العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر
عبدالله حامد الجحدلي
﴿ الخُطْبَةُ الأُوْلَى ﴾
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فاتَّقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوَى، وراقِبُوه في السرِّ والنجوَى.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: موسمٌ مُبارَكٌ آذنَت أيامُه بالانصِرام، والعاقِل مَن اغتنَمَ العشر الأواخر من رمضان ، فعمَرَها بالقُرَبِ والطاعاتِ، وحفِظَ نهاره، وأحيَا ليلَه.
«كان - عليه الصلاة والسلام -، يجتهِدُ في العشرِ الأواخِرِ ما لا يجتهِدُ في غيرِه» (رواه مسلم).
«وإذا دخَلَت العشرُ أحيَا - عليه الصلاة والسلام -، الليلَ، وأيقظَ أهلَه، وجدَّ وشدَّ المِئزَرَ» (متفق عليه).
وفي هذه الليالِي المُبارَكةُ المُتبقِّية يُستحبُّ الإكثارُ مِن ذكرِ الله وتلاوةِ القرآن.
قال ابنُ رجبٍ - رحمه الله -: "فأما الأوقاتُ المُفضَّلةُ، كشهرِ رمضان، خُصوصًا الليالِي التي يُطلَبُ فيها ليلةُ القَدر، فيُستحَبُّ الإكثارُ مِن تلاوةِ القرآن اغتِنامًا للزمانِ".
وحرِيٌّ بالمُسلم فيها الحِرصُ على أنفَعِ الدُّعاءِ وأجمَعِه؛ قالت عائشةُ - رضي الله عنها -: يا رسولَ الله! أرأيتَ إن وافَقتُ ليلةَ القَدر، ما أقُولُ فيها؟ قال: «قُولِي: اللهمَّ إنَّك عفُوٌّ تُحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي» (رواه أحمد).
وفي العشر يتحرَّى المُسلِمون ليلةَ القَدر؛ قال - عليه الصلاة والسلام -: «تحرَّوا ليلةَ القَدر في العشرِ الأواخِرِ مِن رمضان» (متفق عليه).
إنها ليلة القدر.. ليلة نزول القرآن : [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر ٍ .. ]
وألف شهر –يا عباد الله- تعدل ثلاثًا وثمانين سنة وثلاثة أشهر، الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر..
يا له من فضلٍ عظيمٍ لا يُقَصِّرُ فيه إلا مغبون ولا يُحرَمُ منه إلا محروم.
قال الإمامُ الزُّهْريُّ -رحمه الله-: " سميت ليلة القدر؛ لِعَظَمِها وقدرها وشَرَفِها ومَنزلتِها.. إنها الليلة التي تتنزل فيها الملائكة حتى تكون أكثر في الأرض من عدد الحصاة.. إنها الليلة التي من قامها " إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه من حديث أبي هريرةt
إنها الليلة التي من حُرِم خيرها فقد حُرِم.. فكيفَ لا نجِدُّ في طلبها؛ ولاسيمَّا أن الله أخفى موعدِها فستر عن عباده زمانها؛ ليرى جدَّهم في عبادته وتذللهم بين يديه..
وأرجحُ الأقوالِ فيها أنها في الوتر من العشر الأواخر، وأنها تتنقل، وأرجى أوتار العشر عند الجمهور ليلةَ سبعٍ وعشرين.
كما نص على ذلك الحافظ ابن حَجَر العسقلاني -رحمه الله- غير أن القول بتنقلها بين ليالي الأوتار العشر هو الأظهر جمعاً بين الأخبار؛ فينبغي على المسلم أن يجتهد في هذه العشر كلها ليدرك ليلة القدر.
قال أهل العلم: وإنما أخفى الله -عز وجل- موعد هذه الليلة؛ ليجتهد العباد في العبادة، وكي لا يتَّكِلوا على فضلها ويُقصِّروا في غيرها؛ فأراد منهم الجدَّ في العمل أبداً.
إنها ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر.. خُفي تعيينها؛ اختباراً وابتلاءاً ؛ ليتبين العاملون وينكشف المقصرون، ومن حرص على شيء جدّ في طلبه وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه.. إنها ليلةٌ تجري فيها أقلام القضاء بإسعاد السعداء وشقاء الأشقياء.. فيها يُفْرَقُ كل أمر حكيم ولا يَهْلِكُ علَى اللهِ إلَّا هالِكٌ .
وبعدُ .. أيها المسلمون: فالأعمالُ بالخواتِيمِ، والعِبرةُ بكمالِ النهاياتِ لا بنَقصِ البداياتِ، ومَن أساءَ فيما مضَى فليتُبْ فيما بقِي؛ فبابُ التوبةِ مفتُوحٌ، وعطاءُ الله ممنُوحٌ،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقولُ ما تسمَعون، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
﴿ الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ ﴾
الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِهِ وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أيُّها المسلمون: الدنيا ساعاتٌ وأيامٌ، وهي مِن صحائِفِ الأعمار، وعُمرُ الإنسانِ مِنها عملُه، والسعيدُ مَن خلَّدَها بأحسَنِ الأعمالِ، والفائِزُ مَن اغتَنَمَ بالخير لحَظَات وقتِه، ولم يُفرِّط في شيءٍ مِن دهرِه، والمغبُونُ مَن انفَرَطَ أمرُه، وغفَلَ قلبُه، واتَّبَعَ هواه، والمحرُومُ مَن حُرِمَ الخيرَ في رمضان، والشقِيُّ مَن شقِيَ في أُنسِ الأزمانِ.
ألا وصلوا -رحمكم الله- على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبيكم محمدٍ بن عبد الله كما أمركم ربكم -جل في علاه- فقال عز من قائل كريماً: [إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] الأحزاب: 56.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الراشِدين، وعن سائرِ الصحابةِ أجمعين، وعنَّا معهم بجُودِك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين،
واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين.
اللهم وفِّق إمامَنا لِهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه و وَلِيَّ عهده لما فيه عِزُّ الإسلامِ وصلاحُ المسلمين. اللهم أمِّن حُدودَنا، وانصُر جُندَنا، وقوِّهم على الحقِّ يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ اِرْفَعْ عَنَا الْغَلَاَءَ وَالْوَبَاءَ وَالرِّبَا والزنا وَالزَّلَازِلَ وَالْمِحَن، وَسُوءَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن .
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالمُسْلِمَاتِ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ،
اللَّهُمَّ اشفِ مرضانا، اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.
اللهم تقبَّل منَّا الصيامَ والقيامَ، واجعَلنا مِن عُتقائِك مِن النار برحمتِك يا أرحم الراحمين.
اللهم إنا نسألك بمنك وكرمك أن تعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين من النار برحمتك وكرمك وجودك يا عزيز يا غفار.
اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر، اللهم وفقنا لقيام ليلة القدر،
اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنَّا.
[رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] البقرة: 201.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربنا رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1619654177_العشر الأواخر وليلة القدر.pdf
1619654190_العشر الأواخر وليلة القدر.doc
1619654202_العشر الأواخر وليلة القدر.doc