العالم الإسلامي بين رحى كلينتون وترامب _أ.شريف عبدالعزيز - عضو الفريق العلمي
الفريق العلمي
1438/02/10 - 2016/11/10 08:06AM
[align=justify]للشاعر العباسي عيسى بن موسى الهاشمي أبيات من الشعر رائقة ، أنشدها لما ألزمه أبو جعفر المنصور التنازل عن ولاية العهد لابنه محمد المهدي ، صارت مثلاً لمن يجد نفسه مخيراً بين أمرين أحلاهما مر ، إذ أنشد قائلاً :
خيرت بين أمرين ضاع الحزم بينهما
إما صغار ، وإما فتنة عمم
وقد هممت مراراً أن أساقيهم
كأس المنية لولا الله والرحم
تذكرت هذه الأبيات ، وأنا أتابع ترقب العالم والأمريكيين سباق الانتخابات الجارية لاختيار رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية خلفًا للرئيس الحالي باراك أوباما بعد انقضاء فترته الرئاسية. السباق كان على أشده منذ البداية ووصل اليوم إلى المرحلة الأخيرة التي سيضخ فيها كلا المتنافسين المنتخبين من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة جهودهما للفوز بلقب الرئيس الأمريكي الجديد . وكما جرت العادة فإن التنافس بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري يركز على درجة التأثير في الرأي العام وكسب الأصوات التي تدعم مشاريعهم الانتخابية، وعلى عكس التوقعات في بداية انطلاق هذه المنافسة، فقد صعد الملياردير الأمريكي دونالد ترامب بقوة ، وتبدلت حظوظه مع البروز المريب لقضية البريد الإلكتروني لكلينتون والذي أدى إلى تضايق الفارق بين المرشحين لأدنى مستوياته ، بعد أن كان الفوز شبه مضمون لكلينتون في الأسابيع الأخيرة .
وتكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تجري كل أربعة أعوام، أهمية كبيرة، نظرا لأن الولايات المتحدة لا تزال تقف على رأس هرم النظام الدولي، وتتشابك في الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحكمها العديد من الثوابت، والمحددات، والمصالح، بغض النظر عن طبيعة الإدارة ما إذا كانت جمهورية أو ديمقراطية، ورغم أن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على المؤسسات، وليس الأفراد، فإن شخصية الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له في الإدارة تؤثر بشكل كبير في تلك السياسة، سواء من حيث التدخل، أو الانعزال، أو من حيث آلياتها ما بين استخدام الأدوات الصلبة، مثل القوة العسكرية، والعقوبات والضغوط السياسية، وبين الآليات الناعمة، مثل المساعدات، والاحتواء، والحوار، والدبلوماسية.
أمريكا المضطربة
المعركة على الولايات المتحدة 2016 تختلف عن كل المعارك الانتخابية السابقة. ففي هذه المرة سيحدث لأول مرة تصويت عكسي ، حيث سيبقى الكثير من الجمهوريين الأثرياء في البيت، أو حتى سيصوتون للمرشحة الديمقراطية. وهذه المرة كثير من الديمقراطيين الفقراء سيصوتون للمرشح الجمهوري. وفي هذه المرة كثير من العقلاء والمثقفين وأبناء الأقليات سيصوتون لكلينتون ليس عن قناعة ، ولكن انطلاقا من شعور غير مسبوق بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر. وفي هذه المرة سيصوت البيض بشكل غير مسبوق كما لو أنهم مجموعة أقلية مهددة ومجندة لصالح ترامب .
