الضباط الملتحون ... والإرهاب الوزاري

جابر السيد الحناوي
1433/08/20 - 2012/07/10 05:56AM
الضباط الملتحون ...
والإرهاب الوزاري
عباد الله :
في أعقاب ثورة 25 يناير2011 ظن البعض أن مبادئ الحرية التي رفعتها أصبحت واقعا في حياة الناس ، وأن الطاغوت قد ذهب إلي غير عودة ، وأن الغمة قد انزاحت إلي غير رجعة ، وأن في إمكان الناس مزاولة شعائر دينهم بحرية تامة ، دون أن يؤثر ذلك علي أرزاقهم ، فقامت مجموعة من ضباط الشرطة العاملين ، وأحسبهم علي دين والله حسيبهم ، قاموا بإعفاء لحاهم تنفيذا لسنة المصطفي صلى الله عليه وسلم " أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى" ( [1] ) إلا أن وزارة الداخلية ردت بإحالتهم إلى التأديب والاحتياط ، وقام الضباط الملتحون برفع دعاوى أمام القضاء الإداري اختصموا فيها وزير الداخلية لإصداره قرارا بإحالتهم للتأديب والاحتياط على خلفية قيامهم بإطلاق لحاهم ، مشيرين إلى أن المادة الثانية من الدستور قالت إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأنهم من هذا المنطلق قاموا بإطلاق لحاهم فضلا عن كون هذا الأمر يدخل في إطار الحريات العامة والحرية الشخصية.
وفي يوم الأربعاء الماضي الموافق 4/7/2012 قضت محكمة القضاء الإداري في القاهرة برفض دعوى لضابط ملتح ( [2] ) ، كان قد أقامها طعنا على قرار إحالته إلى الاحتياط ، وقالت المحكمة ، في أسباب حكمها أنه على ضباط وأفراد الشرطة الالتزام بالتعليمات والكتب الدورية الصادرة في هذا الشأن والخاصة بقصر الشعر وحلق اللحية ، ومن يقوم بغير ذلك من ضباط وأفراد الشرطة فقد خالف اللوائح ولم يلتزم بأحكام القانون ، واستشهدت المحكمة في حكمها بأن أئمة الإسلام قد اختلفوا في أمر إطلاق اللحية .
وأخوف ما أخاف أن يكون وراء هذا الحكم أبعادا سياسية ، إذ أنه يُذَكِّر بما حدث في تركيا بعد استيلاء جنرالات الجيش علي الحكم ، وإعلانهم علمانية الدولة ، وما تبع ذلك من محاربة كل ما يمت للإسلام بصلة ، ونحن لا ننسي نائبة البرلمان المسلمة التي نزعوا منها الجنسية التركية جزاء لها علي ارتدائها الحجاب الإسلامي .
عباد الله :
لقد ارتفع صوت العلمانية في مصر في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ ، والذي لا شك فيه أن لهم أتباع في كافة مصالح الدولة ، يغرسون بذور العلمانية بمكر ودهاء منقطع النظير ، وفي سرية كاملة ، وهذا هو ديدن هذه الحركات المتولدة عن اللوتاري الصهيوني ... ويركبون الموجة متي سنحت لهم الفرصة ... فهل هذا الحكم خطوة أولي علي سلم العلمانية ؟؟؟ وبسطها علي مناحي الحياة المصرية بالتدريج ؟؟؟
