العبادة في الهرج

سالم بن محمد الغيلي
1442/03/15 - 2020/11/01 00:40AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي  ومن يضلل فلن تجد له ولياَ مرشداً, اشهد الا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام.

    • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102]

    • {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]

    • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [سورة الأحزاب:70]

    عباد الله:

    خلقنا الله لعبادته وطاعته وحده لا شريك له, عبادة نعيشها بقلوبنا وجوارحنا, نعيشها حضرًا وسفرًا, برًا وبحرًا وجوًا, أمنًا وسلمًا, وحربًا وخوفًا, بل إن الله تبارك وتعالى جعل العبادة في أوقات الفتن, أوقات الحرب والحروب والفتن والشائعات من أعظم العبادات وأجلها قدرًا وأجرًا, لأن الناس في أوقات الفتن وأوقات الهرج وأوقات الحرب ينشغلون عن العبادة بما يدور حولهم ينسون الذكر يتركون تلاوة القرآن وربما تركوا صلاة الجماعة, يوسوسون في الصلاة وينقرونها نقر الغراب للدم, ينشغلون بالإرجاف والشائعات التي تنهال عليهم كل ساعة من الداخل والخارج؛ ولذلك جعل الله تعالى من يحافظ على عبادته جعل من يحافظ على دينه جعله ممن يعظّم أجرهم ويزيد احسانهم وقربهم منه سبحانه.

    وتأملوا هذا الحديث العظيم الذي رواه الصحابي الجليل معقل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ.) صحيح مسلم, والهرج كما قال الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث: "الفتنة وأيام الفتن واختلاط امور الناس , كذلك في حال الحرب والقتال كذلك في حال الخوف والذعر في حال الفوضى الاقتصادية أو الفوضى الاجتماعية أو فوضى الفتوى فالناس في أمر مريج".

    فالذي يجمع قلبه على ربه تعالى في هذه الحالات يهتم بصلاته ويحافظ عليها يحافظ على الأذكار وتلاوة القرآن يحافظ على حسن الخلق وعلى الصلة فكأنه هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ومعلوم أجر الهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ماهو أجر المهاجرين الذين خرجوا من ديارهم وأموالهم وأهليهم الذين تركوا البلاد والأهل والمال من أجل الله من أجل الفرار بالدين من أجل اللحاق بالنبي صلى الله عليه وسلم, أولئك لا يصل إلى درجتهم أحد ممن جاء بعدهم قال تعالى: { .. لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}[سورة الحديد: 10].

    فالناس أيها الناس في زمن الفتن يبتعدون عن الدين أو يغفلون وسبب ذلك انشغالهم بالأحداث الجارية يشغلون بها تفكيرهم وألسنتهم ومجالسهم وأسواقهم واجتماعاتهم ومناسباتهم إلا من رحم الله, الجميع إلا من قل مشغولون عن الله وعن عبادته , فالعابد المتمسك بدينه في مثل هذه الشواغل له أجر المهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    فا الله الله أيها الناس تمسكوا بدينكم في زمن الفتن , اقبلوا على الله تعالى , تقلدوا الحكمة كونوا حكماء فيما ترسلون وفيما تسمعون وفيما ترون , الحوا على الله تعالى في الدعاء بأن ينصرنا على أهل الباطل بأن يسدد ولي أمرنا بأن يهدي شبابنا ويحفظهم من أهل الغواية والانحراف بأن يخذل النصارى واليهود والمجوس والمنافقين ويرد كيدهم عنا وعن ديننا وبلادنا , لا تلهينا الاحداث عن الله, فالله ناصرنا والله كافينا والله هادينا والله مولانا ولا مولى لهم , اكثروا من ذكر الله حافظوا على الصلوات في المساجد اقبلوا على تلاوة القرآن , اكثروا من النوافل , الجأوا الله في الشدائد , ادعوا الله أن ينصرنا على المجوس وأن يرد كيدهم في نحورهم .

    اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك , اللهم ثبتنا على دينك وعلى سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

    اقول ماتسمعون.... 

    الخطبة الثانية:

    الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى.

    عباد الله:

    لا تسيطر الاحداث على عقولنا وتصرفاتنا ثم نقصر في علاقتنا بربنا تعالى , نقصر في الصلاة وفي الدعاء نصبح من الغافلين, لنحذر من هذا , اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون, قال صلى الله عليه وسلم: (إنَّ مِن ورائِكم أيامَ الصَّبرِ ، لِلمُتَمَسِّكِ فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجرُ خمسين منكم ، قالوا ، يا نبيَّ اللهِ أو منهم ؟ قال ، بل منْكم) السلسلة الصحيحة للالباني, اسناده صحيح, وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ ورائِكُم زمانُ صبرٍ ، لِلْمُتَمَسِّكِ فيه أجرُ خمسينَ شهيدًا منكم) صحيح الجامع للالباني صحيح.

    بل إن المحافظين على طاعتهم في مثل هذه الفتن قد يدفع الله به البلاء عن البلاد والعباد, قال بعض السلف: "ذاكر الله في الغافلين كمثل الذي يحمي الفئة المنهزمة , لولا من يذكر الله في غفلة الناس لهلك الناس"  إن الله يدفع بالرجل الصالح عن أهله وولده وذريته ومن حوله.

    نحذر ايها الناس أن يصيبنا الاحباط واليأس والقنوط عندما نرى الاحداث وغلبة اهل الباطل لا نيأس لا نقنط لا نُحبط {.. إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}[سورة يوسف: 87], نحذر أيها الاحبة من التهويل والتكبير للأمور, لا نعطيها اكثر مما تستحق , لا نخيف الناس والجهلة والصغار والنساء , نحذر أن نكون ممن قال الله فيهم: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ...} [سورة النساء: 83], اناس مثل الاذاعات ووكالات الأنباء يسمعون الخبر ويزيدون عليه مثلهُ عشر مرات, اشغلوا الناس وخوفوهم .

    لنصبر لنثبت لنقبل على الله تعالى ونتمسك بدينه وكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, ولنعلم أن المؤمن مبتلى فلنصبر على البلوى, { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [سورة النور: 55],

    { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ, وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [سورة العنكبوت: 2,3], { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [سورة آل عمران: 142].

    اللهم إنا نسألك في هذه الساعة أن تخذل المجوس اينما كانوا ومن يريد بنا وبديننا وبلادنا سوء, اللهم اعم بصائرهم وابصارهم, اللهم انصر جنودنا اللهم سدد ولي امرنا .

    وصلوا وسلموا...

    والله اعلم

    جامع النور 1442/3/13هـ

     

    المشاهدات 707 | التعليقات 0