أمريكا اليوم حائرة مضطربة بين ظواهر متضاربة منها تراجع الحلم الأمريكي بسبب الرأسمالية المتوحشة ، الأمر الذي يغير العدالة الاجتماعية المطلوبة للحفاظ على المجتمع الحر والمتحد والمستقر، والذي يقدر على العمل. ووضع العمال نسبيا أسوأ مما كان عليه في عهد أيزنهاور أو نيكسون ، وأبناء الطبقة الوسطى لا يشعرون بالأمن وأن الغد سيكون أفضل من الأمس وسيكون لأبنائهم أكثر مما كان للآباء . ومنها شعور الأحقية قد أصبح أقوى من شعور الواجب. في هذه المرة: أمريكيتان مختلفتان لا تفهمان بعضهما البعض ولا تستمعان لبعضهما البعض ، ولا يتفقان في شيء إلا في أمر واحد : دعم إسرائيل المطلق ، وعداوة المسلمين الدائمة . وسواءاً ترامب أم كلينتون لا فرق بينهما في ذلك الأمر . وهذه هي أبرز حقائق السباق الانتخابي الأمريكي التي لابد أن يعيها المسلمون جيداً ، فكلينتون وترامب وجهان لعملة واحدة في يد اللوبي اليهودي ، يقلبها كيف يشاء ، ويلعب بها لصالح مكاسبه وحده فقط .
ترامب شعبية مفتعلة أم قناعة راسخة
يعتقد الكثير من المراقبين أن شعبية ترامب مفتعلة بسبب الآلة الإعلامية الجبارة التي تقف ورائه ، والدعم الصهيوني الكبير له والمتمثل في تأييد " شيلدون أديلسون " وهو يهودي أمريكي طاعن في السن ، عسا في الكراهية والبغض لكل عربي ومسلم ، وهو أحد أغنياء العالم وصاحب أكبر الكازينوهات في الولايات المتحدة الأمريكية، معروف في أمريكا باسم ملك الكازينوهات، ويعتبر عاشر أغنى رجل في العالم، حيث تبلغ قيمة ممتلكاته 37.2 مليارا سخرها لخدمة إسرائيل . فشعبية ترامب أبعد من هذه الحسابات الموسمية والهالات الإعلامية . فهي قناعات راسخة لدى شرائح ليست قليلة أو هينة في المجتمع الأمريكي تمثل الغضب الأبيض المكبوت تجاه حقبة أوباما الأسود ذي الخلفية الإسلامية ، وخطاب ترامب المليء بالبغض، والكراهية، والعنصرية، لم يكن فقط ضد المسلمين وحدهم ، بل أيضاً ضد المكسيكيين، والصينيين، والهسبانيين – ذوي الأصول الإسبانية - وشتى الأعراق والأجناس من غير العرق الأنجلو سكسونسي ، ضد اللاجئين والمهاجرين عموماً .
خطاب ترامب صنعه غلاة الجمهوريين الذين أقاموا البنية التحتية الفكرية والوعي في أوساط مؤيدي ترامب بأن أمريكا بحاجة إلى زعيم ذي نزعة قوية بعد ثماني سنوات ترأس فيها الأمة رجل ضعيف لا يرتبط بقيمها. وقد نجح غسل الدماغ على نحو جميل بين رجال اليمين المتطرف البيض الذين يصدقون هذا الأراجوز . حتى أصبح عقلاء الجمهوريون أنفسهم – من فرط عنصريته - يفضلون أن يخسروا الانتخابات للرئاسة من أن يتبنوا مرشحا عظمته في عنصريته ،و بذاءة لسانه وقدرته التي لا تكل ولا تمل على إثارة الشقاق ونشر الكراهية .
