العادِلون والظالِمون

راشد بن عبد الرحمن البداح
1446/03/30 - 2024/10/03 09:51AM

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ اَلشَّاكِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ إِلَهُ اَلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهْ وَرَسُولُهُ رَسُولُ رَبِّ اَلْعَالَمَيْنِ، صَلَّى اَللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اَللَّهَ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).

يَا عَبدَ اللهِ: أَبْشِرْ! أَبْشِرْ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ اَلْكَرَامَةِ، أَبْشِرْ وَتَخَيَّلْأنَّكَ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اَلرَّبِّ عَلَى مِنْبَرٍ يَشِعُّ نُورًا. اَللَّهُ أَكْبَرُ! مَنْ هَؤُلَاءِ اَلسُّعَدَاءِ؟! إِنَّهُمُ اَلَّذِينَ قَالَ عَنْهُمْ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اَلْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اَللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ اَلرَّحْمَنِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، اَلَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوْا(). أَيْ يَعْدِلُونَ فِيمَا تَوَلَّوْا، كَالْأَمِيرِ فِي إِمَارَتِهِ، وَالْمُدِيرِ فِي إِدَارَتِهِ، وَكَالزَّوْجِ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ زَوْجَاتِهِ، وَالْأَبِ مَعَ أَوْلَادِهِ وَبَنَاتِهِ، بَلْ حَتَّى اَلرَّاعِيْمَعَ بَهَائِمِهِ، بَلْ مَعَ عَدُوِّكَ الكَاشِرِ: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ‌اعْدِلُوا ‌هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى).

وَمِنَ اَلْعَدْلِ اَلْمَأْمُورِ بِهِ عَدْلُكَ مَعَ وَلَدِكَ، فَقَدْ قَالَ اَلنَّبِيُّ -صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اتَّقُوا اللَّهَ ‌وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ. اعْدِلُوا سَوَاءٌ في أَدَاءِالحُقُوقِ، أَوْ في إعْطَاءِ العَطَايَا، فَإنْ ظَلَمْتَ فَإنَّكَ مَسْؤُوْلٌ يَوْمَالقِيَامَةِ. فَقَدْ قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا ‌اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ().

وَمِمَّا يُخَالِفُ مُقْتَضَى هَذَا اَلْحَدِيثِ اَلْمُخِيفِ مَنْ يَخُصُّ بَعْضَ أَوْلَادِهِ بِهِبَاتٍ وَأُعْطِيَاتٍ، وَقَدْ يَحْرِمُ أَوْلَادَ إِحْدَى زَوْجَتَيْهِ دُونَ أَوْلَادِ اَلْأُخْرَى، وَهَذَا سَيَرْتَدُّ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اَلْمَحْرُومَ فِي كَثِيرٍ مِنْ اَلْأَحْيَانِ لَا يَبَرُّ بِأَبِيهِ مُسْتَقْبَلاً. فَرَحِمَ اَللَّهُ وَالِدَاً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ.

وَمِنَ اَلْعَدْلِ اَلْوَاجِبِ أَنَّكَ مَأْمُورٌ بِالْعَدْلِ مَعَ زَوْجَتِكَ، أَوْ زَوْجَاتِكَ إِذَا كُنْتُ مُعَدِّدًا. وَلَا تَمِلْ إِلَى وَاحِدَةٍ دُوْنَ أُخْرَى، كالتَّضْيِيقِ عَلَيْهَا فِي النَّفَقَةِ الْوَاجِبَةِ، بِحُجَّةِ أَنَّهَا مُوَظَّفَةٌ، ومِنَ الدنَاءَةِ الطَمَعُ بِرَاتِبِهَا:(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) أَيْ: لَا تُضَارُّوهُنَّ عِنْدَ سُكْنَاهُنَّ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَمْلَلْنَ، فَيَخْرُجْنَ مِنَ الْبُيُوتِ.

وَمِنْ صُوَرِ ظُلْمِ الزَّوْجَةِ: المُكُوثُ فَتَرَاتٍ طَوِيلَةً خَارِجَ الْبَيْتِ، أو تَرْكُزَوْجَتِهِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا دُونَ سُؤَالٍ عَنْهَا، أو يَهْجُرُهَا هَجْرًا طَوِيلًا، فَيَذَرُهَا كَالمُعَلَّقَةِ. وَرَبُّنا يَقُولُ: فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.

 وأمَّا الزَّوْجَاتُ الظالِمَاتُ؛ فمِنْهُنَّ الناشِزَاتُ العَاصِيَاتُ، ومِنْهُنَّالمُرْهِقَاتُ بِالطَلَبَاتِ، ومِنْهُنَّ المُتَأثِّرَاتُ بِالمَشْهُورَاتِ، ومِنْهُنَّالمُخَالِعَاتُ بِدَعْوَى الحُرِّيَّةِ والِاسْتِقْلَالِ، ثُمَّ إِذَا عَاشَتْ أَشْهُرًا فِي هَذَا التِّيهِ أَفَاقَتْ مِنْ سَكْرَتِهَا، وَإِذَا زَوْجُهَا قَدْ تَزَوَّجَ بأُخْرَى. وَالضَّحِيَّةُ الْكُبْرَى هُمُ الأَطْفَالُ.

