الطَّرِيقَةُ الْعَمَلِيَّةُ لِلرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ
أحمد بن عبدالله الحزيمي
الطَّرِيقَةُ الْعَمَلِيَّةُ لِلرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, الْحَمْدُ لِلَّهِ الشَّافِي المُعَافِي. الْحَمْدُ لِلَّهِ مُقَدِّرِ الْأَقْدَارِ وَدَافِعِ الْأَكْدَارِ, الْحَمْدُ لِلَّهِ مُجِيبِ الدُّعَاءِ كَرِيمِ العَطَاءِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا مُبَارَكًا يَلِيقُ بِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ.
وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّها النَّاسُ: اتَّقُو اللهَ, فَإِنَّ مَنِ اتَّقَ اللهَ, هَدَاهُ ووَقَاهُ فِي دِينِهِ ودُنيَاهُ.
عِبَادَ اللهِ: كَيفَ يَرْقِي الْمُسْلِمُ نَفْسَهُ؟ وَكَيفَ يَرْقِي غَيرَهُ؟
لَقَدْ أَقَرَّتِ الشَّرِيعَةُ السَّمْحَةُ الاسْتِرْقَاءَ وَالاسْتِشْفَاءَ, وَالتَّدَاوِي بِتِلَاوَةِ آيَاتٍ وَسُوَرٍ مِنَ القُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى الْأَمْرَاضِ الْجَسَدِيَّةِ، وَالنَّفْسِيَّةِ، وَمِنَ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَجَعَلَتْهَا أَسْبَابًا شَرْعِيَّةً صَحِيحَةً نَافِعَةً - بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى -، وَحَرِيٌّ بِكُلِّ مُسْلِمٍ أَن لا يَدَعَ الرُّقْيَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَالدُّعَاءَ فِي طَلَبِ الشِّفَاءِ وَدَفْعِ الْبَلَاءِ.
وَقَبْلَ أَنْ نَذْكُرَ طَرِيقَةَ الرُّقْيَةِ وَبَيَانَ كَيْفِيَّتِهَا لَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ وَالتَّأْكِيدِ عَلَى النِّقاَطِ التَّالِيَةِ:
لَا بُدَّ لِلرَّاقِي أَنْ يَسْتَشْعِرَ عَظَمَةَ آيَاتِ اللهِ, وَالتَّوَكُّلَ عَلَيهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْيَقِينِ أَنَّ الشِّفَاءَ بِيَدِ اللهِ وَحْدَهُ، وَأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ.
وَعَلَى الرَّاقِي كَذَلِكَ أَنْ يُوقِنَ بِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - وَحْدَهُ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى دَفْعِ الضُّرِّ وَهُو النَّافِعُ وَالشَّافِي، وَهَذِهِ الرُّقْيَةُ إِنَّمَا هِيَ سَبَبٌ لَا تَنْفَعُ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، فَلَا يُعَلِقُ بِهَا قَلْبَهُ، بَلْ يُعَلِّقُهُ بِاللهِ مَعَ فِعْلِهَا، حَتَّى يَنْتَفِعَ بِهَا بِإِذْنِ اللهِ - تَعَالَى -.
وَمِمَّا يَزِيدُ مِنْ أَثَرِ الرُّقْيَةِ: الدُّعَاءُ بِصِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ لِيُكْشَفَ عَنْهُ الضُّرُّ وَيُدْفَعُ عَنْهُ الْبَلَاءُ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، وَالابْتِعَادِ عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَأَذْكَارِ النَّومِ وَالاسْتِيْقَاظِ وَذِكْرِ اللهِ عُمُومًا.
عِبَادَ اللهِ:
الرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ مَا اجْتَمَعَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
أوَّلًا: أَنْ تَكُونَ بِكَلَامِ اللهِ أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَوِ الْمَأْثُورِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم -.
ثَانِيًا: ذَكَرَ شَيخُ الْإِسْلَامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ شَرْطًا، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ، فَكُلُّ اسْمٍ مَجْهُولٍ فَلَيسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَ بِهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ وَلَوْ عَرَفَ مَعْنَاهُ, لِأَنَّهُ يُكْرَهُ الدُّعَاءُ بِغَيرِ الْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُرَخَّصُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ، فَأَمَّا جَعْلُ الْأَلْفَاظِ الْأَعْجَمِيَّةِ شِعَارًا فَلَيسَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ .
ثَالِثًا: أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لَا تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا بَلْ بِتَقْدِيرِ اللهِ - تَعَالَى . -
فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ مُجْتَمِعَةً فِي الرُّقْيَةِ، فَهِي الرُّقْيَةُ الشَّرْعِيَّةُ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ تَكُنْ شِرْكًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
أَيُّهَا النَّاسُ:
وَإِنَّ أَنْفَعَ الرُّقْيَةِ وَأَكْثَرَهَا تَأْثِيرًا: رُقْيَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي النُّصُوصِ عَلَى عَكْسِ مَا اشْتُهِرَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ البَحْثِ عَنْ قَارِئٍ وَلَوْ كاَنَ عَامِيًّا أَوْ مُشَعْوِذًا .