المراقبون للشأن الأمريكي بمستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، داخليا وخارجيا ، يرجعون هذه الفورة الطارئة لترامب بسبب تآكل العرق الأنجلوسكسوني ، فالديمغرافية الأمريكية تتغير بسرعة في غير صالح العرق المؤسس، وأمريكا المسيحية البيضاء تتحول إلى أقلية بصورة متسارعة ،وقد تترجمت هذه التحولات من خلال عمليتين انتخابيتين انتصر فيهما باراك أوباما، الأسود ذو الأصول الأفريقية والمسلمة. والآن يشعر العرق الأنجلوسكسوني بأنه قد حان وقت الرد. فشيء ظلامي وسيء يخرج من داخل الذاكرة الجمعية للعرق ممثلا في تأييد " ترامب"، حقد يخرج من عقول وقلوب السكان البيض والمحافظين الذين يشعرون بأنهم يفقدون السيطرة العليا على البلاد التي أسَسوها، فهم يعرفون بأن في أمريكا الجديدة لا يمكن الانتصار دون أصوات "والهسبانيين"، من ذوي الأصول الإسبانية، ودون الأغلبية في أوساط النساء؛ يعرفون بأنه انقضت الأيام التي لا يمكن فيها إلا للرجال البيض القدامى والأغنياء أن يحسموا الصناديق في أمريكا متعددة الألوان، لما ظهر ترامب بخطاباته شديدة الفجة والمتكلمة بصوت عال بما يدور في صدور وعقول " الأنجلوسكسون" سارعوا إلى تأييده .
هيلاري الحية الرقطاء
تشير المعطيات إلي أن احتمال أن تصبح هيلاري كلينتون رئيس أمريكا الـ45 هو الأقرب للواقع، وذلك لعدة أسباب، منها المزاج العام الأمريكي، الذي يريد أن يأتي بامرأة رئيسة لأمريكا، بعد أن جاء برئيس من الأقليات ومن أصول سوداء، هو أوباما، ليقدم نموذجا للعالم في الديمقراطية، ثم يعود مرة أخري إلي تقليد الرئيس الأبيض الأنجلوسكسوني، إضافة إلي أن صعود ترامب، المتهور والمثير للجدل، سوف يدفع قطاعا كبيرا من الأمريكيين، ومن الجمهوريين بشكل خاص، إلي اختيار كلينتون، ليس حبا فيها، ولكن خوف من خيار ترامب .
أما بالنسبة للمسلمين ؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها منظمة " كير " الأمريكية والتي تمثل أكبر منظمة تعنى بشئون المسلمين في أمريكا الشمالية ، أن 72% من مسلمي أمريكا سوف يصوتون لصالح كلينتون ، و4% لصالح ترامب ، و24% لا يعرفون لمن ستذهب أصواتهم ، وهذا معناه أن كلينتون هي المرشحة المفضلة لدى مسلمي أمريكا ، وليس ذلك عن قناعة بل من باب " أهون الضررين " ، فرؤية كلينتون لقضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي لا تختلف كثيراً عن رؤية ترامب ، فقط هي تقول في الغرف المغلقة ، ما يقوله ترامب أمام كاميرات التلفاز . بل إن الواقع يؤكد أن كلينتون ربما تكن أخطر بكثير من العنصري المتهور " ترامب " .
على طرف النقيض من ترامب في كل شيء ، هيلاري صاحبة الخبرة السياسية والعسكرية الطويلة التي تؤهلها عن جدارة واستحقاق لأرفع المناصب في أمريكا ، وعلى عكس ترامب الذي لديه مواقف متغيّرة وخطط سريّة مزعومة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، كلينتون لديها سجل حافل على أساسه يمكن للمرء أن يقيّم مواقفها المحتملة. باستخدام أي مقياس منطقي، يمكننا وصف كلينتون بأنها من الصقور أو المتشددين. على الرغم من أنها عارضت استخدام القوة التي تعتقد أنها كانت فكرة سيئة، إلّا أنها أيّدت باستمرار بدء حروب جديدة وتوسيع حروب أخرى .ومن يتتبع تاريخ هيلاري السياسي خلال عملها كعضو في الكونجرس ثم وزيرة للخارجية يجدها لا تقل عنصرية وراديكالية عن ترامب مع مزية الخبرة السياسية .
