العشر من ذي الحجة

عنان عنان
1436/11/26 - 2015/09/10 15:36PM
بسم الله الرحمن الرحيم

" الخطبة الأولى "

عباد الله: اتقوا الله تعالى واعلموا أن تقوى الله-عز وجل-هي خيرُ زادٍ يُبلِّغُ إلى رضوان الله تعالى " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألبابِ ".
عباد الله: إننا نعيش أياماً فاضلةً وأزمنةً شريفةً وموسماً مباركاً ووقتاً هو خيرُ وقتٍ ومغنمٍ للعملِ الصالح
عباد الله: إننا نعيش هذه الأيامَ الأيامَ العشرَ الأُولَ من شهر ذي الحجة وهي أيام مباركات خصها الله-عز وجل-بخصائصَ وميزها بميزاتٍ وقفة للمؤمن مع خصائصِ هذه الأيام تجدد النشاطَ فيه لِيقبلَ بقلبه ونفسه على طاعة الله-عز وجل-
وحسن العبادة وحسن الإقبال على الله-عز وجل-

فمن خصائصِ هذه الأيام أن الله-عز وجل- إختارها وأصطفاها وجعلها أفضل أيام السنة على الإطلاق والله-جلَّ وعلا-" يخلق ما يشاءُ ويختارُ ". فجعل سبحانه هذه الأيامَ الأولَ من شهر ذي الحجة خيرَ الأيام وأفضلَها
ومن خصائص هذه الأيام أن الله-تبارك وتعالى- أقسم بها تشريفاً لها وتعليةً من شأنها قال سبحانه: " والفجر*وليالٍ عشرٍ*والشفعِ والوترِ ". يقول ابن عباس وغيره من المفسرين: " المراد بالعشر في الأية العشرُ الأولُ من ذي الحجة ".

ومن خصائص هذه الأيام أنها خير أيام العمل الصالح فما تقرَّب إلى الله متقرب بعبادةٍ أفضلَ من التقرب إليه-تبارك وتعالى-من هذه الأيام الشريفة الفاضلة
روى البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ-رضي الله عنهما- عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: " ما من أيامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى الله من هذه الأيام-يعني أيام العشر-قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله ولم يرجع بذلك من شيء ".

ومن خصائص هذه العشر أنها أيام تجتمع فيها أمهات الطاعات ما لا يجتمع في غيرها من أيام السنة ففي هذه العشر تجتمع الصلاة والصيام والحج والذبح وغيرها من الطاعات الجليلة والعباداتِ العظيمة ولا يأتي وقت إجتماع هذه الطاعات إلا في هذا الوقتِ الشريفِ الفاضل.
ومن خصائص هذه العشر أن الله-تبارك وتعالى-جعلها موسماً لحجاج بيت الله الحرام وجعل فيها أيامَه العظامَ
ففي هذه العشر يوم التروية وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة وفيه يَصعد الناس إلى عرفاتٍ وفيه يُصعَد من مكةَ إلى مِنى ملبِّين في الحجِّ وفيها يومُ عرفةَ وهو خيرُ يومٍ طلُعت عليه الشمس وفيها يوم النحر وهو أعظم الأيام عند الله كما صح بذلك عن النبي-عليه الصلاة والسلام- أنه قال: " أعظم الأيام عند الله يوم النحر " .
عباد الله: هذه جملة من الخصائص والفضائل لهذا الموسم العظيم الفاضل فماذا سنقدم؟ ماذا سنقدم تجاه هذه الأيام الفاضلة؟ أحالنا مع هذه الأيام سيكون كحالنا مع أيام السنة؟ أأدركنا قيمةَ هذه الأيام وشرفَها ومكانتَها؟ أم أنها وبقية أيام السنة سواءٌ؟ هل سستحرك قلوبنا في هذه الأيام توبةً وإنابةً ورجوعاً وإقبالاً على الله وعلى الطاعة؟ أم ستكون ساكنةً جامدةً؟

عباد الله: لقد جرت عادة تجار الدنيا ألا يفوتهم المواسم العظيمة فيستعدون لها أتمَّ الإستعداد بجلب البضائع وإحضار السلع وبذل الأوقات وبذل الجهود العظيمة
وهذا موسم رابح لتجار الآخرة لحسن الإقبال على الله-عز وجل- فما هو حالنا في هذه الأيام؟.

عباد الله: يُشرَع في أيام العشر من ذي الحجة التكبيرُ المطلق وهو في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق لقوله سبحانه: " ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ". وهي الأيام العشر وقال سبحانه: " واذكروا الله في أيامٍ معدوداتٍ ". وهذه هي أيام التشريق
لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: " أيام التشريق أيامُ أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله-عز وجل- " [رواه مسلم].
وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً: عن ابن عمر وأبي هريرة-رضي الله عنهما-أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيامِ العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما.
وأما التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات-أي بعد الصلوات المفروضة- وهذا يبدأ من صلاة الصبح يومَ عرفةَ إلى صلاةِ العصر من آخرِ أيامِ التشريقِ وقد دلَّ على مشروعية ذلك الإجماع كما قال الإمام أحمد: وفعل الصحابة-رضي الله عنهم-
اللهمَّ اجعلنا من الطائعين وجنبنا دروب الهالكين
أقولوا ما تسمعون وأستغفر اللهَ العظيمَ لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

