العشر الاواخر وزكاة الفطر وصلاة العيد

د. ماجد بلال
1444/09/22 - 2023/04/13 22:40PM
خطبة العشر الأواخر من رمضان
ماجد بلال، جامع الرحمن بتبوك   ٢٣/9/١٤٤٤ه
ها نحن في أعظم الليالي على الإطلاق، وأعظم ليالي رمضان على الإطلاق، العشر الأواخر من رمضان، التي كان النبي  يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها، وسر الاجتهاد في العشر الأواخر هو ليلة القدر العظيمة، أرأيتم الكنز الثمين الذي يبحث عنه كل أحد، أرأيتم الوصفة العجيبة التي تبحث عنها الحسناوات، أرأيتم الخلطة السرية والمكون السري الذي يبحث عن الطهاة، أريتم سر النجاح والتميز الذي يبحث عن التجار، هي ليلة القدر السر العظيم والوصفية العجيبة والمكون السري والكنز العظيم الذي يبحث عنه السائرون إلى الله سبحانه وتعالى، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}، هذه الليلة العظيمة التي من أجلها كان  يجتهد اجتهادا عجيباً لا يجتهد مثله طوال أيام السنة،
 
نبينا محمد  كان قائد ورئيس دولة المسلمين، وكان  قائد الجيش والمسؤول الأول عن الفتوحات الإسلامية، وكان  القاضي الذي يحكم بين الناس بالعدل، وكان المفتي الذي يعلِّم الناس أمور دينهم وعباداتهم، وكان  رب الأسرة، ومع ذلك كله إذا دخلت العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، لم  يكن ينشغل بشيء غير العبادة، ما هو إلا الدعاء والذكر والصلاة والتسبيح والركوع، والسجود، وقراءة القرآن، ومناجاة الله سبحانه وتعالى والتضرع بين يديه والبكاء ورجاء رحمته سبحانه، والاستعاذة من ناره، التذلل لله سبحانه وتحقيق معنى العبودية لله سبحانه في هذه العشر المباركات.
 وإن من أفضل أعمال العشر طول القنوت (وهو طول القيام)، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ» فكلما كان القيام أطول، والقراءة فيه أكثر، كان ذلك أفضل عند الله سبحانه وتعالى  صحيح مسلم (1/ 520)، فقد ثبت عنه  أنه قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة، وهذه ليست للأئمة ولا للمساجد وإنما هي للإنسان في بيته أو في معتكفه اذا يصلي لوحده يطوّل من الصلاة ما شاء.
لذلك جاء الترغيب الشديد في قيام رمضان وقيام ليلة القدر، قال : (مَنْ ‌قَامَ ‌لَيْلَةَ ‌الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) متفق عليه، وكما قال الله (ليلة القدر خير من ألف شهر) أي الصلاة في ليلة القدر خير من الصلاة في 83 سنة، الله أكبر، نسأل الله من فضله، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة: 4] .
وأمر النبي  المسلمين بتحريها والبحث عنها وتحصيل فضلها والاجتهاد بالعبادة فيها، شفقة منه على هذه الأمة لمَّا كانت أعمارها قصيرة عوضها الله عز وجل بهذه الليلة خير من ألف شهر فقال  من حَدِيث عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: (تَحَرُّوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوَتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وختم الله آيات الصيام في سورة البقرة بقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186] إشارة وحثاً على هذه العبادة العظيمة ألا وهي الدعاء، وأرشد النبي  إلى أفضل دعاء في هذه الليلة فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُولِي: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) رَوَاهُ التِّرمذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، فعلى المسلم الاجتهاد في الدعاء في هذه الليالي الشريفة.
ويشرع الاعتكاف يوماً او ليلة وانتظار الصلاة الى الصلاة فذلكم الرباط ذلكم الرباط.
اللهما أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
بارك الله لك ولكم في القرآن العظيم .....
 
 
 
 
 
 
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً. أمَّا بَعْدُ..
 
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - حَقَّ التَّقْوَى، وَاسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.
 
شرع الله لنا في ختام هذا الشهر الكريم زكاة الفطر:
 والحكمة من وجوب زكاة الفطر، ما ذَكره ابن عباس رضي الله عنها قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِين) قال الألباني:(صحيح) في مشكاة المصابيح (1/ 570)
فيجب على كل مسلم، أن يُخرج يوم العيد وليلتَه صاعاً من طعام، بشرط أن يكون هذا الصاع، زائداً عن حاجته وحاجة عياله وحوائجه الأصلية.
ويكون الطعام من طعام البلد المعتاد، فقد ثبت عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ). صحيح البخاري (2/ 130)، صحيح مسلم (2/ 677)
وزكاة الفطر واجبة على الإنسان، وعلى كل من يمون -أي كل من أنت مسؤول عن طعامه وشرابه- فأنت مسؤول عن زكاته حتى الخادمة اذا كانت مسلمة.
وهي صاع من طعام فقط، وسعة الصاع النبوي 2600 مللتر.
 وكلما كان الطعام أطيب كان أفضل وأعظم أجراً لقوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}
ويستحب إخراج زكاة الفطر عن الجنين، لفعل عثمان  .
ويجوز إخراجها قبل العيد بيومين فقط، لما ثبت في صحيح البخاري أن الصحابة رضي الله عنهم، كَانُوا يُعْطُونَها قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ.صحيح البخاري (2/ 132)
-و الأصل أن تخرج الزكاة في نفس البلد، لكن لا بأس أن يوكل من يخرج زكاة الفطر في بلده صاعا من طعام لفقراء بلده وأقاربه، خاصة إذا كانوا أشد حاجة من فقراء البلد الذي صام فيه، فالأقربون أولى بالمعروف، لكن يرسلها مالا، وتخرج طعاما.
 
أيها المسلمون: ومما شُرع لنا في ختام الشهر صلاةُ العيد، فقد أمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمته رجالاً ونساءً، وأمر النساء أن يخرجن إلى صلاة العيد حتى الحُيَّض، (ويعتزلن المصلى) صحيح البخاري (2/ 21)، صحيح مسلم (2/ 605)
وهي من الصلوات التي تؤمر ويرغب النساء للخروج لها، مما يدل على تأكد هذه الصلاة، بل لقد قال كثيرٌ من العلماء: إن صلاة العيد فرض عين يجب الخروج إليها، بدليل أمر النساء للخروج لها.
ويسن أن يأكل الإنسان قبل الخروج إليها تمرات وتراً، ثلاثاً أو خمساً أو أكثر، يقطعها على وتر، لقول أنس بن مالك - رضي الله عنه -: كان النبي  لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، يأكلهن وتراً. صحيح البخاري (2/ 17)
ويخرج إلى المصلى ماشياً لا راكباً إن تيسر، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: من السنة أن يخرج إلى العيد ماشياً، وليلبس المسلم أحسن ثيابه، وليكثر من ذكر الله ودعائه،
 
 
 
صلوا وسلموا
المرفقات

1681414947_خطبة العشر الاواخر من رمضان ماجد بلال.docx

1681414947_خطبة العشر الاواخر من رمضان ماجد بلال.pdf

المشاهدات 746 | التعليقات 0