العبادة في زمن الغفلة- وقت الفتن, وشعبان-

د. منصور الصقعوب
1433/08/01 - 2012/06/21 17:23PM
يتحدث الأطباء والعارفون عن حكمة خلق الإنسان بهذه الطريقة, لماذا خلق الله يده هكذا, وأصابعه هكذا, وأذنيه هكذا, ويُرجعون كل شيء من خلقه لحكمة عظيمة تُبين حكمة الله في خلقه, ولكن صاحب هذه الجوارح كلها, والذي خلقه الله فأبدع في خلقه لماذا أوجده الله وخلقه ؟.
بل وتقرأ في القرآن آيات متتابعة ( هو الذي خلق لكم..) (هو الذي ذرأ لكم) (سخر لكم) كل هذا لكم, فلأي شيء أنتم خلقتم يا من خُلق الكونُ لكم, يا من خُلقت الأشجار والزروع لكم, يا من سخر الله الطير والحيوانات والريحَ لكم, يا من أرسى الأرض ونصب الجبال لكم, لأي شيء أنتم خلقتم؟
سؤال عرفناه صغاراً وتذاكرناه كباراً, لعبادة الله خلقنا ولطاعته أوجدنا.
أجل؛ وهل خُلق الإنسان وتوالت عليه نعم المنان إلاليعبد الرحيم الرحمن,وماأعظم خسارة المرء يوم أن ينسى ماخُلق لأجله,وماأجهله يوم أن ينشغل بك لشيءإلابعبادة ربه.
معشر الكرام: وإذا كان الإقبال على الله يُطلب في كل آن فإنه حين الغفلة عنه يتأكد, وفي زمن انشغال الناس عن العبادة يعظم ويُطلب.
وإن من أجلى صور المحب لله أن تراه يقبل عليه والناس منشغلون, وعن طاعته لاهون, فبينما الناس في دنياهم, في غدوهم ورواحهم, هو يقبل على الطاعة, لأن ربه أغلى عنده من كل شيء.
وإن غفلة النَّاس تجعل الطاعات شاقة على النفس؛ لأنه إذا ما كثر الطائعون لله تعالى فإنَّ النَّاس تألف الطاعة, واعتبر بالحال في "رمضان" فالنَّاس صائمون، فلا يُحسِّون بمشقة الصيام، ولا بمشقة القيام، لكثرة الطائعين الصائمين القائمين، أما إذا جاءت أوقات الغفلة، وتفرَّد المرء بالطاعة كانت شاقة على نفسه وصعبة؛ لأنه لا يجد مَن يتأسى به.
وقد ورد في الأحاديث أيها الكرام حالتان ينشغل الناس فيهما عن الطاعة.
ففي زمن الفتن ينشغل الناس عن طاعة الله, ولذا قال النبي ج"العبادةفيالهرج- والهرج أيامالفتنواختلاطالأمور،وحالالقتلوالحرب،وحالالخوفوالذعر" كهجرةإلي". أي للنبي ج في فضلها.
يالله؛ الهجرة التي لها من الثواب جزيلهُ ومن الأجر شريفه, والتي أثنى الله على أهلها إذ ضحوا بالأهل والبلد لأجلها, ثوابها ينال بالتعبد في زمن الفتن وتغير الأحوال, وهو زمن يعد مظنة الغفلة والانشغال
حينما تدلهم الفتن وتتابع المحن وتضطرب الأحواليبقىالإنسانمتلهفًاللخبر،متابعًاللحدث،باحثًاعنالحقيقة،يقلب القنوات ويتتبع الإذاعات،ويلهث خلف الجرائد والمجلات,ولكنه قد ينسىأمرًاعظيمًا،وسياجًاواقيًا،ودرعًاحصينًا،أرشدإليهالمصطفىج،إذاادلهمتالخطوب،واشتدتالكروب،وعظمت الفتن،إنهاالعبادةعلى اختلاف أنواعها وأوقاتها،وتفاوت أفضالهاوأزمانها.
