الصلاة الصلاة
عبدالرحمن اللهيبي
1444/10/08 - 2023/04/28 10:54AM
أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، اتَّقوا الله فإنّ تقواه أفضلُ مكتَسَب، وطاعتَه أعلى نسب، يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ .
أيّها المسلمون، لقد أنعَم الله عليكم بنعمٍ سابغة، وآلاء بالغة، وإنّ أعظمَ نعمةٍ وأكبرَ مِنّة هي نعمةُ الإسلام والإيمان، يقول تبارك وتعالى: "بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ " ألا وإنَّ من أظهرِ معالمِ الإسلام وأعظمِ شعائره الصلاة ، فهي ثاني أركان الإسلام ومن دعائمه العظام.
وهي بعد الشهادتين آكَدُ العبادات، وأعظم الطاعات وأجلُّ الواجبات، قال ﷺ : ((رأسُ الأمر الإسلام، وعمودُه الصلاة)) فمن حفِظ هذه الصلوات فقد حفِظ دينَه، ومن أضاعها فهو لما سواها أضيَع
هذه الصلوات المباركات جعلها الله قرّةً للعيون، ومفزعًا للمحزون، وقد كان رسول الهدى ﷺ إذا حزَبه أمرٌ فزع إلى الصلاة، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: ((وجُعِلت قرّةُ عيني في الصلاة)) فكانت سرورَ قلبه وسعادةَ فؤادِه
يا عباد الله: الصلاة هي أحسنُ ما قصده المرءُ في كلّ مهِمّ، وأولى ما قام به العبد عند كلِّ خطبٍ مدلهِمّ، الصلاة خضوعٌ لله وافتقار ، وخشوع واضطرار ، الصلاة تلاوة للقرآن، وذكر ودعاءٌ ، وتحميد وتسبيح وثناء ، الصلاة صلة ومناجاة لله ، يقول رسول الهدى ﷺ : ((إنَّ أحدَكم إذا كان في الصلاة فإنّه يناجي ربّه)) متفق عليه.
أيها المسلمون، الصلاةُ هي سرُّ النجاح، وأصلُ الفلاح وأوّلُ ما يحاسب عليه العبدُ يومَ القيامة ، فإن صلَحت صلاته فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدت فقد خاب وخسِر.
ومن حافظ على الصلاة كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافِظ عليها لم يكن له نورٌ ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ..
الصلاة يا مسلمون: نفحاتٌ ورحمات، وهِبات وبركات، وبها تَكفَّر السيئات، وترفَع الدرجات ، يقول رسول الهدى ﷺ : ((أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمسَ مرّات، هل يبقى من درنه شيء؟!)) قالوا: لا يبقى من درنه، قال ﷺ: ((فذلك مَثَل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهنّ الخطايا)) متفق عليه.
والله تعالى يقول: "وَأَقِمِ الصلاةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيّئَاتِ "
أيّها المسلمون، إنّ ممّا يندَى له الجبين ، ويجعل القلبَ مكدَّرا حزين، ما فشا في كثيرٍ من شباب المسلمين من تفريطٍ في الصلاة وتضييع ، فمنهم التاركُ لها بالكلّيّة، ومنهم من يصلّي بعضًا ويترك البقيّة ، ومنهم يضيع أوقاتها وينام عنها ، لقد خفّ في هذا الزمانِ عند بعض الناس ميزانها وعظُم هُجرانها ، يقول الزهري رحمه الله تعالى: دخلتُ على أنسِ بن مالك رضي الله تعالى عنه وهو يبكي، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: لا أعرفُ شيئًا مما أدركتُ على عهدِ رسول الله إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاةُ قد ضُيِّعت.
