العافية النعمة العظيمة الوافية

أ.د. صالح بن فريح البهلال
1442/05/22 - 2021/01/06 20:11PM

 

 

الحمد لله الملك القهار ، العزيز الجبار ، وأشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الغفار ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين الأبرار ، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار، ومن تبعهم بإحسان إلى دار القرار، أما بعد:

فاتقوا الله ـ عباد الله ـ [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ].

 معشر المؤمنين: نعمة عظيمة، ومنة من الله جسيمة، ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لم يؤت أحد بعد اليقين أفضلَ منها، تستحقُّ منّا التأمُّلَ والنَّظر، والتبصرَ وإعمالَ الفِكَر، ألا وهي العافية، فهل تأملنا في هذه النعمة، وهل تفكرنا في هذه المنة؟ 

 

 سأل العباسُ بنُ عبد المطلب ـ رضي الله عنه ـ رسولَ الله ^، فقال: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله ـ عز وجل ـ قال: «سل الله العافية» فمكث العباس أياماً، ثم جاء فقال: يا رسول الله علمني شيئاً أسأله الله، فقال لي: «يا عباس، يا عم رسول الله، سل الله العافية في الدنيا والآخرة» أخرجه الترمذي. 

ويقول أبو العالية: أكثر ما كنت أسمع عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول: (اللهم عافنا، واعف عنا).

ولذا قال الشوكاني: (الدعاء بالعافية أفضل من غيره من الأدعية؛ لاشتماله على جلب كل نفع، ودفع كل ضر).

أيها المؤمنون: من رزق العافية، فقد أوتي خيراً عظيماً، وهدي صراطاً مستقيماً.

إذا عافاك الله في دينك سلمت من فتن الشبهات، ونجوت من فتن الشهوات، وصرت معتزاً بالحق ولو قل أنصاره، ولم تتأثر بالباطل ولو اشتد أواره؛ فإذا ابتلي العبد في دينه، زين له سوءُ عمله، فصار الباطل عنده حقاً، وصار الدين عنده قَيداً وغِلاً، فضل سعيه في الحياة الدنيا، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.

وإذا عافاك الله في دنياك، يسر لك شؤون حياتك، وستر عوراتك، وأمَّن روعاتك، وسلَّمك من فجاءة النقمة والحوادث، ومن شر الفواجع والكوارث؛ فإن ابتليت في دنياك صرت كثير النكبات، دائم الحسرات.

وإذا وضع الله العافية في مالك كفَى الحاجات، واستعصى على الآفات، وإذا نزعت منه العافية كان عليك وبالاً، تعاني فيه نصباً,، وتلقى فيه تعباً، ولا يزيدك كثرته إلا قلقاً.

وإذا وضع الله العافية في جسمك، عشت في سلام، ووقيت  الآفاتِ والأسقام، واستطبت تناول الطعام.

وإذا عوفيت مع الناس، سلمت من أذاهم، ونلت مودتهم ورضاهم، وإلا كنت بهم مبتلى، فعشت معهم في شقاء، وكنت معهم في محنة وبلاء. 

وإذا كانت العافية في أهلك، صاروا لك بهجة وسروراً، وإذا ابتليت بهم لقيت فيهم شروراً ، ودعوت فيهم ثبوراً.

وإذا عوفيت بعد الموت أمنت من الفتان في قبرك، وأتيت آمناً يوم القيامة.

فما أجمل العافية ـ عباد الله ـ وما أكثر بركاتها، وما أحلى ثمراتها، ومع ذلك يغفل كثير منا عن أسباب حصولها، وطرق بلوغها،  وإن خير سبيل لاستجلابها هو تمثل الهدي النبوي في سؤال الله العافية؛ إذ سؤال الله العافية حاضر كثيراً في الأدعية النبوية؛ فهو من أشهر الأدعية، وأكثرها وروداً في السنة؛ فإليكم بعضاً مما ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك:

فقد أمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أوى إلى منامه أن يقول: (اللهم خلقت نفسي وأنت توفاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها، وإن أمتها فاغفر لها، اللهم إني أسألك العافية) ونُدب المستيقظُ من النوم أن يقول: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد علي روحي، وأذن لي بذكره).

ولم يكن ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدع هؤلاء الدعوات حين يصبح وحين يمسي، وهي: (اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي)، وكذلك يقول ثلاثاً حين يصبح ويمسي: (اللهم عافني في بدنى،  اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصرى، لا إله إلا أنت).

وسأله ـ مرة ، شَكَل بنُ حميد، فقال: يا رسول الله، علمنى دعاء أنتفع به. قال: «قل: اللهم عافني من شر سمعي وبصري ولساني وقلبي وشر منيي».

 وجاءه رجل فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربى؟ قال: «قل اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني» ثم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك».

وكان الرجل إذا أسلم علمه النبى - صلى الله عليه وسلم- الصلاة ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني» .

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو في سجوده في قيام الليل فيقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك..» وجاء عنه أنه يقوله في آخر وتره.

اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم عافنا من الشرور والآفات، وأعنا على فعل الخيرات، وترك المنكرات.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله لي ولكم ؛ فاستغفروه إنه كان غفاراً .

الخطبة الثانية

الحمدلله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبه.... أما بعد:

فمن دعواته ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طلب العافية أنه علَّم الحسنَ بن علي ـ رضي الله عنهما ـ أن يقول في دعائه: (اللهم عافني فيمن عافيت).

وكان  ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستعيذ بالله من تحول العافية فيقول: (وأعوذ بك من تحول عافيتك).

وكان يرشد من رأى مبتلى، أن يقول: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا)، وأخبر أن من قاله لم يصبه ذلك البلاء.

وبعد يا عباد الله فإن دعاءً كان نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ به حفياً، وكان محافظاً عليه عند منامه، وعند استيقاظه، وفي صباحه، وفي مسائه، وفي صلاته،  وفي عامة حياته لحقيق بالمسلم أن يجعله بين عينيه، وأن يحفظه، ويحافظ عليه، وأن يعلمه أهله وذويه؛ فيدرك بذلك سعادة الدنيا وفوز الآخرة.

 

المشاهدات 2202 | التعليقات 3

لله درك ياشيخنا ع تلك الخطبة 


    !كثيرةٌ هي خُطَبُ العافية وأهميتها كتب اللهُ أجور أصحابها , لكن هذه الخُطبةُ شقّت طريقها إلى القلب , لا حرمك اللهُ ثوابها وثواب نقلِها  


ما شاء الله تبارك الرحمن 
لو انها مشكلة