الأهم من ذلك أن هيلاري كلينتون لها اتصال استثنائي بالجيش من خلال الوظائف المدنية المتعددة التي شغلتها ، مما قد يجعلها على استعداد للعمل كقائد عام أكثر مما كان زوجها في عام 1993، عندما كان يجد صعوبة بالغة في قيادة الجيش. وكسيدة أولى، كانت كلينتون تتعرض بشكل روتيني لمناقشات التدخل العسكري بين كبار المسئولين، بشأن هايتي، والبوسنة، وأفغانستان، كما عملت لمدة ست سنوات في لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ وأربع سنوات كوزيرة للخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، طوّرت كلينتون علاقات وثيقة مع ضباط الجيش المتقاعدين مثل الجنرال جاك كين، الصقر العسكري الذي نادرًا ما رأي دولة لا يمكن تحسينها من خلال القوات البرية الأمريكية والغارات الجوية . قد تحدثت عن كلينتون مع حفنة من الضباط العسكريين الذين خدموا في إسلام أباد وكابول، وشاركوا بشكل روتيني في المؤتمرات معها كوزيرة للخارجية. وجميعًا وصفوها بأنها كانت المشاركة الأفضل استعدادًا في كل الاجتماعات وكانت تقرأ جميع المذكرات والتقارير التي يتم إرسالها كمادة تحضيرية. وأضافوا أنَّ كلينتون لديها فهم دقيق للعقيدة العسكرية، ومختصرات وزارة الدفاع الأمريكية، ومبادئ التخطيط العسكري ولم تكن خائفة من الضغط على كبار القادة لتوضيح مسارات العمل والهدف النهائي المقصود من أي تدخل عسكري.
والذي لابد أن يعيه المسلمون أن هناك عدداً من المصالح الأمريكية في قلب العالم الإسلامي ، تشكل ثوابت السياسة الأمريكية، وتمثل استمرارية في تلك السياسة، بغض النظر عن كون الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، أبرزها : حماية أمن الكيان الصهيوني ، والذي يعد عنصرا ثابتا في أجندة السياسة الأمريكية لا يختلف باختلاف الحكومات المتعاقبة ، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، حيث استمر الدعم الأمريكي لإسرائيل على مدي السنوات المختلفة، ومنذ إنشائها عام 1948، وإبان حرب أكتوبر 1973، ثم الدخول كطرف أساسي في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل كراع للسلام في المنطقة. بل كانت الصراعات العراقية - الأمريكية في جزء منها بسبب الرغبة الأمريكية في الحفاظ على التفوق الإسرائيلي على جميع الدول العربية. ولذا، تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل، تجعلها تحتل المرتبة الأولي في الدول المستقبلة للمساعدات العسكرية الأمريكية الخارجية، وذلك لضمان تفوقها العسكري. كما تساند الولايات المتحدة إسرائيل على المستويين السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن الدولي، حيث استخدمت أمريكا حق النقض "الفيتو" عشرات المرات ضد أية مشروعات قرارات في المجلس تدين إسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. كما يلعب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة دورا مهما في حشد دعم الإدارة الأمريكية ، لذلك حرصت على منع حصول العالم الإسلامي ودول المنطقة العربية على أسلحة الدمار الشامل في ، لما في ذلك من تهديد لحليفتها إسرائيل، وتحت ذريعة منع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة ، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، وتدمير قوته العسكرية التي كانت تمثل تهديداً محتملاً على ربيبتها ؛ إسرائيل .
