الصديق صفاته وضوابطه وثمراته
صالح العوفي
أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوْا اللهَ وَرَاقِبُوه، وأَطِيْعُوهُ ولاَ تَعْصُوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].
عباد الله: إن الإنسان وهو يسير في مراحل حياته فيها، يحتاج إلى صديق يؤانسه ، ويسلي وحدته ، يعينه عند نزول الملمات ، ويقويه عند المدلهمات، يفرح لفرحه ويحزن لحزنه، صديق أصاب من الدين أوفره ومن الأدب أكثره، جمع الله له بين الدين والخلق.
إنه الأخ المسلم الناصح المشفق، صاحب الخلق والدين.
والصديق الخلوق المستقيم، نعمةٌ ومنة، قال الحق سبحانه : (لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)[الأنفال:63].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أقربكم مني مجلسًا أحاسنكم أخلاقًا الموطَّئون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون" [رواه الطبراني وصححه الألباني].
أخي المسلم: إن التحاب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات، و من أعظم الطاعات وكنز من الحسنات.
واعلم أنه لا يصلح للصحبة كل أحد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" [رواه أبو داود، والترمذي بإسناد صحيح، وحسنه الترمذي .
فالإنسان يكون في الدين، والخلق على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير؛ صار منهم، وإن صاحب سواهم؛ صار مثلهم. [شرح رياض الصالحين، لابن عثيمين رحمه الله].
واتخذ صاحباً فيه خمس خصال: أن يكون ذا دينٍ و عاقلاً، حسن الخلق، وعادلاً، وغير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا.
وقد أثنى الله جل وعلا على الصحبة الطيبة وجعلها سببًا لدخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"[رواه مسلم].
وانظر إلى موقف الأخلاء من بعض يوم القيامة، وهو أهم المواقف وأعظمها شأنًا، قال جل وعلا يصف حالتهم: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)[الزخرف:67].
إخوة الإيمان : وفي تصوير عجيب ووصفٍ دقيق للصحبة وأثرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا منتنة"[رواه مسلم].
وقال علي رضي الله عنه: "عليكم بالإخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة، ألا تسمع قول أهل النار: (فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)[الشعراء:100-101].
وللأخوة حقوق، قد ذكرها عطاء بن ميسرة، بقوله: "تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذكروهم.
قال المأمون: "الإخوان ثلاثة: أحدهم: مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه، والآخر: مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت، والثالث: مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط، ولكن العبد قد يبتلى به، وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع".
وازهد في صحبة أهل الشقاق والنزاعات والخصومات، وقلل خلطتك مع من لم يظبط لسانه ومَقاله وفِعاله بضوابط الشرع ، ومن لم يتزن بعقل وإنصاف .
الأخلاء الصالحين، يتصدقون عن صاحبهم، ويدعون له، ويترحمون عليه و يدعون له بالمغفرة.
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
قال مالك بن دينار: كل جليس لا تستفيد منه خيرًا فاجتنبه.
ولا تفرطن في صحبة صالحٍ من الصالحين، فرب خيرٍ أو دعوةٍ سيقت إليك من قبله وأنت لم تحسب لها حساباً .
قال بعض الناصحين: لا تصحب من الناس إلا من يكتم سرك، ويستر عيبك، فيكون معك في النوائب، ويؤثرك بالرغائب، ينشر حسنتك، ويطوي سيئتك، فإن لم تجده فلا تصحب إلا نفسك.
قال الشافعي:
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديقٌ صَدُوقٌ صادِقُ الوعدِ مُنْصِفا
فعليك باختيار صديقك الذي يقوم لك دينك وينصح لك حين تستشيره، ويعدلك لك سيرك ومسيرتك، ، وهم الذين قال الله فيهم: (الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[العصر:3].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التوبة:119].
قلته فاستغفروه....
الخطبة الثانية:
الحمد لله، أما بعد:
أخا الإيمان: إذا أجدبت الأرض، وضاقت المسالك، وادلهمت الخطوب وتاهت الدروب، هناك يظهر لك الأخ الصادق الوفي، تستأنس برأيه، وتتقوى بهمته، يهون عليك المصيبة، ويخفف عليك ما أثقل كاهلك.
أما إذا اخضرت الأرض وابتسمت لك الدنيا، فالكل أصحاب وأحباب!!
كان بعض السلف يتفقد عيال أخيه بعد موته أربعين سنة، فيقضي حوائجهم.
الله أكبر، أين نحن من هؤلاء؟!
وللرفيق حقوقٌ وللصديق واجبات، وقد ذكر سعيد بن العاص ذلك بقوله: لجليسي علي ثلاث: إذا دنا رحبت به، وإذا حدث أقبلت، وإذا جلس أوسعت له.
وقد ذكر الله عز وجل بعضًا من تلك الصفات الحميدة بين المؤمنين، فقال تعالى: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح:29] إشارة إلى الشفقة والإكرام.
وقال صلى الله عليه وسلم: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره "[رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].
هذه صحبة الأخيار، ورفقة الصالحين تناديك، فهي عون لك في الشدائد، ومنبه لك عند العثرات، إعانة على الخير وتواصي بالصبر، فالزم أهل الخير والنقى، وجاور أهل الفلاح والتقى.
وأخرج أبو داود في سننه بسند حسن عن أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ: "لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ".
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : "هذا عند أهل العلم طعام الصُّحبة، أما طعام الضيافة فلا يُشترط فيها التَّقي، لكن التَّزاور بين الناس والتَّواصل يكون بين المؤمنين وبين الأخيار، ويجتنب صحبة الأشرار والفُجَّار، ولا يكون طعامه إلا للأخيار والأتقياء، أمَّا ما يتعلق بالضّيفان: فالضيف يكون تقيًّا ويكون غير تقيٍّ؛ فالضيوف لهم حقّهم مطلقًا". اه
ومعنى الحديث: أن صحبتك الذين تجالسهم وتخالطهم كثيراً ينبغي أن يكون من الأخيار وأما ما يتعلق بالضيفان فلهم حق مطلقاً، ولا يشترط في الضيف أن يكون تقياً .
شبابنا: ومصاحبة كبار السن، أهل الدين والعقل والحكمة.، تورث الحكمة والخبرة .
ثم صلوا وسلموا على الهادي البشير .