الصَّلاةَ الصَّلاةَ 13/2/1444هـ
خالد محمد القرعاوي
1444/02/11 - 2022/09/07 18:01PM
الصَّلاةَ الصَّلاةَ 13/2/1444هـ
الحمدُ للهِ جعلَ الصلاةَ عمادَ الدِّينِ, وكِتَاباً مَوقُوتَاً على الْمؤمنينَ, قالَ عَنْها أَحكَمُ الحَاكِمِينَ: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).أَشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، الْمَلِكُ الحَقُّ الْمُبِينُ. وأَشهدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرسولُهُ, النَّاصِحُ الصَّادِقُ الأمينُ، آخِرُ وَصِيَّةٍ لَهُ: "الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ, وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ". الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبارك على مُحَمَّدٍ الأَمِينِ, وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ الْمَيَامِينِ والتَّابِعينَ لَهم وَمَن تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدَّينِ. أمَّا بعدُ: يا مسلمونَ، اتَّقوا اللهَ كُلَّ وقْتٍ وحينٍ, فَتقَواهُ أفضلُ مُكتَسَب ،وَطَاعتُهُ أعلى نَسبٍ, عبادَ اللهِ: نِعَمُ اللهِ علينا سَابِغَةٌ، أعظَمُها نعمةُ الإسلامِ والإيمانِ، أَلا وإنَّ من أظهَرِ مَعالِمِ دِينِينَا وَأَعظَمِ شَعَائِرِه, الصَّلاةَ الْمَفرُوضَةَ, ركنُ الدِّينِ وَفرِيضَةُ اللهِ على الْمُسلمينَ، فَلا دِينَ لِمَن لا صلاةَ له، ولا حظَّ في الإسلامِ لِمَنْ تَرَكَها وأهمَلَها, هي أَوَّلُ مَفرُوضٍ, وأَعظَمُ مَعرُوضٍ, وأجلُّ طَاعةٍ وأَرْجَى بِضَاعَةٍ، من حفِظها حفِظَ دِينَهُ وأمانَتَهُ، ومن أَضاعَها فهو لِمَا سِواها أضيَعُ، هيَ رأسُ الأَمَانَةِ، يقولُ عنها النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «رَأسُ الأمْرِ الإسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةِ سِنَامِهِ الجِهادُ». كلُّ الفَرَائِضِ أَنزَلَهَا اللهُ تعالى على رَسولِهِ إلاَّ الصَّلاةَ، فإنَّهُ سُبحانَهُ أصعَدَ رسولَهُ إليها، فَعَرَجَ بهِ إلى السَّماءِ السَّابِعَةِ، حتى رَفَعَهُ إلى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى, ثُمَّ فَرَضَ عَلَيه خَمْسينَ صَلاَةً كُلَّ يَوْمٍ وليلَةٍ, فَرَاجعَ رَبَّهُ فَسَأَلَهُ التَّخْفِيفَ لأُمَّتِهِ, فَوَضَعَها اللهُ عَنه عَشْرَاً عَشْرَا, حتى أَمَرَهُ بِخَمْسِ في الفعلِ, وخَمسُونَ في الأجرِ, وإذْ بِمُنَادٍ يقولُ: أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي
.عبادَ اللهِ: الصَّلاةُ الْمفرُوضَةُ, هيَ أَوَّلُ ما يُحاسَبُ عليه العبدُ يومَ القِيامَةِ قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ القِيَامَةِ الصَّلاةُ، فَإِنْ صَلُحَتْ صَلُحَ لَهُ سَائِرُ عَمَلِهِ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَسَدَ سَائِرُ عَمَلِهِ». مَن تَركَ صلاةً مُكتوبةً مُتعمِّدَاً مِن غيرِ عُذرٍ فقد بَرِئت منه ذِمَّةُ اللهِ .ولقد كان أصحابُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لا يرَون شيئَاً مِن الأعمالِ تركُهُ كُفرٌ غيرَ الصَّلاةِ، وفي ذلِكَ قال النَّبِيُّ الأعظَمُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ إِلاَّ تَرْكُ الصَّلاَةِ».
الصَّلاةُ يا مؤمنونَ: عُنوانُ الفلاحِ وطريقُ النَّجاحِ:(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)إلى قولِهِ:(وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) إعْلانُ الصَّلاةِ والنِّدَاءُ لَهَا: أَكبَرُ وَسيلَةٍ لِحِفظِ الأَمنِ والقَضَاءِ على الجَرِيمَةِ، وأنفَعُ وَسيلَةٍ لِلتَّربيةِ على العِفَّةِ والفَضِيلَةِ, كَمَا قَالَ أَصدَقُ القائِلِينَ:(وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ).مَنْ حَافَظَ عَليها في بُيُوتِ اللهِ وَجَمَاعَةِ الْمُسلِمينَ كانت له نُورَاً وبُرهاناً, وَوَجَبَتْ له الجَنَّةُ. يَقولُ رَسُولُ الهُدى صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرَاً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ» قَالُوا لاَ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيءٌ. قَالَ: «فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا». الصَّلاةُ بَابٌ لِلرِّزقِ والخَيراتِ, وَهِيَ الْمَفزَعُ عِند الكُرُبَاتِ! قَالَ اللهُ تَعَالىَ:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). روى الطَّبَرَانِيُّ في صَحيحهِ, أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: «تَحتَرِقُونَ تَحتَرِقُونَ! فَإِذَا صَلَّيتُمَ الصُّبحَ غَسَلَتْهَا, ثُمَّ تَحتَرِقُونَ تَحتَرِقُون، فَإِذَا صَلَّيتُمَ الظُّهرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحتَرِقُونَ تَحتَرِقُون فَإِذَا صَلَّيتُمَ العَصْرَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحتَرِقُونَ تَحتَرِقُون, فَإِذَا صَلَّيتُمَ الْمَغرِبَ غَسَلَتْهَا، ثُمَّ تَحتَرِقُونَ تَحتَرِقُون فَإِذَا صَلَّيتُمَ العِشَاءَ غَسَلَتْهَا ثُمَّ تَنَامُونَ فَلا يُكتبُ عَليكُم حتى تَستَيقِظُوا». وَمَعنَاهُ أنَّكم: تَحتَرِقُونَ بِكَثرَةِ الذُّنُوبِ والمعاصي! فَتُكَفِّرُها بحمدِ اللهِ الصَّلواتُ الخَمسُ. وفي الْمتَّفَقِ عليه أنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ».
فَيَا أيُّها الآبَاءُ الكِرَامُ: احْرِصُوا على أولادِكُمْ وَرَدِّدوا: (رَبَّنَا اجْعَلْنَا مُقِيمِي الصَّلاةِ ومن ذُرِّياتِنَا رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ).أَقولُ قَولِي هَذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم, مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ وتَقصِيرٍ، فاستغفِرُوه وتُوبوا إليه، إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبةُ الثانية
:الحمدُ للهِ غافرِ الزَّلاتِ، يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ. أَشهدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، رَبُّ الأرضِ والسَّمواتِ, وأَشهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُه، شَهادةً نَرجوا بِها النَّجاةَ من الدَّرَكَاتِ، اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وَبَارِكْ عليهِ, وعلى آلِهِ وَصحبِهِ ومَن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمَمَاتِ. أمَّا بعدُ: فاتَّقوا اللهَ يا مُسلِمونَ وأَطِيعُوهُ، وراقِبُوهُ ولا تَعصُوهُ.