أيًا كان مَن سيُنتخب يوم 8 نوفمبر القادم، سيكون رئيسًا يميل إلى الحرب على العالم الإسلامي منذ اليوم الأول، مع السلطة والاستقلالية لتنفيذ البرامج المزعزعة للاستقرار، وهجمات الطائرات بدون طيار، وغارات العمليات الخاصة وتعميق التدخلات العسكرية في أقاليم العالم الإسلامي ، سيجد المسلمون أنفسهم في النهاية الخاسر الوحيد من الانتخابات الأمريكية
[/align]
خيرت بين أمرين ضاع الحزم بينهما
إما صغار ، وإما فتنة عمم
وقد هممت مراراً أن أساقيهم
كأس المنية لولا الله والرحم
تذكرت هذه الأبيات ، وأنا أتابع ترقب العالم والأمريكيين سباق الانتخابات الجارية لاختيار رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية خلفًا للرئيس الحالي باراك أوباما بعد انقضاء فترته الرئاسية. السباق كان على أشده منذ البداية ووصل اليوم إلى المرحلة الأخيرة التي سيضخ فيها كلا المتنافسين المنتخبين من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة جهودهما للفوز بلقب الرئيس الأمريكي الجديد . وكما جرت العادة فإن التنافس بين الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري يركز على درجة التأثير في الرأي العام وكسب الأصوات التي تدعم مشاريعهم الانتخابية، وعلى عكس التوقعات في بداية انطلاق هذه المنافسة، فقد صعد الملياردير الأمريكي دونالد ترامب بقوة ، وتبدلت حظوظه مع البروز المريب لقضية البريد الإلكتروني لكلينتون والذي أدى إلى تضايق الفارق بين المرشحين لأدنى مستوياته ، بعد أن كان الفوز شبه مضمون لكلينتون في الأسابيع الأخيرة .
وتكتسب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي تجري كل أربعة أعوام، أهمية كبيرة، نظرا لأن الولايات المتحدة لا تزال تقف على رأس هرم النظام الدولي، وتتشابك في الكثير من أزماته وتفاعلاته، ومنها منطقة الشرق الأوسط. ورغم أن السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط تحكمها العديد من الثوابت، والمحددات، والمصالح، بغض النظر عن طبيعة الإدارة ما إذا كانت جمهورية أو ديمقراطية، ورغم أن عملية صنع السياسة الخارجية الأمريكية تقوم على المؤسسات، وليس الأفراد، فإن شخصية الرئيس الأمريكي والفريق الرئاسي المعاون له في الإدارة تؤثر بشكل كبير في تلك السياسة، سواء من حيث التدخل، أو الانعزال، أو من حيث آلياتها ما بين استخدام الأدوات الصلبة، مثل القوة العسكرية، والعقوبات والضغوط السياسية، وبين الآليات الناعمة، مثل المساعدات، والاحتواء، والحوار، والدبلوماسية.
أمريكا المضطربة
المعركة على الولايات المتحدة 2016 تختلف عن كل المعارك الانتخابية السابقة. ففي هذه المرة سيحدث لأول مرة تصويت عكسي ، حيث سيبقى الكثير من الجمهوريين الأثرياء في البيت، أو حتى سيصوتون للمرشحة الديمقراطية. وهذه المرة كثير من الديمقراطيين الفقراء سيصوتون للمرشح الجمهوري. وفي هذه المرة كثير من العقلاء والمثقفين وأبناء الأقليات سيصوتون لكلينتون ليس عن قناعة ، ولكن انطلاقا من شعور غير مسبوق بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر. وفي هذه المرة سيصوت البيض بشكل غير مسبوق كما لو أنهم مجموعة أقلية مهددة ومجندة لصالح ترامب .
أمريكا اليوم حائرة مضطربة بين ظواهر متضاربة منها تراجع الحلم الأمريكي بسبب الرأسمالية المتوحشة ، الأمر الذي يغير العدالة الاجتماعية المطلوبة للحفاظ على المجتمع الحر والمتحد والمستقر، والذي يقدر على العمل. ووضع العمال نسبيا أسوأ مما كان عليه في عهد أيزنهاور أو نيكسون ، وأبناء الطبقة الوسطى لا يشعرون بالأمن وأن الغد سيكون أفضل من الأمس وسيكون لأبنائهم أكثر مما كان للآباء . ومنها شعور الأحقية قد أصبح أقوى من شعور الواجب. في هذه المرة: أمريكيتان مختلفتان لا تفهمان بعضهما البعض ولا تستمعان لبعضهما البعض ، ولا يتفقان في شيء إلا في أمر واحد : دعم إسرائيل المطلق ، وعداوة المسلمين الدائمة . وسواءاً ترامب أم كلينتون لا فرق بينهما في ذلك الأمر . وهذه هي أبرز حقائق السباق الانتخابي الأمريكي التي لابد أن يعيها المسلمون جيداً ، فكلينتون وترامب وجهان لعملة واحدة في يد اللوبي اليهودي ، يقلبها كيف يشاء ، ويلعب بها لصالح مكاسبه وحده فقط .