كم أشغلتنا الأخبار, وكم فتكت بالمسلمين الفتن, ومهم أن تعتني بحال المسلمين ولكن ذلك لا يكون على حساب حق الله في العبادة, وربنا بيده كشف الفتن وتغيير الحال إذا توجه له الناس.
لن تغير الحال حين ترى الأخبار والتحليلات, وتتابع المستجدات الساعات, وإنما قد تكون سبباً في التغيير حين تغيرُ حالك وتقبلُ على ربك وترفعُ له الدعوات, وتتقلبُ في العبادات{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم }
لقد عرف الناس أن في عبادة الله يجدالمرءملاذاًمن الفتن ومخرجا من البلايا والمحن ونجاةمن العقوبات,ويوم أن تحل بالناس المصائب فليس لهم ملجأإلاالله
لقد كان النبي ج إذا حزبه أمر لا يفزع للمحليين, ولا يتصل بالإعلاميين, وإنما يتصل بخالق الكون -سبحانه -،يستمدمنهالعون،والمعافاة, وقال عنه بلال " كان إذا حزبه شيء فزع إلى الصلاة".
وفي الصحيح "استيقظ رسولاللهجذات ليلةفقال: سبحانالله! ماذاأنزل الليلةمنالفتن؟! وماذا فتح من الخزائن؟! أيقظواصواحبات الحُجَر, فرب كاسية ‏ ‏في الدنيا عارية في الآخرة"
يا ترى لأي شيء توقظ صواحب الحجرات, ألنظر في الأخبار, أم للعبادة للواحد القهار, ومناجاته في الليل وأطراف النهار
وحين رأى كثرة عدوه يوم بدر فزع إلى ربه, فنصره الله وأتم له الظفر.
معشر الكرام: وانظروا لحالنا اليوم مع العبادة, هل نحن مجتهدون, أما والله لا يعجز الله تغيير الحال في كل مكان في لحظة, ولكنه يتابع المحن لعل العباد يرجعون, ولتزداد الأجور, وليسمع دعاء عبده.
يا من أهمهم شأن المسلمين, يا من يخافون من مستقبل الإسلام, الله يرى ويسمع, فأقبلوا عليه وكلوا الأمر له, وأبشروا, فكم من شدة رفعها, ومحنة كشفها, كم مرت على المسلمين من شدائد وبلايا, ومحن ورزايا, وحين غير الناس حالهم وأقبلوا على عبادة مولاهم تحول البؤس عزاً, والذل تمكيناً.
وفوق هذا أيها الكرام, ففي مقول الرسول عليه الصلاة والسلام " بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم .." اجتهدوا قبل وقوعها, وأقبلوا على الطاعة قبل حلولها, وافزعوا لها عند وجودها فبذلكم ترفع الفتن وتكشف الكرب.
عباد الله: وليست العبادة حين يشاد بها- مقصورة على الصلاة ونحوها, بل هي أوسع من ذلك.
إن ثباتك على الدين في وقت الفتن, واستقامتك على الجادة, مهما كثرت
الصوارف، أو طغت المغريات ، أو لاح تهديد ، أو عرض ترغيب ، عبادة من أجل العبادات في زمن الفتن.
وتقلبك في صنوف القربات, قوليها وعمليها, قربة من القربة, ذكر ودعاء, توبة ورجاء, صلاة وصيام, قرآن وأخلاق وقيام, وزد فما عند الله أعظم ولكل عبادة فضيلة
في وقت الفتن وغفلة الناس زد من طاعات كنت تعملها, واسعَ في جمع الكلمة وإيصال النصيحة ورفع الغمة, وكن دلاّلاً للخير, داعية للبر, مُرهٍّباً من العصيان, منابذاً للفساد والطغيان, فكل ذلك تعبد للرحمن
اللهم أصلح أحوال المسلمين .