وَإِنِ احْتَاجَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى مَنْ يَرْقِيهَا، وَكَانَ الرَّاقِي رَجُلًا فَيُفَضَّلُ أَنْ يَكُونَ مَحْرَمًا لَهَا, فَإِنِ احْتَاجَتْ لِغَيرِهِ، فَلَابُدَّ أَنْ يَكُونَ بِحُضُورِ مَحْرَمٍ مِنْ مَحَارِمِهَا, وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يَمَسَّهَا وَلَا يَخْلُو بِهَا.
أَيُّهُا الْمُؤمِنُونَ:
يَقُولُ سَمَاحَةُ الشَّيخِ ابنُ بَازٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ كُلُّهُ شِفَاءٌ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، وَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَهِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ, كَمَا قَرَأَهَا الصَّحَابِيُّ عَلَى اللَّدِيغِ لَمَّا مَرُّوا عَلَيهِ فِي بَعْضِ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ, قَرَأَ عَلَيهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بِسُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَكَرَّرَهَا، فَشَفَاهُ اللهِ، فَإِذَا قَرَأَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ وَقَرَأَ مَعَهَا آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ بَعْضَ الْآيَاتِ الْأُخْرَى كُلُّهُ طَيِّبٌ، وَإِذَا قَرَأَ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ حَسَنًا أَيْضًا وَمِنْ أَسْبَابِ الشِّفَاءِ، ا.ه
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ:
وَسُورَةُ الْفَاتِحَةِ مِنْ أَنْفَعِ مَا يُقْرَأُ عَلَى الْمَرِيضِ، وَذَلِكَ لِمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ السُّورَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ إِخْلَاصِ الْعُبُودِيَّةِ لِلَّهِ, وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَتَفْوِيضِ الْأَمْرِ كُلِّهِ إِلَيهِ وَالاسْتِعَانَةِ بِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيهِ.
يَقُولُ ابْنُ الْقَيِّمِ: مَرَّ بِي وَقْتٌ بِمَكَّةَ سَقِمْتُ فِيهِ وَفَقَدْتُ الطَّبِيبَ وَالدَّوَاءَ، فَكُنْتُ أَتَعَالَجُ بِهَا - أَي الْفَاتِحَةَ -، آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا، ثُمَّ أَشْرَبُهُ، فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التَّامَّ، ثُمَّ صِرْتُ أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْجَاعِ، فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الانتفاع.اهـ
فَاقْرَأْهَا -يَا عَبْدَ اللهِ- وَكَرِّرْهَا بِيَقِينٍ وَحُسْنِ ظَنٍّ بِاللهِ – تَعَالَى -.
وَمِنَ الرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ:
"آيَةُ الْكُرْسِيِّ"، أَعْظَمُ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللهِ، إِذَا قَرَأْتَهَا فِي اللَّيلِ -مِنْ عِظَمِهَا- لَمْ يَزَلْ عَلَيكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، كَمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، آيَةٌ لَا تُطْيقُهَا الشَّيَاطِينُ.
{وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}، أي: لَا يُعْجِزُ اللهَ حِفْظُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ، فِإِذَا كَانَ لَا يُعْجِزُهُ حِفْظُ السَّمَاواتِ وَالْأَرْضِ، هَلْ يُعْجِزُهُ حِفْظُ عِبَادِهِ وَشِفَاؤهُمْ وَدَفْعُ الضُّرِّ عَنْهُمْ؟
وَمِنَ الرُّقْيَةِ: قِرَاءَةُ آخِرِ آيَتَينِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهُمَا سَبَبٌ لِلْحِفْظِ لِمَنْ قَرَأَهُمَا.
قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَ بِهِمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ .مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وَمِمَّا يُرْقَى بِهِ الْمَرِيضُ أَيضًا: الْمُعَوِّذَاتُ (سُوْرَةُ الْإِخْلَاصِ، وَسُورَتَا الْمُعَوِّذَتَينِ)؛ فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ ... الْحَدِيث (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
وَكَانَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَ نَفَثَ عَلَيهِ ب بِالْمُعَوِّذَاتِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمِنَ الرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ: الرُّقْيَةُ بِالْأَدْعِيَةِ النَّبَوِيَّةِ، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ، مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ، اللهُ يَشْفِيكَ بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وكقوله: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنَ زَارَ مَريِضًا فَدَعَا لَهُ سَبْعًا: أَسْأَلُ اللهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيكَ، إِلَّا شَفَاهُ اللهُ".
وَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِكَ، وَقُلْ بِاسْمِ اللهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي الصَّحِيحَينِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَوِّذُ بَعْضَ أَهْلِهِ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ اليُمْنَى وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ البَاسَ، اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا»
وَكَقُولِهِ أَيضًا: «بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ، وَشَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ»، كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اشْتَكَى رَقَاهُ جِبْرِيلُ بِذَلِكَ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. .
وَكُلُّ مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ الثَّابِتَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ.
وَمِنَ الْوَارِدِ: النَّفْثُ فِي الْيَدَينِ وَمَسْحِ بَدَنِ الْمُصَابِ, وَالنَّفْثُ هُوَ نَفْخٌ لَطِيفٌ مَعَ بَعْضِ الرِّيقِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَهَا؛ فَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ عَظِيمِ لُطْفِكَ وَكَرَمِكَ وَسِتْرِكَ الْجَمِيلِ أَنْ تَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ وَمُبْتَلَى, وَتُمِدَّهُمْ بِالصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكِ إِلَّا إِلَيكَ، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٍ
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنِا مُحَمَّدٍ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ شِفَاءً لِمَا فِي الصُّدُورِ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ ذِكْرَهُ سَبَبًا لِلسَّعَادَةِ وَالسُّرُورِ, وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيرِ الْأَنَامِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِين، أَمَّا بَعْدُ:
لَا بُدَّ أَنْ نَعْلَمَ - أَيُّهَا الْأَحِبَّة - أَنَّ الرُّقْيَةَ مَعَ كَونِهَا سَبَبًا لِلشِّفَاءِ، فَقَدْ لَا تَنْفَعُ أَحْيَانًاً، لِكَونِهَا صَادَفَتْ مَحَلًّا غَيرَ قَابِلٍ لَهَا، كَأَنْ يَكُونَ الْمَرقِيُّ ضَعِيفَ التَّوَكُّلِ، غَيرَ مُوقِنٍ بِأَثَرِ الرُّقْيَةِ، أَوْ يَكُونَ وَاقِعًا فِي مُحَرَّمَاتٍ تَمْنَعُ اسْتِجَابَةَ دُعَائِهِ كَالتَّهَاونِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ أَكْلِ الْحَرَامِ مَثَلًا.
أَوْ يَكُونَ المَنْزِلُ مُشْتَمِلًا عَلَى مُنْكَرَاتٍ تَجْلِبُ الشَّيَاطِينَ وَتَمْنَعُ دُخُولَ المَلَائِكَةِ، كَالتَّمَاثِيلِ وَالصُّوَرِ الْمُعَلَّقَةِ وَالْكِلَابِ وَغَيرِهَا.
وَأَيضًا عَدَمُ اسْتِمْرَارِ الْمَرِيضِ عَلَى الْقِرَاءَةِ لِمُدَّةٍ تَكْفِي لِإِزَالَةِ الْمَرَضِ, سَوَاءً بِنَفْسِهِ أَوْ أَنْ يَقْرَأَ عَلَيهِ غَيرُهُ, فَكَمَا أَنْ الْأَدْوِيَةَ الْمَعْرُوفَةَ قَدْ يَحْتاَجُ الْإِنْسَانُ لِاسْتِعْمَالِهَا وَقْتًا قَصِيرًا وَقَدْ تَكُونُ مُدَّةً طَوِيلَةً, فَكَذَلِكَ الرُّقْيَةُ يَنْبَغِي مُرَاعَاةُ ذَلِكَ فِيهَا, فَلَا يَسْتَطِيلُ الْمَرِيضُ الْمُدَّةَ.
وَأَخِيرًا لَا بُدَّ مِنَ التَّذْكِيرِ بِالصَّبْرِ وَالاحْتِسَابِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ حَالَ الْعَبْدِ دَائِرَةٌ بَيْنَ, نِعْمَةٍ تُوْجِبُ الشُّكْرَ، أَوْ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ تُوْجِبُ الصَّبْرَ. فَإِنَّ مَن لَازَمَ الصَّبْرَ وَالاحْتِسَابَ، فَإِنَّه سَيَلْقَى جَزَاءَهُ عِنْدَ رَبِّهِ مَوْفُورًا, فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخَطَ فَلَهُ السَّخَط، كَمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. فَلَا تَزْهَدْ بِأَجْرِ الصَّابِرِينَ، وَاسْتَصْحِبْ هَذِهِ النِّيَّةَ، فَإِنَّكَ إِنْ خَسرْتَ شَيئًا مِنَ الدُّنْيَا فَسَتَرْبَحُ الْآخِرَةَ - بِإِذْنِ اللهِ -، وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيرٌ وَأَبْقَى.
اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضانا وَمَرْضَى الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهَمْ ما هُمْ فِيهِ، وَأَفْرِغْ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَهْلِيهِمْ صَبْراً، وَارْزُقْهُمْ الرِّضَى بِالقَضَاءِ، وَعَاجِلَ الشِّفاءِ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ
صلوا وسلموا....