الطهارة في الإسلام ثقافةٌ أصيلة و منظومة متكاملة
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/06/26 - 2013/05/06 04:39AM
[font="]الطهارة في الإسلام ثقافةٌ أصيلة و منظومة متكاملة . . ! [/font]
[font="] فقلت : سبحان الله ! ، لماذا تتعجّبُ خيرُ امَّةٍ أُُخرِجت للناس من أمَّةٍ أخرى أحسنت ترتيب دنياها ؟! ، و عندنا نحن المسلمين : الاعتناءُ بالنظافة و الطهارة والنّقاء ثقافةٌ إسلاميّةٌ شاملة بأتمّ معنى الكلمة ، ولكنَّها للأسف ثقافةٌ معطّلة ! . [/font]
[font="] نعم - معشر القُرّاء- : النّظافة والطهارة في الإسلام[/font] ثقافةٌ بأتمّ معنى الكلمة ، و الاصطباغَُ بالإسلام للهِ ربّ العالمين كفيلٌ بجعلِ المسلمِ نظيفًا طاهرًا في كلّ شيء ، انطلاقًا من اعتقادِهِ وإيمانِه فهو طاهرٌ نظيف ، مرورًا بالأخلاقِ و القيمِ التي يؤمنُ بها ويزنُ بها الأشياء فهي طاهرةٌ نظيفة ، مرورًا بعباداتِهِ و صلاتهِ كيف جعل اللهُ الطّهارةَ شرطًا فيها ومقوّمًا أساسيًّا لا تُقبلُ من دونه ، مرورًا بحياتِهِ و لباسِهِ وطريقِهِ ومسجده وشأنِهِ كلّه كلُّ ذلك قائمٌ على الطّهارةِ والنّقاءِ و النّظافةِ ، ويكفي أنَّ دخولَ هذا الدّين بالاغتسال وعند الموت يكونُ الاغتسال أيضًا ، وهذا من أكبر الدّلائلِ والبراهين على كون الطهارة والنظافةِ ثقافةً أصيلة في حياة المسلم لا يمكنُ أن نتصوّرَ انسلاخَهُ منها إلا إذا تصوّرنا تعطيلهُ لحقيقة الإسلامِ وهذا هو الحاصل للأسف الشديد . . !
انظروا أحبّتي إلى نصوص الكتاب والسنة كيف جعلت من الطّهارة ثقافةً شاملة في الصغير والكبير و الرجل والمرأة و العام والخاص من المسلمين :
قال الله تعالى لعيس عليه السلام : [font="]( يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ[font="] ) [/font] ( آل عمران : 55 ) ، انظُر كيف عدَّ القرآنُ الكفرَ نجاسَةً معنوية يتطهّرُ منها المسلم ، وهذا النوع من الطهارة لا يعرفُه إلا من أسلم لله ربّ العالمين ، وهو ألصقُ المفاهيم بمعنى الطهارة والنظافة و أرسخِها و أخطرِها ، وقد نصّ على هذا ربُّنا صراحةً في كتابه فقال : ( إنّما المُشركُون نَجَس ) ( التوبة : 28 ) ، لبيان أن الشّرك نجاسةٌ معنويّة تطهّر منها العبدُ المؤمن بتوحيده وإيمانه . [/font]
وقال الله تعالى في حق اليهود :( أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ [font="]) ( المائدة : 41 ) ، فالقلبُ العامرُ بالأخلاق السيّئة قلبٌ غيرُ نظيف ، وهو يحتاجُ إلى طهارة ونقاء أكثر من حاجةِ الشيءِ المتنجّسِ إلى الماء ، كما قال تعالى في الحكمة من تشريع الحجاب : [font="]([/font]ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ) ( الأحزاب : 53 ) لبيان المعنى نفسِهِ للطهارة والنظافة المعنويّة ، وهذا النوع من الطهارة لا يعرفُه أيضًا إلا من أسلم لله ربّ العالمين ، وهو من ألصقِ المفاهيم بمعنى الطهارة والنظافة و أرسخِها و أخطرِها . [/font]
و انظُر في مجال القِيَم أيضًا ، قال الله تعالى حكايةً عن قوم لوط : ( وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ )( الأعراف : 82 ) .
و العبادات في الإسلامِ طهارةٌ للعبد ، اقرأ قول الله تعالى : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا ) ( التوبة : 103 ) .
