العشرة بالمعروف 1446

مبارك العشوان 1
1446/03/23 - 2024/09/26 20:37PM

الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ  وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }

عِبَادَ اللهِ: الزَّوَاجُ نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ؛ جَاءَ بِهِ الشَّرْعُ  وَبَيَّنَ كَثِيرًا مِنْ مَصَالِحِهِ؛ فَفِيهِ مُوَافَقَةُ الفِطْرَةِ، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ، فِيهِ السَّكَنُ وَالأُنْسُ، وَالمَوَدَّةُ وَالرَّحْمَةُ، فِيهِ تَحْصِيلُ الَوَلَدِ، وَتَكْثِيرُ الأُمَّةِ، فِيهِ غَضُّ البَصَرِ، وَإِحْصَانُ الفَرْجِ  وَحِفْظُ الأَنْسَابِ...إِلَى غَيرِ ذَلِكَ.

وَكَمَا رَغَّبَ الشَّرْعُ فِي الزَّوَاجِ؛ فَقَدْ جَاءَ بِالمُحَافَظَةِ عَلَيهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، وَعَدَمِ اللُّجُوءِ إِلَى الفِرَاقِ.

وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الاِسْتِقَرَارِ: الْتِزَامُ الزَّوجَينِ بِالتَّوْجِيهِ الشَّرْعِيِّ، وَالهَدْيِ النَّبَوِيِّ؛ وَالمُعَاشَرَةِ بِالمَعْرُوفِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }[ النساء19 ]

وَمِنْ أَسْبَابِ الاِسْتِقَرَارِ بَيْنَ الزَّوجَينِ: مَعْرِفَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا لَهُ، وَمَا عَلَيهِ؛ وَاجْتِهَادُهُ فِي أَدَائِهِ؛ وَرِضَاهُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ صَاحِبِهِ؛ وَلَئِنْ كَانَتِ السَّمَاحَةُ مَطْلُوبَةٌ بَينَ النَّاسِ فِي بَيْعِهِمْ وَشِرَائِهِمْ وَأَخْذِهِمْ وَعَطَائِهِمْ؛ فَإِنَّها ضَرُورَةٌ بَينَ مَنْ تَطُولُ مُخَالَطَتُهُمْ، كَالأَقَارِبِ، وَالأَصْحَابِ، وَزُمَلَاءِ العَمَلِ؛ وَهِيَ بَينَ الزَّوجَينِ أَشَدُّ ضَرُورَةً؛ سَمَاحَةٌ فِي النَّفَقَةِ، وَفِي الحُقُوقِ؛ فَلَا الرَّجُلُ يُطَالِبُ امْرَأَتَهُ بِحُقُوقِهِ بِحَذَافِيرِهَا دُونَ أَيِّ نَقْصٍ؛ وَلَا المَرْأَةُ كَذَلِكَ، وَسَمَاحَةٌ فِي الأَمْرِ وَالنَّهْيِ  فِي حُدُودِ الشَّرْعِ؛ فلَيْسَ مِنَ السَّمَاحَةِ: إِقْرارُ الأَهْلِ عَلَى المُنْكَرِ، وَالمُدَاهَنَةُ فِي دِينِ اللهِ، وَتَرْكُهُمْ عَلَى المُخَالَفَاتِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَتَعَامُلَاتِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ وَغَيرِ ذَلِكَ.

فَإِنْ لَمْ يَتَعَامَلِ الزَّوجَانِ بِالسَّمَاحَةِ؛ وَتَحَاسَبَا عَلَى الصَّغِيرَةِ وَالكَبِيرَةِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي غَالِبًا إِلَى النِّزَاعِ وَالشِّقَاقِ؛ ثُمَّ يَحْصُلُ الفِرَاقُ، وَهَدْمُ الأُسْرَةِ وَشَتَاتُهَا.

وَمِنْ أَسْبَابِ الاِسْتِقَرَارِ: تَذَكُّرُ مَا جَعَلَ اللهُ بَيْنَ الزَّوْجَينِ مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ ابنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَإِنَّ الرَّجُلَ يُمْسِكُ الْمَرْأَةَ إِمَّا لِمَحَبَّتِهِ لَهَا، أَوْ لِرَحْمَةٍ بِهَا، بِأَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْهُ وَلَدٌ، أَوْ مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ فِي الْإِنْفَاقِ، أَوْ لِلْأُلْفَةِ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

عِبَادَ اللهِ: وَإِنَّ مِنَ الخَطَأَ الكَبِيرِ: الاِسْتِعْجَالُ بِالطَّلَاقِ  دُونَ نَظَرٍ فِي عَوَاقِبِهِ عَلَى الرَّجُلِ وَالمَرْأَةِ وَأَوْلَادِهِمَا وَأَهْلِهِمَا، بَلْ وَالمُجْتَمَعِ كُلِّهِ.

