الضرب في الحياة الزوجية .. لا يضرب خيارُكُم !
رشيد بن ابراهيم بوعافية
1434/06/25 - 2013/05/05 17:10PM
الضرب في الحياة الزوجية .. لا يضرب خيارُكُم !
معشر المؤمنين : من أعظم العلاقات الإنسانية التي صانتها الشريعةُ ورفعت قدرَها في الحياة علاقةُ الصحبةِ التي تكون بين اثنين ، ما تركت من شيء يحفظُها ويرفعها إلاَّ وجاءت به ودعت إليه ، وما تركت من شيء ينغِّصُها ويكدِّرُ صفاءَها إلاَّ وحذَّرت منه وشنَّعت عليه .
وللصحبة بين اثنين لذَّةٌ ومتعة وحلاوة حين يكونُ الأنسُ فيها و الاجتماعُ قائمًا على الحقائقِ و رعايةِ الحقوق والواجبات . . ! ، انظر إلى الحكماء حين قالوا :
هموم رجال في أمـــور كثيرة وهمي من الدنيا صديق مساعد
نكون كروحٍ بين جسمين قُسِّمت فجسماهما جسمان والروح واحد[1].
وانظر إليهم حين قالوا : " لقاء الإخوان جلاء الأحزان " [2].
واستمع إلى مصعب بن محمد- رحمه الله- وهو يقول : [خرجت مع أبي محمد المروزي نريدُ الحج ، وقد جعلته أميرًا عليَّ في الطريق ، قال : فكان إذا حضر الطعام يؤثرني فإذا عارضته بشيء قال : ألست الأمير ؟! ألم أشرط عليك أن لا تخالفني؟! " . قال : فكان هذا دأبَنَا حتى ندمت على صحبته ، لما يُلحقُ نفسه من الضرر ، فأصابنا في بعض الأيام مطر شديد ونحن نسير فقال لي: يا أبا أحمد اجلس عند تلك الصخرة ، فأقعدني في أصلها وجعل يديه عليها وهو قائم قد حنا عليَّ، وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر ، حتى تمنيت أني لم أخرج معه ، لما يلحق نفسه من الضرر ،فلم يزل هذا دأبَهُ حتى دخل مكة رحمة الله عليه " [URL="https://khutabaa.com/forums/"][3][/URL] !! .
أيها الإخوةُ في الله : هذه صحبة سفر ، فكيف بصحبة العمرْ .. ؟! ، هذا عن الصحبة بين صديقين يجتمعان مرَّةً أو مرَّاتٍ في اليوم ، أحدهما أميرٌ على الآخر ، ولكن انظُر كيف فهم الإمارة وكيف كان يطبِّقُها ! ، فكيف بالصحبة القائمة بين الزوجين ؟! ، وهي صحبة العُمر ، مبنيَّةٌ على الدوام والسير في مشوار الحياة الطويل ، بل هي اجتماعٌ دائمٌ بالليل والنهار ، وأحدهما أميرٌ على الآخر وقَوَّام ، أفليست هذه الصحبة أحقَّ أنواع الصحبة بأقوال الحكماء والعلماء والمربِّين..؟!
بلى و اللهِ أحبّتي ؛ إنَّها كذلك ، ألم يصف ربُّنا الزوجةَ بالصاحبة ؟! ، قال تعالى : ( وصاحبته و أخيه ) ( المعارج : 12 ) ، وقال سبحانه : ( وصاحبته و بنيه ) ( عبس : 36 ) . ولذلك سمَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم العلاقةَ بين الزوجين صحبة، وطلب من عليٍّ رضي الله عنه مراعاةَ حقوقَ تلك الصّحبةِ لمَّا زوَّجَهُ ابنتَهُ فاطمة - رضي الله عنها- ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" هي لك ، على أن تحسن صُحْبَتَهَا " [4].
أيها الإخوةُ في الله :
إن لم يكنْ لكم أسوةٌ صالحةٌ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم فبِمَن تُراكُم تقتدُون و تتأسّون ..؟! ، إن لم يكفِكُم ما اختارَهُ الله تعالى للنبيّ صلى الله عليه وسلم فأيُّ شيء سيكفيكم في الحياة..؟! .
تأمَّلُوا حياةَ الرَّجُلِ الشَّهمِ سيّدِ الرجال والأبطال ، هذا الذي جمعَ اللهُ له تسعَ نسوةٍ في الحياة، هل ضربَ واحدةً منهنَّ أو سبَّها أو شتمَها أو عابَ أصلها وفصلها ونسبها ..؟!، حاشَا و أبعد ! ، ما كان ذلك قط ، قال عائشة رضي الله عنها : " ما ضَرَبَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شيئا قَطُّ بيده ولا امْرَأَةً ولا خَادِمًا إلا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبِيلِ اللَّه .." . رواه مسلم (2328) .