ومُخالَعَةُ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ صَحِيْحٍ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَهُوَ كَطَلَبِهَا الطَّلَاقَ بِلَا سَبَبٍ مَقْبُولٍ. وقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

أَيُّهَا الأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ: لَا تَخْلَعُوا لِبَاسَكُمْ، فَمَا مَشى بَينَالأنامِ عاقِلٌ بِغَيْرِ لِبَاسٍ: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) فَلا تَخْلَعُوا لِبَاسَكُمْ.

الحَمْدُ للهِ اللطيفِ الخبيرِ، وصَلَّى اللهُ وسلمَ على البَشيرِ النذِيرِ. أمَّا بعدُ:

فَإِلَى كُلِّ ظَالِمٍ آذَى عِبَادَ اَللَّهِ وَظَلَمَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ، مِنْ مُوَظَّفٍ أَوْ عَامِلٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ: ضَعْ نُصْبَ عَيْنَيْكَ هَذِهِ اَلْكَلِمَةَ: إِذَا دَعَتْكَ قُدْرَتُكَ إِلَى ظُلْمِ اَلنَّاسِ؛ فَاذْكُرْ قُدْرَةَ اَللَّهِ عَلَيْكَ. تَذَكَّرْ أَنَّ مِنْ وَرَائِكَ يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرَاً، تَمْثُلُ فِيهِ بَيْنَ يَدَيِ اَلْحَكَمِ اَلْعَدْلِ، وَيُقَالَ لِلْمَظْلُومِ: اِقْتَصَّ مِنْ ظَالِمِكَ، وَالْقِصَاصُ يَكُونُ بِأَخْذِ حَسَنَاتِ اَلظَّالِمِ اَلَّتِي عَمِلَهَا، فَإِنْ ‌فَنِيَتْ ‌حَسَنَاتُهُ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَا المَظْلُومِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ!.

فَيَا مَنْ ظَلَمَ غَيْرَهُ:

تَنَامُ عَيْنُكَ ‌وَالْمَظْلُومُ ‌مُنْتَبِهٌ … يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ

أَيُّهَا اَلْمَظْلُومُ: حَسْبُكَ أَنْ تَقُولَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، أَيْ كَافِيْنِي هَذِهِ اَلْمَظْلَمَةَ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ اَلدُّعَاءِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْوِيضُ اَلْأَمْرِ لِلَّهِ -جَلَّ وَعَلَا-، وَأَنْتَ لَكَ اَلْخِيَارُ، لَكَ أَنْ تَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَكَ، وَلَكَ أَنْ تَعْفُوَ عَنْهُ: (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها ‌فَمَنْ ‌عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ).

وَمَعَ كُلِّ هَذَا فيُقَالُ لكُلِّ ظالِمٍ: رَحْمَةُ اَللَّهِ وَاسِعَةٌ، وَبَابُ اَلرَّجَاءِ قَدْ فَتَحَهُ اَللَّهُ لِعِبَادِهِ حِينِ قَالَ: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اَللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اَللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فَلْنَتَدَارَكْ، وَلْنُرْضِ مَنْ أَغْضَبْنَاهُ، وَلْنَتَحَلَّلْ مِمَّنْ ظَلَمْنَاهُ، وَلِنُرْجَعِ اَلْمَظَالِمَ لِأَهْلِهَا، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ القِصَاصُ بِالْحَسَنَاتِ،وَهُنَاكَ يَكُونُ اَلْإِفْلَاسُ حَقًّا.

• فاللهمَّ يا قويُّ يا عزيزُ يا مَن أقسمتَ بعزتِك وجلالِك انصرْ كل مظلومٍ، واهْدِ كلَّ ظالمٍ.
• اللهم انتصِرْ للمظلومينَ من المسلمينَ في فِلَسطِينَ.
• اللهم أعنَّا والمسلمينَ على ما نطيقُ، واكفِنا ما لا نُطيقُ.
• اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ.
• اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ كَمَا هَدَيْتَنا لِلإِسْلاَمِ أَنْ لاَ تَنْزِعَهُ مِنّا حَتَّى تَتَوَفَّانا وَنحن مُسْلِمونَ.
• اللهم لكَ الحمدُ على الأمنِ والإيمانِ، وعلى الإغداقِ بالأرزاقِ.
• اللهم اخصصْ بتوفيقِكَ وتسديدِكَ إمامَنا الملكَ سلمانَ ووليَ عهدِهِ. اللهم افرُج لهم في المضائقِ، واكشِف لهم وجوهَ الحقائقِ، وأعِنهم ببطانةٍناصحةٍ صادقةٍ، واحفظنا وجنودَنا وحدودَنا.
اللهم صلِ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

المرفقات

1727938284_‎⁨العادلون والظالمون⁩.docx

1727938285_‎⁨العادلون والظالمون⁩.pdf

المشاهدات 876 | التعليقات 0