الطوفان

[font="] [/font][font="] [/font][font="] الخطبة الأولى: الطّـــوفان[/font]
[font="] [/font]
[font="]إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نتوب إليه، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، و أشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده و سوله اللهمّ فصلّ و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه أجمعين.. أمّا بعد، [/font]
[font="]ذكرنا في الخطبة الماضية أنّ نوحا دعا ربّه بأن يهلك قومه فاستجاب الله تعالى دعاءه فأرسل من السماء مطرا غزيرا لن تعهده الأرض من قبل، و أمر الأرض بأن تتفجّر منها المياه من سائر أرجائها، فاجتمع ماء السماء و ماء الأرض ليحصل من جرّاء ذلك الطوفان العظيم الذي قدّره الله لهلاك الكافرين، مهيّئا سبيل النجاة لنوح و من آمن معه على السفينة التي سارت بحفظ الله و رعايته، و هذا ما ذكره الحقّ سبحانه في محكم التنزيل: " فَدَعَا ربَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتَصِرْ * فَفَتَحْنا أَبْوَابَ السماء بماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَ فَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا فالْتَقَى الماءُ على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * و حَمَلْناهُ على ذاتِ أَلْواحٍ و دُسِرٍ * تَجْري بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كان كُفِرَ ".[/font][font="] [/font][font="]( سورة القمر الآيات: 10/14 )[/font][font="]. . [/font][font="]قوله تعالى ذات ألواح و دسر: يعني بذلك السفينة التي يشدّ ألواحها مسامير أو خيوط من ليف.. و قوله تجري بأعيننا: أي تجري فوق الطوفان في حفظنا و رعايتنا..[/font]
[font="]* غرق ابن نوح:[/font][font="] [/font][font="]و تذكّر نوح عليه السلام في بدء الطوفان ابنه الضال فدفعته عاطفة الأبوّة أن يناديه ليركب في السفينة مع سائر أهله، و كان لإصراره على الكفر بمعزل عنهم، قال تعالى:[/font][font="] " [/font][font="]وهي تجري بهم في موجٍ كالجبال و نادي نوحٌ ابنه و كان في معزل يا بُنيَّ اركب معنا و لا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبلٍ يعْصِمني من الماء قال لا عاصم اليوم مِنْ أًَمْرِ الله إلاّ مَنْ رَحِمَ و حال بينهما الموجُ فكان من المُغْرَقين ".[/font][font="] [/font][font="]( سورة هود الآيات: 42/44 )[/font][font="].[/font]
[font="]* نوح يطلب لابنه النجاة[/font][font="]: [/font][font="]ثارت الشفقة في قلب نوح على ابنه فسأل ربّه ضارع أن ينجّي ابنه، ألم يعده ربّه من قبل بأنّه سينجيه مع أهله ؟ و ابنه من أهله، و الله تعالى إذا وعد وفى وهو أعدل الحاكمين..[/font]
[font="]فأجاب الله تعالى نوحا[/font][font="]: بأنّ ابنه الكافر ليس من أهله الذين وعدهم بالنجاة لأنّه لم يؤمن بل أصرّ على الكفر، و قد عمل أعمالا غير صالحة، و نهى الله تعالى نوحا أن سيطلب طلبا إلاّ إذا كان على يقين أنّه حقٌّ و صواب، كما نهاه أن يكون من زمرة الجاهلين الذين يشفعون لمن يستحقّ عقاب الله سبحانه و لو كان المجرم ابنه، و يَدَعُونَ شفقة الأبوّة تتغلّب على حكم الله تعالى.. ندم نوح على ما صدر منه و اعترف بذنبه قائلا: إنّي أعتصم بك يا ربّ و أحْتمي بك أن أسألك بعد الآن ما لا يرضيك، و إن لم تتفضّل عليّ بمغفرتك و ترحمني بفضلك أكن في عداد الخاسرين. قال الحقّ تبارك و تعالى:[/font][font="] [/font][font="]" و نادى نوحٌ رَبَّهُ فقال رَبِّ إنَّ ابني من أهلي و إِنَّ وَعْدَكَ الحَقُّ و أنت أَحْكَمُ الحاكِمينَ * قال يا نوحُ إِنَّهُ ليس من أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فلا تَسْأَلْنِ ما ليْسَ لك به عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تكون من الجاهلينَ * قال ربِّ إِنِّي أَعُوذُ بك أَنْ أَسْأَلُكَ ما ليس لي به عِلْمٌ و إِلاَّ تَغْفِرْ لي و تَرْحَمْني أَكُنْ من الخاسرين ".[/font][font="] [/font][font="]( سورة هود الآيات: 45/47 )[/font][font="]... [/font][font="]قوله: إنه عمل غير صالح: هذا جواب الله تعالى على دعاء نوح لابنه بالنجاة و فيه إيماء أنّه لا يجوز في الدّعاء طلب ما هو مخالف لسنن الله في خلقه و لا بطلب ما هو محرّم شرعا.[/font][font="][/font]