حَتَّى لَوْ كَرِهَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ، أَوْ كَرِهَتْهُ لِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ يُمْكِنُ تَجَاوُزُهُ؛ فَلَا يَعْجَلْ بِالطَّلَاقِ؛ وَلَا المَرْأَةُ بِالخُلْعِ أَوْ طَلَبِ الطَّلَاقِ؛ فَقَدْ يَكُونُ فِي بَقَائِهِمَا حَتَّى مَعَ الكَرَاهَةِ خَيْرٌ كَثِيرٌ.

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: { فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } يَقُولُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: أَيْ: يَنْبَغِي لَكُمْ أَيُّهَا الأَزْوَاجُ أَنْ تُمْسِكُوا زَوْجَاتِكُمْ مَعَ الكَرَاهَةِ لَهُنَّ، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ خَيْرًا كَثِيرًا.

مِنْ ذَلِكَ: اِمْتِثَالُ أَمْرِ اللهِ، وَقَبُولُ وَصِيَّتِهِ الَّتِي فِيهَا سَعَادَةُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ.

وَمِنْهَا: أَنْ إِجْبَارَهُ نَفْسَهُ مَعَ عَدَمِ مَحَبَّتِهِ لَهَا، فِيهِ مُجَاهَدَةُ النَّفْسِ، وَالتَّخَلُّقُ بِالأَخْلَاقِ الجَمِيْلَةِ، وَرُبَّمَا أَنَّ الكَرَاهَةَ تَزُولُ وَتَخْلُفُهَا المَحَبَّةُ، كَمَا هُوَ الوَاقِعُ فِي ذَلِكَ، وَرُبَّمَا رُزِقَ مِنْهَا وَلَدًا صَالِحًا نَفَعَ وَالِدَيهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ الإِمْكَانِ فِي الإِمْسَاكِ وَعَدَمِ المَحْذُورِ؛ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الفِرَاقِ، وَلَيْسَ لِلْإِمْسَاكِ مَحَلٌّ، فَلَيْسَ الإِمْسَاكُ بِلَازِمٍ. اهـ

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيْمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَإِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي التَّحْذِيرُ مِنْهُ؛ طَلَبُ المَرْأَةِ لِلطَّلَاقِ لِأَسْبَابٍ يُمْكِنُ تَجَاوُزُهَا، وَيُمْكِنُ حَلَّهَا؛ وَالأَمْرُ الأَشَدُّ وَالأَخْطَرُ أَنْ تَطْلُبَ الطَّلَاقَ دُونَ سَبَبٍ، أَوْ الخُلْعَ دُونَ سَبَبٍ.

عِبَادَ اللهِ: فَإِذَا وَصَلَ الأَمْرُ بَينَ الزَّوْجَينِ إِلَى حَدٍ لَا يُمْكِنُ مَعَهُ اِسْتِمْرَارُهما؛ فَالفِرَاقُ هُوَ العِلَاجُ الأَخِيرُ؛ وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُغْنِيَ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.   

وَفِي هَذِهِ الحَالِ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الطَّلَاقِ أَوِ الخُلْعِ حَتَّى يَكُونَ شَرْعِيًّا؛ تُلْتَزَمُ فِيهِ حُدُودُ اللهِ وَلَا يُتَلَاعَبُ بِهَا.

فَإِذَا تَفَرَّقَ الزَّوْجَانِ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَسْعَى بِالضَّرَرِ عَلَى الآخَرِ، وَلَا أَنْ يَسْتَطِيلَ فِي عِرْضِهِ، وَلَا أَنْ يَنْشُرَ أَسْرَارًا كَانَتْ بَيْنَهُمَا.

وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الزَّوْجِينِ أَنْ يُلْحِقَ الضَّرَرَ بِالأَوْلَادِ  وَيَجْعَلَهُمْ وَسِيْلَةَ تَهْدِيدٍ، أَوِ اِنْتِقَامٍ وَعِقَابٍ.

بَلْ يُنْظَرُ فِي مَصَالِحِهِمْ، وَيُسْعَى فِي تَوْجِيهِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ.

لَا يُسَاءُ فِي مُعَامَلَتِهِمْ، وَلَا يُحْرَمُونَ مِمَّا كَفَلَهُ الشَّرْعُ لَهُمْ مِنْ نَفَقَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ ... وَنَحْوِ ذَلِكَ.

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يُصْلِحَ أَحْوَالَنَا، وَأَنْ يَهَبَ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَيَجَعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا.

 

ثُمَّ  صَلُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَائِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُم وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

 

 

 

المرفقات

1727372213_وعاشروهن بالمعروف.pdf

1727372222_وعاشروهن بالمعروف.doc

المشاهدات 942 | التعليقات 0