ترامب شعبية مفتعلة أم قناعة راسخة
يعتقد الكثير من المراقبين أن شعبية ترامب مفتعلة بسبب الآلة الإعلامية الجبارة التي تقف ورائه ، والدعم الصهيوني الكبير له والمتمثل في تأييد " شيلدون أديلسون " وهو يهودي أمريكي طاعن في السن ، عسا في الكراهية والبغض لكل عربي ومسلم ، وهو أحد أغنياء العالم وصاحب أكبر الكازينوهات في الولايات المتحدة الأمريكية، معروف في أمريكا باسم ملك الكازينوهات، ويعتبر عاشر أغنى رجل في العالم، حيث تبلغ قيمة ممتلكاته 37.2 مليارا سخرها لخدمة إسرائيل . فشعبية ترامب أبعد من هذه الحسابات الموسمية والهالات الإعلامية . فهي قناعات راسخة لدى شرائح ليست قليلة أو هينة في المجتمع الأمريكي تمثل الغضب الأبيض المكبوت تجاه حقبة أوباما الأسود ذي الخلفية الإسلامية ، وخطاب ترامب المليء بالبغض، والكراهية، والعنصرية، لم يكن فقط ضد المسلمين وحدهم ، بل أيضاً ضد المكسيكيين، والصينيين، والهسبانيين – ذوي الأصول الإسبانية - وشتى الأعراق والأجناس من غير العرق الأنجلو سكسونسي ، ضد اللاجئين والمهاجرين عموماً .
خطاب ترامب صنعه غلاة الجمهوريين الذين أقاموا البنية التحتية الفكرية والوعي في أوساط مؤيدي ترامب بأن أمريكا بحاجة إلى زعيم ذي نزعة قوية بعد ثماني سنوات ترأس فيها الأمة رجل ضعيف لا يرتبط بقيمها. وقد نجح غسل الدماغ على نحو جميل بين رجال اليمين المتطرف البيض الذين يصدقون هذا الأراجوز . حتى أصبح عقلاء الجمهوريون أنفسهم – من فرط عنصريته - يفضلون أن يخسروا الانتخابات للرئاسة من أن يتبنوا مرشحا عظمته في عنصريته ،و بذاءة لسانه وقدرته التي لا تكل ولا تمل على إثارة الشقاق ونشر الكراهية .
المراقبون للشأن الأمريكي بمستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، داخليا وخارجيا ، يرجعون هذه الفورة الطارئة لترامب بسبب تآكل العرق الأنجلوسكسوني ، فالديمغرافية الأمريكية تتغير بسرعة في غير صالح العرق المؤسس، وأمريكا المسيحية البيضاء تتحول إلى أقلية بصورة متسارعة ،وقد تترجمت هذه التحولات من خلال عمليتين انتخابيتين انتصر فيهما باراك أوباما، الأسود ذو الأصول الأفريقية والمسلمة. والآن يشعر العرق الأنجلوسكسوني بأنه قد حان وقت الرد. فشيء ظلامي وسيء يخرج من داخل الذاكرة الجمعية للعرق ممثلا في تأييد " ترامب"، حقد يخرج من عقول وقلوب السكان البيض والمحافظين الذين يشعرون بأنهم يفقدون السيطرة العليا على البلاد التي أسَسوها، فهم يعرفون بأن في أمريكا الجديدة لا يمكن الانتصار دون أصوات "والهسبانيين"، من ذوي الأصول الإسبانية، ودون الأغلبية في أوساط النساء؛ يعرفون بأنه انقضت الأيام التي لا يمكن فيها إلا للرجال البيض القدامى والأغنياء أن يحسموا الصناديق في أمريكا متعددة الألوان، لما ظهر ترامب بخطاباته شديدة الفجة والمتكلمة بصوت عال بما يدور في صدور وعقول " الأنجلوسكسون" سارعوا إلى تأييده .
