الصلاة أولا

أحمد عبدالعزيز الشاوي
1445/09/11 - 2024/03/21 10:42AM

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور وأشهد ألاإله إلا الله وحده لاشريك له إنه هو الغفور الشكور وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله العابد الشكور الصبور ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم النشور وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واحمدوا الله على دوام النعم واستمرار العطاء.

الصيام يبلغكم السلام ويشكركم على مظاهر التعظيم والاحترام

الصيام يتذكر من يسأل عن قطرة العين ومن يتحرج من الغرغرة في نهار رمضان والصيام لاينسى من تسأل عن تذوق الطعام ومن تسأل عن التحليل ومن تسأل عن بقايا من ريح البخور ومن حكم مرطب الشفاه وعن صحة صيام من استيقظ محتلما

أسئلة المستفتين تشعرك باهتمام الناس بالصيام وحرصهم على الكمال والتمام

ويأتي الحج وعشره لتجد من يسأل عن شعرة سقطت وعن ظفر انكسر ، وعن حصاة في الجمرة لم تسقط وعن طواف خلا من تقبيل الحجر

أسئلة تعبر عن الاحترام والحرص على التمام

وإن المسلم ليسعد بهذه الروح الحساسة تجاه عبادة ربها ويسر بتلك المواقف التي ترسم صور الاهتمام ومظاهر الاحترام

لكن يتألم القلب حينما يجد أن من يسألون عن الغرغرة في الصيام ألسنتهم تلوك اللحوم الميتة وتفري في أعراض المسلمين ومن يسألون عن قطرة العين تتدنس أعينهم بالنظر إلى ماحرم الله ومن  تتحرج من تذوق الطعام تخالط الرجال وتخضع في الكلام ، ومن يسالون عن شعرة سقطت لايبالون بحلق اللحا ، ومن يسألون عن اثر الاحتلام في الصيام لايجيبون نداء الله للصلاة والفلاح

إن دين الله جزء لايتجزأ ، وهو شعائر وأحكام ففيها الواجب والأوجب وفيها الفرض والمستحب وفيها الحرام والمكروه ، وإن الله لايقبل نافلة حتى تؤدى فريضة ، وليس من دين الله الإغراق في الجزئيات والتفريط في الضروريات

وإذا كانت الأمة تظهر احترامها وتعظيمها للصيام والحج ، فإن السؤال الأكبر : اين تعظيمها لفرض أولى وأهم ألا وهو الصلاة التي لم يكن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئا تركه كفر إلا إياها

أي معنى يحققه الصيام لمن ترك الصلاة ، واين التقوى من قوم ينامون عن إجابة نداء الله

إن مما يدمي القلب ويدمع العين ويؤجج الصدر بنار الأسى والأسف أنه ما من مسجد من مساجدنا – غالباً - إلا وترى بيوتاً من أمامه ومن خلفه وعن يمينه وشماله، بيوتاً سكانها مسلمون رضوا بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد نبياً ورسولاً، يتفيأون ظلال نعم الله قد خلت حياتهم من كل أعذار المخلفين لكنهم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، يجلجل في آذانهم صوت المنادي حي على الصلاة حي على الفلاح فلا يجيبون. أفلا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين.

صرنا نراهم في رمضان يملأون المساجد .. ثم يتناقصون ويعودون إلى مانهوا عنه من التخلف وترك الجمع والجماعات

صرنا نرى فريقا يرون في قرة العين هما ثقيلا فيسارعون إلى أداء الصلاة فور الأذان في مشاهد تنبيء عن عدم استشعار لعظمتها وروحانيتها وعدم استكمال لشروطها وواجباتها والخشوع فيها

أين هؤلاء عن هدي نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو يرسم في لحظات حياته الأخيرة مشهدا من حب الصلاة والتعلق بها قولا وفعلا ، وأين هؤلاء عن هدي أسلافهم المقتدين بنبيهم والذين سطروا في حب الصلاة والشوق إليها صورا تعجز الكلمات عن تصويرها

لاأظن أن هؤلاء يفتقدون الدليل على وجوب الجماعة وفضلها وأثرها ولذتها وثمارها .. ولاأظنهم ممن يخفى عليه أن التخلف من صفات أهل النفاق الذين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى وأثقل الصلاة عليهم صلاة العشاء والفجر ولايخفى عليهم أن من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر.

لاأظن هؤلاء ممن يخفى عليه حال من حرموا صوت الأذان ويتمنون إجابة النداء فكم من مسلم في بلاد كافرة يحرم من سماع هذا النداء، وكم من ميت لم يعد يجيب نداء التوحيد، وكم من مريض يحن إلى تلبية ذاك النداء ولكن حيل بينهم وبين مايشتهون

لاأظن هؤلاء يجهلون أن رسول الله ﷺ لم يعذر أحداً في تركها، ولم تطب نفسه بالتخلف عنها وهو يصارع سكرات الموت. فكان الحبيب فداه أبي وأمي إلى يغتسل حتى يفيق ثم يغمى عليه ثلاث مرات حرصا على إجابة نداء الله.

هل يجهل هؤلاء أن النبي الرحيم الشفيق لم يعذر عبدالله بن أم مكتوم وهو رجل أعمى لا قائد له، وبيته بعيدة عن المسجد وطريقه محفوف بالمتاعب والمخاطر، ويكون جوابه: هل تسمع النداء، إذن فأجب لا أجد لك رخصة.