[font="]* انتهاء الطــوفان: [/font][font="]و لمّا هلك الكفار من تأثير الطوفان أمر الله الأرض بأن تبلع ماءها، و أمر السماء بأن تقلع و تكفّ عن المطر، فانحسر الماء عن الأرض بعد أن قضى الله بهلاك الظالمين، و استوت السفينة راسية عند جبل المسمّى بالجودي، عندئذ نودي على الكفار الهالكين بلسان القدرة الإلهية: بُعدا لهؤلاء الظّالمين عن رحمة الله و مغفرته.. قال الله تعالى في وصف ذلك:[/font][font="] [/font][font="]" و قيل يا أَرْضُ ابْلَعي ماءَكِ و يا سماءُ أَقْلَعِي و غِيضَ الماءُ و قُضِيَ الأَمْرُ و اسْتَوَتْ على الجُودِيّ و قيل بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ".[/font][font="] [/font][font="]( سورة هود الآية: 44 [/font][font="]).. الجوديّ: جبل بالموصل كان معروفا في القديم.[/font]
[font="]* النزول من السفينة: [/font][font="]و بعد أن رست السفينة على الجبل و ابتلعت الأرض مياه الطوفان، أمر الله تعالى نوحا أن ينزل من السفينة ، فهبط بأرض الموصل بسلام محفوفا ببركات من الله هو و من آمن معه و ذرياتهم ممّن سيكوّنون أُمما مؤمنة صالحة، و بعضهم سيكوّنون أمما يستمتعون بالدّنيا و خيراتها، و لكن لن ينالوا بركة الله لأنّهم سينحرفون عن جادة الحقّ و سيغويهم الشيطان و يؤدّي بهم إلى عذاب الله في الآخرة، قال تعالى: " قيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسلامٍ مِنَّا و بَرَكاتٍ عليْك و على أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ و أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثمّ يَمَسُّهُم مِنَّا عذابٌ أَليمٌ ".[/font][font="] [/font][font="]( سورة هود الآية: 48 )[/font][font="] [/font][font="].[/font]
[font="]* مجمل القصّــــة:[/font][font="] و في نهاية قصّة نوح وجّه الله تعالى خطابه إلى محمّد صلى الله عليه و سلّم قائلا: تلك القصّة التي قصصناها عليك عن نوح و قومه هي من أخبار الغيب، ما كنت تعلمها أنت و لا قومك على هذا الوجه من الدقّة و التفصيل من قبل هذا الوحي الذي أوحينا به إليك، فاصبر على إيذاء قومك كما صبر نوح من قبلك فإنّ عاقبتك الفوز مثل نوح، و العاقبة الطيّبة دائما للمتّقين.. " تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحيها إليك ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ و لاَ قًَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ هذا فاصبِرْ إنَّ العاقِبَةَ للمُتَّقينَ ". [/font][font="]( سورة هود الآية: 49 )[/font][font="]. [/font]
[font="] و قد صدق الله وعده و نصر الله رسوله محمّدا صلى الله عليه و سلم على أعدائه، كما نصر نوحا من قبل، و هذا من أعظم الأدلّة على أنّ القرآن وحي إلهي، و أنّ محمّدا رسول الله حقًّا لأنّ الله أخبر عن أمورٍ غيبية ستحصل و قد حصلت فعلا، و لا يعلم الغيب إلاّ الله تبارك و تعالى..[/font]
[font="]أقول ما تسمعون و استغفر الله العظيم لي و لكم و لوادي و لوالديكم من كل ذنب فاستغفروه و توبوا إليه إنه هو التواب الرحيم..[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font][font="]الثانية: وصف الطّوفان[/font]
[font="] [/font]
[font="]الحمد لله حمدا كثيرا طيّبا مبارك فيه. [/font][font="]و أشهد أنّ سيّدنا محمدا عبده و رسوله اللهمّ فصلّ و سلم و بارك عليه و على آله و صحبه أجمعين.. أمّا بعد، أيها الناس إنّ طوفان نوح من أبرز الحوادث التاريخية و أشدّها وقعا في نفس الإنسانية من حيث، إنّه كان من أقسى العقوبات التي عاقب الله بها الكفّار، كما أنه من أمارات قدرة الله تعالى العظيمة.. قال سبحانه: " و قومَ نوحٍ لمَّا كَذَّبوا الرُّسُلَ أَغْرقْناهُم و جَعَلْناهُم للنّاسِ آيَةً و أَعْتَدْنا للظَّالِمينَ عذابًا أَليمًا ".[/font][font="]( سورة الفرقان الآية: 37 )[/font]