أيّها المسلمون، إنَّ من أكبر الكبائر وأبين الجرائر ترك الصلاة كسَلاً وتهاوُنًا ، وكذلك تأخيرها حتى تخرج عن وقتها تعمُّدًا ، يقول النبي ﷺ : ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقَد كفر)) ، ويقول ﷺ: ((بين الرجل والكفر ـ أو الشرك ـ تركُ الصلاة)) أخرجه مسلم
واللهِ يا مسلمون إنّ تفويت الصلوات لهو من أعظم المصائب بل هو أعظم من مصيبةِ سلب الأموال والضّيعات ، وفَقد الزوجة والبنين والبنات.
هل تظنون أني أبالغ في ذلك؟ إذن فاسمعوا ما قاله ﷺ : ((من فاتته صلاة فكأنما وُتر أهله وماله)) صححه ابن حبان. ولاحظوا أن هذا في صلاة واحدة فكيف بمن يُضَيِّعُ كثيرا من الصلوات!؟
وَقَالَ ـ ﷺ: " مَن تَرَكَ صَلاةَ العَصرِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ
وَقَالَ ـ ﷺ: " مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهَاوُنًا بها ، طَبَعَ اللهُ عَلَى قَلبِهِ " رَوَاهُ أَهلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ .
وقال ﷺ محذِّرًا: ((لا تتركنَّ صلاةً متعمِّدًا، فمن فعل ذلك فقد برئت منه ذمّة الله وذمّةُ رسوله)) أخرجه الطبراني ويقول عبد الله بن شقيق: كان أصحابُ رسول الله لا يرونَ شيئًا من الأعمال تركُه كفر غير الصلاة. أخرجه الترمذي.
فيا عبد الله، كيفَ تهون عليك صلاتُك وهي رأسُ مالك وبها يصحّ دينك وإيمانك؟!
كيف تهون عليك الصلاة وأنت تقرأ قول الله جل وعلا: فَوَيْلٌ لّلْمُصَلّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ؟!
فيا أيها المسلمون ويا شبابَ المسلمين:
أقيموا الصلاةَ لوقتِها، وأسبغوا لها وضوءَها، وأتمّوا لها قيامها وركوعَها وسجودها وخشوعَها ، تغفر لكم ذنوبكم ، وتنالوا من الصلاة ثمرتَها وبركتها وخيرها وفلاحها وراحتها وسعادتها ففي الحديث "مَن أَحسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلاَّهُنَّ لِوَقتِهِنَّ ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهدٌ أَن يَغفِرَ لَهُ " صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ
أيها المسلمون، ويا أيها الشباب إنّ التفريطَ في أمر الصلوات من أعظم أسبابِ البلاء والعناء ، ضَنْكٌ دنيويّ ، وشقاء أُخرويّ، وبالمحافظة على الصلاة تُيسر أمور المرء وتُقضى حوائجه ، ومن ضيع الصلوات ابتلي بِالشَّقَاءِ وَالضِّيقِ وفَسَدَت عَلَيهِ معيِشُته..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ "
أيّها المسلمون، جاءت الأدلّة الشرعيةُ الصحيحة الصريحة ساطعةً ناصعة متكاثرةً متضافرة على فضيلة صلاة الجماعة قال ابن مسعود رضي الله عنه: (مَن سرّه أن يلقى الله غدًا مسلِمًا فليحافِظ على هؤلاء الصلواتِ حيث يُنادَى بهنّ، ولو أنكم صلّيتم في بيوتكم كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته لتركتم سنّةَ نبيكم، ولو تركتم سنةَ نبيّكم لضللتم، ولقد رأيتُنا وما يتخلّف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتَى به يُهادَى بين الرجلين حتى يُقام في الصفّ) أخرجه مسلم.
يا شبابَ الإسلام، يا أصحابَ القوّة والفُتوَّة، هذا ابنُ أمّ مكتوم رضي الله عنه وأرضاه يُقْبِل على رسول الله ويقول: يا رسولَ الله، قد كبرت سنِّي ورقّ عظمي وذهب بصري، فهل تجد لي رخصةً أصلّي في بيتي الصلوات؟ فقال رسول الله : ((هل تسمعُ المؤذّن في البيت الذي أنت فيه؟)) قال: نعم يا رسول الله، قال: ((ما أجدُ لك رُخصةً )).