هيلاري الحية الرقطاء
تشير المعطيات إلي أن احتمال أن تصبح هيلاري كلينتون رئيس أمريكا الـ45 هو الأقرب للواقع، وذلك لعدة أسباب، منها المزاج العام الأمريكي، الذي يريد أن يأتي بامرأة رئيسة لأمريكا، بعد أن جاء برئيس من الأقليات ومن أصول سوداء، هو أوباما، ليقدم نموذجا للعالم في الديمقراطية، ثم يعود مرة أخري إلي تقليد الرئيس الأبيض الأنجلوسكسوني، إضافة إلي أن صعود ترامب، المتهور والمثير للجدل، سوف يدفع قطاعا كبيرا من الأمريكيين، ومن الجمهوريين بشكل خاص، إلي اختيار كلينتون، ليس حبا فيها، ولكن خوف من خيار ترامب .
أما بالنسبة للمسلمين ؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها منظمة " كير " الأمريكية والتي تمثل أكبر منظمة تعنى بشئون المسلمين في أمريكا الشمالية ، أن 72% من مسلمي أمريكا سوف يصوتون لصالح كلينتون ، و4% لصالح ترامب ، و24% لا يعرفون لمن ستذهب أصواتهم ، وهذا معناه أن كلينتون هي المرشحة المفضلة لدى مسلمي أمريكا ، وليس ذلك عن قناعة بل من باب " أهون الضررين " ، فرؤية كلينتون لقضايا الشرق الأوسط والعالم الإسلامي لا تختلف كثيراً عن رؤية ترامب ، فقط هي تقول في الغرف المغلقة ، ما يقوله ترامب أمام كاميرات التلفاز . بل إن الواقع يؤكد أن كلينتون ربما تكن أخطر بكثير من العنصري المتهور " ترامب " .
على طرف النقيض من ترامب في كل شيء ، هيلاري صاحبة الخبرة السياسية والعسكرية الطويلة التي تؤهلها عن جدارة واستحقاق لأرفع المناصب في أمريكا ، وعلى عكس ترامب الذي لديه مواقف متغيّرة وخطط سريّة مزعومة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، كلينتون لديها سجل حافل على أساسه يمكن للمرء أن يقيّم مواقفها المحتملة. باستخدام أي مقياس منطقي، يمكننا وصف كلينتون بأنها من الصقور أو المتشددين. على الرغم من أنها عارضت استخدام القوة التي تعتقد أنها كانت فكرة سيئة، إلّا أنها أيّدت باستمرار بدء حروب جديدة وتوسيع حروب أخرى .ومن يتتبع تاريخ هيلاري السياسي خلال عملها كعضو في الكونجرس ثم وزيرة للخارجية يجدها لا تقل عنصرية وراديكالية عن ترامب مع مزية الخبرة السياسية .