[font="]و المتأمل في الآيات القرآنية التي وصفت بدء الطوفان و انتهاءه يراها في أعلى منزلة من الفصاحة و البيان مما يشهد أنّ القرآن وحيٌ إلهي فوق مستوى البشر.. تأمّلوا هذه الآيات التي وصفت بدء الطوفان: " كَذَّبتْ قَبْلَهُم قَوْمُ نوح فكذَّبُوا عبدنا و قالوا مجنونٌ و ازدُجِرَ * فَدَعَا ربَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتَصِرْ * فَفَتَحْنا أَبْوَابَ السماء بماءٍ مُنْهَمِرٍ * وَ فَجَّرْنا الأرْضَ عُيُونًا فالْتَقَى الماءُ على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * و حَمَلْناهُ على ذاتِ أَلْواحٍ و دُسِرٍ * تَجْري بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كان كُفِرَ ".[/font][font="] ( سورة القمر الآيات: 9/14 ) [/font][font="].. و يصف الله تعالى انتهاء الطوفان بهذه الآية التي ترتقي إلى أعلى درجات البلاغة: " [/font][font="]و قيل يا أَرْضُ ابْلَعي ماءَكِ و يا سماءُ أَقْلَعِي و غِيضَ الماءُ و قُضِيَ الأَمْرُ و اسْتَوَتْ على الجُودِيّ و قيل بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ". [/font][font="]( سورة هود الآية: 44 )[/font][font="].. ثم أشار الله تعالى إلى النتيجة التي ترتّبت على ذلك بقوله: " و غيض الماء " أي ذهب الماء، فإنّ غيض تشير إلى انقطاع مادة الماء من نبع الأرض و مطر السماء و لولا ذلك لما غاض الماء.. ثم بيّن الله تعالى الغاية التي توخّاها من الطوفان بقوله: " و قضي الأمر " و حقيقة معناها: هلك من قضى الله هلاكه، و نجا من قدّر الله له النجاة.. و جملة " و قضي الأمر " تشعر بأنّ الهلاك و الإنجاء كانا بأمر مطاع، و قضاء من لا يُردُّ قضاؤُهُ..[/font][font="] [/font]
[font="]كذلك يصف القرآن استقرار السفينة على جبل الجودي بلفظ " استوت " دون استقرّت لما في الاستواء من الإشعار بجلوس متمكّن لا زيغ فيه و لا ميل و لا حركة، فبهذا الاستواء تسكن قلوب أهل السفينة و يسهل خروجهم منها بدون خوف، بخلاف معنى استقرّت فإنّه يحمل معنى الزيغ و الميل.. و أخيرا قوله تعالى: " و قيل بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " و هذا دعاء على الهالكين، و وصفهم بالظلم ليعلم الذين من بعدهم أنّ جميع من هلك كان مستحقّا للهلاك، احتراسا لما قد يتوهّم أنّ الهلاك بعمومه قد شمل من لا يستحقّ العذاب... اللهمّ ما أنزلت في هذا اليوم الشريف المبارك من خير و صحة و سعة رزق فاجعل لنا منه أوفر الحظّ و النصيب، و ما أنزلت فيه من شرّ و بلاء و فتنة فاصرفه عنا و عن المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين..[/font]
[font="]اللهمَّ أهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولَّنا فيمن توليت، وبارِك اللهمَّ لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شرَّ ما قضيت، فإنك تقضي ولا يُقضى عليك ، اللهم أعطنا ولا تحرمنا ، وأكرمنا ولا تُهنا ، وآثرنا ولا تؤثر علينا ، وأرضنا وارض عنا[/font]..[font="] [/font]
[font="]اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ، ومن طاعتك ما تبلّغنا بها جنتك ، ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعنا اللهمَّ بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا ، واجعله الوارث منا . اللهم اجعل ثأرنا على من ظلمنا ، و انصرنا على من عادانا ، و لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا مبلَغ علمنا ، و لا تسلّط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ، مولانا رب العالمين .[/font]
[font="]اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردُّنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خَيْر ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين .[/font]
[font="]اللهمَّ اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمَّن سواك...[/font] [font="]اللهم استر عوراتنا ، وآمن روعاتنا ، وآمنا في أوطاننا ، واجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً وسائر بلاد المسلمين . [/font]
[font="]اللهم إنَّا نعوذ بك من الفقر إلا إليك ، ومن الخوف إلا منك ، ومن الذل إلا لك ، نعوذ بك من عُضال الداء ، ومن شماتة الأعداء ، ومن السَلْب بعد العطاء ، مولانا رب العالمين .[/font]
[font="] اللهمَّ اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ، ولا تُهْلكنا بالسنين ، ولا تعاملنا بفعل المسيئين يا رب العالمين .[/font]
[font="] اللهمَّ بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين ، إنك على ما تشاء قدير ، وبالإجابة جدير... والحمد لله رب العالمين..[/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font][font="]الشيخ محمّد الشاذلي شلبي [/font]
[font="] الإمام الخطيب[/font]
[font="] بجامع الإمام محمّد الفاضل ابن عاشور[/font]
[font="] بالزهور الرّابع - تونس [/font]
[font="] [/font]
[font="] [/font]
المشاهدات 1817 | التعليقات 0