وهكذا في قوله تعالى :[font="]( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين ) ( البقرة : 222 ) ، فالطهارة من أسباب تحصيل حبّ الله للعبد وقُربه منه . و في طهارة الجنابة قال تعالى : [font="]( [/font]وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ[font="] )[/font] ( المائدة : 06 ) ، وفي الوضوء اليوميّ المتواصل قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَين ) ( المائدة : 06 ) ، و في طهارة المكان وبيت العبادة قال سبحانه :[font="] ([/font] وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود[font="] )[/font] ( البقرة : 125 ) . كل هذا دليلٌ على أنَّ الطهارة منظومة متكاملة ، و قاعدةٌ أساسيّةٌ وثقافةٌ عامّة ينبغي أن يقومَ عليها المجتمع في جميع مجالات حياته ، فأين المسلمون من هذه الثقافة و أين أخلاقُهم منها ؟! [/font]
أيها القُرّاءُ الأعزّاء : إذا رجعنا إلى موضوع القمامة و فضلات الإعاشة المنزلية و ما يتعلّقُ بها من آداب ، يحقُّ للياباني أن يتعجّب من منظومتنا القِيميّة المتعلقة بذلك لا العكس ، ولكنّها للأسف أيضًا معطّلة ! :
أ / هل تعلمون أنَّ إماطة الأذَى عن الطريق عندنا جزءٌ من الإيمان ؟! :
أي أنَّ نظافة الطريقِ عندنا ليست نافلةً ولا شيئًا زائدًا يفعله من أراد ويتركه من أراد ، لا ؛ إنّما هي قضيّةٌ إيمانيّةٌ أصيلةٌ يتميّزُ بها المؤمنُ عن غيره ! ، فهل رأيتُم منظومةً تربويّةً ترتقي في سُمُوّها هذا المرتقَى ؟! : في المتفق عليه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " .
ومعنى الحديث : المسلمُ الذي فُقِدت منه هذه الشعبة - التي هي أدنى شُعب الإيمان - فأين إيمانُه ؟! نسأل الله السلامة والعافية .
وقد ثبت أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة ( سنن أبي داود 5243 ) ، و أنه من محاسن الأعمال ( صحيح الترغيب والترهيب 2967 ) بمعنى أنه يستحيل أن ترمي شيئًا في الطريق إذا استقام لك هذا الخُلُق الإيماني ! .
ب / أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بتنظيف الشوارع من الأوساخ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها " ( صحيح الجامع : 3935 ) .
أي : اجعلوا شوارعكم وأحياءكم السكنيّة طاهرة نظيفة إيمانًا و احتسابًا لأنكم مسلمون ! ، ولا تشبّهوا بغيركم كاليهود مثلاً فليس لديهم منظومة أخلاقٍ كالمنظومة التي عندكم !!!! .
ج / مهنة التنظيف أشرف مهنة :
لأنّه اجتمع فيها وصفان : الأكل من كسب اليد و عرق الجبين حقًّا وهو أطيبُ الأكل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده " ( صحيح الجامع : 5546 ) .
و الثاني : إماطة الأذَى عن الطريق ، فهو عملٌ إيمانيٌّ كما رأينا و صدقةٌ دائمةٌ يوميًّا بالنسبة إليه . ومع ذلك هم الفئة الأدنى أجرًا و الأسوأ وضعيّةً عند المسلمين ( ! ) مع ما يجدونه من الناس من إحراجٍ ونظرةٍ دونيّة : وانظر إليهم في اليابان تتعجّب ! ( من حيث الاسم ،و التجهيزات ، و اللباس ، والراتب ، و الوضعيّة ، ونظرة المجتمع . . ! ) .
د / الإحسان إلى عُمّال النظافة عبادة نأخذ عليها الأجر :
ديننا يعلّمنا أنّ الأجر يكونُ في الإحسان للبهائمِ فكيف بالإنسان ؟! : قال النبي صلى الله عليه وسلم :" في كلّ ذاتِ كبِدٍ رطبةٍ أجر " متفق عليه . فكيف بعامل النظافة ؟! ، ذلك الشخص :
- الذي يرفع أوساخَكَ وقاذوراتِك ! .
- الذي إن غاب عنك تعسّرت حياتُك ( لا نحس بوجوده ولكن نحس لفقده ! ) .
- الذي جعل أخلاقك مستورةً عن الناس ( أنت ترمي وهو يحمل عنك ! ) .
- الذي يحافظُ على جمال الطريق ونقاء المدينة . .