الأهم من ذلك أن هيلاري كلينتون لها اتصال استثنائي بالجيش من خلال الوظائف المدنية المتعددة التي شغلتها ، مما قد يجعلها على استعداد للعمل كقائد عام أكثر مما كان زوجها في عام 1993، عندما كان يجد صعوبة بالغة في قيادة الجيش. وكسيدة أولى، كانت كلينتون تتعرض بشكل روتيني لمناقشات التدخل العسكري بين كبار المسئولين، بشأن هايتي، والبوسنة، وأفغانستان، كما عملت لمدة ست سنوات في لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ وأربع سنوات كوزيرة للخارجية. وبالإضافة إلى ذلك، طوّرت كلينتون علاقات وثيقة مع ضباط الجيش المتقاعدين مثل الجنرال جاك كين، الصقر العسكري الذي نادرًا ما رأي دولة لا يمكن تحسينها من خلال القوات البرية الأمريكية والغارات الجوية . قد تحدثت عن كلينتون مع حفنة من الضباط العسكريين الذين خدموا في إسلام أباد وكابول، وشاركوا بشكل روتيني في المؤتمرات معها كوزيرة للخارجية. وجميعًا وصفوها بأنها كانت المشاركة الأفضل استعدادًا في كل الاجتماعات وكانت تقرأ جميع المذكرات والتقارير التي يتم إرسالها كمادة تحضيرية. وأضافوا أنَّ كلينتون لديها فهم دقيق للعقيدة العسكرية، ومختصرات وزارة الدفاع الأمريكية، ومبادئ التخطيط العسكري ولم تكن خائفة من الضغط على كبار القادة لتوضيح مسارات العمل والهدف النهائي المقصود من أي تدخل عسكري.
والذي لابد أن يعيه المسلمون أن هناك عدداً من المصالح الأمريكية في قلب العالم الإسلامي ، تشكل ثوابت السياسة الأمريكية، وتمثل استمرارية في تلك السياسة، بغض النظر عن كون الإدارة ديمقراطية أو جمهورية، أبرزها : حماية أمن الكيان الصهيوني ، والذي يعد عنصرا ثابتا في أجندة السياسة الأمريكية لا يختلف باختلاف الحكومات المتعاقبة ، سواء الديمقراطية أو الجمهورية، حيث استمر الدعم الأمريكي لإسرائيل على مدي السنوات المختلفة، ومنذ إنشائها عام 1948، وإبان حرب أكتوبر 1973، ثم الدخول كطرف أساسي في مفاوضات السلام بين العرب وإسرائيل كراع للسلام في المنطقة. بل كانت الصراعات العراقية - الأمريكية في جزء منها بسبب الرغبة الأمريكية في الحفاظ على التفوق الإسرائيلي على جميع الدول العربية. ولذا، تقدم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية سنوية لإسرائيل، تجعلها تحتل المرتبة الأولي في الدول المستقبلة للمساعدات العسكرية الأمريكية الخارجية، وذلك لضمان تفوقها العسكري. كما تساند الولايات المتحدة إسرائيل على المستويين السياسي والدبلوماسي في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن الدولي، حيث استخدمت أمريكا حق النقض "الفيتو" عشرات المرات ضد أية مشروعات قرارات في المجلس تدين إسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني. كما يلعب اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة دورا مهما في حشد دعم الإدارة الأمريكية ، لذلك حرصت على منع حصول العالم الإسلامي ودول المنطقة العربية على أسلحة الدمار الشامل في ، لما في ذلك من تهديد لحليفتها إسرائيل، وتحت ذريعة منع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة ، قامت الولايات المتحدة بغزو العراق، وتدمير قوته العسكرية التي كانت تمثل تهديداً محتملاً على ربيبتها ؛ إسرائيل .
أيًا كان مَن سيُنتخب يوم 8 نوفمبر القادم، سيكون رئيسًا يميل إلى الحرب على العالم الإسلامي منذ اليوم الأول، مع السلطة والاستقلالية لتنفيذ البرامج المزعزعة للاستقرار، وهجمات الطائرات بدون طيار، وغارات العمليات الخاصة وتعميق التدخلات العسكرية في أقاليم العالم الإسلامي ، سيجد المسلمون أنفسهم في النهاية الخاسر الوحيد من الانتخابات الأمريكية
[/align]