" الخطبة الثانية "

عباد الله: مما يُشرَع للمسلم في هذه العشر المباركة الصدقاتُ بأنواعها وبذل الإحسان وصلة الأرحام والبرِّ بأبوابه الفسيحة ومجالاته الواسعة
ومن الأعمال الصالحة التي يُشرَع للمسلم العناية بها في هذه العشر المباركة وما بعدها من أيام العيد أن يتقرب إلى الله-سبحانه وتعالى- بنحر أضحيته في يوم النحر وهو اليوم العاشر من هذه الأيام تقرباً إلى الله وطلباً لثوابه
فإن الحجاج حجاجَ بيت الله الحرام يتقربون إلى الله بيوم النحر بذبح الهدايا والمسلمون في البلدان يتقربون إلى الله-جلَّ وعلا-بنحر وذبح الضحايا
ولأهميه هذه الأضحية وعظم أجرها إختلف العلماء في حكمها فنص بعضهم على وجوبها ورجحه شيخ الإسلام بن تيمية-رحمه الله- ولكنَّ الصحيح هو قول جمهور العلماء أنها سُنَّةُ مؤكدةٌ لا ينبغي لقادرٍ وواجدٍ أن يتركَها.

وأول وقتها بعد صلاة العيد وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخرِ يومٍ من أيامِ التشريق وهو اليوم الثالثَ عشرَ من ذي الحجة وإن كان قبل ذلك فهو لا شكَّ أفضل لوقوع الخلاف بين أهل العلم في إجزاء الأضحية باليومِ الثالثَ عشرَ
والذي يُضحى به بهيمةُ الأنعام فقط قال سبحانه: " ولكلِّ أمةٍ جعلنا مَنسَكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ". وبهيمة الأنعام هي الإبل والبقر والغنم من ضأنٍ ومعزٍ وتجزئ الواحدةُ من الغنم عن الشخص الواحد ويُجزئ البعير أو البقرة عن سبع أشخاص
لحديث جابر-رضي الله عنه-قال: " نحرنا مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عامَ الحُديبةِ البدنةُ عن سبعةٍ والبقرةُ عن سبعةٍ " [رواه مسلم].
ويُشترَطُ بلوغُ السنِّ المعتبرِ شرعاً في الأضحية بأن تكون ثنياً إن كان من الأبل أو البقر أو الغنم أو الماعز وجذعاً إن كان من الغنم فالثنيُّ من الإبل ما تمَّ له خمسُ سنين والثنيُّ من البقر ما تمَّ له سنتان والثنيُّ من الماعز ما تمَّ له سنة
والجذع من الغنم ما تمَّ له نصف سنة.

ويُشترَط في الأضحية السلامةُ من العيوب المانعةِ من الإجزاء عن البراء بن عازبٍ-رضي الله عنه-قال: قام فينا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال: " أربعٌ لا تجوز في الأضاحي وفي روايةٍ لا تُجزئ العوراء البين عورُها والمريضة البين مرضُها والعرجاء البين ضَلُعُها والكسيرة التي لا تُنقي-أي الهزيلة الضعيفة- " [رواه الخمسة].
ويشترط في الأضحية النية لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لِكلِّ امرئٍ ما نوى " [متفق عليه].

ويستحب في الأضحية تثليثُها لقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: " كلوا وادخروا وتصدقوا " [رواه مسلم].
عباد الله: روى مسلم في صحيحه عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحيَ فلا يمسَّ من شعره وبشره شيئاً " وفي رواية " إذا رأيتم هلالَ ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحيَ فليمسك عن شعره وأظفاره ".
رواية فيها الأمر بالإمساك وراوية فيها النهي عن الأخذ من الشعر والأظافر
والأمر الأصل فيه للوجوب والنهي الأصل فيه للتحريم
ولهذا عباد الله: من أراد أن يضحيَ فعليه إذا دخلت العشر ألا يأخذَ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحيَ
وهذا حكم خاص بمن أراد أن يضحي أما أهله وأولاده ومن يضحي عنهم فإنه لا يشملهم ذلك الحكم
وكذلك من كان مؤكلاً بذبح الأضحيه وليس هو صاحبَها فإنه لا يشمله النهي ويجوز له الحلق
ويُخطئ من يظنُّ أن ذلك إحرام أو يسميه إحراماً بل يجوز له الطيب والجماع وغير ذلك مما يحرم على المحرم
والحكمة من عدم الأخذ من الشعر قال الإمام النووي: " قال أصحابنا: الحكمة من النهى أن يبقى كامل الأجزاء ليعتقَ من النَّارِ ".
ومن أخذ من المضحين شيئاً من شعره أو أظفاره فإنه يأثم بذلك وليس عليه كفارة إنما عليه الإستغفار ولا يضرُّ ذلك أضحيتَه فإن أضحيتَه مجزئةٌ وإنما عليه التوبة والإستغفار
اللهم تقبلْ منا إنك أنت السميع العليم ".

" وصلِّ اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ".
المشاهدات 1761 | التعليقات 0