سُئلت عنه زوجته عائشة- وهي صغيرةُ السّن رضي الله عنها- فقالت : " لم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحّشا [ ولا لعّاَنًا ولا سبَّابًا] ولا صخَّابا في الأسواق ولا يجزئُ بالسيئةِ السيئة ولكن يعفو ويصفح "(صحيح : جامع الترمذي 2016 - وما بين معكوفتين في الأدب المفرد 430 عن أنس )
وعن النعمان بن بشير قال : جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهي رافعةً صوتها على رسول الله ، فأذن له فدخل ، فقال : يا ابنة أم رومان - وتناولها - أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!.قال : فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها. فلما خرج أبو بكر جعل النبي [FONT="]صلى الله عليه وسلم يقول لها-يترضَّاها- : " ألا ترين أنِّي قد حلتُ بين الرجل وبينك؟!"، ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها . ." (الصحيحة:2901) . [/FONT]
هل ترى في هذا التصرُّف منه صلى الله عليه و سلم شيئًا من الضَّعف والعجز ؟! ،حاشا و أبعد ! ؛ بل هي الحكمة في أبهى صورها ، والقوَّةُ في أعلى معانيها . . !
فهل تُرى لكَ أسوةٌ بالنبيّ صلى الله عليه و سلم ؟! ، وهل سيكفيكَ ما اختاره الله لصفيّه وخليله من القوَّة الحقيقيّة في الحياة الزوجية . . ؟!
معشر المؤمنين : إنَّ ضرب النساء وسبَّهنَّ دليلٌ على ضعف الرَّجُل ، وأنَّه عاجزٌ عن لغة الإقناع والحوار وسياسة الحياة ، رُبّما فاقته المرأة في الذّكاء أو الخُلُقِ أو الإمكانيّات والمكانة الاجتماعيّة ، فإذا اختلفا لم يجِد سوى القُوّة الجسديّة معدِّلاً و مُحقّقًا للتوازُن ! ، وبئس التعديل والتوازُن ! . و إنَّ تركَ الضرب والإهانة – معشر الأحبّة - دليلٌ على النّضجِ و قُوَّة الشخصية ونفاذها وحسن سياسة الحياة . . ، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لقد طاف الليلة بآل محمد نساءٌ كثيرٌ كلهن تشكو زوجها من الضرب وايم الله لا تجدون أولئك خياركم " ( صحيح الجامع : 5137 ) .
الضرب والقهر - أحبّتي - وسيلةُ الضعفاء والمنهزمين في فرض ما يعتقدون بالقوة ، ألا ترى إلى فرعون حين غلبهُ موسى عليه السلام بالمنطق والحُجة ، قال :[FONT="]) لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين( (الشعراء :29) ، وقال حين أعجزته الحيلة : [FONT="])[/FONT] ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى( ، وقال في حق السحرة حين آمنوا واستسلموا لله رب العالمين :( آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى) ( طه71 ) ، هذا والله من ذاك ! ، لا فرق بين النفسيّتين أبدَا ! [/FONT]
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى ، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي و لكم من كل ذنب إنه غفور رحيم .
الخطبة الثانية:
الرجلُ مأمورٌ بمعالجة الأمور بالحكمة ، لا بالضرب والرفسِ والسبّ والشتم . . . فتلك حُجَّةُ الضعيف المنهزم . . !
مطالبٌ بحسن الاستماع إلى الزوجة وإشراكها في اتّخاذ القرار المناسب لسفينة الحياة ، لا أن يكونَ كفرعون لا يرى إلا نفسه ورأيه وقوَّته ، ولا يعرف من الكلام إلا :[FONT="]( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) ،و[FONT="]([/FONT] يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي )،و([FONT="][/FONT] لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِين ) . . ! [/FONT]
نكتفي بهذا القدر ففيه الكفاية لمن عَقَل، وفيه التنبيه لمن غفل، والتعليمُ لمن جَهل ، ولا يزالُ العبدُ بخير ما كان له واعظٌ من نفسه،وما كانت المحاسبة من همَّته . .
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا،وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان،واجعلنا من الراشدين.وصلى الله وسلم وبارك على محمد،وعلى آله وصحبه أجمعين. .
[1] - العقد الفريد:(2/80).
[2] - روضة العقلاء(ص89-90).
[3] -صفة الصفوة لابن الجوزي(4/148-149).
[4] - الصحيحة(166).[FONT="][/FONT]