الطلاق والممارسات المحرمة

سليمان بن خالد الحربي
1440/04/06 - 2018/12/13 12:00PM

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا أما بعد : فاتقوا الله أيها المسلمون حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون : معشر الاخوة : وصف الله جل وعلا عقد الزواج وصلة العصمة بأنه ميثاق غليظ ، وهو ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم في قوله : تَّقُوا اللَّهَ فِى النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ أو قال بأمانة الله وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ ومعنى هذا عند هذا القائل : إنه لولا الإسلام للزوج لما حقت له . ثم إن الله ائتمنكم عليهن فيجب حفظ الأمانة وصيانتها بمراعاة حقوقها والقيام بمصالحها الدينية والدنيوية ، فالحياة الزوجية أساسها حفظ الذمة والأمانة ومراعاة حق الله وحق صاحبه ، فليس الحب فقط هو المعيار لبقاء هذا الرابط والصلة ، بل الرابط هو السكن والرحمة والمودة ولهذا كان الطلاق والفراق أبغض الحلال إلى الله وأحبه إلى الشيطان جاء في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِىءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ - قَالَ - فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ فَيَلْتَزِمُهُ ». وأصبح التساهل في هذا العقد ظاهرة واضحة ، مع أن الأصل فيه المنع قال ابن تيمية رحمه الله : الأصل في الطلاق الحظر ، وإنما أبيح منه قدر الحاجة ) ولهذا أمر الله عز وجل الزوج بأن يصبر ولا يتعجل كما قال تعالى [وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا] ولهذا كم من رجل كره امرأة، فأمسك عليها، فأنجبت له أولاداً أبراراً قاموا بنفعه، ونشر فخره وذكره وكم من رجل فُتن بامرأة غَدَتْ بلبِّه، وأفسدت عليه دينه ودنياه وأهله. وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ . بل أحيانا يكون قرار الفراق بأسباب تافهة وللأسف الشديد ، أو تأثرا  بما يشاهدونه من المسلسلات الهابطة والتافهة التي تصور الحياة الزوجية صافية من الأكدار والمنغصات ، والاختلافات والمشاكل الطارئة ، وأحيانا يكون بأسباب مظنونة وشكوك شيطانية يظلم بها أحد الزوجين الآخر ويبوءان بخزي الدنيا والآخرة ، ولهذا جاءت الشريعة بصوارف عظيمة عن الطلاق فأمرت بالصبر وأمرت بالمشورة وطلب النصح وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب، فإن لم يستطع أحدهما ذلك، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه. فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما ، وتأمل أن الله جعل الأمر إلى حكمين مما يستلزم صفات الحاكم من الثقة والحكمة والرأي الحسن ، ولم يأمر الله بالتدخل إلى بعد استفاد الجهد على خلاف ما يحصل من كثير من الأزواج الذين تتدخل أمهاتهم وآباؤهم والأسرة كلها ويبوح كل من الزوجين بأسرار بيته لأهله ، فهذا من أعظم وأكثر أسباب الفراق ، وكم من زوجين تفرقا بسبب تدخل الأسرة والبوح بأسرارها ومشاكلها مباشرة قبل محاولة الزوجين لإصلاح حالهما واستشارة أهل الخبرة والفضل والعلم ، ومن الصوارف للفراق التي جعلها الله تعالى ووجه ربنا جل وعلا المرأة لها أن تتنازل عن بعض حقوقها إذا رأت أن الفراق سيكون إبقاء لعقد النكاح على وجه لا يضرها ولها فيه صلاح فقال تعالى وقال تعالى : وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا أي: إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها، فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا بينهما صلحا بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع زوجها، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن، أو القسم بأن تسقط حقها منه، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها. فإذا اتفقا على هذه الحالة فلا جناح ولا بأس عليهما فيها، لا عليها ولا على الزوج، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال، وهي خير من الفرقة ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : "

 " بارك الله لي ولك في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم

الحمد لله على إحسانه والشكر على توفيقه وامتنانه وأشهد ألا إله إلا الله تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه أما بعد :

معشر الإخوة : ومن الأخطاء العظيمة ما يفعله كثير من الأزواج بل هو الظلم عينه وهو أن الرجل إذا لم يرغب في زوجته أو أراد الزواج عليها أو غير ذلك من الأسباب أن يذهب بها إلى بيت أهلها ويتركها دون إذنها وموافقتها وهذا محرم وقد اقترف عظائم من الذنوب :

أولا : أنه لا يجوز له أن يخرجها من بيتها إلا بأن تأتي بفاحشة مبينة قال تعالى " لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فتأمل كيف جعل الله البيت لهن فقال لا تخرجوهن من بيوتهن وذلك لأن المسكن حق يجب للزوجة على الزوج وهي لازالت زوجته فيجب عليه أن يبقيها في مسكنها لا أن يسقطها حقها في المسكن

المحرم الثاني : هو أنه يتركها في بيت أهلها ولا ينفق عليها ولا على أولادها وهذا من أعظم الإثم والوزر فالنفقة واجبة عليه مطلقا وقد جاء في صحيح مسلم أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرٍو كان جالسا ْ إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ أي خازن ماله فَدَخَلَ عليه فَقَالَ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ قَالَ لاَ. قَالَ فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ ». وفي رواية لأحمد أن رجلا قال لعبد الله بن عمرو إني أريد أن أقيم في بيت المقدس شهرا فَقَالَ لَهُ: تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ هَذَا الشَّهْرَ ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ "

 المحرم الثالث : حقها في القسم والمبيت فلها حقها في القسم ولا يجوز له أن يضيعه حتى ولو  لم يكن له إلا هي فإن المبيت حق لها

ويزيد المحرم الرابع إذا كان يضار بها ولا يطلقها من أجل أن تفتدي منه وتطلب الخلع أو ينغص عليها فهذا أمر عظيم قال الله تعالى وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ) وقال : وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ ) وقال تعالى " وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ  ) وقد انعقد الإجماع على أن الزوج إذا ضار بزوجته بالتضييق عليها أو منعها حقوقها من النفقة والقسم والمسكن ونحو ذلك لتفدي نفسها بالخلع أنه آثم عاص وجمهور الفقهاء على أن العوض مردود

وبهذا يعلم أن حدود الله في النكاح والطلاق عظيمة قال الله في آيات الطلاق وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " واسألوا أهل الذكر عن شريعة الله فهو أسلم لدينكم وآخرتكم  

ثم صلوا وسلموا على رسول الهدى وإمام الورى فقد أمركم ربكم فقال جل وعلا " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما " اللهم صل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين ...وانصر عبادك الموحدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم اللهم عليك باليهود المعتدين والنصارى المحاربين اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك اللهم أحصهمم عددا .......اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أمتنا وولاة أمورنا اللهم وفقهم لما يرضيك وجنبهم معاصيك اللهم تب على التائبين واهد ضال المسلمين اللهم ردهم إليك ردا جميلا اللهم ارفع ما نزل من الفتن ...اللهم اغفر لنا ولوالدينا ...عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم واشكروه على نعمكم يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون

 

المرفقات

والممارسات-المحرمة

والممارسات-المحرمة

المشاهدات 871 | التعليقات 0