الصلاة الوسطى 3-3-1446

محمد محمد
1446/03/02 - 2024/09/05 12:59PM

الصلاةُ الوسطى-3-3-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

رَجَعَ إلى أَهلِهِ بَعدَ غِيَابِ سِنينَ، مُشتَاقًا لِزَوجَتِهِ وبَنَاتِهِ والبَنينَ، فَلا بُدَّ يَومًا مِنَ الرُّجوعِ إلى الأَهلِ والمَالِ، والعَيشِ مَعَ الأحبابِ فِي رَاحةِ بَالٍ، فَكم قَد اغتَربَ كَثيرًا لِجَمعِ المَالِ الحَلالِ، حَتى بَنى مَنزِلًا جَميلًا يُؤوي الزَّوجةَ والعِيَالِ، فَمَا أَجمَلَها مِن لَحظَاتٍ وَهو قَادِمٌ إلى البِلادِ، وَكَانَ رُجُوعُهُ مُفَاجَأةً مَعَ هَدَايا الأَولادِ، وَلَكِنْ لِلأَسفِ عِندَمَا وَصَلَ إلى مَسكَنِهِ وَجدَ البَيتَ مَهدُومًا قَد أَصبَحَ رُكَامًا، وَوجَدَ الأَهلَ قَد مَاتُوا جَميعًا فَلا يَسمَعُ لَهُم حِسًّا ولا كَلامًا، فَيَا خَسَارةَ غُربَةِ السِّنينَ، ويَا مُنتَهَى الشَّوقِ والحَنينِ!      

أَيُّها الأحبَّةُ: تَأَمَلوا هَذَا المَوقِفَ لِمَنْ خَسَرَ مَالَهُ وَأَهلَهُ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلاةُ العَصْرِ، كَأَنَّما ‌وُتِرَ ‌أَهْلُهُ ‌وَمالُهُ"، فَهَل أَحسَسنَا بِهَذَا الإحسَاسِ الذي يَكَادُ يَقتَلِعُ القَلبُ مِنَ الضُّلوعِ، عِندَمَا تَفُوتُنَا صَلاةُ العَصرِ فِي جَمَاعةِ فِي وَقتِها المَشروعِ؟

وَهَذَا فِيمَنْ تَرَكَها نَاسيًا مَعذُورًا لا يَعلَمُ، وأَمَا مَن تَرَكَها مُتَعَمِّدًا فَالأمرُ أَعظَمُ، كَمَا قَالَ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُتَعَمِّدًا حَتَّى تَفُوتَهُ، فَقَدْ أُحْبِطَ عَمَلُهُ"، فَكَم هِيَ صَلاةٌ عَظيمةٌ، لَهَا مَكَانَةٌ كَريمَةٌ.

صَلاةُ العَصرِ هِيَ الصَّلاةُ الوُسطَى التي أَكَّدَ اللهُ تَعَالى بِالمُحَافَظَةِ عَليهَا خَاصَّةً، فَقَالَ-سُبحَانَهُ-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى)، وَقَد دَعَا النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-عَلى مَن شَغَلَهُ عَنهَا يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَقَالَ: "مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا، شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ"، فَمَا عُذرُ مَن يُفَرِّطُ بِهَا وَهو فِي أَمنٍ فِي الوَطَنِ، وعَافيَّةٍ فِي البَدَنِ؟

في كُلِّ صَلاةِ عَصرٍ يَحضُرُ مَلائكَةٌ كِرامٌ، ثُمَّ يَعرُجُونَ إلى ذِي الجَلالِ والإكرامِ، فَمَاذا يَسألُهُم؟ ومَاذا يُجِيبُونَ؟ قَالَ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَتَعَاقَبُ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ باللَّيْلِ ومَلَائِكَةٌ بالنَّهَارِ، ويَجْتَمِعُونَ في صَلَاةِ الفَجْرِ وصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وهو أعْلَمُ بهِمْ: كيفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فيَقولونَ: تَرَكْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ، وأَتَيْنَاهُمْ وهُمْ يُصَلُّونَ"، فَهَل كُنا فِي صُفُوفِ المُصلِّينَ أَم كُنا مِنَ الغَائبينَ المَحرُومينَ؟!