ذلك أن قرار وزير الداخلية مخالف للقانون والدستور، فإطلاق اللحية يعتبر من الحريات الشخصية ، التي لا تعوق الضابط عن أداء عمله، فضلا عن أن إطلاق اللحية لا يعد مخالفة لقانون الشرطة، كما أن المادة المتعلقة بالعقوبات المقررة حال مخالفة الواجبات الوظيفية لم تحدد على وجه الدقة طبيعة المخالفات التي يرتكبها الضابط ، وتكون سببا في إحالته إلى الاحتياط ومساءلته تأديبيا ، كل هذا بالإضافة إلى مخالفة قرار وزير الداخلية للمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّعت عليها مصر، وتنص على احترام الحريات العامة والخاصة، التي لا تضر بالمجتمع أو بالمواطنين.
كل هذه الأسباب تصم الحكم بأنه مخالف للدستور شكلا وموضوعا .
ومما زاد الطين بلة أن أزمة الضباط الملتحين دخلت منعطفا حادا ؛ بعد ما فوجئنا بصدور أحكام متضاربة ومتناقضة من محاكم القضاء الإداري في نفس الموضوع ... في نفس اليوم صدر حكم من محكمة القضاء الإداري بطنطا مختلف تماما عن حكم محكمة القضاء الإداري في القاهرة ( [3] ) إذ أكدت فيه على أحقيه رجال الشرطة في إطلاق لحاهم كما يشاءون .
عباد الله :
السؤال المهم هو: لماذا تحترم الشرطة الشوارب -- وتكره اللحى؟ في اعتقادي أن الشرطة التي كانت تحارب اللحية والملتحين خلال الأربعين سنة الماضية وترى في اللحية وصاحبها عدوين لأجهزة الأمن لا يستسيغ قادتها بين يوم وليلة أن يروا بعض رجالهم وقد ---- ازدانت وجوههم بنور اللحية،-- ما هو الضرر الذي يقع على الانضباط والمظهر من ترك -شباب الضباط المشتاقين لإطلاق اللحى أن يتركوا لحاهم .
اللحية - تعطي المواطن المصري زيادة في الاطمئنان عند تعامله مع الشرطة - لأن الضابط الملتحي لن يظلمه بتلفيق قضية ولن يأخذ منه رشوة ولن يتقاعس في الدفاع عنه ولن ينحاز إلى أحد الأطراف في أي قضية دون الآخر، الضابط الملتحي ياسادة فخر لوزارة الداخلية، فإذا كان الشارب كما يتخيل البعض يضفي هيبة على صاحبه فإن اللحية تشعر المجرم أن هذا الضابط خرج في سبيل الله لتحقيق رسالة الأمن وأنه يتمنى الموت في سبيل تحقيق أمن المواطن ، فلو تخيلنا المجرم وهو يواجه الضابط الملتحي لوجدنا الرعب يسيطر عليه أضعاف الضابط حليق اللحية.
وزارة الداخلية - في أشد الحاجة - الى مثل هؤلاء الضباط الشباب ومن غير المستساغ أن تحرم الوزارة من جهودهم في هذا الوقت ، ولا أن تحرمهم من المشاركة في استتباب أمن البلد ووضع نهاية لهذا الانفلات الأمني الرهيب
، لكن المشكلة أن المفتي الدكتور علي جمعة عارض إطلاق ضباط وجنود الشرطة لحاهم ما دام نظام الداخلية يمنع ذلك ، مع أن فتوي المنع هذه تتعارض مع الفتوي السابقة
للدكتور جاد الحق رحمة الله عليه حيث سبق له أن أفتي بحرمة إجبار ضباط الجيش علي حلق لحاهم ، وليس هناك فرق بين ضباط الجيش وضباط البوليس في تنفيذ أحكام الشرع ، كما أن فتوي الدكتور علي جمعة تخالف مخالفة صريحة المذاهب الفقهية الأربعة ؛ إذ أن :

