العشر الفاضلة
حسام الحجي
الْحَمْدُ للهِ جَعَلَ لِزِيَادَةِ الْأُجُورِ أفْعالاً وَمَوَاسِمَ، وَأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ أَعْدَلُ حاكِمٍ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، جَامِعُ الْأَخْلَاقِ وَالْمَكَارِمِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحابِهِ وَأتْباعِهِ إِلَى يَوْمٍ كُلُّ مَخْلُوقٍ فِيهِ لِلرَّحْمَنِ قَائِمٌ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ذِي الْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ، ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَموتُنَّ إِلّا وَأَنتُم مُسلِمونَ﴾.
عِبادَ اللهِ: كُلُّ عَبْدٍ يَحْتاجُ إلى فُرْصَةٍ، ويَطْمَعُ في مِنْحَةٍ، وَيَحْلُمُ بِرَفْعَةٍ، لا أَقْصِدُ هُنَا عِنْدَ عَبْدٍ مِثْلِهِ، بَلْ عِنْدَ مَنْ خَلَقَهُ وكَتَبَ أَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَرِزْقَهُ، وَما أَعْظَمَهُ وَأَجَلَّهُ وَأَكْرَمَهُ سُبْحانَهُ، فَكَمْ مِنْ أَخْطَاءٍ نَأْتِيْهَا، فَيُعْطِينَا الْفُرْصَةَ بِالتَّوْبَةِ لِنَمْحُوهَا، وَكَمْ مِنْ مِنَحٍ بِمُضاعَفَةِ الْأُجُورِ عَلَى أَعْمَالٍ قَلِيلَةٍ نُؤَدِّيها، وَكَمْ مِنْ رِفْعَةٍ لَنَا بِتَكْرَارِ مَوَاسِمِ الْخَيْراتِ وَتَنَزُّلِ الرَّحَماتِ يُهْدِيها، وَفَوْقَ هَذا وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنَّا إِلَى ذَلِكَ داعِيْنَا ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا استَجيبوا للهِ وَلِلرَّسولِ إِذا دَعاكُم لِما يُحْيِيْكُم﴾.
وَمِمَّا دَعَانَا إِلَيْهِ وأَوْصانا بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، اغْتِنَامُ أَعْظَمِ أَوْقَاتِ الطَّاعَةِ، وَبَذْلُ الْجُهْدِ الْأَكْبَرِ فِي الْعِبادَةِ، طَلَبًا لِعَظِيمِ الْأَجْرِ وَالرِّفْعَةِ، وَهَا هِيَ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ اقْتَرَبَتْ وَلاحَتْ، وَلِطَالِبِي الْأُجُورِ فِيهَا تاحَتْ، فَمَاذَا أَنْتُمْ فَاعِلُونَ، فِي الصَّحِيحَينِ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: [ما مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلى اللهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ الِلهِ؟ فَقَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمالِهِ وَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ.
أَيَّامٌ عَشَرَةٌ، ما أَسْرَعَ وَقْتَهَا وَمَا أَقَلَّهُ، وَمَا أَكْثَرَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي لَهَا عِنْدَ اللهِ مَحَبَّةٌ، فَأَرُوا اللهَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِيهَا خَيْرًا.
أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ ﴿مَن يُطِعِ الرَّسولَ فَقَد أَطاعَ اللهَ وَمَن تَوَلّى فَما أَرسَلناكَ عَلَيهِم حَفيظًا﴾.
أَقُولُ قَوْلِي هَذا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلهِ حَقَّ حَمْدِهِ وَالصَّلاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ، وبعد:
عِبادَ اللهِ: بِلا إِطالَةٍ وَدُونَ تَكْرارٍ لِمَا يُقَالُ عَنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ الْمُقْبِلَةِ، مِمَّا قُلْتُ أَوْ غَيْرِي قالَهُ، لا تُضِيعُوا خَيْرًا مِنَ اللهِ أَتَاكُمْ، حُرِمَ مِنْهُ غَيْرُكُمْ، وَأَنْتُمْ بَلَا مَشَقَّةَ جاءَكُمْ، وَلَاتَسَأَلُوا عَمَّا تَعْمَلُوا فِيهَا، فَكُلُّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهَا أَجْرُها عَظِيمٌ، صَلَاةٌ وَصِيَامٌ وَصَدَقَةٌ وَقِرَاءَةُ قُرْآنٍ وَتَكْبِيرٌ وَتَهْلِيلٌ وَتَسْبِيحٌ وَاسْتِغْفَارٌ وَصِلَةُ رَحِمٍ وَإِصْلَاحٌ وَمَعْرُوفٌ وَكَفُّ أَذىً وَامْتِنَاعٌ عَنْ حَرامٍ وَحَفْظٌ لِلِّسَانِ، وَكُلُّ مَا يُمْكِنُكَ أَنْ تُثْقِلَ بِهِ مَوَازِينَكَ عِنْدَ رَبِّكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ، فَلِهَذِهِ الْأَيَّامِ تَفْضِيلٌ عَلَى غَيْرِهَا وَمَزِيَّةٌ، وَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ لِلصَّلَاحِ والتَّوْبَةِ قَبْلَ الْمَنِيَّةِ، يَارِبِّ بَلِّغْنا وَأَعِنَّا وَأَخْلِصِ النِّيَّةَ.