المحَافظةُ عَلى صَلاةِ العَصرِ مَعَ صَلاةِ الفَجرِ سَببٌ لِلنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، ودُخولِ الجَنَّةِ دَارِ الأَبرارِ، يَقُولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "لَنْ يَلجَ النَّارَ أَحدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها" يَعْني: الفَجْرَ والعَصْرَ، وقَالَ فِي الحَديثِ الآخَرِ: "مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ"، وَالبَرْدَانِ: الصُّبحُ والعَصْرُ، فَمَنْ حَافَظَ عَليهِمَا فِي الأَوقَاتِ، فَازَ فِي يَومٍ تَكثُرُ فِيهِ الخَسَاراتُ، (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ).

مَعَ صَلاةِ العَصرِ والفَجرِ دُخُولُ الجَنَّةِ لَيسَ نِهَايةَ المَطَافِ، وَإنَّمَا هُو بِدَايةُ النَّعيمِ والأَلطَافِ، نَظَرَ النَّبيُّ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: "إِنَّكُمْ ‌سَتَرَوْنَ ‌رَبَّكُمْ ‌كَمَا ‌تَرَوْنَ ‌هَذَا ‌الْقَمَرَ، لَا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا"، فَمَا هِيَ تِلكَ العَلاقُةُ الغَريبةُ بَينَ المحَافظةِ عَلى صَلاةِ العَصرِ والفَجرِ، وبَينَ رُؤيةُ وَجهِ اللهِ-تَعالى-فِي الجنَّةِ كَرؤيةِ البَدرِ؟

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فهُنَاكَ مَن يَأتي مِن عَملِهِ فَيَنامُ إلى قَبلِ المَغربِ، ثُمَّ يَقُومُ يُصلي العَصرَ خَفيفةً سَريعَةً، فَهَل تَعلَمونَ مَا هو اسمُ هَذِهِ الصَّلاةِ فِي أَحكَامِ الشَّريعةِ؟ إنَّهَا صَلاةُ المُنَافقِينَ كَمَا أَخبَرَ بِذَلِكَ سَيِّدُ المُرسَلينَ، فقالَ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "‌تِلْكَ ‌صَلَاةُ ‌الْمُنَافِقِينَ، ‌تِلْكَ ‌صَلَاةُ ‌الْمُنَافِقِينَ، ‌تِلْكَ ‌صَلَاةُ ‌الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ، حَتَّى إِذَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ، وَكَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَ أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا"، فَيَا مَنْ أَرادَ السَّلامَةَ في الدِّينِ، إيَّاكَ وَعمَلَ المُنَافقينَ.

صَلاةُ العَصرِ قَد أَضَاعتْهَا الأُمَمُ الخَاليَةُ، فَضَاعَفَ اللهُ أَجرَها لِهَذِهِ الأُمَّةِ العَاليَةِ، يَقُولُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-الْعَصْرَ بِالْمُخَمَّصِ، فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا، فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ"، قَالَ: وَالشَّاهِدُ: النَّجْمُ، يَعني بَعدَهَا وَقتُ نَهيٍّ عَن الصَّلاةِ حَتى تَغيبَ الشَّمسِ.

خَرجَ عُمرُ-رَضِيَ اللهُ عَنهُ-يَومًا إلى حِائطٍ لَهُ-بُستانٍ-، فَرَجَعَ وَقَد صَلَّى النَّاسُ العَصرَ، فَقَالَ عُمرُ: "إنَّا للهِ وإنَّا إليهِ رَاجِعونَ؛ فَاتَتني صَلاةُ العَصرِ في الجَمَاعةِ، أُشهِدُكم أنَّ حَائطي عَلى المَساكينِ صَدَقَةٌ"، فاللهَ اللهَ في صَلاةِ العَصرِ، قَبلَ أَن تَوَسَّدَ فِي القَبرِ، فَمَنْ فَرَّطَ فِيها فَمَا هُو العُذرُ؟ ما هُوَ العُذرُ؟

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.

سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ.

اللَّهُمَّ اغفرْ لنا وللمسلمينَ، وارحمْنا وارزقْنا.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.

اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.

اللَّهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، حسبُنا اللهُ ونِعْمَ الوكيلُ، لا إلهَ إلَّا هوَ عليهِ توكلنا وهو ربُّ العرشِ العظيمِ.

اللَّهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللَّهُمَّ إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللَّهُمَّ انصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.

اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا).

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1725530459_الصلاةُ الوسطى-3-3-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1725530460_الصلاةُ الوسطى-3-3-1446ه-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 395 | التعليقات 0