ألا يشعر هؤلاء أنه حينما لم نقم الصلاة ضاقت الصدور وكثرت العلل وفسدت النفوس وتسلطت شياطين الإنس والجن وحينما فرطت الأمة في الصلاة قست القلوب وتبلدت الأحاسيس وضعف شعور المسلمين برابطة العقيدة والإحساس بمآسي إخوانهم المسلمين

ألا يرى هؤلاء أنه حينما لم تقم الأمة الصلاة كثرت الفحشاء والمنكر لأن الله قال وهو أصدق القائلين ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ومعنى ( أن تصلي ) هو أن ترحل عن خطاياك إلى الله وتخرج من دركات العادة إلى درجات العبادة وستجد أن ماكان يأسرك من المحرمات بالأمس ويملأ عليك قلبك نزوة ورغبة هو من أبغض الأشياء إليك اليوم

إن الصلاة سفر من الأرض إلى السماء فأنى لمنازل السلام أن تصطدم بنوازل الحرام

فياحسرة على العباد لو يدركون ماهذه الصلوات ، وياحسرة ثم حسرة على نابتة من ابناء الإسلام تعددت بهم السبل من هنا وهناك وتفرقت بهم الأهواء وأضاعوا هذه الصلوات خشوعها ومواقيتها وجمالها ( أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات فسوف .. )

ياليت هؤلاء يفيقون قبل يوم الحسرة يوم التغابن يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون. فأي عاقل يرضى لنفسه هذه المهانة وتلك الفضيحة وذلك المصير الأليم.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

 

الخطبة الثانية .. أما بعد:

فإن المسلم الغيور وهو يرى حال الناس اليوم مع أعظم أركان الإسلام بعجد الشهادتين حيث يرى الصفوف في الصلاة عامة وفي الفجر خاصة خاوية إلا قليلاً ممن رحم الله، فيتمثل قول الله : يا حسرة على العباد ، فيالله ماذا أصاب أهل الإسلام، وماذا دهى أمة خير الأنام.

إن الدين النصيحة ومنزلة الصلاة من الدين كما لا يخفى على كل مسلم فالواجب كل واحد منا هو التناصح والتعاون في سبيل إقامة هذه الشعيرة، فكل منا مسؤول عن إخوانه المسلمين ومطالب بالقيام على من تحت يده من ذرية نصحاً له ووقاية لهم من عذاب الله.

رأى مالك بن دينار رجلاً يسيء صلاته، فقال: ما أرحمني بعياله، فقيل له. يا أبا يحيى، يسيء هذا صلاته وترحم عياله، قال: إنه كبيرهم ومنه يتعلمون.

إننا ونحن نذكر بالمرارة والأسى صوراً لإخوان لنا هانت عليهم هذه الشعيرة العظيمة تبعاً لاستهانتهم بالله فما قدروا الله حق قدره... ونحن إذ نوجه لهم نداء بتدارك حالهم قبل حلول مآلهم، ونتفاءل كثيراً باستجابتهم لنداء الله ودعوة الحق ونصح الناصحين.... فنحن في الوقت ذاته نكبر في إخوان لنا شيباً وشباباً حرصهم على إقامة هذه الشعيرة حيث ينادى بها. فلله در قوم لم تفقدهم بيوت الله، وتحية إكبار وإعزاز لكل مسلم سمع نداء الله فلبى النداء، ودعاء خالص لكل من أجاب الدعاء.

إن المسلم ليشعر بالغبطة وهو يرى شباباً وصغاراً يهرعون إلى بيت الله لا يمنعهم حر ولا برد، ولا يحول دون استجابتهم لذة ولا شهوة، إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى.

فيا من قلبه معلق بالمساجد، وأنت تهب من فراشك مسرعاً تركت لذة المنام ولين الفراش تردد مع المؤذن ما يقول، ثم تسير إلى الصلاة بخطوات متئدة، وربما في برد قارس وظلام دامس، لا حرمك الله الأجر وكتب خطواتك، ألا فأبشر بخير عظيم بشرك به النبي المصطفى ﷺ بقوله: «بشروا المشائين بالظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».

ألا فلا عزاء للمتخلفين وقولوا لهم، فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار وسوف تذكرون آثار التقصير والإصرار.

يامعشر الصائمين ، لا تغتروا بما يردده فئة من الكسالى القاعدين والمرجفين وأنصاف المتعلمين من عبدة العقل وزاعمي التجديد والتنوير ممن يريدون زعزعة دور المسجد وإضعاف صلة المسلم به وإنشاء جيل من المسلمين لا يرتبط بإخوانه ولا يتمسك بمبادئه مرددين بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة مستندين إلى أقوال شاذة، ومؤولين النصوص على غير حقيقتها ومتتبعين الرخص اتباعاً للهوى وإيثاراً للكسل، ولست أدري ماذا سيقولون عن فعل محمد ﷺ في سكرات الموت وعن موقفه من ابن أم مكتوم ومن المتخلفين عن الصلاة، وليت شعري متى يدركون لماذا ولمن بنيت المساجد

الحق أحق أن يتبع وإن غداً لناظره قريب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

اللهم صل وسلم ..

المرفقات

1711006953_الصلاة أولا.doc

المشاهدات 605 | التعليقات 0