الطريق إلى الجنة
عدنان الدريويش
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، وقال تعالى ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ سورة الحجر .
أما بعدُ: الجنة في اللغة البستان العظيم الذي يستر ما بداخله، أما في الشرع فإنها دار الخلود والكرامة التي أعدها الله - عز وجل - لعباده المؤمنين، وفيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، قال سبحانه: ﴿ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 17].
يا عباد الله : إن الإنسان إذا حصل على الجنة ونجا من النار، فوالله إنه الفلاح الكبير، والفوز العظيم، والربح الجزيل، وإذا ما وقع العبد في النار – والعياذ بالله - كان ذلك هو الخسران الأكبر، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً * خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا ﴾ سورة الكهف ، أفلا يستحق ذلك أن نبحث عن الطريق إلى الجنة ، وأن نتعب البدن لها، وأن تمرض لها النفوس! فسبيل الجنة يبدأ من الدنيا، لأن الدنيا مزرعة الآخرة، فما تعمله هنا يحدد مسارك إما إلى الجنة وإما إلى النار.
أيها المسلمون : وللجنة أبواب كثيرة، من طرقها وبحث عن الأعمال التي تفتح أبوابها ، كان من الفائزين، وهذه أعمال صالحة من حافظ عليها سلك - بإذن الله - الطريق إلى الجنان ومنها:
- الإيمان بالله والعمل الصالح: قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 82].
- التقوى: وهي الالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].
- التوبة: وهي الرجوع عن معصية الله إلى طاعته، قال تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70].
- الاستقامة على دين الله، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].
- طلب العلم لوجه الله تبارك وتعالى: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة »؛ [صحيح مسلم].
- بناء المساجد، ففي صحيح البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَن بنى مسجدًا يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنة».
- حسن الخلق، قال صلى الله عليه وسلم: « أكثرُ ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج »؛ رواه الترمذي.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قال الله تعالى : { وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } سورة التوبة .
أما بعدُ ،الجنة يا عباد الله ؛ أعدها الله لعباده جزاءً لهم على ما قدموه في الحياة الدنيا من أعمال صالحة، وقد جعل الله لكل مؤمن نصيب مما فعل من أعمال صالحة، وذلك لقوله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} ، سورة الرعد، وقال صلى الله عليه وسلم: " إذا دَخَلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، قالَ: يقولُ اللَّهُ تَبارَكَ وتَعالَى: تُرِيدُونَ شيئًا أزِيدُكُمْ؟ فيَقولونَ: ألَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنا؟ ألَمْ تُدْخِلْنا الجَنَّةَ، وتُنَجِّنا مِنَ النَّارِ؟ قالَ: فَيَكْشِفُ الحِجابَ، فَما أُعْطُوا شيئًا أحَبَّ إليهِم مِنَ النَّظَرِ إلى رَبِّهِمْ عزَّ وجلَّ. " رواه مسلم.
يا عباد الله ، ومن الأعمال الصالحة التي توصلنا إلى الجنة :
- الذهاب إلى المسجد والعودة منه لأداء الصلوات، روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من غدا إلى المسجد أو راح، أعدَّ الله له في الجنة نزلًا كلما غدا أو راح».
- قراءة آية الكرسي دُبر كل صلاةٍ من الصلوات المكتوبة، عن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: « مَن قرأَ آيةَ الكُرسيِّ دُبُرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ، لم يمنَعْه مِن دخولِ الجنَّةِ إلَّا الموتُ »؛ (ابن حبان).
- الحج المبرور، قال صلى الله عليه وسلم: « الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة »؛ [أحمد].
- صلاة اثنتي عشرة ركعة كل يوم وليلة تطوعًا لله تعالى، عن أم حبيبة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَن صلى في يوم وليلة اثنتين عشرة ركعة، بُني له بيت في الجنة »؛ [رواه الترمذي].
- إفشاء السلام وإطعام الطعام وصلة الأرحام والصلاة بالليل، قال صلى الله عليه وسلم: « يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام »؛ [رواه ابن ماجه].
- القيام بتربية وإعالة البنات، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ الْجَنَّةَ كَهَاتَيْنِ، وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْه »؛ (الترمذي).
- كفالة اليتيم، روى الإمام البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وقال بإصبعيه السبابة والوسطى».
- عيادة المريض أو زيارة أخ في الله: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « من عاد مريضًا، أو زار أخًا له في الله، ناداه مناد: أن طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلًا »؛ [رواه الترمذي].
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.
اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشف مرضاهم، وعاف جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].