الإحسان إليه عبادةٌ بأتمّ معنى الكلمة الباعث عليها ليس المصلحة و إنّما الإيمان والاحتساب :
و الإحسان إليه يكونُ بمختلف الطرق و الوسائل ، فاجتهد في ذلك ، و من ذلك :
تغيير النظرة إليهم على أنهم حماة البيئة أو مهندسي الصحّة وليسوا " زبّالين !! " هذا إحسان و فيه الأجر ! .
التفكير في عدم إجهادِهم : باستعمال الأكياس في جمع القمامة ، والربط المحكم لتلك الأكياس ، بحيث يكون مظهر الكيس لائقًا محترمًا كأنّما تدفعه لعمّال البريد والمواصلات، هذا إحسانٌ و فيه الأجر !
توحيد وقت إخراج القمامة بما يتناسب مع مرورهم ، والرمي في المكان المخصص للقمامة ، و السعي لوجود مكان مخصص للقمامة إن كان غير موجود ،و تجنيب القمامة الأشياء السائلة لعدم إيذائهم هذا إحسان و فيه الأجر ! .
التفكير في عدم تعريضهم للأخطار ( الزجاج ، العدوى بالحُقُن المريضة مثلاً . . ) هذا إحسان و فيه الأجر ! .
التفكير من الدولة ( أو مبادرة من المواطنين ، أو بعض الخواص الميسورين ) في تصميم لباس عمل متين وجيّد وجذّاب يساعدهم ماديًّا ونفسيًّا على العمل ( مكتوب عليه حماة البيئة مثلاً ) هذا إحسان و فيه الأجر ! .
الحملات التحسيسية للمواطنين هذا من أعظم الإحسان و فيه الأجر ! .
المبادرات الفردية والجماعية للتخفيف عن عمال النظافة ، هذا إحسان و فيه الأجر . . ! .
كل هذا يدل على شيءٍ واضحٍ بيّن :
لدينا أعظم ثقافة و أجل منظومة في الطهارة والنظافة . . ولكنها للأسف . . معطّلة ! .
المشاهدات 4133 | التعليقات 4
صدقت أستاذ مبارك ، جزاك الله كلّ خير على المرور وعلى المعلومة ، وجعلك مباركًا أينما كنت .
هكذا ياشخ رشيد دائما مشاركاتك زهور في بستان وثمار في أشجار نفع الله بك وبعلمك وكل المشاركين والمتفاعلين
رشيد بن ابراهيم بوعافية;16612 wrote:
صدقت أستاذ مبارك ، جزاك الله كلّ خير على المرور وعلى المعلومة ، وجعلك مباركًا أينما كنت .
وأنت جزاك الله كل خير، وكذلك الأخ زياد إلا أنني لست بأستاذ
مبارك الجزائري
خطبة رائعة ذكرت فيها :
- ما ليس موجودا عندهم وهي الطهارة المعنوية.
- وما عندهم وعندنا في شرعنا، وهي أجل منظومة في الطهارة والنظافة . . ولكنها للأسف . . معطّلة عندنا !.
- وعندهم طهارة شبه معطلة و هي عندنا كذلك ، وهي ما يتعلق بسنن الفطرة و تحتاج إلى خطبة، وهذه لم تذكرها.
- أن النظافة والطهارة عندهم هي نتاج إحتكاك المستعمرين بالمسلمين، ويدل على ذلك حالهم في القرون الوسطى ذكر العلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله في ترجمته لكتاب "مدنية المسلمين بإسبانيا" الأمريكي الشهير جوزيف ماك كيب في معرض كلامه عن إيزابيلا ملكة قشتالة ص 105: "إيزابيلا( Isabella (1451-1504 ملكة قشتالة. استولت على الملك سنة 1474م داهية مكارة متعصبة. بذلت جهدها في تجديد المحنة و تعذيب المسلمين و اليهود. و ارتكبت خطايا كثيرة باسم الدين. و أما أحوالها الخاصة فلم تكن مما تغبط عليه: لأنها كانت تفتخر بأنها لم تغتسل في حياتها إلا مرتين يوم ولادتها سنة 1451 و ليلة عرسها سنة 1469. و غسلت حين ماتت سنة 1504 فتمت لها الغسلة الثالثة و الحقيقة أنها لم تغتسل إلا مرة واحدة وهي في ليلة عرسها. لأن غسلها يوم ولادتها و غسلها يوم موتها ليس من عملها."
تعديل التعليق