أيّها المسلمون، لقد كثُر المتخلِّفون في زمانِنا عن صلاةِ الجماعة في المساجد، رجالٌ قادرون أقوياء يسمَعون النداءَ صباحَ مساء، يسمعون حي على الصلاة حي الفلاح ثم لا يجيبون ، شُغِلوا عن الصلاة بلهوهم ولعِبهم، أو بفتورهم وكسلهم، أو بعملهم وكسبهم ، ولو كانوا يجِدون في الصلاة بالمساجد كسبًا ماديا، أو مرتبا ماليا، أو عطاء نقديا ، لرأيتموهم إليها مسرعين، ولندائها مذعِنين ، يقول ﷺ : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لو يَعْلَمُ أَحَدُكُمْ أنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ.)) متفق عليه.
عباد الله : إن لصلاة الجماعة من الفضائل ما يجعل المسلم يَثِبُ إليها شوقا وحبا ، وإن من أعظم الفضائل في المشي إلى الجماعات تطهير العبد من الذنوب، وتنقيته من السيئات، قال ﷺ : ((إلا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات، قالوا: بلى يا رسول الله ، فكان مما ذكر ﷺ: كثرة الخُطا إلى المساجد.
وقال ﷺ: (مَن راح إلى مسجدِ جماعةٍ فخُطوةٌ تَمحُو سيِّئةً وخُطوةٌ تَكْتُبُ حسنةً ذاهبًا وراجعًا)
ومما جاء فضائل صلاة الجماعة قوله ﷺ : ((من خرج من بيته متطهراً إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم)).
وقوله ﷺ: ((بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)) [صحيح ابن ماجه].
وقوله ﷺ : ((من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)).
وقوله ﷺ: ((ومن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي)).
أيّها المسلمون، اتقوا الله في أبنائكم قرّةِ عيونكم، وفلذات أكبادكم، فإنهم أمانةٌ في أعناقكم.
مروهم بالمحافظة على الصّلوات وحضور الجُمَع والجماعات، ورغِّبوهم ورهّبوهم، وشجّعوهم وحفزوهم وأعينوهم
نشِّئوهم منذ الصغر على حبِّ الدين وشعائر الإسلام وعلى طلب رضوان الله والدار الآخرة
قال تعالى: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى))
واحذَروا كل ما يصدّهم عن ذكر الله وعن الصلاة من سائر الملهِيات والمغرِيات
وملاك الأمر كله أن تتضرعوا إلى الله بالدعاء بإلحاح أن يُصلحَ أولادكم ، كما قال إبراهيم عليه السلام: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)
وختاما يا مسلمون: كونوا لأولادكم قدوةً صالحة ، ولْيَجعَلْ أحدُكم لِبَيتِهِ نَصِيبًا مِن صَلاتِهِ ، فَإِنَّ اللهَ جَاعِلٌ في بَيتِهِ مِن صَلاتِهِ خَيرًا " رَوَاهُ مُسلِمٌ.
ولنحرص يا مسلمون على أداء النوافل والسنن الرواتب فإنهن متممات لما يقع في الفرائض من النقص والخلل ، وإن المكثرين من نوافل الصلوات هم من أرفع الناس درجات يوم القيامة ومن النوافل صلاة الضُّحَى، وَقِيَامِ اللَّيْلِ ، وصلاة الْوِتْرُ وغيرها ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وبكثرة النوافل ينال المرء فضيلةً عظيمة وهي مرافقة النبي ﷺ في الجنة فقد سَأَلَهُ أحد أصحابه مُرَافَقَتَهُ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
اللهمّ أقِرَّ عيوننا وأسعِد قلوبَنا وأبهج نفوسَنا بصلاحنا وصلاح أهلينا وأبنائنا وبناتنا ، اللهم اجعلنا وذريّاتنا من المقيمين للصلاة، ربنا وتقبل دعاء.