الصلاة .. الصلاة يا عباد الله ..
عبدالله محمد الطوالة
الحمدُ للهِ العليُّ العظيمُ، الغنيُّ الكريم، القويُّ الحليمُ .. {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ..
وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ العزيزُ العليم، {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} ..
وأشهدُ أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولهُ، ومُصطفاهُ وخليلهُ، النبيُ الأمِّيُ الكريم، أرسلهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، وبالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيمٌ، ﷺ وبارك عليه وعلَى آلهِ وأصْحابِهِ أولي النهجِ القويمِ، والخُلقِ الكريمِ، والتابعينَ ومن تبعهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فـ{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوٰكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ}، اتقوا الله فـ{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}، اتقوا الله فـ{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ} ..
معاشرَ المؤمنينَ الكرام: تعلمون وفقكم الله: أن عبادةَ اللهِ تعالى هيَ الغايةُ من خلقَ المخلوقين جميعاً، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، ولأجل هذه الغاية العظيمة أَرسلَ اللهُ الرُّسُلَ، وأنزلَ الكتُبَ، وبشَّرَ القائِمينَ بها فقالَ جلَّ وعلا: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .. وتوعَّدَ المُستكبِرينَ عنها، فقالَ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} ...
والصلاةُ يا رعاكم الله: ركنُ الدِّين الرَّكِينِ، وفريضةُ اللهِ الثابتةُ على المسلمين، وآخرُ ما يُفقدُ من الدِّين، وآكدُ وصايا سيدِ المرسلين ..
الصلاة يا عباد الله: أُنسُ المؤمِنين، وقرةُ عينِ الموحدين، ومِعراجُ المتّقين .. الم تسمعوا قول الصادقِ الأمين: «وجُعِلَت قُرَّة عيني في الصلاة» ...
الصلاةُ أيها الموفقون: مُستراحُ الأروح، ومفتاحُ الأرباح، وطريقُ النَّجاح والفلاحِ، تأمل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، وكيفَ لا يفلِحونَ وهم سيَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ...
الصلاةُ يا أهل الصلاة: نورٌ في القلب، وانشراحٌ في الصدر، وطمأنينةٌ في النفس، وضياءٌ في الوجه، وزكاءٌ في العقل، وقوةٌ في البدن، وبركةٌ في العمر، وسِعة في الرزق، تأمل: { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} ..
الصلاة أيها المباركون: تَكفَّيرٌ للسيئات, ومضاعَفُةٌ للحسنات،ورفَعُةٌ في الدرجات, تأمل: {وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ طَرَفَىِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَـٰتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيّئَـٰتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذكِرِينَ} ...
الصلاةُ أُيها الموفقون: علاجٌ للخطوب، وتحقيقٌ للمطلوب، وتفريجٌ للضيق والكروب .. تأملوا: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} .. وتأملوا أيضاَ: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}، ولذا كان المصطفي ﷺ: إذا حزبهُ أمرٌ فزِعَ إلى الصلاة .. يقول: أرحنا بها يا بلال ..
فهَذِهِ العِبَادَةُ العَظِيمَةُ، وَالشَّعِيرَةُ المباركة الجليلة، كنزٌ عظيمٌ من الأجورِ والحسناتِ المُضاعَفةِ، والفضائلِ والبركاتِ المتتابعة، من بدايتها إلى نهايتها، وفي كلِّ حالٍ من أحوالها ..
تأملوا يا عباد الله: فمن سمعَ المؤذنَ وردَّدَ معهُ ما يقولُ من قلبه, دَخَلَ الجَنَّةَ، ومَن قَالَ حِينَ يَسمَعُ النِّدَاءَ اللهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ القَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابعَثْهُ مَقَامًا مَحمُودًا الَّذِي وَعَدتَهُ، حَلَّت لَهُ شَفَاعَة النبي ﷺ يَومَ القِيَامَةِ، ومَن قَالَ حِينَ يَسمَعُ المُؤَذِّنَ أَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسلامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنبُهُ "، وكُلُّ ذلك ثابت في الأحاديث الصحيحة ..
فإذا قامَ ليتوضأ، فإن ذنوبَ كُلِّ عضوٍ يغسِلهُ، تخرجُ مع قطراتِ الماء حَتَّى يَخرُجَ في نهاية وضوئهِ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ، ومن تَوَضَّأ فَاسبِغَ الوُضُوءَ ثُمَّ قال أَشهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ فُتِحَت لَهُ أَبوَابُ الجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدخُلُ مِن أَيِّهَا شَاءَ"، وكل ذلك في صحيح مُسلِمٌ .. فإذا مشى إلى الصَّلاةَ، لم يَخطُ خَطوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ بها دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدخُلَ المَسجِدَ، ومَن غَدَا إلى المَسْجِدِ أو رَاحَ، أعَدَّ اللَّهُ له نُزُلَاً مِنَ الجَنَّةِ كُلَّما غَدَا أوْ رَاحَ .. وَإِذَا دَخَلَ المَسجِدَ كَانَ في صَلاةٍ مَا كَانَت الصلاة تَحبِسُهُ، وَتُصَلِّي عَلَيهِ المَلاَئِكَةُ مَا دَامَ في مَجلِسِهِ الَّذِي يُصَلِّي فيهِ: اللهُمَّ اغفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارحَمْهُ، مَا لم يُحدِثْ .. والدُّعَاءُ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لا يُرَدُّ .. وكُلُّ ذلك في الصحيح ..
وَأَمَّا الصَّلاةُ نَفسُهَا فَكُلُّهَا حَسَنَاتٌ في حسنات، ورفعةٌ في الدَرَجَات، وَتَكفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، قَالَ ﷺ: "أَرَأَيتُم لَو أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُم يَغتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَومٍ خَمسَ مَرَّاتٍ هَل يَبقَى مِن دَرَنِهِ شَيءٌ" قَالُوا: لا يَبقَى مِن دَرَنِهِ شَيءٌ، قَالَ: "فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمسِ، يَمحُو اللهُ بِهِنَّ الخَطَايَا"، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "مَا مِن امرِئٍ مُسلِمٍ تَحضُرُهُ صَلاةٌ مَكتُوبَةٌ فَيُحسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلاَّ كَانَت كَفَّارَةً لما قَبلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لم يُؤتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهرَ كُلَّهُ"، ومَن وافَقَ تأمينُه تأمينَ الملائكةِ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِن ذَنبِه، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "عَلَيكَ بِكَثرَةِ السُّجُودِ للهِ؛ فَإِنَّكَ لا تَسجُدُ للهِ سَجدَةً إِلاَّ رَفَعَكَ اللهُ بها دَرجَةً، وَحَطَّ عَنكَ بها خَطِيئَةً"، وأقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ، ومَن صَلَّى العِشَاءَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبْحَ في جَمَاعَةٍ فَكَأنَّما صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ .. ولو يَعْلَمُ الناسُ ما في العَتَمَةِ والصُّبْحِ، لَأَتَوْهُما ولو حَبْوًا .. ومن صلى البردَين دخلَ الجنة، ومن صلى الصبحَ فهو في ذمَّة الله .. وكُلُّ ذلك ثابتٌ في الاحاديث الصحيحة ...
فإذا سلًّم المسلمُ مِن صَلاتِهِ، فبين يديه أذكارٌ ميسورة، أُجورها عظيمةٌ موفورة، ما بين تسبيحٍ وتحميدٍ وتكبيرٍ، فتغفرُ بها خطاياهُ وإن كانت مثل زبدِ البحر، ويُرفعُ بها الدرجاتِ العُلا، ومَن قَرَأَ آيَةَ الكُرسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ لم يَمنَعْهُ مِن دُخُولِ الجَنَّةِ إِلاَّ أَن يَمُوتَ .. ثم هناكَ الرواتبُ المسنونة: فـمَا مِن مُسلِمٍ يُصَلِّي للهِ تَعَالى في اليوم ثِنتَي عَشرَةَ رَكعَةً تَطَوُّعًا غَيرَ فَرِيضَةٍ، إِلاَّ بَنَى اللهُ لَهُ بَيتًا في الجَنَّةِ .. ومن صلَّى قبلَ الظُّهر أربعًا، وبعدَها أربعًا حرَّمهُ اللهُ على النَّار .. ورحِمَ الله امرأً صلَّى قبلَ العصر أربعًا، وكل ذلك ثابتٌ في الصحيح ...
فالصَّلاةَ أيها المسلمون: نَبعُ غَنِيٌّ بِالحَسَنَاتِ، وَنَهَرٌ غمرٌ مِنَ الأُجُورِ والدرجات، وَسَيلٌ متدفقٌ مِنَ الفَضَائِلِ والبركات ..
فَاتَّقُوا اللهَ يا عباد الله وَاستَبِقُوا الخَيرَاتِ، وَتَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ العَجزِ وَالكَسَلِ عَنِ الطَّاعَاتِ، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اركَعُوا وَاسجُدُوا وَاعبُدُوا رَبَّكُم وَافعَلُوا الخَيرَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} ..
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، إنه هو ...
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده اللذين اصطفى ..
أما بعد: فاتقوا الله وكونوا من الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ..
أيها المؤمنون الكرام: من أرادَ أن يعرفَ قدْرهُ ومنزلتهُ عند اللهِ تعالى، فلينظر إلى قدر هذه الصلاةِ ومنزلتِهَا عندهُ، سواءً بسواء.. فكلُّ الفرائض يا عباد الله: نزلَ بها جبريلُ عليه السلامُ على الرسولِ ﷺ في الأرضِ، إلاّ الصلاة، فقد عُرجَ بالرسولِ ﷺ إلى السّماء السّابعةِ، هناكَ عندَ سِدرةِ المنتهي، يخاطبُ اللهُ تعالى نبيهُ الكريمَ ﷺ مُباشرةً وبلا واسِطٍه، فيفرِضُ عليهِ وعلى أُمتهِ هذه الصلاة، فأيُّ منزلةٍ، وأيُّ شأنٍ، وأيُّ قدرٍ عظيمٍ لهذه الصلاة عند الله ؟! ..
إنها عمادُ الدينِ وشِعارهُ، وأُسّهُ ودِثارهُ، من حفِظها حفِظَ دينَهُ, وكانت لهُ نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامةِ، ومن ضيَّعها فهو لما سِواها أضيَع .. صَلاحُها صَلاحٌ لبقيةِ الأعمال، وفسادُها فسادٌ لبقيةِ الأعمال ...
الصلاة أيها المباركون: هي الفيصلُ بين الإيمانِ والكفر، لا يقبلُ اللهُ من عبدٍ صرفاً ولا عدلاً إلا إذا أقامها، لا دِينَ لمَن لا صلاةَ له، ولا حظَّ في الإسلامِ لمَن تركَ الصّلاة .. هكذا يقول الله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} .. وجاءَ في صحيح مُسلمٍ أنّ النبيَّ ﷺ قال: "ليس بينَ الرّجل والكفرِ أو الشرك إلاّ تركُ الصّلاة"، وفي البخاري قال ﷺ: "من فاتتهُ صلاةٌ فكأنما وُتِرَ أهلَهُ ومالَهُ"، والصلاةُ هي آخرُ وصاياه عليه الصلاة والسلام، يقولُ وهو يلفِظُ أنفاسهُ الأخيرة: "الصلاةَ، الصلاةَ، وما ملكت أيمانُكم" .. أما الصحابةُ فكانوا لا يرَونَ شيئًا مِن الأعمالِ تركُهُ كُفرٌ غيرُ الصّلاةِ .. بل قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا حظَ في الإسلام لمن ترك الصلاة" ...
فلا واللهِ, لا يُفرِّطُ فيها بعدَ ذلك إلا مخذولٌ محرومٌ .. وذلك من أعظمِ أسبابِ دُخولِ النَّارِ، فحِينَ يُسأَلُ المجرمون: {مَا سَلَكَكُم في سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ المُصَلّينَ} ..
وتاركُ الصلاةِ يا عباد الله: موعودٌ بالضَنْكِ الدُّنيويّ والعذابُ الأُخرويّ، {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلَـوٰةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوٰتِ فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيًّا} .. وقال ﷺ: "من تركَ الصلاةَ لقيَ اللهَ وهو عليهِ غضبانٌ"، ويقولُ ﷺ مُحذِّرًا ومُنذِرًا: "لا تتركنَّ صلاةً متعمِّدًا، فمن فعلَ ذلكَ فقد برئت مِنهُ ذمّةُ اللهِ وذمّةُ رسولِه" .. بل جاءَ في حديثٍ مُتفقٍ عليه، قال ﷺ: "لقد هممتُ أن آمرَ بالصلاة فتُقام، ثمّ آمرَ رجلاً يُصلِّي بالناس، ثمّ أنطلِقُ معيَ برجالٍ معهم حزَمٌ من حَطبٍ إلى قومٍ لا يشهدونَ الصلاة، فأحرّقَ عليهم بيوتهم بال نار" ..
فالأمرُ جِدُّ خطيرٌ يا عباد الله: وقد صحَّ أن النبي ﷺ قال: "من سمعَ المناديَ بالصلاة فلم يمنعهُ من اتِّباعه عذرٌ لم تُقبَل منهُ الصلاةَ التي صلّى"، قيل: وما العذرُ يا رسول الله؟ قال: "خوفٌ أو مرض" .. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "لأن تمتلئ أذُنا ابنِ آدمَ رصاصًا مُذابًا خيرٌ لهُ من أن يسمعَ النداءَ ولا يجيب" .. وعن علي رضي الله عنه قال: "لا صلاة لجار المسجدِ إلا في المسجد، قيل: ومن هو جارُ المسجد؟ قال: من سمعَ الأذان" ..
فيا أيها المضيعونَ لصلاةِ الجماعة، يا أيها الهاجرون لبيوتِ الله .. إلى متى يا رعاكُم اللهُ تتخلفون، وحتى متى تسوفُون وتؤجلُون .. {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} .. لقد حصْحصَ الحقُّ لولا صَمَمُ القلوب، ولقد اتضحَ السبيلُ لولا كدَرُ الذُّنوب ..
أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَحَافِظُوا عَلَى صلاة الجماعة .. {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} .. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ..
أيّها المسلمون، إنّما ثمرةُ الاستماعِ الانتفاع، ودليلُ الانتفاعِ الاتّباع، فكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} ..
اللهم صل على محمدٍ في الأولين .. وأرضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، ابي بكرٍ وعمر و...
اللهم أصلح أحوال المسلمين، واجعلنا وإياهم هداة مهتدين ..
اللهم آمنا في أوطاننا ...
وكما بدأنا الكلام مُثنين على ربنا، ولهُ حامدين, ولأنعمهُ ذاكرين، فنختمُ بذكره مُسبحين، ولحسنُ بلائه شاكرين ..
وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ..