العزة ثمرة من ثمرات الإيمان بالله

الشيخ السيد مراد سلامة
1442/09/05 - 2021/04/17 15:13PM

العزة ثمرة من ثمرات الإيمان بالله  الشيخ السيد مراد سلامة الخطية الاولى

  إخوة الإيمان و الإسلام  حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن ثمرة من ثمار الإيمان بالرحيم الرحمن إنها من أعظم الثمار التي جناها المسلمون الأوائل و التي افتقدها المسلمون الأواخر  إنها العزة و ما أدراك ما العزة ؟ نحن بالإسلامِ صِرنا خيرَ مَعْشَرْ   وحَكَمْنا باسمِهِ كِسرَى وقَيْصَرْ وَزَرَعْنَا العَدْلَ في الدنيا فَأَثْمَرْ    ونشَرْنَا في الوَرى "اللهُ أكبرْ" نحن بالإيمان أحْيَيْنَا القُلوبْ    نحن بالإسلام حرّرنا الشُّعوبْ نحن بالقرآن قوَّمْنَا العُيوبْ    وانطلقنا في شمال وجنوبْ نحن بالأخلاق نوَّرْنا الحياهْ      نحن بالتوحيد أعلَيْنا الجِباهْ نحن بالفرقان علّمْنا الرُّعاهْ      نحن بالتكبير زَلْزَلْنا الطُّغَاهْ : أولا :تعريف العزة والعِزَّةُ أيها الإخوة : هي حالةٌ مانعة للإنسان من أن يغلب، من قولهم: أرضٌ عَزَازٌ، أي: صُلْبةٌ. قال تعالى: {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 139]. وَالعَزيزُ: الذي يَقهر ولا يُقهر. قال تعالى: {إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 26]([1])(3). إن العزة ليست عناداً جامحاً يستكبر على الحق، ويتشامخ بالباطل. وليست طغياناً فاجراً يضرب في عتو وتجبر وإصرار. وليست اندفاعاً باغياً يخضع للنزوة، ويذل للشهوة. وليست قوة عمياء تبطش بلا حق ولا عدل ولا صلاح. كلا .. إنما العزة التي يتحلى بها المسلم هي: استعلاء على شهوات النفس .. واستعلاء على القيد والذل .. واستعلاء على الخضوع الخانع لغير الله .. ثم هي خضوع لله وخشوع .. وخشية لله وتقوى .. ومراقبة الله في السراء والضراء. ومن هذا الخضوع ترتفع الجباه، ومن هذه الخشية تصمد لكل ما يأباه، ومن هذه المراقبة لا تعني إلا برضاه. هذه هي العزة وذاك طريقها. والعزيز من العباد من يحتاج إليه الناس في أهم أمورهم، وهي الحياة الأخروية والسيادة الأبدية، وهذه رتبة الأنبياء والرسل، ويشاركهم في العز من ينفرد بالقرب من درجتهم كالخلفاء والعلماء، وعزة كل واحد منهم بقدر علو مرتبته في الاستقامة، وبقدر عنائه في إرشاد الخلق ([2]) ثانيا: الإيمان بالله العزيز يورث العبد العزة و الرفعة أيها الإخوة الأحباب :لقد سمى الله تعالى نفسه العزيز في آيات كثيرة من كتابه الكريم، ومعناه القوي الغالب الذي يَغلِب ولا يُغلب، ويَقهَر ولا يُقهر. كما قال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:165] وقال تعالى: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25] وقال تعالى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [الفتح: 7] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10] فالله هو سبحانه يذل من يشاء، ويعز من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير؛ يقول الله تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {آل عمران:26}. فالله سبحانه هو المعز الحقيقي لمن يشاء إعزازه من البشر، بما يقيض له من الأسباب الموجبة للعز، كالقوة، وحماية الذمار، ونصرة الحق، وكثرة الأعوان، ونفاذ الكلمة، وغير ذلك من الصفات التي تجعل الحاصل عليها عزيزا. ثالثا: العقيدة تورث العزة والكرامة: العقيد أيها الأحباب تورث صاحبها العزة و الأنفة و الكرامة فلا يستكين لأحد ولا يهين نفسه لمخلوق بل تراه دائما وابدأ شامخ النفس بإيمانه... فلا سبيل إليها إلا بالإيمان قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ} [النساء:139] الهمزة للاستفهام تحمل معنى التعجب والإنكار والتوبيخ (أيبتغون عندهم العزة) وهذا الحاصل: فإن كثيراً من الناس ومن الحكام يوالون أهل الكفر من اليهود والنصارى، ويتقربون إليهم طلباً للتعزز بهم وللتحصن بهم. قال الله تعالى: {فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139] أي: من كان يطلب العزة فليطلبها من الله، وليطلبها بطاعة الله سبحانه وتعالى وامتثال أوامره، أما الكفار فليس عندهم إلا الذلة، قال سبحانه: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ} [هود:113] فإذا ركنت إلى أهل الظلم والجور والكفر طلباً للعزة منهم فقد خاب ظنك وضل سعيك، فإن الله قال: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) ، وقال تعالى: {تُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ} [آل عمران:26] ، وقال تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18] . فالآية محذرة لكل من سولت له نفسه أن يوالي الكفار ويطلب العزة من عندهم، فإنه إن فعل فقد عصى ربه، ومن عصى ربه استحق أن يذل، فتنعكس عليه الغاية وهو لا يشعر. {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء:139] أي: إن كنت تريد العزة لنفسك فاعلم أن العزة لله جميعاً، عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - : أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ :: (( قَالَ الله - عز وجل - : العِزُّ إزَاري ، والكبرياءُ رِدائي ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي في وَاحِدٍ منهما فَقَد عَذَّبْتُهُ ))([3]) لكن إن كانت العزة بمعنى التقوي بالله، وكان طلبها طلباً للتعزز على أهل الكفر والتقوي عليهم؛ فهذا باب آخر يجوز للشخص أن يطلبه، فإن الله تعالى قال: {تُُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ} [آل عمران:26] وذكر أنه سبحانه يعز من يشاء. عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما ، قَالَ : كنت خلف النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يوماً ، فَقَالَ : (( يَا غُلامُ ، إنِّي أعلّمُكَ كَلِمَاتٍ : احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَألْتَ فَاسأَلِ الله ، وإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ باللهِ ، وَاعْلَمْ : أنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبهُ اللهُ لَكَ ، وَإِن اجتَمَعُوا عَلَى أنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلاَّ بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلاَمُ وَجَفَّتِ الصُّحف ([4]) رابعا :صور مشرقة من العزة عزة الرسول صلى الله عليه وسلم في قتال المشركين: ففي غزوة أحد عصا الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانقلبت الدائرة على المسلمين، وصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق جبل أحد، وأشرف أبو سفيان فقال: أفي القوم محمد؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: «لا تجيبوه». فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك. قال أبو سفيان: اُعْلُ هُبَل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه». قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله أعلى وأجل». قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أجيبوه». قالوا: ما نقول؟ قال: «قولوا الله مولانا ولا مولى لكم». قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مُثْلةً لم آمر بها ولم تسؤني([5]).   عزة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه بالإسلام : وما أرداك ما عمر رضي الله عنه من فرق الله به بين الحق و الباطل من اعز الله به الإسلام فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: (ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر)  (1) . فعن طارق بن شهاب ، قال : خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه ، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة ، فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا ، تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك ، وتأخذ بزمام ناقتك ، وتخوض بها المخاضة ؟ ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ، فقال عمر : « أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله »  ([6]) . أيا عمر الفاروق هل لك عودةٌ   فإن جيوش الروم تنهى وتأمر رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا أسامة بن زيد رضي الله عنه: ومن صور العزة :العزة بالإسلام و الانتساب إليه فلا فخر لنا إلا به و لا عزلنا إلا بالسير يحت لوائه و العمل بشريعته ومما زادني فخرا وتيها **** وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي**** وأّن سيرت أحمد لي نبيا عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ : كَانَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ رَجُلٍ مِنَ النَّاسِ إِلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَلَمَّا نُبِّئَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ شَهِدَ حَكِيمٌ الْمَوْسِمَ وَهُوَ كَافِرٌ ، فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنَ تُبَاعُ ، فَاشْتَرَاهَا لِيُهْدِيَهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ ، فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً فَأَبَى ، فَقَالَ : إِنَّا لا نَقْبَلُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَيْئَاً ، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخَذْتُهَا مِنْكَ بِالثَّمَنِ ، فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا حِينَ أَبَى عَلَيَّ الْهَدِيَّةَ فَلَبِسَهَا ، فَرَأَيْتُهَا عَلَيْهِ عَلَى الْمِنْبَرِ ، فَلَمْ أَرَ شَيْئَاً أَحْسَنَ مِنْهُ يَوْمَئِذٍ فِيهَا ، ثُمَّ أَعْطَاهَا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ، فَرَآهَا حَكِيمٌ عَلَى أُسَامَةَ ، فَقَالَ : يَا أُسَامَةُ ، أَنْتَ تَلْبَسُ حُلَّةَ ذِي يَزَنَ ؟ ، فَقَالَ : نَعَمْ ، وَاللهِ لأَنَا خَيْرٌ مِنْ ذِي يَزَنَ ، وَلأَبِي خَيْرٌ مِنْ أَبِيهِ ، قَالَ حَكِيمٌ : فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ أُعَجِّبُهُمْ بِقَوْلِ أُسَامَةَ . ([7]) عزة خالد بن الوليد رضي الله عنه   ومن صور العزة  عزة سيف الله المسلول  أرسل خالد بن الوليد رضي الله عنه رسالةً إلى كسرى، وقال: أسلِمْ تَسلَم، وإلا جئتك برجال يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة. فلما قرأ كسرى الرسالة أرسل إلى ملك الصين، يطلب المدد والنجدة، فرد عليه ملك الصين قائلاً: يا كسرى، لا قوّة لي بقومٍ لو أرادوا خَلْعَ الجبال من أماكنها لَخَلَعُوها([8]). من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا عزة هارون الرشيد و من روائع العزة في زمان العزة تلك الرسالة التي أرسلها هارون الرشيد- رحمه الله- إلى نقفور كلب الروم و التي تدل على عزة و إباء الأمة في هذه الفترة فقد ذكر المؤرخون عن ملكة الروم (إيريني)، أنها كانت تؤدي الجزية لهارون الرشيد، فعزلها الروم وتولَّى مكانها نقفور، فوجد في مملكته قوة لتحدي المسلمين، وأرسل إلى هارون الرشيد رسالة جاء فيها: "من نقفور ملك الروم، إلى هارون ملك العرب، أما بعد، فإن الملكة التي كانت قبلي أقامَتْك مقام الرخ، وأقامت نفسها مقام البَيْدق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أمثالها إليها، لكن ذاك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردُدْ ما حصل قبلك من أموالها، وافتدِ نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك".. فكتب هارون الرشيد على ظهر الكتاب ما يلي: "بسم الله الرحمن الرحيم، من هارون الرشيد أمير المؤمنين، إلى نقفور كلب الروم، قد قرأتُ كتابَك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون أن تسمعه، والسلام".. فجمع جيشًا كبيرًا توجَّه نحو أرض الروم وقصد هرقلة، فحاصرها ثلاثين يومًا، ثم فتحها وسبَى أهلها وأخربها، والتقى مع نقفور بمعركة قُرْب أنقرة، وكانت حامية الوطيس، انتصر فيها الخليفة على نقفور الذي هرب، ثم أرسل في طلب الصلح لما رأى عساكر المسلمين تجوس بلادَه من كلِّ اتجاه، ووافَق الرشيد على الصُّلح بعد أن دفع نقفور أضعاف ما كانت تدفعه الملكة. وكان الرشيد يلبس قلنسوة مكتوبًا عليها "غازٍ حاجٌّ"، وفي هذا يقول الشاعر: فمَنْ يَطْلُبْ لِقاءَكَ أَوْ يُرِدْهُ *** فَبِالحَرَمينِ أَوْ أَقْصَى الثُّغُورِ([9]) الخطبة الثانية السبيل إلى العزة و التمكين: أيها الإخوة  :إن السبيل إلى العزة و التمكين أوضحه رب العالمين في القران الكريم في غير ما آية من كتابه فقال سبحانه {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: ٥٥]. قال الله تبارك وتعالى{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 139]. في هذه الآية الكريمة أدب قرآني عظيم، وتوجيه ربَّانيٌّ كبير للثُّلَّة المؤمنة المجاهدة والصَّابرة، يحثُّهم فيه على عدم الهَوَان الذي ينافي العِزَّة ويضادُّها، ويُنْهِيها ويقضي عليها. فهو أمرٌ للمؤمنين بالثَّبات على عِزَّتهم، حتى في الأوقات العصيبة؛ لتبقى العِزَّة ملازمة لهم، لا تنفكُّ عنهم في الضرَّاء والسَّرَّاء، في الفرح والحزن، في الحرب والسِّلم، في النَّصْر والهزيمة. يقول الفَخْر الرَّازي: (كأنَّه قال: إذا بحثتم عن أحوال القرون الماضية، علمتم أنَّ أهل الباطل، وإن اتَّفقت لهم الصَّولة، لكن كان مآل الأمر إلى الضَّعف والفُتور، وصارت دولة أهل الحقِّ عالية، وصَوْلة أهل الباطل مُنْدَرِسة، فلا ينبغي أن تصير صَوْلَة الكفَّار عليكم -يوم أُحد- سببًا لضعف قلبكم ولجُبْنكم وعجزكم، بل يجب أن يَقْوى قلبكم، فإنَّ الاستعلاء سيحصل لكم، والقُوَّة والدَّولة راجعة إليكم)  ([10]) . - قال الله -تبارك وتعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54]. في هذه الآية الكريمة يُبيِّن الله -تبارك وتعالى- أنَّ العِزَّة على أهل الكفر، هي صفة من صفات جيل التَّمْكين، الذين أحبَّهم الله وأحبُّوه، وارتضاهم بديلًا عمَّن يرتد عن دينه، وبالمقابل فهم أذلَّة في تعاملهم مع إخوانهم من أهل الإيمان، يَخْفِضُون لهم الجناح تواضعًا، ويلينون لهم القول. الدعاء .......................

[1] - الراغب الأصفهاني: المفردات في غريب القرآن 1/563.
[2] - موسوعة فقه القلوب (3/ 2668)
[3] - أخرجه : مسلم 8/35 ( 2620 ) ( 136
[4] - - صحيح. رواه الترمذي (2516
[5] - البخاري: صحيح البخاري، باب غزوة أحد (3817).
[6] - أخرجه الحاكم (1/61)وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى
[7] - الطبراني في معجمه الكبير ج 3/  ص 202 حديث رقم: 3125
[8] - البداية والنهاية (7/ 145) باختصار وتصرف.
[9] -موقع الالوكة https://www.alukah.net/culture/0/121493/
[10] -  ((تفسير الرازي)) (9/ 371).
المرفقات

1618672420_العزة ثمرة من ثمرات الإيمان بالله.pdf

المشاهدات 888 | التعليقات 0