الطلاق هادم الأسر

حسين بن حمزة حسين
1446/03/23 - 2024/09/26 14:12PM

العلاقة بين الزوجين علاقة حميمة، عميقة الجذور، بعيدة الآماد، الزوجة سكنٌ للزوج ، وشريكة حياته، أهم ركن من أركان الأسرة، بل هي عمادها، المنجبة للأولاد، عنها يأخذون دينهم وأخلاقهم ولغتهم، خير متاع الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة)،  قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودّة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون) قال ابن كثير رحمه الله : لا ألفة بين روحين أعظم ما بين زوجين . تغلق أبواب الشر والشقاق، وتسكن السعادة البيوت، ما قام الزوجان على طاعة الله وقام كل منهما بحق الآخر، وعند الاختلاف كان الرّد لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أما إذا عُصي الله عزّ وجل، وترك كل منهما حقوق الآخر، تفتحت أبوابُ الشر، وعظم الشقاق والخلاف، وعندها يظهر ما لا يحمد عقباه. كلمةٌ، أبكت عيون الأزواج والزوجات، وروّعت قلوب الأبناء والبنات، وقطعت أواصر الأسر والقرابات، كلمةٌ صغيرة، ولكنها جليلةٌ عظيمة خطيرة، إنها "الطلاق"، الوداع والفراق، الجحيم والألم الذي لا يطاق، إذا لم تستخدم الكلمة في مكانها، فكم هدم الطلاقُ من بيوت، وفكّك من أُسر، وضيّع من أبناء وبنات، وأنزل العداء بين الأرحام والمحبين والأقربين، شبّه رسول الله صلى الله عليه وسلم عِظَم هذه الكلمة على المرأة، (كسرها طلاقها). كثر الطلاق اليوم حينما استخف الأزواج بالواجبات والحقوق، وضيّعوا الأمانات والمسئوليات، سهرٌ إلى ساعات متأخرةٍ، وضياعٌ لحقوق الزوجات والأبناء والبنات، ومن ضعفها زوجته تستسلم للكبت حتى يفيض فتطالب بحقها وأبنائها فيكون الطلاق، كثر الطلاق اليوم حينما صغت الأسماع للنمامين، وكثر الحسّاد الواشون، وضعف الفهم وإدراك حقيقة الأمور، كثر الطلاق حينما فقدنا زوجاً يغفر الزلّة ويستر العورة، لا يعرف من الخصام سوى الطلاق وكلمات الفراق، يتبجّح بقبح وجهل لولا الأبناء لما أبقيتك ، يكبر الأبناء وأطردك، إن فعلت أو تركت فأنت طالق، يُكثِرُ ترداد زواج الثانية على لسانه يقول أتزوج وأطردك وآخذ الأبناء، ماذا يريد من هذا الكلام، جروح وآلام غائرة، فإن صبرت الزوجة فلا أمان بحياة نكيدة وعيشة مريرة، ومن الضحية حينذاك ؟!، أعز الناس إليه ، إن لم تكن حياته، وليعلم الآباء أنه لن يحل مكان أم الأبناء أحد مهما كان، لا أم زوج ولا خادمة ولا زوجة ثانية، والحياة من بيننا أكبر برهان ، والسعيد من وُعظ بغيره وقد قال صلى الله عليه وسلم  ((لا يفرك ـ أي: لا يبغض ـ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلقًا رضي منها آخر)) رواه مسلم، كثر الطلاق اليوم حينما فقدنا الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقة اللسان ، طليقة العنان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرّاجة ولاّجة ، مضيعة لحقوق زوجها مهملة لحقوق أبنائها، مقصّرة بحقوق ربها، لا تغفر عن زلّة ولا تصفح ولا مرّة، كثر الطلاق اليوم حينما يسمح الأزواج لتدخّل الآباء والأمهات بغير داع، الأب يتابع ابنه في كل صغير وكبير، في كل جليل وحقير ، والأم تتدخل في شؤون بنتها في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ وجليلةٍ وحقيرةٍ، حتى ينتهي الأمر إلى الطلاق والفراق، ألم يعلما أنه من أفسد زوجةً على زوجها أو أفسد زوجاً على زوجته لعنه الله (نعم ولو كان ذلك من أحب الناس الآباء والأمهات) كثر الطلاق اليوم – عباد الله – لما كثرت المسكرات والمخدرات، فذهبت العقول وزالت الأفهام، وتدنّت الأخلاق، وضاع الدين، وفسد الأبناء والبنات وأصبح البيت في جحيم وألمٍ لا يطاق. كثر الطلاق لمّا عظم الجهل والحُمق، ولم يعلم كثير من الأزواج بمعنى هذه الكلمة، فمن يعلق طلاق زوجته إذا خرجت وآخر إذا دخلت، توافه لا تحصى، هذا يطلق ثلاثا جملة واحدة، وآخر يطلق على لعبة ورق، وآخر يحلف بها كاذبا، فإذا انتبه استفتى وتعلّم، مآسي وآلام جروحٌ لا تندمل وقلوب لا تنجبر، لا حول ولا قوّة إلا بالله. الخطبة الثانية : اتقوا الله يا معاشر الأزواج تريثوا فيما أنتم قادمون عليه. إذا أردت الطلاق فاستشر من الأقارب والمعارف من تثق برأيه، واسألهم وخذ كلمة منهم تثبّتك، واعلم أن الله عزّ وجل دعا الأزواج مع الشقاق وصعوبة الوفاق، بإحضار حكما من أهله وحكما من أهلها يريدا إصلاحا، فتعاون معهما، ودع الأمر إليهما، فإن أشارا بالطلاق وإلا فلا تفعل. يا أهل الزوج والزوجة كونوا محضر خير لا تكونوا معاول شر، تعينوا الشيطان وتفرحوه، أعينوا الأزواج على الوفاق، وفقوا لا تفرقوا، وبقليل من الصفح والتنازل تصلح الأمور بتوفيق الله. الطلاق كلمةٌ مكانها حين يتعذر العيش تحت ظل واحد، والحياة لا تطاق، إذا بلغ النفور مبلغاً يصعب معه الود، وبلغ الصبر منتهاه، واستنفر الزوج الوعظ والهجر والضرب غير المبرّح وأشار الحكمان بالطلاق، يقول علي رضي الله عنه من طلق طلاق سنة لم يندم أبدا ، فالواجب أن يتفرقا بالمعروف والإحسان، كما اجتمعا بهذا القصد وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وٰسِعاً حَكِيماً وقال تعالى( إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ، فإذا أردت الطلاق فاستخر الله وأنزل حوائجك بالله ، فإن كنت مريداً للطلاق فخذ بسنة حبيب الله صلى الله عليه وسلم طلّقها طلقةً واحدةً في طهر لم تجامعها فيه، لا تطلّقها وهي حائضٌ فتلك حدود الله )ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه)، وإذا طلقتها فطلقها طلقة واحدةً، لا تزيد، جاء رجل إلى ابن عباس فقال: يا ابن عباس طلقت امرأتي مائة تطليقة. قال رضي الله عنه : (ثلاثٌ حُرِّمَتْ بهن عليك، وسبعٌ وتسعون اتخذت بها كتاب الله هزواً).  اللهم أصلح أزواجنا وذرياتنا وخذ بنواصينا إلى ما يُرضيك عنا.

المشاهدات 302 | التعليقات 0