الْعَامِ الْهِجْرِيِّ الْجَدِيدِ-شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَال تَعَالَى:﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾.فِي شَهْرُ اللهِ الْمُحَرَّمُ ابْتِدَاءَ التَارِيخِ الْهِجْرِيِّ قَالَ بْنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ:اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَقِيلَ، سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ فِي الدَّوْلَةِ الْعُمَرِيَّةِ عَلَى جَعْلِ ابْتِدَاءِ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، رُفِعَ إِلَيْهِ صَكٌّ، أَيْ حُجَّةٌ، لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ، وَفِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ عَلَيْهِ فِي شَعْبَانَ،فَقَالَ عُمَرُ:أَيُّ شَعْبَانَ أَشَعْبَانُ هَذِهِ السَّنَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، أَوِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ،أَوِ الْآتِيَةِ ثُمَّ جَمَعَ الصَّحَابَةَ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي وَضْعِ تَأَرِيخٍ يَتَعَرَّفُونَ بِهِ حُلُولَ الدُّيُونِ،وَغَيْرَ ذَلِكَ،فَقَالَ قَائِلٌ:أَرِّخُوا كَتَارِيخِ الْفُرْسِ،فَكَرِهَ ذَلِكَ،وَكَانَتِ الْفُرْسُ يُؤَرِّخُونَ بِمُلُوكِهِمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ،وَقَالَ قَائِلٌ:أَرِّخُوا بِتَارِيخِ الرُّومِ،وَكَانُوا يُؤَرِّخُونَ بِمُلْكِ إِسْكَنْدَرَ بْنِ فِيلِيبُّسَ الْمَقْدُونِيِّ،فَكَرِهَ ذَلِكَ،وَقَالَ آخَرُونَ:أَرِّخُوا بِمَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِﷺوَقَالَ آخَرُونَ:بَلْ بِمَبْعَثِهِ،وَقَالَ آخَرُونَ:بَلْ بِهِجْرَتِهِ،وَقَالَ آخَرُونَ:بَلْ بِوَفَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ،فَمَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى التَّأْرِيخِ بِالْهِجْرَةِ لِظُهُورِهِ وَاشْتِهَارِهِ وَاتَّفَقُوا مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ،قَالَ بْنِ كَثِيْرٍ رَحِمَهُ اللهُ:وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ابْتِدَاءَ التَّارِيخِ الْإِسْلَامِيِّ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَجَعَلُوا أَوَّلَهَا مِنَ الْمُحَرَّمِ، فِيمَا اشْتُهِرَ عَنْهُمْ، وَهَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ.اهـ.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾.وَقَالَﷺ:«إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَاعلمواأَنَّ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ الصِّيَام في شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُقَالَﷺ:«أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِﷺفَقُلْتُ:مُرْنِي بِأَمْرٍ آخُذُهُ عَنْكَ،قَالَ«عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ»رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فعلينا أن نستغل هذه المواسم،بالتزود من الطاعات و الإكثار من الدعاء والاستغفار.
عِبَادَ اللَّهِ:وَإِيَّاكُمْ وَالتَّشَبُّهِ بالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بالاِحْتِفَالُ بِالْعَامِ الْجَدِيدِ وَتَبَادُلُ التَّهَانِي،عَبْرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ
الْاجَتمَاعِيِّ الْمُخْتَلِفَةِ
وَغَيْرُهَا فهذا لَيْسَ مِنْ هَدْيِ النَّبِيُّﷺولا مِنْ هَدْيِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ولا السَّلَفُ الصَّالِحُ ولا مِنْ دَأْبَ الْعُلَمَاءِ سَابِقًا وَلاَحِقًا،فَانْتَهُوا وَليَسَعُكَم مَا وَسِعَهُمْ،واتَّبِعُوا وَلاَ تَبْتَدِعُوا؛فَقَدْ كُفِيتُمْ قَالَﷺ:«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الأَلبَانيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
عِبَادَ اللَّهِ:وَإِيَّاكُمْ وظلم النفس في شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ بالشرك والبدع،وبالسيئات والخطايا،والذنوب والمعاصي،والفسق والفجور،والغش والكذب، والغيبة والنميمة والحقد والحسد،والسخرية والاستهزاء،والتقصيروالتفريط في الواجبات مثل اضاعة الصلوات المفروضة،فالكثير من الطلاب والطالبات ما ان تبدا الإجازة الا وتجد من بعضهم التفريط والتسويف والتأخر عن حضور الصلوات والبعض يتركها بكلية،فعلى الآباء والأمهات،الإكثار من الدعاء للأبناء بالهداية قَالَ تَعَالَى:﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ﴾.وتعليمهم المحافظة على الصَّلَاةِ وبيان الوعيد لمن تركها والترغيب في أجر من حافظ عليها،وعلى الآباء اصطحاب الأبناء إلى المساجد لأن في ذلك خير لهم،وهي فرصة عملية لتعليمهم ،محبة بيوت الله وعلوا قدرها ومكانتها والحرص على نظافتها والمحافظة على هدوئها واحترامها وتعظيمها.
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللَّهِ وَعَظِّمُوا هَذِهِ الفَرِيْضَةَ،وَاصْبِرُوا وَصَابِرُوا ،وَأْبِشُرُوا،قَالَ تَعَالَى:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾إِيَّاكُمْ أَنْ تَتَهَاوَنُوا بِصَلَوَاتِكُمْ؛ وَإِيَّاكُمْ وَتَأْخِيْرَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا،فَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَعَالَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛فَقَالَ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍﷺوَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:وَمِنَ الأَخطَاء الْكَلَامُ أَثْنَاءَ الْخُطْبَةِ:فَلَا يَجُوزُ الْكَلَامُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ قَالَﷺ:«إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«مَنْ تَوَضَّأ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ أتَى الجُمُعَةَ،فَاسْتَمَعَ وأنْصَتَ،غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجُمُعَةِ وَزِيادَةُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى، فَقَدْ لَغَا»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ ، يعني يحرم ثواب الجمعة ، كذلك من يعبث بالغترة وفرش المسجد ، أوالقلم ، والساعة، والجوال ، أويتسوك أويسبح بالمسبحة فهو من جنس مَسَّ الحَصَى.
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1720059272_الْعَامِ الْهِجْرِيِّ الْجَدِيدِ-شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق