الطلاق الأسباب والآثار وعلاج

أيمن عرفان
1438/05/14 - 2017/02/11 06:31AM
[align=justify]
من أهم الأوليات التي أعطاها الإسلام أهمية بالغة في التشريع والتوجيهات والأحكام الأسرة المسلمة، فالمنهج الإسلامي يعي تماما أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وما المجتمع إلا مجموعة من الأسر، فإذا صلحت هذه الأسر صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، ولذلك حرص الدين الإسلامي على وحدة الأسرة وعدم تفككها، فشرع حلولاً عملية يستهدي بها كل من الزوج والزوجة في حالة استفحال الخلاف والشقاق بينهما، بل لقد أعطى الزوج حلولاً تدريجية تبدأ من الوعظ، وأن يهجر وأن يؤدب، قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء 34]. هذا ما يفعله الزوج في حالة الخلاف حرصا على بقاء عشرة الزوجية وحفظ كيان الأسرة سليما، أما الدرجة الثانية إذا اشتد الخلاف بينهما فيختار كل منهما حكما لحل المشكلات الناشئة بينهما: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء 35]• كل ذلك وقد أمر الله سبحانه وتعالى الزوجين بالصبر حتى مع الكراهية: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء19]. قإذا استمر النزاع بين الزوجين على الرغم من المحاولات السابقة فيكون الموقف أمام أمرين أحدهما استمرار الحياة الزوجية مع وجود الشقاق والخلاف وسوء التفاهم أو انفصال يجد فيه كل من الزوجين راحته• وهذه الفرقة التي تكون العلاج الأخير حين يستعصي كل علاج•
المتأمل في ذلك يجد أن الشرع على الرغم من أنه أباح الطلاق عند استحالة الحياة الزوجية إلا أنه جعله الاختيار الأخير بعد نفاذ كل المحاولات، وذلك للآثار الخطيرة التي يسببها الطلاق، هذا هو الشرع، تعالى معي لننظر إلى الواقع من خلال تقرير أعده الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر عام 2004م، وضح التقرير أن نسبة معدل الطلاق بلغت نسبة (3.5) لكل ألف حالة زواج في عام 1960م ووصلت عام 1970 إلى نسبة 7%. في عام 2000م نجد أن نسبة الطلاق وصلت إلى 40%، كما أن متوسط حالات الطلاق في مصر وصل إلى 240 مطلقة يومياً بواقع حالة طلاق واحدة كل 6 دقائق، وأن إجمالي المطلقات في مصر بلغ مليونين و458 ألف مطلقة، ولك أن تتخيل كيف أصبح حجم المشكلة الآن، إذا نحن نتكلم عن ظاهرة خطيرة في مجتمعنا. من هنا يظهر السؤال الأول: ما الذي وصل بمجتمعنا إلى هذا الوضع المتردي من العلاقات الأسرية؟ أسباب منها:
(1) البعد عن الدين منذ اللحظة الأولى لاختيار الزوج أو الزوجة، كثير من شباب الجنسين لا يلتزم عند اختيار شريك حياته بالضوابط التي حثنا عليها رسولنا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ) [متفق عليه]. و عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ؟ قَالَ: إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ). فالاختيار الصحيح هو الذي يقوم على أساس الدين والأمانة والخلق، ولا بأس أن يأتي بعد ذلك الجمال أو المال أو الحسب.
(2) غياب الدور التوجيهي للآباء والأمهات: جعفر بن أبي طالب يوصى ابنته قائلاً: (إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وكثرة العتاب فإنه يورث البغضاء، وعليك بالكحل فإنه أزين الزينة، وأطيب الطيب الماء)• مثل هذه التوجيهات الأبوية أين هي الآن؟ يظن بعض الآباء والأمهات أن دوره التربوي أو التوجيهي ينتهي بزواج ابنه أو ابنته، ناهيك عن بعض التوجيهات الخاطئة التي تهدم أو تدمر، وتحرض أحد الطرفين على مشاكسة الآخر.
(3) وسائل الإعلام: التي ترسم صورة حالمة واهمة للحياة الزوجية، وأنها لذة وحفلات وهدايا وكأن هذه المرأة لا تعرف حملاً ولا وضعاً ولا رضاعا ولا تربية أبناء ولا ترتيب شؤون المنزل، وسرعان ما يصطدم الخيال بالواقع، فالكثير من المفاهيم الأسرية المغلوطة تتسلل إلى البيوت من خلال الإعلام غير الهادف فتهدم البيوت، وتعصي الزوجات على أزواجهن وقد روى أبو داود بإسناد صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ). [خبب : أفسد].
(4) الأزمات الاقتصادية الطاحنة: لا يستطيع أحد أن ينكر أن الأزمات الاقتصادية لها دور كبير في الشقاق الأسري الذي يصل ببعض الأسر إلى الطلاق، حيث لا تقف متطلبات بعض النساء عند حد، وتدعو المباهاة والمظاهر الكاذبة بعضهن إلى إجهاد الزوج بما لا قبل ولا طاقة له به، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: (وَاللَّهِ يَا ابْنَ أُخْتِي إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ ثُمَّ الْهِلَالِ، ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ، وَمَا أُوقِدَ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارٌ. قَالَ: قُلْتُ يَا خَالَةُ فَمَا كَانَ يُعَيِّشُكُمْ؟ قَالَتْ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِيرَانٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ فَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلْبَانِهَا فَيَسْقِينَاهُ). أين مثل هذا الصبر اليوم؟ وروى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ).
