمين.

علِّموهم الآدابَ الإسلامية بالتزامها، والتخلقِ بها والحثِ عليها. من إطعامٍ للطعام، وسقيٍ للماء، والابتسامة المشرقة، والكلمة العذبة الصادقة، والتعامل الحسن الراقي، وشكر المحسن، والعفو عن المخطيء.

ادعوهم إلى الوحدة الإسلامية الصحيحة، القائمة على تعبيد الناس لله، والخضوع لأمره ونهيه، والتسليم التام لشرعه، والمتابعة لرسوله r.

وبهذا يكون هذا الموسم العظيم فرصةً لا أزمة، وموسماً للوحدة الإسلامية لا موسماً للتأفف والقلق وضيق العطن.

أيها الناس: التجارةُ في الحج مما أذن فيه الشارع، قال تعالى: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) ومعلوم أن الكثير من الناس إنما يقتاتون من التجارة في هذا الموسم العظيم، ولكن ينبغي الرفق بالحجاج. وعدم الغش. أو بيع الردئ. فالحاج ضيف الله ووفده. ويجب أن تكون معاملته على أفضل حال.

أيها الناس: ومن أعظم ما يجب المحافظة عليه.. أمن الحج، فربكم سبحانه وتعالى فضَّل البلد الحرام، وأوجب قصده بالحج على كل مسلم، ولذا يفد إليه الناس.. من كل فج عميق، ملبين محرمين، طائعين مخبتين.

والواجب على كل جهة مسؤولة وعلى كل مواطن ومقيم على ثرى هذه البلاد الطاهرة أن يمكن للحجاج أداء مناسكهم بيسر وسهولة، كلٌّ بحسبه.

فالمواطن هو رجل الأمن الأول، والتعاون مع الجهات المسؤولة واجب شرعي، لاستمرار هذا الأمن الذي نعيشه ولله الحمد والمنة.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وجدُّوا واجتهدوا وسددوا وقاربوا والقصد القصد تبلغوا.
اللهمَّ إنَّا نسألُك الإخلاص في القول والعمل
ونسألُك عملاً صالحاً ولوجهِك خالصاً
ونسألُك حجَّاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفورا
اللهم سلم الحجاج في برك وبحرك وجوك. يا ذا الجلال والإكرام.
وصلوا وسلموا على نبي الهدى والرحمة فقد أمركم بذلك ربكم فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي...).
وقال r : (من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا)
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر. وصل على آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم أذل الشرك والمشركين.
اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المجاهدين.
اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم حبب إليهم الخير وأهله، وبغض إليهم الشر وأهله.
اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له.

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا قوي يا عزيز

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسر المأسورين.

اللهم اجعل لاخواننا المسلمين المستضعفين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، اللهم أنزل على قلوبهم السكينة.

اللهم عليك بأعداء الدين ..

اللهم العن أئمة الكفر من اليهود والنصارى. اللهم لا تبلغهم غاية، ولا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عظة وعبرة وآية.

اللهم كما أفرحتنا بهلاك القذافي.. اللهم أقر عيوننا بهلاك طاغية الشام وأعوانه.

اللهم شتت شملهم، وفرق جمعهم. وأدر عليهم دائرة السوء.
اللهم اجعله أمرهم في سفال، وعاقبتهم إلى وبال. يا كبير يا متعال

اللهم الطف بالمسلمين في سوريا واليمن.. اللهم احقن دماءهم وصن أعراضهم واحفظ أموالهم.

اللهم احفظهم بحفظك واكلأهم برعايتك واحرسهم بعينك التي لا تنام.

اللهم ارحم المسلمين في الصومال.. وأنزل عليهم من بركات السماء، وأخرج لهم من بركات الأرض. برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولجميع المسلمين.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المشاهدات 1714 | التعليقات 0