الخطبة الثانية:
وثمة زمن يغفل البعض فيه عن العبادة, ويلهون عنها, إنه شهر شعبان, قال النبي ج (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ )
إذا كان الله خلق العبد للعبادة, ففي أزمان ثبت شرفها, وأيام عرف عن الصالحين تعاهدها, تتأكد العناية, وشعبان شهر كان للنبي ج فيه شأن مختلف عما قبله, وكان يقول فيه (ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِين)
وتأمل كيف ذكر سبب اشتغاله في شعبان بأمرين هما الغفلة فيه, ورفع الأعمال لله فيه.
إن الأعمال تعرض على ذي الجلال, ويرى ما عملت, وما خط في الصحائف, ويُصعدُ بأعمال عامٍ عشته بحسناته وسيئاته, دونت فيه أقوالك وفعالك, فماذا تريد أيها المبارك أن يرفع لك إلى الله, وإذا كنت نسيت ما عملت فحسن أن يرفع العمل وأنت في عبادة عل الله يغفر ما خُطّ من الإساءة.
عباد الله: ولأجل هاتين الخلتين, غفلة الناس ورفع الأعمال كان المصطفى ج يصوم شعبان كله, أو جله, قالت عائشة ل"ومارأيت رسولالله استكمل صيام شهر إلارمضان ومارأيته أكثرصياما منه فيشعبان" متفق عليه
وأما السلف الصالحون فلهم في شعبان حالٌ بها لرمضان يتهيئون, ولأُهبة موسم الصوم يستعدون, قال سلمةبن كهيل: كان يقال شهر شعبان شهرالقراء،وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذاشهرالقراء،وكان عمرو بن قيس الملائي إذادخل شعبان أغلق حانوته وتفرغ لقراءةالقرآن.
أيها الموفق: أرِ الله من نفسك في شهرك الذي أظل خيراً, واجعل أيامه اليسيرة دروة تتهيأ بها لرمضان.
الصوم في شعبان من أجل الأعمال فيه, وحين يطول النهار ويشق الصيام يعظم الأجر, ويدخر المرء ظمأ الهواجر فيه لحرّ الآخرة, والعطش فيه ليوم طويل عطشه, وشديد حره.
وكم سيسعد أقوامٌ حين يلقون الله فيرون طاعات عملوها, وقربات قدموها, ذهب عناءها وثبت بإذن الله أجرها, فيسعد المرء عند طاعته لأنه مشى في رضى ربه, ويسعد في ختام عمله لأن الله أعانه, ويسعد يوم يلقى ربه لأنه غلب هواه وأطاع مولاه.
( مضى رجب و ما أحسنت فيه ... وهذا شهر شعبان المبارك )
( فيا من ضيع الأوقات جهلا ... بحرمتها أفق و احذر بوارك )
( فسوف تفارق اللذات قسرا ... و يخلي الموت كرها منك دارك )
( تدارك ما استطعت من الخطايا ... بتوبة مخلص و اجعل مدارك )
( على طلب السلامة من جحيم ... فخير ذوي الجرائم من تدارك )

المشاهدات 6698 | التعليقات 3

جزاكم الله خيرا شيخ منصور


شيخنا منصور لديكم مشكلة في التنسيق تحتاج عند تحضير الخطبة أن تلصق كل النصوص المنقولة عن الشاملة أو النت أو غيرها بطريقة اللصق البسيط لكي ينضبط التنسيق لديك في الموقع.
إذا لم تفعل ذلك تكون النصوص المنقولة متلاصقة عند الذين ينقلون عنك إلى ملفات الوورد، ولذلك احتسب الأجر وافعل هذه الطريقة وليتك ترفك ملف وورد مع الخطبة بارك الله فيك.


وعدك بالاتصال ونسيت ولكن إن شاء الله اليوم ما أنسى


أبشر يا شيخ ماجد سأضع هذا في الاعتبار لاحقاً, وقد عدلت بعض الشيء في هذه فشكر الله لك توجيهك