(5) ومن أسباب الطلاق تدخل بعض أفراد أسرة الزوج أو الزوجة أو الأقارب أو المعارف أو الأصدقاء في شئون الأسرة، مما قد يفسد العلاقة بينهما، وليس كل ناصح مخلص في نصيحته، وهناك من يسعى وراء مصلحته الشخصية، وهناك من يفرح لهدم البيوت لأنه سيجد مادة للحديث يتحدث بها في مجالسه ويأكل فيها من لحوم المسلمين، وهناك المبغض المظهر للمحبة، وقد روى الإمام أحمد بإسناد حسن أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ، وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ). يعني الذين يتلمسون عيوب الناس.
(6) ومن أسباب الطلاق الغيرة المرضية في غير محلها، حديث يرويه ابن ماجة بإسناد صححه الألباني: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مِنَ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ وَمِنْهَا مَا يَكْرَهُ اللَّهُ، فَأَمَّا مَا يُحِبُّ فَالْغَيْرَةُ فِى الرِّيبَةِ، وَأَمَّا مَا يَكْرَهُ فَالْغَيْرَةُ فِى غَيْرِ رِيبَةٍ ». فإذا كانت هناك أسباب أو مبادئ تستدعي الغيرة وجب على الرجل أن يغار، روى الإمامان البخاري ومسلم: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟، وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن". روى الحاكم في المستدرك بإسناد صحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ثلاثة لا يدخلون الجنة : العاقُ لوالديه ، و الدَّيُّوث ، و رَجِلَةُ النساء " والدَّيُّوث هو الذي يقرُّ الخَبَثَ على أهله و لا يغار ، و رجلة النساء أي المتشبهة بالرجال، أما إذا لم يكن هناك أسباب تستدعي هذه الغيرة، فإن الغيرة فيها تدخل في باب سوء الظن الذي نُهينا عنه في القرآن :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ". وقال عليٌّ رضي الله عنه: "لا تكثر الغيرة على أهلك، فتُرمى بالسوء من أجلك". تسأل الناس عن زوجتك وعن أخلاقها ومن أين تجيء وإلى أين تذهب، فيقول الناس فلان يشك في زوجته لابد وأنها سيئة.فتتهم المرأة زورا وبهتانا بسبب زوجها.
(7) ومن الأسباب المؤدية إلى الطلاق رغبة الزوج في تعدد الزوجات مع عدم العدل، فالله عز وجل حين أباح للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة اشترط شرطان العدل والقدرة، فإذا أخل الرجل بأحد هذين الشرطين فلحق الزوجة أذى أو ضرر بسبب ذلك كان من حقها أن تطلب الطلاق للضرر والذي يتحمل مسئولية هذا الطلاق هو الرجل لأنه أتى بأمر مباح دون أن يراعي شروطه، أما إذا أتى الرجل هذا الأمر بشروطه تزوج بالثانية ولديه القدرة على ذلك وقام بالعدل بينهما، فقامت إحداهما بطلب الطلاق بسبب ذلك فليس لها الحق في ذلك ومسئولية الطلاق في هذه الحالة على عاتقها هي أمام الله، روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ). وروى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا).
من المؤكد أن هناك العديد من الأسباب الأخرى التي قد تؤدي في النهاية إلى الطلاق، تقصير أحد الطرفين فيما عليه من واجبات، عدم التوافق في الطباع والسلوكيات وغير ذلك، ومع ذلك يبقى قرار الطلاق قرار صعب، ولو تفكر أطراف القرار في العواقب والآثار المترتبة عليه لترددوا ألف مرة قبل اتخاذ هذا القرار، آثار على المرأة وعلى الرجل وعلى الأطفال وعلى المجتمع، فبالنسبة للمرأة: غالبا ما تعاني المطلقة من صعوبة فرصة زواج ثانية لأنه غالبا ما يلقى اللوم في الطلاق على المرأة ويقولون عنها أنها فشلت في الحفاظ على زوجها الأول وبالتالي ستفشل في الحفاظ على الثاني – ستصبح عبئا على أسرتها ليس ماديا فقط بل واجتماعيا أيضا – نظرة النساء إليها واعتقادهم أنها تبحث عن زوج وقد تخطف منهن أزواجهن، ونظرة الرجال لها على أنها امرأة بلا رجل فيها الضعف وفيها الطمع. وأما بانسبة للرجل: فبعض العائلات يَنظرون إلى المطلق على أنه إنسان لديه مشاكل، فيتخوفون من تزويجه، فكلمة مطلق تضع عليه وصمة، مما يؤدي إلى التعامل معه بحذر - الرجل غالباً ما يجد نفسه بعد الطلاق وحيداً، فهو يشعر بالخيبة لفقدان دوره كأب وزوج، ويصدم نتيجة شعورة بالمسؤولية لانهيار العائلة، ولا شك أن ذلك يؤثر عليه كما يؤثر على المرأة نفسيا وجسديا. أما بالنسبة للأبناء: فقد أجمع الخبراء على أن الأطفال هم أول المتضررين من انهيار العلاقات الزوجية حيث يؤثر سلباً على عملية تنشئتهم النفسية والاجتماعية وفي بناء الشخصية السوية، ويفقدون الشعور بالأمان، كما يفقدون المثل الأعلى• يعيشون فراغاً عاطفياً- تظهر عليهم الأبناء علامات اللا مبالاة، والفتور. كل هذا يؤثر على المجتمع: خروج جيل حاقد على المجتمع بسبب فقدان الرعاية الواجبة له- انتشار ظاهرة عدم الشعور بالمسؤولية، فضلاً عما يصيب القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية السائدة فيه من مظاهر التردي والانحطاط، نتيجة عدم احترام تلك القيم والأعراف.
[/align]
المشاهدات 1346 | التعليقات 0