1 - مذهب الحنفية : قال في الدر المختار : ويحرم علي الرجل قطع لحيته ، وصرح في النهاية قطع مازاد علي القبضة .
2 – مذهب المالكية : حرمة حلق اللحية وكذا قصها ، إذا كان يصل به مثلة ... كما يؤخذ من شرح الرسالة لأبي حسن وحاشيته للعدوى .
3 – مذهب الشافعية : يكره حلق اللحية كما جاء في شرح العباب ، واعترض ابن الرفعة بأن الشافعي نص في كتاب الأم علي التحريم . وقال الأزرعيي : الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها .
4- مذهب الحنابلة : نص علي تحريم حلق اللحية ، كقول صاحب الإنصاف كما يعلم من شرح المنتهي وشرح منظومة الآداب .
مما تقدم يعلم أن حرمة حلق اللحية هي من دين الله وشرعه ، وأن العمل علي غير ذلك سنة ضلالة ، أو فسوق وجهالة أو غفلة عن هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( [4] )
أقول للاخوة الضباط المحترمين لستم أقل شجاعة من شباب ثورة 25 يناير ، والذين واجهوا فرعون وهامان وجنودهما الخاطئين عارية صدورهم إلا من رعاية الحق ، فكان النصر حليفهم ... آية لأولي الالباب .
فليس عندكم عذر أمام الله في ترك أوامره وطاعته في قوله : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} ( [5] )
وليس لديكم عذر في معصية رسوله صلى الله عليه وسلم الذي : " أَمَرَنَا بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى " ( [6] ) فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، انما الطاعة في المعروف .
عباد الله :
لن يضر الشرطة شىء أن يطلق البعض لحاهم ، ولا داعي لمحاربة الناس في أرزاقهم بسبب تمسكهم بدينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ، ونحن لسنا أقل تدينا من دول الخليج حيث الضباط والجنود يطلقون لحاهم بمنتهي الحرية ، بل إن انجلترا نفسها وأمريكا لا يحظرون علي جنودهم وضباطهم اطلاق لحاهم .
اللحية لم تكن يوما عائقا عن العمل والانتاج بل ان المتمسكين بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هم اكثر الناس حرصا علي اتقان اعمالهم لان الوازع الديني هو الذي يحركهم. والضباط الملتحون شرف لوزارة الداخلية ، والتشبث بتوقيفهم عن العمل لهو شئ معيب وقمة في التعصب والتشدد ، فأين الموضوعية واين الحرية التي قامت ثورة 25 يناير من أجلها ضد الطغيان ، هل الحرية هي حرية الالحاد وحرية مخالفة الشريعه والسماح بجميع الحريات إلا لمن يريد الاسلام ، وهل أذنب الطالب الذي التحق بالشرطة ويريد أن يتبع نبيه صلى الله عليه وسلم بدعوي أن التقاليد واللوائح الشرطية والتي لا يساندها نص قانوني تمنع الضابط من اللحية .
إن هذا الوضع الشاذ يجب الا يستمر ، ... يجب أن يعود الضباط الملتحون إلي أعمالهم دون انتظار أية أحكام قضائية ، مع تعويضهم ماديا عن فترة احالتهم للإحتياط ... إنه من الشرف لوزارة الداخلية أن تحتضنهم خاصة في هذه الفترة التي نسعي فيها لإعادة هيكلة الشرطة وإصلاحها ، ونحن في أشد الحاجة إلي مثل هذه العناصر التي تتقي الله في عملها ، وإن كانت هناك قوانين تحول دون ذلك ، فالأمر سهل وميسور وفي يد وزير الداخلية ... فما عليه إلا أن يتقدم للسيد رئيس الجمهورية بمشروع مرسوم بقانون بإلغاء أي نص يكون من شأنه منع موظفي الداخلية من إطلاق لحاهم ، ثم يعرض بعد ذلك علي مجلس الشعب في أولي جلسات انعقاده .
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلي آله وصحبه أجمعين
ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين
[

[1] صحيح مسلم 2/ 70

[2] يدعى العقيد أحمد شوقي

[3] دعوى المقدم فضلي رقم 7310 لسنة 19 ق، أمام محكمة القضاء الإداري بطنطا

[4] كتاب الابداع نقلا عن حكم اللحية في الإسلام للشيخ محمد الحامد ص 10 ـ 11

[5] الأحزاب: 36

[6] سنن الترمذي 9/ 431


[7]
المشاهدات 2158 | التعليقات 0