يا مُؤمِنُونَ: مَن أَردَ الحِفظَ والتَّوفِيقَ, فَليُحافِظ على الصَّلواتِ الخَمْسِ مع جَمَاعَةِ المُسلمينَ، فإنَّ رَسُولَنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَةَ الصُّبْحِ فَهْوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ». أَهْلُ الصَّلاةِ لا خَوٌفٌ عَلَيهم وَلا هُمْ يَحزَنُونَ, قَالَ اللهُ تَعَالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).أَهْلُ الصَّلاةِ: بُرَآءُ مِنَ النَّارِ والنِّفَاقِ، قالَ رَسُولُنا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى أَربَعِينَ يَومَاً الصَّلَوَاتُ فِي جَمَاعَةٍ لا تَفُوتُهُ تَكبِيرَةُ الإِحرَامِ كَتَبَ اللهُ لَهُ بَرَائَتَينِ: بَرَاءَةً مِنَ النِّفَاقِ، وَبَرَاءَةً مِنَ النَّارِ». مِنْ أَعظَمِ ثَمَراتِها أنَّكَ سَتَرَى اللهَ تَعَالى فِي الآخِرَةِ، قَالَ جَرِيرٌ رضي اللهُ عنهُ::كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرَ فَقَالَ:« إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا». ثُمَّ قَرَأَ:(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) .أَهْلُ الصَّلاةِ: يَكسُوهم نُورٌ في الوَجْهِ, وراحَةٌ في القَلْبِ، وَصَلاحٌ في البَدَنِ, وانْشِراحٌ في النَّفْسِ والرُّوحِ، ولازِلنا بحمدِ اللهِ نُشاهِدُ, أُناساً من أهلِ الْمَسَاجِدِ يَكسُوا مُحيَّاهُمُ البِشْرُ والفَلاحُ, بل لا نَزالُ بِحمدِ اللهِ, نُشاهِدُ شَباباً, إذا حَضَرَتِ الصَّلاةُ, أوقَفوا سيَّارَاتِهم وصَفُّوا مع الْمُصَلِّينَ! فللهِ الحمدُ والْمنَّةُ, فَيَا شَبَابَ الإسْلامِ لا يُشْغِلَنَّكُمْ عن الصَّلاةِ أيَّ شَغْلٍ فَاجْعَلُوها هِيَ المُقَدَّمَةُ على كُلِّ الأشْغَالِ, وَلا تُجَامِلُوا فِي أدَائِهَا فِي وَقْتِهَا أحَدَاً! فَإنَّها أُمُّ العِبَادَاتِ, وَنَهْرُ الحَسَنَاتِ, وَعَمُودُ الدَّينِ وَشِعَارُهُ, وَأُسُّهُ ودِثَارُهُ, واللهُ تَعَالَى يَقُولُ:(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
فيا عبدَ الله: حَافِظْ على عَهدِ اللهِ إليكَ, مَهمَا قَصَّرتَ وَأَخْطَأْتَ فَحَافِظ عليها, مَهمَا عَصَيتَ وارتَكبتَ فَحَافِظ عليها, فواللهِ إنَّها سَتَنهَاكَ عن كُلِّ فَحْشَاءٍ ومُنكَرٍ, ولو بعدَ حينٍ! وَفَّقَنِي اللهُ وإيَّاكَ لِمَرَاضِيهِ، وَجَعَلَ مُستَقبَلَنا خَيرَاً مِن مَاضِيهِ. اللهمَّ أقِرَّ عُيونَنا وأَسعِدْ قُلوبَنَا, بِصلاحِ شَبَابِنَا وَفَتَيَاتِنَا، اللهمَّ اجعلنا وذُرِّيَاتِنَا مُقيمِي الصَّلاةِ، رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعَاءَنَا، اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والْمسلمينَ, وانصر إخوانَنَا الْمُستَضعفِينَ, اللهمَّ وفِّق ولاتَنَا لِمَا تُحبُّ وتَرضَى أعنهم على البرِّ والتَّقوى أصلح لهم البطانة وأعنهم على أداءِ الحقِّ والأمانة, وانصُرْ جُنُودَنَا وَاحفظْ حُدُودَنَا, واغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات اغفر لنا ولوالدينا, رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق